أفضل المواقع الشيعية
دعاء في الصلاة على رسوله (ص)
 
السجادية

الدعاء مطابق للمصدر

الصحيفة
 

وكان من دعائه (عليه السلام) في الصلاة على رسول الله (صلى الله عليه وآله):

وَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي مَنَّ عَلَيْنَا بِمُحَمَّدٍ نَبيِّهِ صَلَّىٰ ٱللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ دُونَ الأُمَمِ الْمَاضِيَةِ وَالْقُرُونِ ٱلسَّالِفَةِ، بِقُدْرَتِهِ الَّتِي لاَ تَعْجِزُ عَنْ شَيْءٍ وَإِنْ عَظُمَ، وَلاَ يَفُوتُهَا شَيْءٌ وَإِنْ لَطُفَ، فَخَتَمَ بِنَا عَلَىٰ جَمِيعِ مَنْ ذَرَأَ، وَجَعَلَنَا شُهَدَاءَ عَلَىٰ مَنْ جَحَدَ، وَكَثَّرَنا بِمَنِّهِ عَلَىٰ مَنْ قَلَّ،

ـــــــــــ

الشرح: (وَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي مَنَّ عَلَيْنَا بِمُحَمَّدٍ نَبيِّهِ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) فإن بعث النبي في أمة من أكبر المنن، إذ هو موجب لسعادة الأمة دنياً وآخرة، وقد قال سبحانه: ﴿لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً [1] (دُونَ الأُمَمِ الْمَاضِيَةِ) فلم يبعثه إليهم (وَالقُرُونِ) جمع (قرن)وهو مدة من الزمان لتقارن أعمال الجيل فيها كمائة سنة مثلاً (ٱلسَّالِفَةِ) من سلف بمعنى: مضى (بِقُدْرَتِهِ الَّتِي لاَ تَعْجِزُ عَنْ شَيْءٍ) أي أن إرسال الرسول فينا كان بقدرته الكاملة (وَإِنْ عَظُمَ) ذلك الشيء، فإن قدرته تعالى عامة لجميع المقدورات (وَلاَ يَفُوتُهَا شَيْءٌ) أي لا يتمكن شيء من الانفلات عن قدرته تعالى (وَإِنْ لَطُفَ) ورقّ، وهذا بخلاف الإنسان الذي قدرته لا تشمل الدقائق وإنما تشمل الأشياء الكبار، مثلاً لا يرى المكروبات ويرى الأشياء الكبيرة وهكذا (فَخَتَمَ بِنَا) بأن جعلنا خاتم الأمم (عَلَىٰ جَمِيعِ مَنْ ذَرَأَ) أي من خلق من الأمم السابقة (وَجَعَلَنَا شُهَدَآءَ عَلَىٰ مَنْ جَحَدَ) وأنكر الإسلام، كما قال سبحانه: ﴿لتكونوا شهداء على الناس [2] (وَكَثَّرَنٰا بِمَنِّهِ عَلَىٰ مَنْ قَلَّ) كما قال سبحانه: ﴿واذكروا إذ كنتم قليلاً فكثركم [3] ولعل المراد بمن قل الكفار الذين كانوا في حوزة المسلمين تحت جزيتهم بعد أن كانوا سادة.

ـــــــــــ

أللّهُمَّ فَصَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ أَمِينِكَ عَلَىٰ وَحْيِكَ، وَنَجِيبِكَ مِنْ خَلْقِكَ، وَصَفِيِّكَ مِنْ عِبَادِكَ إِمَامِ الرَّحْمَةِ، وَقَائِدِ الْخَيْرِ، وَمِفْتَاحِ البَرَكَةِ،

ـــــــــــ

(أللّهُمَّ فَصَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ أَمِينِكَ عَلَىٰ وَحْيِكَ) فإن الرسول (ص) كان أميناً لا يزيد في الوحي ولا ينقص (وَنَجِيبِكَ) أي مختارك (مِنْ خَلْقِكَ) حيث اختاره سبحانه لحمل الرسالة وأدائها (وَصَفِيِّكَ) أي الذي اصطفيته واخترته (مِنْ عِبَادِكَ) جمع عبد (إِمَامِ الرَّحْمَةِ) فإن الرحمة كانت تتبعه (ص) كما يتبع المأموم الإمام، أو الإضافة بيانية كقوله: ﴿وما أرسلناك إلاّ رحمةً للعالمين [4] (وَقَائِدِ الْخَيْرِ) فكما يقود القائد الأنعام كذلك كان الرسول (صلى الله عليه وآله) يقود الخير إلى الناس (وَمِفْتَاحِ البَرَكَةِ) البركة الدوام والثبات على الشيء الحسن، والرسول مفتاحها لأنه الدال عليها والفاتح لأبوابها على الناس، كما يفتح المفتاح الباب لينعم الناس بالدار وما فيه.

