أفضل المواقع الشيعية

دعاء في الاعتراف وطلب التوبة إلى الله تعالى

 
السجادية

الدعاء مطابق للمصدر

الصحيفة
 

وكان من دعائه (عليه السلام) في الاعتراف وطلب التوبة إلى الله تعالى:

أَللّهُمَّ إِنَّهُ يَحْجُبُنِي عَنْ مَسْأَلَتِكَ خِلاَلٌ ثَلاَثٌ وَتَحْدُونِي عَلَيْهَا خِلَّةٌ وَاحِدَةٌ، يَحْجُبُنِي أَمْرٌ أَمَرْتَ بِهِ فَأَبْطَأْتُ عَنْهُ، وَنَهْيٌ نَهَيْتَنِي عَنْهُ فَأَسْرَعْتُ إِلَيْهِ، وَنِعْمَةٌ أَنْعَمْتَ بِهَا عَلَيَّ فَقَصَّرْتُ فِي شُكْرِهَا، وَيَحْدُونِي عَلَىٰ مَسْأَلَتِكَ تَفَضُّلُكَ عَلَىٰ مَنْ أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ إِلَيْكَ، وَوَفَدَ بِحُسْنِ ظَنِّهِ إِلَيْكَ، إِذْ جَمِيعُ إِحْسَانِكَ تَفَضُّلٌ وَإِذْ كُلُّ نِعَمِكَ ٱبْتِدَاءٌ،

ـــــــــــ

الشرح: (أَللّهُمَّ إِنَّهُ يَحْجُبُنِي عَنْ مَسْأَلَتِكَ) أي: يمنعني عن أن أسألك وأطلب منك حاجتي (خِلاَلٌ ثَلاَثٌ) خلال جمع خلة بمعنى: الصفة (وَتَحْدُونِي) أي: تحثني وتحرضني (عَلَيْهَا) أي: على المسألة (خِلَّةٌ) أي: صفة (وَاحِدَةٌ) أما ما (يَحْجُبُنِي) فهو (أَمْرٌ أَمَرْتَ بِهِ فَأَبْطَأْتُ عَنْهُ) أي لم أُسرع في إطاعة أمرك، وذلك مما يورث الخجل في أن يسأل الإنسان من لم يطعه (وَنَهْيٌ نَهَيْتَنِي عَنْهُ فَأَسْرَعْتُ إِلَيْهِ) بالعصيان والمخالفة، وقد تقدم أن مثل هذه الجمل إما أنها باعتبار المجموع لا أن الإمام (عليه السلام) يقصد نفسه، أو باعتبار ضروريات الجسد مما كان الأئمة (عليهم السلام) يرون أنفسهم فوق ذلك بالنسبة إلى مقام الربوبية، وقد ذكرنا تفصيل ذلك في كتاب (تقريب القرآن) حول عصمة الأنبياء (عليهم السلام) (وَنِعْمَةٌ أَنْعَمْتَ بِهَا عَلَيَّ فَقَصَّرْتُ فِي شُكْرِهَا) بأن لم أشكرها حق الشكر (وَيَحْدُونِي) أي: يحرضني (عَلَىٰ مَسْأَلَتِكَ) شيء واحد هو: (تَفَضُّلُكَ) وإحسانك بلا عوض (عَلَىٰ مَنْ أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ إِلَيْكَ، وَوَفَدَ بِحُسْنِ ظَنِّهِ إِلَيْكَ) بأن أتاك طالباً مهما كان عمله سيئاً (إِذْ جَمِيعُ إِحْسَانِكَ تَفَضُّلٌ) بلا عوض، وبدون أن تمنع عن العاصي (وَإِذْ كُلُّ نِعَمِكَ ٱبْتِدَاءٌ) منك لا أنها في مقابل شيء قام به العبد فاستحق بذلك النعمة والجزاء وإنما سمي الجزاء جزاءً مجازاً ومن باب المشابهة وإلاّ فالإنسان ملك لله يجب أن يعمل بأوامره بمقتضى العبودية، ولا جزاء للعبد إلاّ تفضلاً.

