أفضل المواقع الشيعية

دعاء عند الصباح والمساء

 
السجادية

الدعاء مطابق للمصدر

الصحيفة
 

وكان من دعائه (عليه السلام) عند الصباح والمساء:

الْحَمْدُ للهِ الَّذِي خَلَقَ ٱللَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ بَقُوَّتِهِ، وَمَيَّزَ بَيْنَهُمَا بِقُدْرَتِهِ، وَجَعَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدّاً مَحْدُوداً وَأَمَداً مَمْدُوداً، يُولِجُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي صَاحِبِهِ، وَيُولِجُ صَاحِبَهُ فِيهِ بِتَقْدِيرٍ مِنْهُ لِلْعِبَادِ فِي مَا يَغْذُوهُمْ بِهِ وَيُنْشِئُهُمْ عَلَيْهِ،

ـــــــــــ

الشرح: (الْحَمْدُ للهِ الَّذِي خَلَقَ ٱللَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ بَقُوَّتِهِ) فإن الخلق يحتاج إلى القوة على المخلوق، وهو عبارة أخرى عن القدرة (وَمَيَّزَ بَيْنَهُمَا) بأن جعل أحدهما مظلماً والآخر مضيئاً (بِقُدْرَتِهِ) إذ التميز شيء غير الخلق (وَجَعَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدّاً مَحْدُوداً) حسب الأماكن والأزمان، حتى أنه لا يتجاوز عن المعتاد ولو قدر ثانية (وَأَمَداً مَمْدُوداً) أي نهاية، فإن الليل والنهار باقيان إلى أن تقوم الساعة (يُولِجُ) أي يدخل (كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي صَاحِبِهِ) فإن الليل يدخل في وقت النهار إذا أخذ الليل في الطول وأخذ النهار في القصر، فكأن الليل دخل في النهار (وَيُولِجُ صَاحِبَهُ فِيهِ) فيدخل النهار في الليل إذا كان الطول للنهار، ويمكن أن يراد بالجملتين إيلاج أحدهما في الآخر في كل صباح ومساء (بِتَقْدِيرٍ مِنْهُ) تعالى (لِلْعِبَادِ فِي مَا يَغْذُوهُمْ بِهِ) أي إنما يفعل سبحانه ذلك لما قدر من تغذية العباد، وهذه الكيفية في النهار والليل موجبة لتحصيل غذاء العباد، فإن بعض الأغذية فصلها الصيف وبعضها فصلها الشتاء وهكذا، والفصول تحصل من هذا الإيلاج (وَيُنْشِئُهُمْ عَلَيْهِ) فإن نشء الإنسان إنما هو بتغيير الفصول كما ورد في الطب.

ـــــــــــ

فَخَلَقَ لَهُمُ ٱللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ مِنْ حَرَكَاتِ ٱلتَّعَبِ وَنَهَضَاتِ ٱلنَّصَبِ، وَجَعَلَهُ لِبَاساً لِيَلْبَسُوا مِنْ رَاحَتِهِ وَمَنَامِهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُمْ جَمَاماً وَقُوَّةً، وَلِيَنَالُوا بِهِ لَذَّةً وَشَهْوَةً، وَخَلَقَ ٱلنَّهَارَ مُبْصِراً لِيَبْتَغُوا فِيهِ مِنْ فَضْلِهِ،

