أفضل المواقع الشيعية

دعاء في الصلاة على أتباع الرسل ومصدقيهم

 
السجادية

الدعاء مطابق للمصدر

الصحيفة
 

وكان من دعائه (عليه السلام) في الصلاة على أتباع الرسل ومصدقيهم:

أللّهُمَّ وَأَتْبَاعُ ٱلرُّسُلِ وَمُصَدِّقُوهُمْ مِنْ أَهْل الأَرْضِ بِالْغَيْبِ عِنْدَ مُعَارَضَةِ الْمُعَانِدِينَ لَهُمْ بِٱلتَّكْذِيبِ وَالاشْتِيَاقِ إِلَىٰ الْمُرْسَلِينَ بِحَقَائِقِ الإِيمَانِ، فِي كُلِّ دَهْرٍ وَزَمَانٍ أَرْسَلْتَ فِيهِ رَسُولاً وَأَقَمْتَ لأَهْلِهِ دَلِيلاً مِنْ لَدُنْ آدَمَ إِلَىٰ مُحَمَّدٍ صَلَّىٰ ٱللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ مِنْ أَئِمَّةِ الْهُدَىٰ، وَقَادَةِ أَهْلِ ٱلتُّقَىٰ عَلَىٰ جَمِيعِهِمُ ٱلسَّلامُ، فَاذْكُرْهُمْ مِنْكَ بِمَغْفِرَةٍ وَرِضْوانٍ،

ـــــــــــ

الشرح: (أللّهُمَّ وَأَتْبَاعُ ٱلرُّسُلِ) الذين اتبعوهم فيما قالوا (وَمُصَدِّقُوهُمْ) بما جاءوا به من الشرائع والأحكام، ويأتي خبر قوله: [وأتباع] في قوله: [فاذكرهم] كما تقدم في الدعاء السابق نحوه (مِنْ أَهْل الأَرْضِ بِالْغَيْبِ) متعلق بـ(مصدقوهم) أي الذين صدقوهم فيما جاءوا من الغيب، والمراد بالغيب الغائب عن الحواس كوجود الله سبحانه والمعاد وما أشبه (عِنْدَ مُعَارَضَةِ الْمُعَانِدِينَ لَهُمْ) أي للأنبياء (بِٱلتَّكْذِيبِ) فإن التصديق عند المعارضة أكثر قيمة وأجراً من التصديق بدون وجود معارض (وَ) من أهل (الاشْتِيَاقِ إِلَىٰ الْمُرْسَلِينَ) فالاشتياق عطف على الأرض (بِحَقَائِقِ الإِيمَانِ) أي أن اشتياقهم إنما هو لأجل وجود حقيقة الإيمان في الإنسان الشائق، وهذا شامل لمن آمن بدون أن يكون هناك معارض كالمؤمنين اللاحقين (فِي كُلِّ دَهْرٍ وَزَمَانٍ) الظرف شامل لكلا القسمين: المؤمنين وقت المعارضة وغيرهم (أَرْسَلْتَ فِيهِ رَسُولاً وَأَقَمْتَ لأَهْلِهِ دَلِيلاً) على الرسول وإن كان الرسول قد ذهب ومات (مِنْ لَدُنْ آدَمَ) أبي البشر (إِلَىٰ مُحَمَّدٍ صَلَّىٰ ٱللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ مِنْ أَئِمَّةِ الْهُدَىٰ) بيان للرسول والدليل، فإن كل رسول إمام يهدي الناس إلى الحق وكذلك كل دليل إلى الرسول، فهو أعم من الإمام في اصطلاحنا (وَقَادَةِ) جمع قائد وهو الهادي (أَهْلِ ٱلتُّقَىٰ) وهم المتقون الذين يخافون المعاصي ويجتنبونها (عَلَىٰ جَمِيعِهِمُ ٱلسَّلامُ) والسلام للميت تحية معناها أن يكون سالماً في ذلك العالم عن الآفات والعذاب، وإن كان هذا منسلخاً بالنسبة إلى الأولياء وأحباء الله تعالى. وإنما يبقى مجرد معنى التحية (فَاذْكُرْهُمْ) يا رب (مِنْكَ بِمَغْفِرَةٍ وَرِضْوانٍ) الغفران: الستر، والرضا فوق ذلك؛ والمراد في مثل الأنبياء رفع مقاماتهم ودرجاتهم لأنهم معصومون عن الذنب والخطأ.

