أفضل المواقع الشيعية

دعاء إذا استقال من ذنوبه أو تضرّع في طلب العفو عن عيوبه

 
السجادية

الدعاء مطابق للمصدر

الصحيفة
 

وكان من دعائه (عليه السلام) إذا استقال من ذنوبه أو تضرّع في طلب العفو عن عيوبه:

أَللّهُمَّ يَا مَنْ بِرَحْمَتِهِ يَسْتَغِيثُ الْمُذْنِبُونَ، وَيَا مَنْ إِلَىٰ ذِكْرِ إِحْسَانِهِ يَفْزَعُ الْمُضْطَرُّونَ، وَيَا مَنْ لِخِيفَتِهِ يَنْتَحِبُ الْخَاطِئُونَ، يَا أُنْسَ كُلِّ مُسْتَوحِشٍ غَرِيبٍ، وَيَا فَرَجَ كُلِّ مَكْرُوبٍ كَئِيبٍ، وَيَا غَوْثَ كُلِّ مَخْذُولٍ فَرِيدٍ، وَيَا عَضُدَ كُلِّ مُحْتَاجٍ طَرِيدٍ، أَنْتَ ٱلَّذِي وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً،

ـــــــــــ

الشرح: (أَللّهُمَّ يَا مَنْ بِرَحْمَتِهِ يَسْتَغِيثُ الْمُذْنِبُونَ) الاستغاثة: طلب الغوث والخلاص من الشدة (وَيَا مَنْ إِلَىٰ ذِكْرِ إِحْسَانِهِ يَفْزَعُ الْمُضْطَرُّونَ) فإن المضطر يتوجه إلى ذكر إحسان الله تعالى طالباً منه العون والإحسان (وَيَا مَنْ لِخِيفَتِهِ) أي: لأجل الخوف منه (يَنْتَحِبُ) أي: يبكي بصوت (الْخَاطِئُونَ) الذين أذنبوا (يَا أُنْسَ كُلِّ مُسْتَوحِشٍ غَرِيبٍ) فإن الإنسان يأنس بذكر الله تعالى فتزول عن قلبه الوحشة (وَيَا فَرَجَ كُلِّ مَكْرُوبٍ) الذي ناله الكرب والهم (كَئِيبٍ) أي: حزين، والمعنى كونه تعالى ذا فرج (وَيَا غَوْثَ كُلِّ مَخْذُولٍ) خذله الناس فلم ينصروه (فَرِيدٍ) أي: وحيد لا عون له (وَيَا عَضُدَ كُلِّ مُحْتَاجٍ طَرِيدٍ) قد طرده الناس وبعدوه، ومعنى العضد: القوة والعون (أنت الذي وسعت كل شيءٍ رحمةً وعلماً) فرحمتك عامة لكل شيء وعلمك يشمل جميع المعلومات.

ـــــــــــ

وَأَنْتَ ٱلَّذِي جَعَلْتَ لِكُلِّ مَخْلُوقٍ فِي نِعَمِكَ سَهْماً، وَأَنْتَ ٱلَّذِي عَفْوُهُ أَعْلَىٰ مِنْ عِقَابِهِ، وَأَنْتَ ٱلَّذِي تَسْعَىٰ رَحْمَتُهُ أَمَامَ غَضَبِهِ، وَأَنْتَ ٱلَّذِي عَطَاؤُهُ أَكْثَرُ مِنْ مَنْعِهِ، وَأَنْتَ ٱلَّذِي ٱتَّسَعَ الْخَلاَئِقُ كُلُّهُمْ فِي وُسْعِهِ، وَأَنْتَ ٱلَّذِي لاَ يَرْغَبُ فِي جَزَاءِ مَنْ أَعْطَاهُ، وَأَنْتَ ٱلَّذِي لاَ يُفْرِطُ فِي عِقَابِ مَنْ عَصَاهُ،