ـــــــــــ

(فَخَلَقَ لَهُمُ ٱللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ) بالمنام وعدم التقلب (مِنْ حَرَكَاتِ ٱلتَّعَبِ) أي الحركات الموجبة للتعب (وَنَهَضَاتِ ٱلنَّصَبِ) النهضة: القيام بالعمل، والمراد القيام بالعمل الموجب للتعب، والنصب لغة بمعنى التعب (وَجَعَلَهُ لِبَاساً) فإنه كاللباس الذي يشتمل على الإنسان (لِيَلْبَسُوا مِنْ رَاحَتِهِ وَمَنَامِهِ) فإن الراحة والمنام حيث يشملان جسد الإنسان شبّها باللباس الشامل للبدن (فَيَكُونُ ذَلِكَ) المنام (لَهُمْ جَمَاماً) أي راحة (وَقُوَّةً) فإن الإنسان ترجع قوته ونشاطه إذا استراح في الليل (وَلِيَنَالُوا بِهِ) أي بسبب الليل (لَذَّةً) بالاجتماع مع أولادهم وأهلهم (وَشَهْوَةً) بمقاربة أزواجهم (وَخَلَقَ ٱلنَّهَارَ مُبْصِراً) أي موجباً لأن يبصروا الأشياء، إذ يتوفر في النهار النور الذي هو شرط الإبصار (لِيَبْتَغُوا) أي يطلبوا (فِيهِ) أي في النهار (مِنْ فَضْلِهِ) وعطائه بالاكتساب والطلب.

ـــــــــــ

وَلِيَتَسَبَّبُوا إِلَىٰ رِزْقِهِ، وَيَسْرَحُوا فِي أَرْضِهِ، طَلَباً لِمَا فِيهِ نَيْلُ الْعَاجِلِ مِنْ دُنْيَاهُمْ، وَدَرَكُ الآجِلِ فِي أُخْرَاهُمْ بِكُلِّ ذَلِكَ يُصْلِحُ شَأْنَهُمْ وَيَبْلُوْ أَخْبَارَهُمْ، وَيَنْظُرُ كَيْفَ هُمْ فِي أَوْقَاتِ طَاعَتِهِ، وَمَنَازِلِ فُرُوضِهِ، وَمَوَاقِعِ أَحْكَامِهِ، ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَىٰ﴾،

ـــــــــــ

(وَلِيَتَسَبَّبُوا) أي يطلبوا الأسباب (إِلَىٰ رِزْقِهِ) كالزراعة والعمارة والتجارة والاصطياد وما أشبه مما يدرّ الرزق على الإنسان (وَيَسْرَحُوا) أي يسيروا طالبين كما تسرح البهيمة طلباً للعلف والماء (فِي أَرْضِهِ، طَلَباً لِمَا فِيهِ) الضمير عائد إلى [ما] (نَيْلُ الْعَاجِلِ) أي إدراك ما هم بحاجة إليه من العاجل (مِنْ دُنْيَاهُمْ) بيان [العاجل] (وَدَرَكُ الآجِلِ فِي أُخْرَاهُمْ) فإن الإنسان بالنهار ينفق ويبني المسجد ويجتمع للجهاد وما أشبه (بِكُلِّ ذَلِكَ) الذي ذكر من فوائد الليل والنهار (يُصْلِحُ) الله سبحانه (شَأْنَهُمْ وَيَبْلُوْ أَخْبَارَهُمْ) أي يختبرها، والمراد امتحانهم (وَيَنْظُرُ كَيْفَ هُمْ) ومعنى النظر الاختبار والامتحان (فِي أَوْقَاتِ طَاعَتِهِ) من الصباح والمساء (ومنازل فروضه) المراد بالمنازل الأوقات، والفروض الواجبات، كأوقات صلاة الظهر والعصر وسائر الصلوات (وَمَوَاقِعِ أَحْكَامِهِ) بأنها هل تخلو عن الأحكام أم لا؟ (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا) أي عملوا السيئات (بِمَا عَمِلُوا) أي بمقابل أعمالهم السيئة (وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَىٰ) أي بالصفة الحسنى مؤنث أحسن.

ـــــــــــ

أَللّهُمَّ فَلَكَ الْحَمْدُ عَلَىٰ مَا فَلَقْتَ لَنَا مِنَ ٱلإِصْبَاحِ، وَمَتَّعْتَنَا بِهِ مِنْ ضَوْءِ ٱلنَّهَارِ، وَبَصَّرْتَنَا مِنْ مَطَالِبِ ٱلأَقْوَاتِ، وَوَقَيْتَنَا فِيهِ مِنْ طَوَارِقِ ٱلآفَاتِ، أَصْبَحْنَا وَأَصْبَحَتِ ٱلأَشْيَاءُ كُلُّهَا بِجُمْلَتِهَا لَكَ سَمَاؤُهَا وَأَرْضُهَا، وَمَا بَثَثْتَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، سَاكِنُهُ وَمُتَحَرِّكُهُ وَمُقِيمُهُ وَشَاخِصُهُ، وَمَا عَلاَ فِي الْهَوَاءِ، وَمَا كنَّ تَحْتَ ٱلثَّرَىٰ،