ـــــــــــ

فَهَا أَنَا ذَا يَا إِلَهِي، وَاقِفٌ بِبَابِ عِزِّكَ وُقُوفَ الْمُسْتَسْلِمِ ٱلذَّلِيلِ، وَسَائِلُكَ عَلَىٰ الْحَيَاءِ مِنِّي سُؤَالَ الْبَائِسِ الْمُعِيلِ، مُقِرٌ لَكَ بِأَنِّي لَمْ أَسْتَسْلِمْ، وَقْتَ إِحْسَانِكَ إِلاَّ بِالإِقْلاَعِ عَنْ عِصْيَانِكَ وَلَمْ أَخْلُ فِي الْحَالاَتِ كُلِّهَا مِنْ ٱمْتِنَانِكَ، فَهَلْ يَنْفَعُنِي يَا إِلَهِي! إِقْرَارِي عِنْدَكَ بِسُوءِ مَا ٱكْتَسَبْتُ؟ وَهَلْ يُنْجِينِي مِنْكَ ٱعْتِرَافِي لَكَ بِقَبِيحِ مَا ٱرْتَكَبْتُ؟ أَمْ أَوْجَبْتَ لِي فِي مَقَامِي هٰذَا سَخْطَكَ؟ أَمْ لَزِمَنِي فِي وَقْتَ دُعَائِي مَقْتُكَ،

ـــــــــــ

(فَهَا) الفاء للعطف والتفريع والهاء للتنبيه (أَنَا ذَا) إشارة إلى النفس لإيهامه كون الشفيع المتكلم غير المذنب المشفع له (يَا إِلَهِي، وَاقِفٌ بِبَابِ عِزِّكَ) كما يقف المذنب بباب السلطان (وُقُوفَ الْمُسْتَسْلِمِ) الذي أسلم نفسه للسلطان (ٱلذَّلِيلِ، وَسَائِلُكَ عَلَىٰ الْحَيَاءِ مِنِّي) أي مع استحيائي منك (سُؤَالَ الْبَائِسِ) أي الفقير (الْمُعِيلِ) أي الكثير العيال فإن سؤال مثله أولى بالإجابة لاضطراره من جهة عياله علاوة على اضطراره من جهة نفسه (مُقِرٌ لَكَ بِأَنِّي لَمْ أَسْتَسْلِمْ) ولم أنقد (وَقْتَ إِحْسَانِكَ) إليّ (إِلاَّ بِالإِقْلاَعِ عَنْ عِصْيَانِكَ) أي: إلاّ بأن تقلعني أنت عن العصيان فلم يكن مني استسلام مع أنك قد أحسنت إلي. وقيل في العبارة احتمالات أُخر، كما ربما يقال إن النسخة غير صحيحة (وَلَمْ أَخْلُ فِي الْحَالاَتِ كُلِّهَا مِنْ ٱمْتِنَانِكَ) بل كانت مننك وإحسانك إلي دائماً، ومنن جمع منة، والمراد بها النعمة (فَهَلْ يَنْفَعُنِي يَا إِلَهِي! إِقْرَارِي عِنْدَكَ بِسُوءِ مَا ٱكْتَسَبْتُ) بأن تعفو عني وتعطي حاجتي وهذا استفهام استرحامي معناه تفضّل علي بقبول توبتي لإقراري لك بالعصيان (وَهَلْ يُنْجِينِي مِنْكَ) أي من سخطك وعقابك (ٱعْتِرَافِي لَكَ بِقَبِيحِ مَا ٱرْتَكَبْتُ) من الآثام والأخطاء (أَمْ أَوْجَبْتَ لِي فِي مَقَامِي هٰذَا) الذي أسأل منك طلبتي (سَخْطَكَ) وغضبك مما تكون نتيجته العقاب وعدم إسعافي بحاجتي (أَمْ لَزِمَنِي فِي وَقْتَ دُعَائِي مَقْتُكَ) وطلب سؤالي منك (مَقْتُكَ) المقت بمعنى الغضب.

ـــــــــــ

سُبْحَانَكَ لاَ أَيْأَسُ مِنْكَ وَقَدْ فَتَحْتَ لِي بَابَ ٱلتَّوْبَةِ إِلَيْكَ، بَلْ أَقُولُ: مَقَالَ الْعَبْدِ ٱلذَّلِيلِ ٱلظَّالِمِ لِنَفْسِهِ الْمُسْتَخِفِّ بِحُرْمَةِ رَبِّهِ، الَّذِي عَظُمَتْ ذُنُوبُهُ فَجَلَّتْ، وَأَدْبَرَتْ أَيَّامُهُ فَوَلَّتْ، حَتَّى إِذَا رَأَىٰ مُدَّةَ الْعَمَلِ قَدْ ٱنْقَضَتْ، وَغَايَةَ الْعُمْرِ قَدِ ٱنْتَهَتْ وَأَيْقَنَ أَنَّهُ لاَ مَحِيصَ لَهُ مِنْكَ، وَلاَ مَهْرَبَ لَهُ عَنْكَ، تَلَقَّاكَ بِالإِنَابَةِ، وَأَخْلَصَ لَكَ ٱلتَّوْبَةَ، فَقَامَ إِلَيْكَ بِقَلْبٍ طَاهِرٍ نَقِي، ثُمَّ دَعَاكَ بِصَوْتٍ حَائِلٍ خَفِيٍّ،