ـــــــــــ

كَمَا نَصَبَ لأَمْرِكَ نَفْسَهُ، وَعَرَّضَ فِيكَ لِلْمَكْرُوهِ بَدَنَهُ، وَكَاشَفَ فِي ٱلدُّعَاءِ إِلَيْكَ حَامَّتَهُ، وَحَارَبَ فِي رِضَاكَ أُسْرَتَهُ، وَقَطَعَ فِي إِحْياءِ دِينِكَ رَحِمَهُ، وَأَقْصَىٰ الأَدْنَيْنَ عَلَىٰ جُحُودِهِمْ، وَقَرَّبَ الأَقْصَيْنَ عَلَىٰ ٱسْتِجَابَتِهِمْ لَكَ، وَوٰالَىٰ فِيكَ الأَبْعَدِينَ وَعَادىٰ فِيكَ الأَقْرَبِينَ،

ـــــــــــ

(كَمَا نَصَبَ لأَمْرِكَ نَفْسَهُ) أي صلِّ على الرسول في مقابل أنه أتعب لبلاغ الرسالة نفسه الكريمة (وَعَرَّضَ فِيكَ) أي لأجلك وفي ذاتك (لِلْمَكْرُوهِ) من الآلام (بَدَنَهُ) الشريف، فكان يجاهد ببدنه ويبذله في مرضاته تعالى (وَكَاشَفَ) أي أظهر العداوة (فِي ٱلدُّعَاءِ إِلَيْكَ) أي بسبب الدعوى إلى دينك (حَامَّتَهُ) هي الخاصة والعشيرة، فإن الرسول (ص) عادى قريشاً لأجل الدعوة الإسلامية (وَحَارَبَ فِي رِضَاكَ أُسْرَتَهُ) أي عشيرته (وَقَطَعَ فِي إِحْيٰاءِ دِينِكَ رَحِمَهُ) فإنه (صلى الله عليه وآله) قاطعهم (وَأَقْصَىٰ الأَدْنَيْنَ) جمع أدنى: وهم الأقارب، أي بعدهم عن نفسه (عَلَىٰ جُحُودِهِمْ) أي لأجل كونهم جاحدين لله سبحانه (وَقَرَّبَ الأَقْصَيْنَ) أي الأباعد، قربهم (صلى الله عليه وآله) إلى نفسه (عَلَىٰ ٱسْتِجَابَتِهِمْ) أي لأجل إجابتهم لدعوة الإسلام (لَكَ) يا رب كما بعّد أبا لهب وقرّب سلمان (وَوٰالَىٰ) أي أحب وناصر (فِيكَ) أي لأجلك (الأَبْعَدِينَ) الأبعد رحماً: من لا رحم له منه (صلى الله عليه وآله) (وَعَادٰى فِيكَ الأَقْرَبِينَ) ممن كان يجمعهم وإياه القرابة، كل ذلك لأنه (صلى الله عليه وآله) لم يرد إلا مرضاته ودعوة دينه غير مبال لشيء آخر إطلاقاً.

ـــــــــــ

وَأَدْأَبَ نَفْسَهُ فِي تَبْلِيغِ رِسَالَتِكَ، وَأتْعَبَهَا بِٱلدُّعاءِ إِلَىٰ مِلَّتِكَ، وَشَغَلَهَا بِٱلنُّصْحِ لأَهْلِ دَعْوَتِكَ، وَهَاجَرَ إِلَىٰ بِلاَدِ الغُرْبَةِ وَمَحَلِّ ٱلنَّأْيِ عَنْ مَوْطِنِ رَحْلِهِ، وَمَوْضِعِ رِجْلِهِ، وَمَسْقَطِ رَأْسِهِ، وَمَأْنَسِ نَفْسِهِ، إِرَادَةً مِنْهُ لإِعْزَازِ دِينِكَ، وَٱسْتِنْصَاراً عَلَىٰ أَهْلِ الْكُفْرِ بِكَ، حَتَّىٰ اسْتَتَبَّ لَهُ مَا حَاوَلَ فِي أعْدَائِكَ،