ـــــــــــ

(أَللّهُمَّ فَلَكَ الْحَمْدُ عَلَىٰ مَا فَلَقْتَ لَنَا) الفلق هو الشق (مِنَ ٱلإِصْبَاحِ) فإن ضوء الصباح يشق ظلمة الليل (وَمَتَّعْتَنَا بِهِ مِنْ ضَوْءِ ٱلنَّهَارِ) المتعة اللذة، فإن الإنسان يتلذذ بالنهار (وَبَصَّرْتَنَا مِنْ مَطَالِبِ ٱلأَقْوَاتِ) مطالب: جمع مطلب اسم مكان بمعنى محل الطلب، فإن الإنسان بالنهار يرى المحلات التي يطلب الرزق فيها (وَوَقَيْتَنَا) أي حفظتنا (فِيهِ) أي في النهار (مِنْ طَوَارِقِ ٱلآفَاتِ) طوارق: جمع طارق، ما يرد على الإنسان بسوء، والآفات: جمع آفة بمعنى البلية والمصيبة (أَصْبَحْنَا وَأَصْبَحَتِ ٱلأَشْيَاءُ كُلُّهَا بِجُمْلَتِهَا) تأكيد بعد تأكيد للتعميم (لَكَ) وحدك لا شريك لك فيها (سَمَاؤُهَا وَأَرْضُهَا، وَمَا بَثَثْتَ) أي فرقت ونشرت (فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، سَاكِنُهُ) كالأشجار والكواكب الواقفة (وَمُتَحَرِّكُهُ) كالحيوان والماء (وَمُقِيمُهُ) أي اللازم لوطنه (وَشَاخِصُهُ) أي المسافر الخارج من بلده (وَمَا عَلاَ) وارتفع (فِي الْهَوَاءِ) كالأطيار والسحاب وما أشبه (وَمَا كنَّ) واستتر (تَحْتَ ٱلثَّرَىٰ) كماء العيون والمعادن والحيوانات والحشرات وما أشبه، والثرى: الأرض.

ـــــــــــ

أَصْبَحْنَا فِي قَبْضَتِكَ يَحْوِينَا مُلْكُكَ وَسُلْطَانُكَ وَتَضُمُّنَا مَشِيَّتُكَ، وَنَتَصَرَّفُ عَنْ أَمْرِكَ، وَنَتَقَلَّبُ فِي تَدْبِيرِكَ، لَيْسَ لَنَا مِنَ ٱلأَمْرِ إِلاَّ مَا قَضَيْتَ، وَلاَ مِنَ الْخَيْرِ إِلاَّ مَا أَعْطَيْتَ، وَهٰذَا يَوْمٌ حَادِثٌ جَدِيدٌ، وَهُوَ عَلَيْنَا شَاهِدٌ عَتِيدٌ، إِنْ أَحْسَنَّا وَدَّعَنَا بِحَمْدٍ، وَإِنْ أَسَأْنَا فَارَقَنَا بِذَمٍّ،