ـــــــــــ

(سُبْحَانَكَ) أنت منزّه عن ذلك فإني (لاَ أَيْأَسُ مِنْكَ وَقَدْ فَتَحْتَ لِي بَابَ ٱلتَّوْبَةِ إِلَيْكَ) فإن الإعلان بقبول التوبة يوجب عدم اليأس قال سبحانه: ﴿يا عبادي الذي أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله﴾ [1] وقال: ﴿لا ييأس من روح الله إلاّ القوم الكافرون﴾ [2] (بَلْ أَقُولُ: مَقَالَ الْعَبْدِ ٱلذَّلِيلِ) أي: مثل قول العبد الذليل (ٱلظَّالِمِ لِنَفْسِهِ) بالمعصية فإن العصيان ظلم للنفس لتعريضها في معرض العقاب (الْمُسْتَخِفِّ بِحُرْمَةِ رَبِّهِ) فإن في العصيان استخفاف وإن لم يقصد العاصي ذلك (الَّذِي عَظُمَتْ ذُنُوبُهُ فَجَلَّتْ) أي صارت الذنوب جليلة كبيرة، والمراد بها شيء فوق العظمة (وَأَدْبَرَتْ أَيَّامُهُ فَوَلَّتْ) أي انقضت وخلصت، بأن ذهب العمر وبقي الإثم (حَتَّى إِذَا رَأَىٰ مُدَّةَ الْعَمَلِ قَدْ ٱنْقَضَتْ) وتمت (وَغَايَةَ الْعُمْرِ قَدِ ٱنْتَهَتْ) للغاية إطلاقان: إطلاق بمعنى الأخير، وإطلاق بمعنى الامتداد، والمراد هنا الثاني (وَأَيْقَنَ أَنَّهُ لاَ مَحِيصَ لَهُ) أي: لا مفر له (مِنْكَ) ومن عقابك (وَلاَ مَهْرَبَ لَهُ عَنْكَ) مصدر ميمي أو اسم مكان، أي: لا هروب، أو لا محل للهروب (تَلَقَّاكَ بِالإِنَابَةِ) أي: جاء إليك تائباً، فإن الإنابة بمعنى الرجوع (وَأَخْلَصَ لَكَ ٱلتَّوْبَةَ) بأن كانت توبته توبة مخلص لا توبة منافق (فَقَامَ إِلَيْكَ بِقَلْبٍ طَاهِرٍ نَقِي) ليس فيه من أدران النفاق والكذب (ثُمَّ دَعَاكَ بِصَوْتٍ حَائِلٍ) أي ضعيف (خَفِيٍّ) يخفيه خجلاً.

ـــــــــــ

قَدْ تَطَأْطَأَ لَكَ فَٱنْحَنَىٰ، وَنَكَّسَ رَأْسَهُ فَٱنْثَنَىٰ، وَقَدْ أَرْعَشَتْ خَشْيَتُهُ رِجْلَيْهِ، وَغَرَّقَتْ دُمُوعُهُ خَدَّيْهِ يَدْعُوكَ بـِ: يَا أَرْحَمَ ٱلرَّاحِمِينَ، وَيَا أَرْحَمَ مَنِ ٱنْتَابَهُ الْمُسْتَرْحِمُونَ، وَيَا أَعْطَفَ مَنْ أَطَافَ بِهِ الْمُسْتَغْفِرُون، وَيَا مَنْ عَفْوُهُ أَكْثَرُ مِنْ نَقِمَتِهِ، وَيَا مَنْ رِضَاهُ أَوْفَرُ مِنْ سَخَطِهِ، وَيَا مَنْ تَحَمَّدَ إِلَىٰ خَلْقِهِ بِحُسْنِ ٱلتَّجَاوُزِ، وَيَا مَنْ عَوَّدَ عِبَادَهُ قَبُولَ الإِنَابَةِ،