ـــــــــــ

(وَأَدْأَبَ) أي أتعب (نَفْسَهُ فِي تَبْلِيغِ رِسَالَتِكَ) إلى الناس (وَأتْعَبَهَا بِٱلدُّعٰاءِ) أي الدعوة (إِلَىٰ مِلَّتِكَ) أي طريقتك ودينك (وَشَغَلَهَا بِالنُّصْحِ لأَهْلِ دَعْوَتِكَ) أي كان (صلى الله عليه وآله) ينصح لأجل الذين دخلوا في الدعوة الإسلامية، فكانوا أهلاً لها، كما يقال: أهل القرآن لمن يحترمه ويتلوه ويعمل به، والنصح لهم: العمل لأجلهم (وَهَاجَرَ) وطنه (إِلَىٰ بِلاَدِ الغُرْبَةِ) مرة إلى الطائف ومرة إلى المدينة (وَمَحَلِّ ٱلنَّأيِ) أي البعد عن وطنه مكة (عَنْ مَوْطِنِ رَحْلِهِ) رحل الشخص أثاثه وما يتعلق به (وَمَوْضِعِ رِجْلِهِ) الذي كان يمشي عليه (وَمَسْقَطِ رَأْسِهِ) أي محل سقوط رأسه، فإن رأس الوليد يقع على الأرض أول ما يولد، لأنه يولد من الرأس غالباً، وهذا كناية عن محل الولادة وإلاّ فقد ورد أنهم (عليهم السلام) ينزلون من أرجلهم (وَمَأْنَسِ نَفْسِهِ) أي محل أنس نفسه، فإن الإنسان يأنس بوطنه مما لا يأنس بغيره، فعل (صلى الله عليه وآله) كل ذلك (إِرَادَةً مِنْهُ لإِعْزَازِ دِينِكَ) أي حتى يعز الدين ويعلو أمره (وَٱسْتِنْصَاراً عَلَىٰ أَهْلِ الْكُفْرِ بِكَ) أي لينتصر ويغلب على الذين كفروا بالرسول (صلى الله عليه وآله) (حَتَّىٰ اسْتَتَبَّ) أي استقام (لَهُ) (صلى الله عليه وآله) (مَا حَاوَلَ) وأراد (فِي أعْدَآئِكَ) من الكبت والاضمحلال.

ـــــــــــ

وَاسْتَتَمَّ لَهُ مَا دَبَّرَ فِي أَوْلِيَائِكَ، فَنَهَدَ إِلَيْهِمْ مُسْتَفْتِحاً بِعَوْنِكَ، وَمُتَقَوِّياً عَلَىٰ ضَعْفِهِ بِنَصْرِكَ، فَغَزَاهُمْ فِي عُقْرِ دِيَارِهِمْ، وَهَجَمَ عَلَيْهِمْ فِي بُحْبُوحَةِ قَرَارِهِمْ، حَتَّىٰ ظَهَرَ أَمْرُكَ، وَعَلَتْ كَلِمَتُكَ، وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ، أَللّهُمَّ فَارْفَعْهُ بِمَا كَدَحَ فِيكَ إِلَىٰ ٱلدَّرَجَةِ الْعُلْيَا مِنْ جَنَّتِكَ، حَتَّىٰ لاَ يُسَاوَىٰ فِي مَنْزِلَةٍ، وَلاَ يُكَافَأَ فِي مَرْتَبَةٍ،