ـــــــــــ

أللّهُمَّ وَأَصْحَابُ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً الَّذِينَ أَحْسَنُوا ٱلصَّحْبَةَ، وَالَّذِينَ أَبْلَوُا الْبَلاَءَ الْحَسَنَ فِي نَصْرِهِ، وَكَانَفُوهُ وَأَسْرَعُوا إِلَىٰ وِفَادَتِهِ، وَسَابَقُوا إِلَىٰ دَعْوَتِهِ، وَاسْتَجَابُوا لَهُ حَيْثُ أَسْمَعَهُمْ حُجَّةَ رِسَالاَتِهِ، وَفَارَقُوا الأَزْوَاجَ وَالأَوْلاَدَ فِي إِظْهَارِ كَلِمَتِهِ، وَقَاتَلُوا الآبَاءَ وَالأَبْنَاءَ فِي تَثْبِيتِ نُبُوَّتِهِ، وَانْتَصَرُوا بِهِ، وَمَنْ كَانُوا مُنْطَوِينَ عَلَىٰ مَحَبَّتِهِ يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ فِي مَوَدَّتِهِ،

ـــــــــــ

(أللّهُمَّ وَأَصْحَابُ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً) أي أخصهم من بين أتباع الرسل بالذكر والدعاء لهم (الَّذِينَ أَحْسَنُوا ٱلصَّحْبَةَ) للرسول، بأن لم يخلطوا إيمانهم بالنفاق (وَالَّذِينَ أَبْلَوُا الْبَلاَءَ الْحَسَنَ) أي امتحنوا امتحاناً حسناً (فِي نَصْرِهِ) أي نصرة الرسول صلى الله عليه وآله (وَكَانَفُوهُ) أي عاونوه (وَأَسْرَعُوا إِلَىٰ وِفَادَتِهِ) أي الوفود إليه صلى الله عليه وآله لقبول رسالته (وَسَابَقُوا إِلَىٰ دَعْوَتِهِ) حيث الناس كانوا معادين له صلى الله عليه وآله (وَاسْتَجَابُوا لَهُ) أي أجابوا إلى ما بلغ بقبولهم الإسلام (حَيْثُ أَسْمَعَهُمْ حُجَّةَ رِسَالاَتِهِ) أي الدليل على كونه مرسلاً من قبل الله وأن ما يقوله رسالة من عنده تعالى (وَفَارَقُوا الأَزْوَاجَ وَالأَوْلاَدَ فِي إِظْهَارِ كَلِمَتِهِ) أي تركوا أهلهم، لأن أهلهم بقوا كفاراً وهم أسلموا، أو لأنهم هاجروا من بلادهم خوفاً من الكفار وإنما فارقوا لإظهار كلمة الإسلام ودعوة الرسول صلى الله عليه وآله (وَقَاتَلُوا الآبَاءَ وَالأَبْنَاءَ فِي تَثْبِيتِ نُبُوَّتِهِ) (صلى الله عليه وآله) فإن آباءهم وأبناءهم لما انخرطوا في سلك جيش الكفار حاربوهم ولم يلحظوا رحمهم، وذلك لأجل تثبيت نبوة الرسول صلى الله عليه وآله (وَانْتَصَرُوا بِهِ) أي غلبوا على أعدائهم بسبب الرسول صلى الله عليه وآله (وَمَنْ كَانُوا مُنْطَوِينَ) أي مشتملين (عَلَىٰ مَحَبَّتِهِ) بأن كانت محبة الرسول صلى الله عليه وآله في قلوبهم (يَرْجُونَ تِجَارَةً) أي ثواب الآخرة (لَنْ تَبُورَ) أي لن تفسد ولن تخسر كما تخسر تجارات الدنيا أحياناً (فِي مَوَدَّتِهِ) (صلى الله عليه وآله).