ـــــــــــ

(قَدْ تَطَأْطَأَ لَكَ) أي: خضع (فَٱنْحَنَىٰ) فإن المتواضع ينحني إجلالاً لمن تواضع له (وَنَكَّسَ رَأْسَهُ) بأن ألقاها على صدره (فَٱنْثَنَىٰ) فإن الرقبة في حالة النكس تنثني َقَدْ أَرْعَشَتْ خَشْيَتُهُ رِجْلَيْهِ) فإن الخائف ترتعش رجلاه (وَغَرَّقَتْ دُمُوعُهُ خَدَّيْهِ) بأن سالت الدموع الكثيرة حتى اختفت خداه تحت الماء (يَدْعُوكَ بـِ) لفظة (يَا أَرْحَمَ ٱلرَّاحِمِينَ) ارحمني وتقبل عذري (وَيَا أَرْحَمَ مَنِ ٱنْتَابَهُ) أي: قصده على التناوب والنوبة بأن يذهب هذا فيأتي الثاني وهكذا (الْمُسْتَرْحِمُونَ) الذين يطلبون الرحمة (وَيَا أَعْطَفَ) العطف: الميل، وميله سبحانه نحو عبده إنما هو برحمته وغفرانه (مَنْ أَطَافَ بِهِ الْمُسْتَغْفِرُون) والتائه يطوف حول البيت أو الشخص، علّه يجد محلاً للتمسك والالتجاء (وَيَا مَنْ عَفْوُهُ أَكْثَرُ مِنْ نَقِمَتِهِ) وغضبه (وَيَا مَنْ رِضَاهُ أَوْفَرُ) أي: أزيد، من الوافر بمعنى الكثير (مِنْ سَخَطِهِ) أي: غضبه (وَيَا مَنْ تَحَمَّدَ إِلَىٰ خَلْقِهِ) أي: أظهر حمده لهم بمعنى إظهار الفعل الذي يوجب الحمد (بِحُسْنِ ٱلتَّجَاوُزِ) فإن التجاوز الحسن عن المذنب يوجب حمده لمن تجاوز وعفا (وَيَا مَنْ عَوَّدَ عِبَادَهُ قَبُولَ الإِنَابَةِ) والتوبة، فكلما عصوا وأنابوا قبل توبتهم.

ـــــــــــ

وَيَا مَنِ ٱسْتَصْلَحَ فَاسِدَهُمْ بِٱلتَّوبَةِ، وَيَا مَنْ رَضِيَ مِنْ فِعْلِهِمْ بِالْيَسِيرِ، وَيَا مَنْ كَافَأَ قَلِيلَهُمْ بِالْكَثِيرِ، وَيَا مَنْ ضَمِنَ لَهُمْ إِجَابَةَ ٱلدُّعَاءِ، وَيَا مَنْ وَعَدَهُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ بِتَفَضُّلِهِ حُسْنَ الْجَزَاءِ، مَا أَنَا بِأَعْصَىٰ مَنْ عَصَاكَ فَغَفَرْتَ لَهُ، وَمَا أَنَا بِأَلْوَمَ مَنْ ٱعْتَذَرَ إِلَيْكَ فَقَبِلْتَ مِنْهُ، وَمَا أَنَا بِأَظْلَمَ مَنْ تَابَ إِلَيْكَ فَعُدْتَ عَلَيْهِ، أَتُوبُ إِلَيْكَ فِي مَقَامِي هٰذَا تَوْبَةَ نَادِمٍ عَلَىٰ مَا فَرَطَ مِنْهُ مُشْفِقٍ مِمَّا ٱجْتَمَعَ عَلَيْهِ،