ـــــــــــ

(وَأَنْتَ ٱلَّذِي جَعَلْتَ لِكُلِّ مَخْلُوقٍ فِي نِعَمِكَ سَهْماً) أي: حصة فكل مخلوق يتنعم بنعمك (وَأَنْتَ ٱلَّذِي عَفْوُهُ أَعْلَىٰ مِنْ عِقَابِهِ) لأنه أكثر فكأنه أزيد وأعلى (وَأَنْتَ ٱلَّذِي تَسْعَىٰ رَحْمَتُهُ أَمَامَ غَضَبِهِ) وهذا كناية عن لطفه سبحانه بالرحمة قبل أن يغضب (وَأَنْتَ ٱلَّذِي عَطَاؤُهُ أَكْثَرُ مِنْ مَنْعِهِ) وإنما يمنع للحكمة والصلاح لا للعدم والبخل (وَأَنْتَ ٱلَّذِي ٱتَّسَعَ الْخَلاَئِقُ كُلُّهُمْ فِي وُسْعِهِ) فإن سعة لطفه وفضله شامل لكل الخلائق (وَأَنْتَ ٱلَّذِي لاَ يَرْغَبُ فِي جَزَاءِ مَنْ أَعْطَاهُ) فإنه تعالى يعطي بدون أن يريد العوض والجزاء (وَأَنْتَ ٱلَّذِي لاَ يُفْرِطُ فِي عِقَابِ مَنْ عَصَاهُ) بأن يعاقب فوق القدر الذي استحقه العاصي.

ـــــــــــ

وَأَنَا يَا إِلَهِي عَبْدُكَ ٱلَّذِي أَمَرْتَهُ بِٱلدُّعَاءِ فَقَالَ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، هَا أَنَا ذَا يَا رَبِّ، مَطْرُوحٌ بَيْنَ يَدَيْكَ، أَنَا ٱلَّذِي أَوْقَرَتِ الْخَطَايَا ظَهْرَهُ، وَأَنَا ٱلَّذِي أَفْنَتِ الْذُّنُوبُ عُمْرَهُ، وَأَنَا ٱلَّذِي بِجَهْلِهِ عَصَاكَ وَلَمْ تَكُنْ أَهْلاً مِنْهُ لِذَاكَ، هَلْ أَنْتَ يَا إِلَهِي رَاحِمٌ مَنْ دَعَاكَ فَأُبْلِغَ فِي ٱلدُّعَاءِ؟،

ـــــــــــ

(وَأَنَا يَا إِلَهِي عَبْدُكَ ٱلَّذِي أَمَرْتَهُ بِٱلدُّعَاءِ) أي: بأن يدعوك ويتضرع إليك (فَقَالَ: لَبَّيْكَ) أي: تلبية بعد تلبية بمعنى إجابة بعد إجابة، وأصله: لبيني لك (وَسَعْدَيْكَ) أي سعداً بعد سعد (هَا أَنَا ذَا يَا رَبِّ، مَطْرُوحٌ بَيْنَ يَدَيْكَ) أي: في أمامك، ولفظة (مطروح) للتواضع والخضوع (أَنَا ٱلَّذِي أَوْقَرَتِ) أي: أثقلت (الْخَطَايَا ظَهْرَهُ) وهذا من باب تشبيه المعقول بالمحسوس فإن الحمل لما كان على الظهر، شبّه به الخطيئة (وَأَنَا ٱلَّذِي أَفْنَتِ) الإفثاء إسكان غليان القدر (الْذُّنُوبُ عُمْرَهُ) كناية عن أن عمره تصرم بالخطايا حتى كأن عمره سكن بسبب الذنوب، وفي بعض النسخ [أفنت] بالنون لا بالثاء (وَأَنَا ٱلَّذِي بِجَهْلِهِ عَصَاكَ) أي: عصاك بسبب جهله، إذ لو كان الإنسان عالماً بعاقبة الذنوب لما عصى (وَلَمْ تَكُنْ أَهْلاً مِنْهُ) أي: من ناحية العبد (لِذَاكَ) العصيان، فإنه سبحانه ليس أهلاً لأن يعصى (هَلْ أَنْتَ يَا إِلَهِي رَاحِمٌ مَنْ دَعَاكَ) استفهام بمعنى التضرع والطلب (فَأُبْلِغَ فِي ٱلدُّعَاءِ) أي: أُبالغ فيه حتى يصل إلى منتهى درجة الإمكان.