ـــــــــــ

وَالَّذِينَ هَجَرَتْهُمُ الْعَشَائِرُ إِذْ تَعَلَّقُوا بِعُرْوَتِهِ، وَانْتَفَتْ مِنْهُمُ الْقَرَابَاتُ إِذْ سَكَنُوا فِي ظِلِّ قَرَابَتِهِ، فَلاَ تَنْسَ لَهُمُ اللّهُمَّ مَا تَرَكُوا لَكَ وَفِيكَ، وَأَرْضِهِمْ مِنْ رِضْوَانِكَ، وَبِمَا حَاشُوا الْخَلْقَ عَلَيْكَ وَكَانُوا مَعَ رَسُولِكَ دُعَاةً لَكَ إِليْكَ، وَاشْكُرْهُمْ عَلَىٰ هَجْرِهِمْ فِيكَ، دِيَارَ قَوْمِهِمْ، وَخُرُوجِهِمْ مِنْ سَعَةِ الْمَعَاشِ إِلَىٰ ضِيقِهِ، وَمَنْ كَثَّرْتَ فِي إِعْزَازِ دِينِكَ مِنْ مَظْلُومِهِمْ،

ـــــــــــ

(وَالَّذِينَ هَجَرَتْهُمُ الْعَشَائِرُ) أي عشائرهم وأقرباؤهم (إِذْ تَعَلَّقُوا بِعُرْوَتِهِ) أي بدين الرسول (صلى الله عليه وآله) (وَانْتَفَتْ) واضمحلّت (مِنْهُمُ الْقَرَابَاتُ) لأن أقرباءهم عادوهم، فصاروا كأنهم لا أقرباء لهم (إِذْ سَكَنُوا فِي ظِلِّ قَرَابَتِهِ) كأن الإسلام أوجب لهم قرابة بالرسول صلى الله عليه وآله (فَلاَ تَنْسَ لَهُمُ اللّهُمَّ) ونسيان الله عبارة عن تركه ورفضه، لأنه سبحانه لا ينسى شيئاً، قال سبحانه: ﴿نسوا الله فنسيهم [1] (مَا تَرَكُوا لَكَ) من الأولاد والأهل والوطن (وَفِيكَ) أي في ذاتك ولأجل دينك (وَأَرْضِهِمْ مِنْ رِضْوَانِكَ) أي أرضهم بإعطائهم من رضاك بما يتبعه الرضا من الثواب والأجر (وَبِمَا حَاشُوا) عطف على مقدر، أي بسبب ما تركوا، وبسبب ما حاشوا أي جمعوا (الْخَلْقَ عَلَيْكَ) أي على دينك وشريعتك (وَكَانُوا مَعَ رَسُولِكَ) وقد بين معنى المعية بقوله (عليه السلام) (دُعَاةً لَكَ إِليْكَ) فإنهم كانوا يدعون لأجلك إلى ذاتك المقدسة، إذ الدعوة قد تكون لإنسان لكن إلى إنسان آخر، كما إذا كنت صديقاً لولد زيد فتدعو لأجل الولد وفي حبه إلى والده (وَاشْكُرْهُمْ) يا رب، وشكر الله إعطاؤه الثواب (عَلَىٰ هَجْرِهِمْ فِيكَ) أي في ذاتك (دِيَارَ قَوْمِهِمْ) فإن كثيراً منهم كانوا مهاجرين إما من مكة أو من فارس أو من غيرهما (وَخُرُوجِهِمْ مِنْ سَعَةِ الْمَعَاشِ) التي كانت لهم في بلادهم (إِلَىٰ ضِيقِهِ) الذي عانوه في المهجر (وَمَنْ كَثَّرْتَ) أي اشكر يا رب من جعلته كثيراً (فِي إِعْزَازِ دِينِكَ) إذ كان تكثير الله للمسلمين بضم الناس إليهم لأجل إعزاز الدين (مِنْ مَظْلُومِهِمْ) الذي ظلم لقلته وعدم ناصر له، ثم كثرته كما قال سبحانه: ﴿واذكروا إذ كنتم قليلاً فكثركم [2].