ـــــــــــ

(وَيَا مَنِ ٱسْتَصْلَحَ فَاسِدَهُمْ) أي: طلب إصلاحه (بِٱلتَّوبَةِ) بأن قال لهم: أصلحوا أنفسكم بالتوبة، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له (وَيَا مَنْ رَضِيَ مِنْ فِعْلِهِمْ بِالْيَسِيرِ) أي: بأعمال صالحة يسيرة عليهم كما قال سبحانه ﴿يريد الله بكم اليسر﴾ (وَيَا مَنْ كَافَأَ) أي: قابل (قَلِيلَهُمْ) أي: عملهم القليل (بِالْكَثِيرِ) فقرر لهم جزاءً كثيراً في مقابل طاعة قليلة منهم (وَيَا مَنْ ضَمِنَ لَهُمْ إِجَابَةَ ٱلدُّعَاءِ) فقد قال سبحانه: ﴿ادعوني أستجب لكم﴾ [3] (وَيَا مَنْ وَعَدَهُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ بِتَفَضُّلِهِ) أي: بإعطائه إياهم فضلاً وإحساناً لا بالاستحقاق (حُسْنَ الْجَزَاءِ) أي: الجزاء الحسن (مَا أَنَا بِأَعْصَىٰ مَنْ عَصَاكَ) أي: بأكثر العاصين معصيةً (فَغَفَرْتَ لَهُ) بل هناك أعصى مني وقد غفرت له (وَمَا أَنَا بِأَلْوَمَ مَنْ ٱعْتَذَرَ إِلَيْكَ) أي بأكثر المعتذرين لئامة ودناءة (فَقَبِلْتَ مِنْهُ) مع لئامته (وَمَا أَنَا بِأَظْلَمَ مَنْ تَابَ إِلَيْكَ) أي: بأكثر التائبين ظلماً (فَعُدْتَ) من عاد يعود (عَلَيْهِ) بقبول التوبة (أَتُوبُ إِلَيْكَ فِي مَقَامِي هٰذَا تَوْبَةَ نَادِمٍ عَلَىٰ مَا فَرَطَ مِنْهُ) أي: سبق منه العصيان (مُشْفِقٍ) أي: خائف (مِمَّا ٱجْتَمَعَ عَلَيْهِ) من الذنوب والآثام.

ـــــــــــ

خَالِصِ الْحَيَاءِ مِمَّا وَقَعَ فِيهِ، عَالِمٍ بِأَنَّ الْعَفْوَ عَنِ ٱلذَّنْبِ الْعَظِيمِ لاَ يَتَعَاظَمُكَ، وَأَنَّ ٱلتَّجَاوُزَ عَنِ الإِثمِْ الْجَلِيلِ لاَ يَسْتَصْعِبُكَ، وَأَنَّ ٱحْتِمَالَ الْجِنَايَاتِ الْفَاحِشَةِ لاَ يَتَكَأَّدُكَ، وَأَنَّ أَحَبَّ عِبَادِكَ إِلَيْكَ مَنْ تَرَكَ الإِسْتِكْبَارَ عَلَيْكَ، وَجَانَبَ الإِصْرَارَ، وَلَزِمَ الإِسْتِغْفَارَ، وَأَنَا أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِنْ أَنْ أَسْتَكْبِرَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ أُصِرَّ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا قَصَّرْتُ فِيهِ وَأَسْتَعِينُ بِكَ عَلَىٰ مَا عَجَزْتُ عَنْهُ،

ـــــــــــ

(خَالِصِ الْحَيَاءِ) أي: له حياء خالص لا يشوبه التظاهر والنفاق ومخالفة الباطن للظاهر (مِمَّا وَقَعَ فِيهِ) من المعاصي (عَالِمٍ بِأَنَّ الْعَفْوَ عَنِ ٱلذَّنْبِ الْعَظِيمِ لاَ يَتَعَاظَمُكَ) أي: لا يعظم عليك (وَأَنَّ ٱلتَّجَاوُزَ عَنِ الإِثمِْ الْجَلِيلِ) أي: الكبير (لاَ يَسْتَصْعِبُكَ) أي: لا يصعب عليك (وَأَنَّ ٱحْتِمَالَ الْجِنَايَاتِ الْفَاحِشَةِ) أي: احتمالك لمعاصي العباد التي تجاوزت عن الحد، فإن فحش بمعنى: تجاوز (لاَ يَتَكَأَّدُكَ) أي: لا يثقل عليك (وَأَنَّ أَحَبَّ عِبَادِكَ إِلَيْكَ) يا رب (مَنْ تَرَكَ الإِسْتِكْبَارَ عَلَيْكَ) بأن لم يتكبر عليك فيرى نفسه فوق أن يطيعك (وَجَانَبَ الإِصْرَارَ) أي: ابتعد عن الإصرار على المعاصي (وَلَزِمَ الإِسْتِغْفَارَ) بأن كان دائم الاستغفار (وَأَنَا أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِنْ أَنْ أَسْتَكْبِرَ) أي: أُظهر لك عدم تكبري عليك (وَأَعُوذُ بِكَ) أي: ألتجأ إليك في أن تعاونني (مِنْ أَنْ أُصِرَّ) على المعصية بأن آتي بها مستمراً من غير ندم وتوبة (وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا قَصَّرْتُ فِيهِ) من طاعتك وعبادتك (وَأَسْتَعِينُ بِكَ عَلَىٰ مَا عَجَزْتُ عَنْهُ) أي: أطلب منك أن تعينني لأن أؤدّي حقك ما لا أقدر على أدائه بدون عونك الخاص.