ـــــــــــ

أَمْ أَنْتَ غَافِرٌ لِمَنْ بَكَاكَ فَأُسْرِعَ فِي الْبُكَاءِ؟ أَمْ أَنْتَ مُتَجَاوِزٌ عَمَّنْ عَفَّرَ لَكَ وَجْهَهُ تَذَلُّلاً؟ أَمْ أَنْتَ مُغْنٍ مَنْ شَكَا إِلَيْكَ فَقْرَهُ تَوَكُّلاً؟ إِلَهِي لاَ تُخَيِّبْ مَنْ لاَ يَجِدُ مُعْطِياً غَيْرَكَ، وَلاَ تَخْذُلْ مَنْ لاَ يَسْتَغْنِي عَنْكَ بِأَحَدٍ دُونَكَ، إِلَهِي فَصَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَلاَ تُعْرِضُ عَنِّي وَقَدْ أَقْبَلْتُ عَلَيْكَ، وَلاَ تَحْرِمْنِي وَقَدْ رَغِبْتُ إِلَيْكَ، وَلاَ تَجْبَهْنِي بِٱلرَّدِّ وَقَدِ ٱنْتَصَبْتُ بَيْنَ يَدَيْكَ أَنْتَ ٱلَّذِي وَصَفْتَ نَفْسَكَ بِٱلرَّحْمَةِ،

ـــــــــــ

(أَمْ أَنْتَ غَافِرٌ لِمَنْ بَكَاكَ) أي: بكى من خوفك (فَأُسْرِعَ فِي الْبُكَاءِ) حتى تعفو عني (أَمْ أَنْتَ مُتَجَاوِزٌ عَمَّنْ عَفَّرَ لَكَ وَجْهَهُ) أي: قلّبه بالتراب (تَذَلُّلاً) أي: لأجل إظهار الذلة لديك (أَمْ أَنْتَ مُغْنٍ) أي: تغني (مَنْ شَكَا إِلَيْكَ فَقْرَهُ) أي: أظهر فقره إليك مريداً منك رفعه (تَوَكُّلاً) أي: متوكلاً عليك في رفع فقره (إِلَهِي لاَ تُخَيِّبْ) التخييب عدم إعطاء الحاجة (مَنْ لاَ يَجِدُ مُعْطِياً غَيْرَكَ) فإن المعطي الحقيقي منحصر فيه سبحانه (وَلاَ تَخْذُلْ مَنْ لاَ يَسْتَغْنِي عَنْكَ بِأَحَدٍ دُونَكَ) فإن الناصر الحقيقي هو الله سبحانه (إِلَهِي فَصَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَلاَ تُعْرِضُ عَنِّي) بعدم إعطاء حاجتي (وَقَدْ أَقْبَلْتُ عَلَيْكَ) بالدعاء والضراعة (وَلاَ تَحْرِمْنِي وَقَدْ رَغِبْتُ إِلَيْكَ) أي: صرفت ميلي إلى ذاتك المقدسة (وَلاَ تَجْبَهْنِي بِٱلرَّدِّ) يقال: جبهه إذا رده، والأصل فيه الضرب على جبهة الطرف إذا أريد طرده (وَقَدِ ٱنْتَصَبْتُ) أي: قمت (بَيْنَ يَدَيْكَ) أي: أمامك (أَنْتَ ٱلَّذِي وَصَفْتَ نَفْسَكَ بِٱلرَّحْمَةِ) كما قال سبحانه: ﴿يجد الله غفوراً رحيماً﴾ [1] إلى غيرها من الآيات.

ـــــــــــ

فَصَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَٱرْحَمْنِي وَأَنْتَ ٱلَّذِي سَمَّيْتَ نَفْسَكَ بِالْعَفْوِ فَٱعْفُ عَنِّي، قَدْ تَرِىٰ يَا إِلَهِي، فَيْضَ دَمْعِي مِنْ خِيفَتِكَ، وَوَجِيبَ قَلْبِي مِنْ خَشْيَتِكَ وَٱنْتِفَاضَ جَوَارِحِي مِنْ هَيْبَتِكَ، كُلُّ ذَلِكَ حَيَاءً مِنْكَ لِسُوءٍ عَمَلِي، وَلِذَلِكَ خَمَدَ صَوْتِي عَنِ الْجَأْرِ إِلَيْكَ، وَكَلَّ لِسَانِي عَنْ مُنَاجَاتِكَ،