ـــــــــــ

أللّهُمَّ وَأَوْصِلْ إِلَىٰ ٱلتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإحْسَانٍ الَّذِينَ يَقُولُونَ: ﴿رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلإِيمَانِ خَيْرَ جَزَائِكَ، الَّذِينَ قَصَدُوا سَمْتَهُمْ، وَتَحَرَّوا وِجْهَتَهُمْ وَمَضَوْا عَلَىٰ شَاكِلَتِهِمْ، لَمْ يَثْنِهِمْ رَيْبٌ فِي بَصِيرَتِهِمْ، وَلَمْ يَخْتَلِجْهُمْ شَكٌ فِي قَفْوِ آثَارِهِمْ، وَٱلإِئْتِمَامِ بِهِدَايَةِ مَنَارِهِمْ، مُكَانِفِينَ وَمُوَازِرِينَ لَهُمْ، يَدِينُوْنَ بِدِينِهِمْ، وَيَهْتَدُونَ بِهَدْيِهِمْ، يَتَّفِقُونَ عَلَيْهِمْ، وَلاَ يَتَّهِمُوْنَهُمْ فِيمَا أَدَّوْا إِلَيْهِمْ،

ـــــــــــ

(أللّهُمَّ وَأَوْصِلْ إِلَىٰ ٱلتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإحْسَانٍ) أي الذين اتبعوا أصحاب الرسول، إتباعاً حسناً، وهم الذين لم يروا الرسول صلى الله عليه وآله وإنما رأوا التابعين وأخذوا الأحكام منهم (الَّذِينَ يَقُولُونَ) أي أن قولهم هذا: (رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا) الأصحاب (الَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلإِيمَانِ) [3] بالله والرسول (خَيْرَ جَزَائِكَ) مفعول [أوصل] (الَّذِينَ) صفة التابعين (قَصَدُوا سَمْتَهُمْ) أي قصدوا الجهة التي سار فيها الأنصار (وَتَحَرَّوا) أي طلبوا (وِجْهَتَهُمْ) أي الجهة التي توجه إليها الأصحاب، (وَمَضَوْا عَلَىٰ شَاكِلَتِهِمْ) أي كما مضى الأصحاب. والشاكلة: شكل الشيء ومثله (لَمْ يَثْنِهِمْ) أي لم يرجعهم عن طريق الإيمان (رَيْبٌ) شك (فِي بَصِيرَتِهِمْ) بالدين (وَلَمْ يَخْتَلِجْهُمْ) أي لم يدر بخاطرهم (شَكٌ فِي قَفْوِ) أي إتباع (آثَارِهِمْ) أي آثار الأصحاب (وَٱلإِئْتِمَامِ) أي الاقتداء (بِهِدَايَةِ مَنَارِهِمْ) وهو المحل المرتفع الذي يوضع عليه النور حتى لا يضل السالك ليلاً (مُكَانِفِينَ) أي في حال كونهم معاونين (وَمُوَازِرِينَ) أي آخذين بظهرهم (لَهُمْ) أي للأنصار (يَدِينُوْنَ) هؤلاء التابعون (بِدِينِهِمْ) أي دين الأنصار (وَيَهْتَدُونَ بِهَدْيِهِمْ) أي بمثل ما اهتدى الأنصار به (يَتَّفِقُونَ) هؤلاء التابعون (عَلَيْهِمْ) فإنهم كانوا مع الأنصار في الاتجاه والحركة (وَلاَ يَتَّهِمُوْنَهُمْ) بأنهم اشتبهوا وأخطأوا (فِيمَا أَدَّوْا) أي الأنصار (إِلَيْهِمْ) بل كانوا يأخذون بأقوال الأنصار الذين لم ينحرفوا.