ـــــــــــ

(وَاسْتَتَمَّ لَهُ) أي تم للرسول (مَا دَبَّرَ فِي أَوْلِيَآئِكَ) وأراد بهم من العزة والشوكة والغلبة (فَنَهَدَ) أي نهض (إِلَيْهِمْ) أي إلى الكفار (مُسْتَفْتِحاً بِعَوْنِكَ) أي مبتدئاً بالجهاد معهم بعونك له (صلى الله عليه وآله) (وَمُتَقَوِّياً عَلَىٰ ضَعْفِهِ) أي مع كونه (صلى الله عليه وآله) ضعيفاً في العدة والعدد قد تقوّى (بِنَصْرِكَ) له على الكفار (فَغَزَاهُمْ) أي هاجمهم (فِي عُقْرِ دِيَارِهِمْ) العقر: بمعنى الأصل (وَهَجَمَ عَلَيْهِمْ فِي بُحْبُوحَةِ) أي وسط (قَرَارِهِمْ) أي مقرهم ومحلهم (حَتَّىٰ ظَهَرَ) للناس (أَمْرُكَ) أي دينك (وَعَلَتْ) أي غلبت (كَلِمَتُكَ) بأن صار قول الله تعالى أعلى من سائر الأقوال (وَلَوْ كَرِهَ) ذلك (الْمُشْرِكُونَ) لكن الرسول جاهد وتعب حتى فعل ذلك وعزز سلطان الله تعالى (أللّهُمَّ فَارْفَعْهُ) أي أرفع درجته ومنزلته (بِمَا كَدَحَ فِيكَ) أي بمقابل كدحه وتعبه لأجلك (إِلَىٰ ٱلدَّرَجَةِ الْعُلْيَا) مؤنث (أعلى) (مِنْ جَنَّتِكَ، حَتَّىٰ لاَ يُسَاوَىٰ فِي مَنْزِلَةٍ) أي لا يساويه أحد في منزلته ودرجته (وَلاَ يُكَافَأَ فِي مَرْتَبَةٍ) المكافأة: المماثلة، أي لا يكون أحد مثله في رتبته.

ـــــــــــ

وَلاَ يُوَازِيَهُ لَدَيْكَ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلاَ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، وَعَرِّفْهُ فِي أَهْلِهِ ٱلطَّاهِرِينَ وَأُمَّتِهِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ حُسْنِ ٱلشَّفَاعَةِ أَجَلَّ مَا وَعَدْتَهُ، يَا نَافِذَ الْعِدَةِ، يَا وَافِيَ الْقَوْلِ، يَا مُبَدِّلَ ٱلسَّيِّئَاتِ بِأَضْعَافِهَا مِنَ الْحَسَنَاتِ إِنَّكَ ذُو الفَضْلِ ٱلعَظِيمِ الْجَوَادُ الْكَرِيمُ.

ـــــــــــ

(وَلاَ يُوَازِيَهُ) أي يماثله (لَدَيْكَ) في الجاه (مَلَكٌ مُقَرَّبٌ) قد قرب إلى رضوانك لأجل طاعته (وَلاَ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ) قد أرسلته إلى الناس، مقابل النبي غير المرسل الذي كان نبياً لنفسه ولم يؤمر بالتبليغ (وَعَرِّفْهُ فِي أَهْلِهِ الطَّاهِرِينَ) أي أعلمه في باب أهله (وَأُمَّتِهِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ حُسْنِ ٱلشَّفَاعَةِ) أي من جهة الشفاعة الحسنة (أَجَلَّ مَا وَعَدْتَهُ) مفعول [وعرّفه]، أي أعلم الرسول أنك تعطي أهله وأمته أجلّ ما وعدته من إعطاء الشفاعة الحسنة لهما، فإن الإنسان يفرح اذا رأى أن الملك يقبل شفاعة أهله وأتباعه، والظاهر أن هذا الدعاء كناية عن قبول شفاعتهما، لا أن المعنى أن يقول الله للرسول قبل يوم القيامة: إني أقبل شفاعتهما ـ كما ربما احتمل ـ (يَا نَافِذَ الْعِدَةِ) النافذ: بمعنى القاضي، أي يا من يقضي الوعد، فإنه سبحانه وعد الرسول بإعطائه الشفاعة، وإعطائها لأهله وأمته أيضاً (يَا وَافِيَ الْقَوْلِ) أي يا من يفي بكلامه: (يَا مُبَدِّلَ السَّيِّئَاتِ بِأَضْعَافِهَا مِنَ الْحَسَنَاتِ) فإن الله سبحانه بفضله قد يمحو سيئة العبد ويثبت مكانها حسنات بأضعاف تلك السيئة. مثلاً يعفو عن كذبة كذبها ويعطيه قصراً هو ضعف العقاب في مقادير الجزاء (إِنَّكَ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ الْجَوَادُ الْكَرِيمُ) تتفضل على الناس بغير استحقاقهم بما تشاء.

ـــــــــــ

[1] ـ سورة آل عمران، آية: 164.

[2] ـ سورة البقرة، آية: 143.

[3] ـ سورة الأعراف، آية: 86.

[4] ـ سورة الأنبياء، آية: 107.