ـــــــــــ

(فَصَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَٱرْحَمْنِي) والرحمة تشمل العفو عن الذنب كما تشمل تكميل الناقص (وَأَنْتَ ٱلَّذِي سَمَّيْتَ نَفْسَكَ بِالْعَفْوِ) بمعنى الذي يعفو عن الذنوب (فاعف عني) ولا تؤاخذني بسيئات عملي (قَدْ تَرِىٰ) [قد] هنا للتحقيق، كقوله: ﴿قد يعلم الله الذين يتسللون﴾ [2] (يَا إِلَهِي، فَيْضَ دَمْعِي) أي: سيلان دموعي (مِنْ خِيفَتِكَ) أي: من خوفك (وَوَجِيبَ قَلْبِي) أي: خفقانه واضطرابه (مِنْ خَشْيَتِكَ) وخوفك (وَٱنْتِفَاضَ جَوَارِحِي) من النقض مقابل البناء، والمراد: انخلاع بعضها عن بعض، كما قد يحس الإنسان الواهن (مِنْ هَيْبَتِكَ) وخوفك (كُلُّ ذَلِكَ حَيَاءً مِنْكَ) فإني أستحي منك لما عملته (لِسُوءٍ عَمَلِي) أي: عملي السيئ (وَلِذَلِكَ) أي: للخجل (خَمَدَ) وخفي (صَوْتِي عَنِ الْجَأْرِ إِلَيْكَ) الجأر: رفع الصوت بالاستغاثة (وَكَلَّ) أي: عيي ولم يقدر (لِسَانِي عَنْ مُنَاجَاتِكَ) أي: عن التكلم معك سراً.

ـــــــــــ

يَا إِلَهِي فَلَكَ الْحَمْدُ فَكَمْ مِنْ عَائِبَةٍ سَتَرْتَهَا عَلَيَّ فَلَمْ تَفْضَحْنِي، وَكَمْ مِنْ ذَنْبٍ غَطَّيْتَهُ عَلَيَّ فَلَمْ تَشْهَرْنِي، وَكَمْ مَنْ شَائِبَةٍ أَلْمَمْتُ بِهَا فَلَمْ تَهْتِكْ عَنِّي سِتْرَهَا، وَلَمْ تُقَلِّدْنِي مَكْرُوهَ شَنَارِهَا، وَلَمْ تُبْدَ سَوْأَتَهَا لِمَنْ يَلْتَمِسُ مَعَايِبِي مِنْ جِيرَتِي وَحَسَدَةِ نِعْمَتِكَ عِنْدِي، ثُمَّ لَمْ يَنْهَنِي ذَلِكَ عَنْ أَنْ جَرَيْتُ إِلَىٰ سُوءِ مَا عَهِدْتَ مِنِّي!!، فَمَنْ أَجْهَلُ مِنِّي، يَا إِلَهِي بِرُشْدِهِ؟

ـــــــــــ

(يَا إِلَهِي فَلَكَ الْحَمْدُ فَكَمْ مِنْ عَائِبَةٍ سَتَرْتَهَا عَلَيَّ فَلَمْ تَفْضَحْنِي) أي: صفة توجب العيب لم تبدها أمام الناس (وَكَمْ مِنْ ذَنْبٍ غَطَّيْتَهُ) أي: أخفيته تحت الغطاء (عَلَيَّ فَلَمْ تَشْهَرْنِي) أي: لم تجعلني مشهوراً عند الناس بذلك الذنب (وَكَمْ مَنْ شَائِبَةٍ) أي: دنس، خلاف الصافي (أَلْمَمْتُ بِهَا) أي عملتها (فَلَمْ تَهْتِكْ عَنِّي سِتْرَهَا) أي: الستر الذي جعلته على تلك الشائبة (وَلَمْ تُقَلِّدْنِي مَكْرُوهَ شَنَارِهَا) الشنار: العار، والتقليد جعل الشيء قلادة في عنق الإنسان، أي: لم تفضحني بذلك العار حتى يرى كل أحد قلادته في عنقي (وَلَمْ تُبْدَ) أي: لم تظهر (سَوْأَتَهَا) أي: سوء تلك الشائبة (لِمَنْ يَلْتَمِسُ) ويتطلب (مَعَايِبِي مِنْ جِيرَتِي) جمع جار (وَحَسَدَةِ نِعْمَتِكَ عِنْدِي) حسدة: جمع حاسد، أي: الذين يحسدوني لأنك أنعمت عليّ (ثُمَّ لَمْ يَنْهَنِي ذَلِكَ) الفضل الذي تفضلت عليّ من إخفاء عيوبي (عَنْ أَنْ جَرَيْتُ إِلَىٰ سُوءِ مَا عَهِدْتَ مِنِّي) بأن استمررت في الإتيان بالسيئات على ما كنت تعهد مني من الإساءة والإتيان بالذنب (فَمَنْ أَجْهَلُ مِنِّي، يَا إِلَهِي بِرُشْدِهِ) أي: أنا أكثر الناس جهلاً بما يوجب رشده وهدايته.