ـــــــــــ

(أَصْبَحْنَا فِي قَبْضَتِكَ) كناية عن القدرة التامة، كما أن الشيء الذي في قبضة الإنسان يكون تحت سيطرته التامة، والقبضة: القبض بالكف (يَحْوِينَا مُلْكُكَ) أي يشتمل علينا الملك الذي هو لك، فإن الإنسان محاط بملك الله تعالى (وَسُلْطَانُكَ) فإن سلطته تعالى شاملة للإنسان، والملك غير السلطان كما لا يخفى (وَتَضُمُّنَا) أي تشتمل علينا (مَشِيَّتُكَ) أي إرادتك وقدرتك حتى أنك تقدر على كل تصرف فينا (وَنَتَصَرَّفُ) أي نعمل كل عمل (عَنْ أَمْرِكَ) فإنه سبحانه شاء أن يكون الإنسان قادراً مختاراً، وإلاّ لم يتمكن الإنسان من أي عمل مهما كان صغيراً (وَنَتَقَلَّبُ فِي تَدْبِيرِكَ) فإن الله سبحانه دبّر الكون وهيّأه هكذا، فكل حركة للإنسان وتقلب له إنما هي حركة في تدبيراته تعالى (لَيْسَ لَنَا مِنَ ٱلأَمْرِ إِلاَّ مَا قَضَيْتَ) أي حكمت، فإن الله سبحانه شاء ان يكون الإنسان قادراً على بعض الأشياء وعاجزاً عن بعض الأشياء، فليس للإنسان تجاوز الحدود المقررة له مهما جد واجتهد (وَلاَ مِنَ الْخَيْرِ) المراد به الأعم من الهداية والإيمان وسائر الخيرات (إلاّ ما أعطيت) فإن الإنسان لا يتمكن أن يستفيد بأكثر من الخير الذي أعطاه الله له (وَهٰذَا يَوْمٌ حَادِثٌ جَدِيدٌ) الحادث ما حدث بعد العدم، والجديد مقابل البالي (وَهُوَ عَلَيْنَا شَاهِدٌ عَتِيدٌ) أي حاضر، فإن الأيام تشهد على الناس بما عملوا فيها، في يوم القيامة (إِنْ أَحْسَنَّا) فيه بالأعمال الصالحة (وَدَّعَنَا) وذهب عنا (بِحَمْدٍ) أي مادحاً لنا عملنا فيه (وَإِنْ أَسَأْنَا ا) وعملنا فيه بالشر (فَارَقَنَا بِذَمٍّ) أي في حال كونه ذاماً لنا عملنا.

ـــــــــــ

أَللّهُمَّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَٱرْزُقْنَا حُسْنَ مُصَاحَبَتِهِ، وَٱعْصِمْنَا مِنْ سُوءِ مُفَارَقَتِهِ بِارْتِكَابِ جَرِيرَةٍ، أَوِ ٱقْتِرَافِ صَغِيرَةٍ أَوْ كَبِيرَةٍ، وَأَجْزِلْ لَنَا فِيهِ مِنَ الْحَسَنَاتِ، وَأَخْلِنَا فِيهِ مِنَ ٱلسَّيِّئَاتِ، وَٱمْلأْ لَنَا مَا بَيْنَ طَرَفَيْهِ حَمْداً وَشُكْراً وَأَجْراً وَذُخْراً وَفَضْلاً وإِحْسَاناً،

ـــــــــــ

(أَللّهُمَّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَٱرْزُقْنَا حُسْنَ مُصَاحَبَتِهِ) بأن نعمل صالحاً فيه حتى نكون صاحباً حسناً له (وَٱعْصِمْنَا) أي احفظنا (مِنْ سُوءِ مُفَارَقَتِهِ) بأن لا نفارقه بالعمل السيئ (بِارْتِكَابِ جَرِيرَةٍ) فإن سوء المفارقة إنما يكون بارتكابنا فيه للمعصية (أَوِ ٱقْتِرَافِ) أي عمل (صَغِيرَةٍ أَوْ كَبِيرَةٍ) من المعاصي، وقد وقع الاختلاف في ميزان الصغيرة والكبيرة، والكلام في ذلك موكول إلى الفقه (وَأَجْزِلْ لَنَا فِيهِ مِنَ الْحَسَنَاتِ) أي أكثر لنا فيه من إعطاء الحسنات، وذلك بأن توفقنا لما نستحق به ذلك (وَأَخْلِنَا فِيهِ مِنَ ٱلسَّيِّئَاتِ) بأن تعصمنا عن اقتراف السيئة والمعصية (وَٱمْلأْ لَنَا مَا بَيْنَ طَرَفَيْهِ) أي طرفي هذا اليوم أوله وآخره (حَمْداً وَشُكْراً) بأن نشكرك ونحمدك أول النهار وآخره وأول الليل وآخره (وَأَجْراً وَذُخْراً) أي ذخيرة الثواب لآخرتنا (وَفَضْلاً وإِحْسَاناً) بأن تتفضل علينا وتحسن إلينا مجاناً بدون مقابل وعوض.