ـــــــــــ

أَللّهُمَّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَهَبْ لِي مَا يَجِبُ عَلَيَّ لَكَ، وَعَافِنِي مِمَّا ٱسْتَوْجِبُهُ مِنْكَ، وَأَجِرْنِي مِمَّا يَخَافُهُ أَهْلُ الإِسَاءَةِ فَإِنَّكَ مَلِيءٌ بِالْعَفْوِ، مَرْجُوٌ لِلْمَغْفِرَةِ، مَعْروُفٌ بِٱلتَّجَاوُزِ لَيْسَ لِحَاجَتِي مَطْلَبٌ سِوَاكَ، وَلاَ لِذَنْبِي غَافِرٌ غَيْرُكَ، حَاشَاكَ، وَلاَ أَخَافُ عَلَىٰ نَفْسِي إِلاَّ إِيَّاكَ، إِنَّكَ أَهْلُ ٱلتَّقْوَىٰ وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ،

ـــــــــــ

(أَللّهُمَّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَهَبْ لِي مَا يَجِبُ عَلَيَّ لَكَ) أي: أعطني الشيء الذي أتمكن به من الإتيان بفرائضك (وَعَافِنِي مِمَّا ٱسْتَوْجِبُهُ مِنْكَ) أي: اعفني من العقاب الذي أستوجبه منك بسبب أخطائي (وَأَجِرْنِي) أي: احفظني (مِمَّا يَخَافُهُ أَهْلُ الإِسَاءَةِ) من عقابك (فَإِنَّكَ مَلِيءٌ بِالْعَفْوِ) مليء: من باب تشبيه المعقول بالمحسوس، كما يقال فلان مليء غضباً، أو علماً، أو ما أشبه، من باب التشبيه بالإناء المملوء بالماء وشبهه (مَرْجُوٌ لِلْمَغْفِرَةِ) يرجاه الإنسان للغفران (مَعْروُفٌ بِٱلتَّجَاوُزِ) عن المسيء وعدم تأديبه وعقابه (لَيْسَ لِحَاجَتِي مَطْلَبٌ) أي: على طلب (سِوَاكَ) فإنك الذي تتمكن من إعطاء حاجتي (وَلاَ لِذَنْبِي غَافِرٌ غَيْرُكَ) فإن المغفرة كلها بيدك (حَاشَاكَ) أي: حاشا أن يكون هناك غافر غيرك (وَلاَ أَخَافُ عَلَىٰ نَفْسِي إِلاَّ إِيَّاكَ) فإن الذي ينبغي أن يخاف منه هو الله سبحانه (إِنَّكَ أَهْلُ ٱلتَّقْوَىٰ) أي: أهل لأن يتقى منك ويخشى من عقابك (وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) أي: أهل لأن تغفر الذنوب.

ـــــــــــ

وَصَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَٱقْضِ حَاجَتِي، وَأَنْجِحْ طَلِبَتِي، وَٱغْفِرْ ذَنْبِي، وَآمِنْ خَوْفَ نَفْسِي، إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَذَلِك عَلَيْكَ يَسِيرٌ، آمِينَ رَبَّ الْعَالَمِينَ.

ـــــــــــ

(وَصَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَٱقْضِ حَاجَتِي) التي طلبتها منك، والمراد جنس الحاجة (وَأَنْجِحْ طَلِبَتِي) أي: أعط ما طلبته منك (وَٱغْفِرْ ذَنْبِي) الذي أذنبته (وَآمِنْ خَوْفَ نَفْسِي) بأن أوجب عليَّ الجنة حتى آمن ولا أخاف (إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَذَلِك) الذي طلبته (عَلَيْكَ يَسِيرٌ) لا يشق عليك (آمِينَ) أي: استجب فإنه اسم فعل أمر بمعنى الاستجابة، يا (رَبَّ الْعَالَمِينَ).

ـــــــــــ

[1] ـ سورة الزمر، آية: 53.

[2] ـ سورة يوسف، آية: 87.

[3] ـ سورة غافر، آية: 60.