ـــــــــــ

وَمَنْ أَغْفَلُ مِنِّي عَنْ حَظِّهِ؟ وَمَنْ أَبْعَدُ مِنِّي مِنْ ٱسْتِصْلاَحِ نَفْسِهِ حِينَ أُنْفِقُ مَا أَجْرَيْتَ عَلَيَّ مِنْ رِزْقِكَ فِي مَا نَهَيْتَنِي عَنْهُ مِنْ مَعْصِيَتِكَ؟ وَمَنْ أَبْعَدُ غَوْراً فِي الْبَاطِلِ، وَأَشَدُّ إِقْدَاماً عَلَىٰ ٱلسُّوءِ مِنِّي حِينَ أَقِفُ بَيْنَ دَعْوَتِكَ وَدَعْوَةِ ٱلشَّيْطَانِ فَأَتَّبِعُ دَعْوَتَهُ عَلَىٰ غَيْرِ عَمىً مِنِّي فِي مَعْرِفَةٍ بِهِ وَلاَ نِسْيَانٍ مِنْ حِفْظِي لَهُ؟، وَأَنَا حِينَئِذٍ مُوقِنٌ بِأَنَّ مُنْتَهَىٰ دَعْوَتِكَ إِلَىٰ الْجَنَّةِ وَمُنْتَهَىٰ دَعْوَتِهِ إِلَىٰ ٱلنَّارِ،

ـــــــــــ

(وَمَنْ أَغْفَلُ مِنِّي عَنْ حَظِّهِ) فإن الإتيان بالشيء دال على الغفلة عن الحظ (وَمَنْ أَبْعَدُ مِنِّي مِنْ ٱسْتِصْلاَحِ نَفْسِهِ) أي إصلاحها (حِينَ أُنْفِقُ مَا أَجْرَيْتَ عَلَيَّ مِنْ رِزْقِكَ فِي مَا نَهَيْتَنِي عَنْهُ مِنْ مَعْصِيَتِكَ) فإن جوارح الإنسان وقواه وسائر ما يتقلب فيه أرزاق لله سبحانه رزقها للشخص، فإذا عصاه كان صارفاً لرزقه في مناهيه ومعاصيه وهذا منتهى الجهل والقبح (وَمَنْ أَبْعَدُ غَوْراً) أي: ذهاباً في العمق (فِي الْبَاطِلِ، وَأَشَدُّ إِقْدَاماً عَلَىٰ ٱلسُّوءِ) والعصيان (مِنِّي حِينَ أَقِفُ بَيْنَ دَعْوَتِكَ وَدَعْوَةِ ٱلشَّيْطَانِ) فإن الله يدعو إلى الخيرات، والشيطان يدعو إلى الشرور والآثام (فَأَتَّبِعُ دَعْوَتَهُ) وأترك دعوتك (عَلَىٰ غَيْرِ عَمىً مِنِّي فِي مَعْرِفَةٍ بِهِ) أي: بالشيطان، فإن العاصي العالم أكثر ذنباً من العاصي الجاهل (وَلاَ نِسْيَانٍ مِنْ حِفْظِي لَهُ) أي أن الذي حفظته من عداوة الشيطان وأنه داعٍ إلى كل شر، لم أنسه، ومع ذلك أتّبع الشيطان، وأترك دعوة الله تعالى (وَأَنَا حِينَئِذٍ) أي: حين أتبعه (مُوقِنٌ بِأَنَّ مُنْتَهَىٰ دَعْوَتِكَ إِلَىٰ الْجَنَّةِ وَمُنْتَهَىٰ دَعْوَتِهِ إِلَىٰ ٱلنَّارِ) ومثل هذا العمل الذي يعلم صاحبه أن مصيره إلى النار، الإتيان به في غاية الخطأ كيف ولو كانت الجنة واللاجنة لزم تحصيل الجنة، والنار واللانار لزم الفرار من النار، أما فالجنة والنار فللعمل الصالح اقتضاءان، وللعمل الفاسد منعان.