ـــــــــــ

أللّهُمَّ يَسِّرْ عَلَىٰ الْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ مَؤُونَتَنَا، وَٱمْلأْ لَنَا مِنْ حَسَنَاتِنَا صَحَائِفَنَا، وَلاَ تُخْزِنَا عِنْدَهُمْ بِسُوءِ أَعْمَالِنَا، أللّهُمَّ ٱجْعَلْ لَنَا فِي كُلِّ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِهِ حَظّاً مِنْ عِبَادِكَ وَنَصِيباً مِنْ شُكْرِكَ، وَشَاهِدَ صِدْقٍ مِنْ مَلاَئِكَتِكَ، أللّهُمَّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَٱحْفَظْنَا مِنْ بَيْنَ أَيْدِينَا، وَمِنْ خَلْفِنَا وِعَنْ أَيْمَانِنِا وَعَنْ شَمَائِلِنَا وَمِنْ جَمِيعِ نَوَاحِينَا، حِفْظاً عَاصِماً مَنْ مَعْصِيَتِكَ، هَادِياً إِلَىٰ طَاعَتِكَ، مُسْتَعْمِلاً لِمَحَبَّتِكَ،  

ـــــــــــ

(أللّهُمَّ يَسِّرْ) أي سهّل (عَلَىٰ الْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ) أي الملائكة الكاتبين لأعمالنا، وكونهم كراماً لأنهم لا يثبتون باطلاً ولا يسقطون حقاً (مَؤُونَتَنَا) فإن الإنسان إذا أحسن فرّح الملائكة وسهّل عليهم، وإذا أساء حزنوا وثقل عليهم، فمعنى الدعاء توفيقنا لأن نعمل ما يسرّهم (وَٱمْلأْ لَنَا مِنْ حَسَنَاتِنَا صَحَائِفَنَا) بأن توفقنا لأن نملأها (وَلاَ تُخْزِنَا عِنْدَهُمْ بِسُوءِ أَعْمَالِنَا) الخزي الفضيحة، والمعنى احفظنا عن العصيان حتى لا نفضح أمام الملائكة (أللّهُمَّ ٱجْعَلْ لَنَا فِي كُلِّ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِهِ) أي من ساعات هذا اليوم (حَظّاً مِنْ عِبَادِكَ) أي من دعاء عبادك وخيرهم، بأن تجعلنا مشمولين لصالح أدعية الداعين وتوصل إلينا خير أهل الخير (وَنَصِيباً مِنْ شُكْرِكَ) بأن نشكرك في كل ساعة (وَشَاهِدَ صِدْقٍ مِنْ مَلاَئِكَتِكَ) بأن تحوطنا بالملائكة حتى يشهدون هناك في الآخرة لنا بالأعمال الصالحة وهذا لتشريف الإنسان، فإن الملك من عظمته أن يحيط به الأعوان والأنصار، والمراد شهادة منهم بصدق أعمالي وأنها كانت لك بدون رياء أو سمعة أو ما أشبه (أللّهُمَّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَٱحْفَظْنَا مِنْ بَيْنَ أَيْدِينَا) أي من أمامنا حتى لا يصل إلينا مكروه من جهة الأمام (وَمِنْ خَلْفِنَا وِعَنْ أَيْمَانِنِا) أي طرف اليمين، ومن القاعدة أن الإنسان إذا تكلم عن نفسه وعن غيره جاء بالجمع فلا يقال ليس للإنسان أيمان وإنما يميناً (وَعَنْ شَمَائِلِنَا) جمع شمال (وَمِنْ جَمِيعِ نَوَاحِينَا) كطرف الرأس والرجل (حِفْظاً عَاصِماً) أي كان ذلك الحفظ موجباً للعصمة (مَنْ مَعْصِيَتِكَ) حتى لا نعصيك (هَادِياً) ذلك الحفظ ـ وهذا من باب الإعجاز كما لا يخفى ـ (إِلَىٰ طَاعَتِكَ، مُسْتَعْمِلاً) بصيغة اسم المفعول، أي قد استعمل ذلك الحفظ (لِمَحَبَّتِكَ) أي أن الكف عن العصيان والإتيان بالطاعة لأجل حبك لا رياءً ونحوه.