ـــــــــــ

أَللّهُمَّ وَصَلِّ عَلَىٰ ٱلتَّابِعِينَ مِنْ يَوْمِنَا هٰذَا إِلَىٰ يَوْمِ ٱلدِّينِ، وَعَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ، وَعَلَىٰ ذُرِّيَّاتِهِمْ، وَعَلَىٰ مَنْ أَطَاعَكَ مِنْهُمْ، صَلاَةً تَعْصِمُهُمْ بِهَا مِنْ مَعْصِيَتِكَ، وَتَفْسَحُ لَهُمْ فِي رِيَاضِ جَنَّتِكَ، وَتَمْنَعُهُمْ بِهَا مِنْ كَيْدِ ٱلشَّيْطَانِ، وَتُعِينُهُمْ بِهَا عَلَىٰ مَا ٱسْتَعَانُوْكَ عَلَيْهِ مِنْ بِرٍّ، وَتَقِيهِمْ طَوَارِقَ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ إِلاَّ طَارِقاً يَطْرُقُ بِخَيْرٍ، وَتَبْعَثُهُمْ بِهَا عَلَىٰ ٱعْتِقَادِ حُسْنِ ٱلرَّجَاءِ لَكَ وَٱلطَّمَعِ فِي مَا عِنْدَكَ،

ـــــــــــ

(أَللّهُمَّ وَصَلِّ عَلَىٰ ٱلتَّابِعِينَ) لأولئك التابعين (مِنْ يَوْمِنَا هٰذَا إِلَىٰ يَوْمِ ٱلدِّينِ) وهم المسلمون عامة (وَعَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ، وَعَلَىٰ ذُرِّيَّاتِهِمْ) أولادهم وأحفادهم (وَعَلَىٰ مَنْ أَطَاعَكَ مِنْهُمْ) إما خاص بعد عام، حيث يطلب الإمام الصلاة حتى على عاصيهم تفضلاً منه تعالى، أو للبيان، والأول أولى (صَلاَةً تَعْصِمُهُمْ) أي تحفظهم (بِهَا) أي بتلك الصلاة (مِنْ مَعْصِيَتِكَ) فإن صلاة الله سبحانه عبارة عن رحمته وعطفه، وإذا شملت الرحمة أحداً حفظ عن العصيان (وَتَفْسَحُ لَهُمْ فِي رِيَاضِ جَنَّتِكَ) أي توسّع لهم في روضة الجنة، والروضة الحديقة، والمراد بالتوسعة إعطاء المحل الوسيع (وتمنعهم بها) أي بسبب صلاتك عليهم (من كيد الشيطان) ومكره بهم لإيقاعهم في المعصية (وَتَمْنَعُهُمْ بِهَا) أي بتلك الصلاة (عَلَىٰ مَا ٱسْتَعَانُوْكَ عَلَيْهِ) فإن الإنسان يستعين بالله على الشيطان وعلى النفس الأمّارة وعلى الأعداء، والمعنى: تكون عونهم على هذه الأشياء التي تريد أذيتهم وإضلالهم (مِنْ بِرٍّ) بيان [ما] فإن الإنسان يستعين بالله لأجل تمكنه من العمل الحسن الصالح (وَتَقِيهِمْ) أي تحفظهم (طَوَارِقَ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ) جمع طارق، وهو الذي يدق باب بيت الإنسان بسوء، والمراد هنا الأسواء التي ترد على الإنسان من مرض أو فقر أو عدو أو ما أشبه، في ليل أو نهار (إِلاَّ طَارِقاً يَطْرُقُ بِخَيْرٍ) وهذا كالاستثناء المنقطع جيء به توضيحاً وتأكيداً (وَتَبْعَثُهُمْ بِهَا) أي بسبب تلك الصلوات عليهم (عَلَىٰ ٱعْتِقَادِ حُسْنِ ٱلرَّجَاءِ لَكَ) فإن الإنسان إذا رأى الخير من الله سبحانه حسن رجاؤه فيه (وَ) على (ٱلطَّمَعِ فِي مَا عِنْدَكَ) من الثواب، وهذا يسبب أن يعمل الإنسان صالحاً حتى يصل إلى ما طمع.