ـــــــــــ

أللّهُمَّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَوَفِّقْنَا فِي يَوْمِنَا هٰذَا وَلَيْلَتِنَا هٰذِهِ وَفِي جَمِيعِ أَيَّامِنَا لاسْتِعْمَالِ الْخَيْرِ، وَهِجْرَانِ ٱلشَّرِّ، وَشُكْرِ الْنِّعَمِ وَٱتِّبَاعِ ٱلسُّنَنِ وَمُجَانَبَةِ الْبِدَعِ، وَٱلأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَٱلنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَحِيَاطَةِ ٱلإِسْلاَمِ، وَٱنْتِقَاصِ الْبَاطِلِ وَإِذْلاَلِهِ، وَنُصْرَةِ الْحَقِّ وَإِعْزَازِهِ، وَإِرْشَادِ ٱلضَّالِّ، وَمُعَاوَنَةِ ٱلضَّعِيفِ، وَإِدْرَاكِ ٱللَّهِيفِ،

ـــــــــــ

(أللّهُمَّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَوَفِّقْنَا فِي يَوْمِنَا هٰذَا وَلَيْلَتِنَا هٰذِهِ وَفِي جَمِيعِ أَيَّامِنَا لاسْتِعْمَالِ الْخَيْرِ) بأن نعمل الخير (وَهِجْرَانِ ٱلشَّرِّ) بأن نهجره ونتركه (وَشُكْرِ الْنِّعَمِ) جمع نعمة (وَٱتِّبَاعِ ٱلسُّنَنِ) جمع سنّة وهي الطريقة التي قررها الإسلام لمختلف جوانب الحياة (وَمُجَانَبَةِ الْبِدَعِ) والبدعة النسبة إلى الدين ما ليس منه (وَٱلأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ) وهو كل حسن شرعاً أو عقلاً (وَٱلنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ) الذي حرّمه الشارع أو الأعم مثل ما تقدم (وَحِيَاطَةِ ٱلإِسْلاَمِ) أي حفظه عن المفاسد التي أُريدت للقضاء عليه (وَٱنْتِقَاصِ الْبَاطِلِ) أي بيان نقصه ليجتنبه الناس (وَإِذْلاَلِهِ) حتى لا يرغب فيه أحد (وَنُصْرَةِ الْحَقِّ) بترويجه (وَإِعْزَازِهِ) ليرغب فيه الناس (وَإِرْشَادِ ٱلضَّالِّ) الذي ضلّ عن الطريق (وَمُعَاوَنَةِ ٱلضَّعِيفِ) أي إعانته (وَإِدْرَاكِ ٱللَّهِيفِ) أي المظلوم برفع ظلامته.

ـــــــــــ

أللّهُمَّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَٱجْعَلْهُ أَيْمَنَ يَوْمٍ عَهِدْنَاهُ، وَأَفْضَلَ صَاحِبٍ صَحِبْنَاهُ، وَخَيْرَ وَقْتٍ ظَلَلْنَا فِيهِ، وَٱجْعَلْنَا مِنْ أَرْضَىٰ مَنْ مَرَّ عَلَيْهِ ٱللَّيْلُ وَٱلنَّهَارُ مِنْ جُمْلَةِ خَلْقِكَ، أَشْكَرَهُمْ لِمَا أَوْلَيْتَ مِنْ نِعَمِكَ، وَأَقْوَمَهُمْ بِمَا شَرَعْتَ مِنْ شَرَائِعِكَ، وَأَوْقَفَهُمْ عَمَّا حَذَّرْتَ مِنْ نَهْيِكَ،