ـــــــــــ

وَتَرْكِ ٱلتُّهْمَةِ فِيمَا تَحْوِيهِ أَيْدِي الْعِبَادِ، لِتَرُدَّهُمْ إِلَىٰ ٱلرَّغْبَةِ إِلَيْكَ وَٱلرَّهْبَةِ مِنْكَ، وَتُزَهِّدَهُمْ فِي سِعَةِ الْعَاجِلِ وَتُحَبِّبَ إِلَيْهُمُ الْعَمَلَ لِلآجِلِ، وَٱلإسْتِعْدَادِ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَتُهَوِّنَ عَلَيْهِمْ كُلَّ كَرْبٍ يَحُلُّ بِهِمْ يَوْمَ خُرُوجِ الأَنْفُسِ مِنْ أَبْدَانِهَا وَتُعَافِيَهُمْ مِمَّا تَقَعُ بِهِ الْفِتْنَةُ مِنْ مَحْذُورَاتِهَا، وَكَبَّةِ ٱلنَّارِ وَطُوْلِ الْخُلُوْدِ فِيهَا، وَتُصِيِّرَهُمْ إِلَىٰ أَمْنٍ مِنْ مَقِيلِ الْمُتَّقِينَ.

ـــــــــــ

(وَتَرْكِ ٱلتُّهْمَةِ فِيمَا تَحْوِيهِ) وتشتمل عليه (أَيْدِي الْعِبَادِ) من الأموال وما أشبه، والمعنى: إن صلاتك يا رب عليهم تسبب أن لا يتهموك في عطاياك للعباد بأن يقولوا: (ليس من العدل إعطاؤك لفلان المال أو الجاه أو الأولاد أو ما أشبه) ـ كما هي عادة الجهال ـ فإن صلاة الله على الإنسان تسبب حفظه عن اتهام الله سبحانه بمثل هذه الاتهامات (لِتَرُدَّهُمْ) أي افعل كل ذلك يا رب بالتابعين لتردهم من الحالات المنحرفة التي يتصف الناس بها غالباً (إِلَىٰ ٱلرَّغْبَةِ إِلَيْكَ) أي الرجاء والرغبة في ثوابك (وَٱلرَّهْبَةِ مِنْكَ) أي الخوف من عقابك، فإن الإنسان الكامل هو الذي يكون بين الخوف والرجاء دائماً (وَتُزَهِّدَهُمْ) أي تنفرهم (فِي سِعَةِ الْعَاجِلِ) حتى لا يطلبوا سعة الدنيا كيف حصلوا عليها ولو بذهاب دينهم (وَتُحَبِّبَ إِلَيْهُمُ الْعَمَلَ لِلآجِلِ) أي الآخرة (وَٱلإسْتِعْدَادِ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ) بالإيمان والأعمال الصالحة (وَتُهَوِّنَ عَلَيْهِمْ كُلَّ كَرْبٍ) وهمّ (يَحُلُّ بِهِمْ يَوْمَ خُرُوجِ الأَنْفُسِ مِنْ أَبْدَانِهَا) فإن الإنسان يأخذه الهول في ذلك اليوم لأجل مفارقة الدنيا المألوفة ومفارقة الأهل والأصدقاء والأموال، وللإشراف على آخرة لا يعلم شيئاً منها، فإذا هوّن الله سبحانه هذه الكروب مرّ الإنسان بها مروراً بسلام (وَتُعَافِيَهُمْ) بأن تعصمهم وتحفظهم (مِمَّا تَقَعُ بِهِ الْفِتْنَةُ مِنْ مَحْذُورَاتِهَا) أي محذورات تلك الكروب، فإن الإنسان يفتتن ويخرج من دينه إذا وقع في محذور شديد، ولذا قد يكفر المحتضر لما يلاقي من الشدائد والأهوال (وَ) تعافيهم من (كَبَّةِ ٱلنَّارِ) أي الانكباب والصرعة على وجوههم في نار جهنم (وَطُوْلِ الْخُلُوْدِ) أي البقاء (فِيهَا، وَتُصِيِّرَهُمْ إِلَىٰ أَمْنٍ مِنْ مَقِيلِ الْمُتَّقِينَ) [من] بيان للأمن، والمقيل موضع القيلولة ـ أي النوم قبل الظهر ـ وهذا من عادة السادة، والمراد بمقيل المتقين الجنة، فإنها موضع الراحة والقيلولة.

ـــــــــــ

[1]  ـ سورة التوبة، آية: 67.

[2]  ـ سورة الأعراف، آية: 86.

[3]  ـ إشارة إلى سورة الحشر، آية: 10.