ـــــــــــ

(أللّهُمَّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَٱجْعَلْهُ) أي اجعل هذا اليوم (أَيْمَنَ يَوْمٍ عَهِدْنَاهُ) أي أكثر يمناً وبركة من الأيام السابقة (وَأَفْضَلَ صَاحِبٍ صَحِبْنَاهُ) بأن توصل إلينا خيره، حتى يكون كأنه أحسن أصحابنا (وَخَيْرَ وَقْتٍ ظَلَلْنَا فِيهِ) أي كنا فيه (وَٱجْعَلْنَا مِنْ أَرْضَىٰ مَنْ مَرَّ عَلَيْهِ ٱللَّيْلُ وَٱلنَّهَارُ) أي أرضى الناس بالقضاء والقدر، فإن الرضا بهما يوجب سعادة الدنيا والآخرة (مِنْ جُمْلَةِ خَلْقِكَ) بيان [من مر] ثم بين معنى [أرضى] بقوله: (أَشْكَرَهُمْ) أي أكثر الناس شكراً (لِمَا أَوْلَيْتَ) وأعطيت (مِنْ نِعَمِكَ) بأن نشكر نعمك أكثر من شكر غيرنا لها (وَأَقْوَمَهُمْ بِمَا شَرَعْتَ مِنْ شَرَائِعِكَ) أي أكثر الناس قياماً بما شرعت من الأحكام، بتطبيق أحكامك كما أمرت (وَأَوْقَفَهُمْ عَمَّا حَذَّرْتَ مِنْ نَهْيِكَ) أي أكثر الناس وقوفاً عند المحرمات بعدم اختراقها واقترافها.

ـــــــــــ

أللّهُمَّ إِنِّي أُشْهِدُكَ وَكَفَىٰ بِكَ شَهِيداً، وَأُشْهِدُ سمَاءَكَ وَأَرْضَكَ وَمَنْ أَسْكَنْتَهُمَا مِنْ مَلاَئِكَتِكَ وَسَائِرِ خَلْقِكَ فِي يَوْمِي هٰذَا وَسَاعَتِي هٰذِهِ وَلَيْلَتِي هٰذِهِ وَمُسْتَقَرِّي هٰذَا، إِنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللهُ الَّذِي لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنْتَ، قَائِمٌ بِالْقِسْطِ، عَدْلٌ فِي الْحُكْمِ، رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ، مَالِكُ الْمُلْكِ، رَحِيمٌ بِالْخَلْقِ،

ـــــــــــ

(أللّهُمَّ إِنِّي أُشْهِدُكَ وَكَفَىٰ بِكَ شَهِيداً) إذ هو سبحانه شهيد صادق لا يضل ولا ينسى (وَأُشْهِدُ سمَاءَكَ وَأَرْضَكَ) فإن السماء والأرض ـ كما يظهر من الآيات والروايات ـ تعقل وإن كنا لا ندرك الكيفية (وَمَنْ أَسْكَنْتَهُمَا مِنْ مَلاَئِكَتِكَ وَسَائِرِ خَلْقِكَ) من الجن أو حتى الجمادات والحيوانات والنباتات، لأن لها من الإدراك كما يظهر من النصوص الشرعية (فِي يَوْمِي هٰذَا وَسَاعَتِي هٰذِهِ وَلَيْلَتِي هٰذِهِ وَمُسْتَقَرِّي هٰذَا) أي مكاني الذي أنا فيه مما هو استقراري (إِنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللهُ الَّذِي لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنْتَ) بلا شريك ولا شبيه (قَائِمٌ بِالْقِسْطِ) أي بالعدل، وكونه قائماً من باب تشبيه المعقول بالمحسوس، فكما أن الإنسان القائم على شيء لا يفوته خصوصيات ذلك الشيء كذلك الله سبحانه لا يفوته أي جزئي من الجزئيات حتى يتحقق ظلم أو جور هناك (عَدْلٌ فِي الْحُكْمِ) فإنك تحكم بالعدل، لا كالقضاة الذين يحكمون بالجور والظلم (رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ) الرأفة أدق من الرحمة، والمراد في الله سبحانه نتيجة الرأفة (مَالِكُ الْمُلْكِ) فإن الملك كله لله تعالى (رَحِيمٌ بِالْخَلْقِ) ترحمهم ولا تغلظ عليهم.

ـــــــــــ

وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ وَخِيرَتُكَ مِنْ خَلْقِكَ، حَمَّلْتَهُ رِسَالَتَكَ فَأَدَّاهَا، وَأَمَرْتَهُ بِٱلنُّصحِ لأُمَّتِهِ فَنَصَحَ لَهَا، أللّهُمَّ فَصَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ أَكْثَرَ مَا صَلَّيْتَ عَلَىٰ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ، وَآتِهِ عَنَّا أَفْضَلَ مَا آتَيْتَ أَحَداً مِنْ عِبَادِكَ، وَٱجْزِهِ عَنَّا أَفْضَلَ وَأَكْرَمَ مَا جَزَيْتَ أَحَداً مِنْ أَنْبِيَائِكَ عَنْ أُمَّتِهِ، إِنَّكَ أَنْتَ الْمَنَّانُ بِالْجَسِيمِ، الْغَافِرُ للْعَظِيمِ، وَأَنْتَ أَرْحَمُ مِنْ كُلِّ رَحِيمٍ، فَصَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ ٱلطَّيِّبِينَ ٱلطَّاهِرِينَ ٱلأَخْيَارِ ٱلأَنْجَبِينَ.

ـــــــــــ

(وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ) ولعلّ تقديم لفظ العبد في قبال النصارى الذين يجعلون المسيح ابناً لله أو شريكاً له تعالى (وَخِيرَتُكَ مِنْ خَلْقِكَ) أي الذي اخترته من جميع الخلق لجعله خاتم الرسل (حَمَّلْتَهُ رِسَالَتَكَ فَأَدَّاهَا) أي بيّنها للناس كما أمرت (وَأَمَرْتَهُ بِٱلنُّصحِ لأُمَّتِهِ) بأن يعمل عملاً ينفعهم (فَنَصَحَ) لها أي للأمة (أللّهُمَّ فَصَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ أَكْثَرَ مَا صَلَّيْتَ عَلَىٰ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ) وصلاة الله رحمته وفضله، ومن المعلوم أن النبي (صلى الله عليه وآله) يزداد مرتبة وقرباً بواسطة الصلوات عليه (وَآتِهِ) أي أعطه (عَنَّا) أي عن قبلنا حيث لم نتمكن نحن من إعطائه (أَفْضَلَ مَا آتَيْتَ) وأعطيت (أَحَداً مِنْ عِبَادِكَ) من الفضل والمقام والجاه والثواب (وَٱجْزِهِ عَنَّا) فإنه حيث تعب لأجلنا وجب أن نعطي جزاءه لكنا لا نتمكن من ذلك فنسألك أن تتفضّل بإجزائه عن قبلنا (أَفْضَلَ وَأَكْرَمَ مَا جَزَيْتَ أَحَداً مِنْ أَنْبِيَائِكَ عَنْ أُمَّتِهِ) أي عن قبل أمة أولئك الأنبياء (إِنَّكَ) يا رب (أَنْتَ الْمَنَّانُ) أي المعطي (بِالْجَسِيمِ) أي بالثواب العظيم (الْغَافِرُ للْعَظِيمِ) أي للذنب العظيم (وَأَنْتَ أَرْحَمُ مِنْ كُلِّ رَحِيمٍ، فَصَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ ٱلطَّيِّبِينَ) مقابل الخبيث وهو كدورة العنصر (ٱلطَّاهِرِينَ) مقابل النجس (ٱلأَخْيَارِ) جمع خيّر مقابل الشرير (ٱلأَنْجَبِينَ) من النجابة بمعنى العفة والنزاهة.