ـــــــــــ

سُبْحَانَكَ مَا أَعْجَبَ مَا أَشْهَدُ بِهِ عَلَىٰ نَفْسي، وَأُعَدِّدُهُ مِنْ مَكْتُومِ أَمْرِي، وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ أَنَاتُكَ عَنِّي، وَإبْطَاؤُكَ عَنْ مُعَاجَلَتِي وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ كَرَمِي عَلَيْكَ، بَلْ تَأَنِّياً مِنْكَ لِي وَتَفَضُّلاً مِنْكَ عَلَيَّ لأَنْ أَرْتَدِعَ عَنْ مَعْصِيَتِكَ الْمُسْخِطَةِ وَأُقْلِعَ عَنْ سَيِّئَاتِي الْمُخْلِقَةِ،

ـــــــــــ

 (سُبْحَانَكَ) أُنزّهك عن مثل الخطأ الذي أنا فيه فـ (مَا أَعْجَبَ مَا أَشْهَدُ بِهِ عَلَىٰ نَفْسي) فإني أشهد بأنها على غاية من الخطأ والإنسان غالباً لا يشهد بمثل ذلك وإنما يريد ترفيع نفسه ونسبتها إلى الصواب والحكمة (وَأُعَدِّدُهُ مِنْ مَكْتُومِ أَمْرِي) إذ لا يعلم كل أحد أن ما يفعله الإنسان من الآثام بهذه المنزلة وأنها بعد العلم بسائر المزايا التي ذكرها (عليه السلام) (وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ أَنَاتُكَ) وحلمك (عَنِّي) إذ لا تعاجلني بالعقوبة (وَإبْطَاؤُكَ عَنْ مُعَاجَلَتِي) بالعقاب (وَلَيْسَ ذَلِكَ) الإبطاء (مِنْ كَرَمِي) أي: كرامتي ـ فإنه مصدر ميمي ـ (عَلَيْكَ، بَلْ تَأَنِّياً) وحلماً (مِنْكَ لِي) حيث لا تؤاخذني عاجلاً (وَتَفَضُّلاً مِنْكَ عَلَيَّ) فإن عدم الأخذ مجرد فضل وإحسان (لأَنْ أَرْتَدِعَ عَنْ مَعْصِيَتِكَ الْمُسْخِطَةِ) أي تتفضل حتى أرتدع عن عصيانك الموجب لسخطك (وَأُقْلِعَ) هو بمعنى الارتداع (عَنْ سَيِّئَاتِي الْمُخْلِقَةِ) التي صيرتني كالثوب الخلق البالي الذي لا قيمة له.

ـــــــــــ

وَلأَنَّ عَفْوَكَ عَنِّي أَحَبُّ إِلَيْكَ مِنْ عُقُوبَتِي، بَلْ أَنَا يَا إِلَهِي أَكْثَرُ ذُنُوباً، وَأَقْبَحُ آثَاراً، وَأَشْنَعُ أَفْعَالاً، وَأَشَدُّ فِي الْبَاطِلِ تَهَوُّراً، وَأَضْعَفُ عِنْدَ طَاعَتِكَ تَيَقُّظاً، وَأَقَلُّ لِوَعِيدِكَ ٱنْتِبَاهاً وَٱرْتِقَاباً مِنْ أَنْ أُحْصِيَ لَكَ عُيُوبِي، أَوْ أَقْدِرَ عَلَىٰ ذِكْرِ ذُنُوبِي، وَإِنَّمَا أُوَبِّخُ بِهٰذَا نَفْسِي طَمَعاً فِي رَأَفَتِكَ ٱلَّتِي بِهَا صَلاَحُ أَمْرِ الْمُذْنِبِينَ وَرَجَاءً لِرَحْمَتِكَ ٱلَّتِي بِهَا فَكَاكُ رِقَابِ الْخَاطِئِينَ،

ـــــــــــ

 (وَلأَنَّ عَفْوَكَ عَنِّي أَحَبُّ إِلَيْكَ مِنْ عُقُوبَتِي) فإن الله سبحانه يحب العفو عن المذنبين (بَلْ أَنَا يَا إِلَهِي أَكْثَرُ ذُنُوباً، وَأَقْبَحُ آثَاراً) الأثر ما يخلِّفه الإنسان كأن المذنب يخلف بعده الذنب والعصيان (وَأَشْنَعُ أَفْعَالاً) الفعل الشنيع هو الفضيع في القبح (وَأَشَدُّ فِي الْبَاطِلِ تَهَوُّراً) التهور هو الإسراع في الدخول في المكروه بلا روية (وَأَضْعَفُ عِنْدَ طَاعَتِكَ تَيَقُّظاً) أي: انتباهاً (وَأَقَلُّ لِوَعِيدِكَ) بالعقاب على المعاصي (ٱنْتِبَاهاً) والتفاتاً (وَٱرْتِقَاباً) الارتقاب: مراقبة الأمر وملاحظة أن لا يقع الإنسان فيه (مِنْ أَنْ أُحْصِيَ لَكَ عُيُوبِي) فإن العيوب إنما تعد إذا كانت قابلة للعدّ أما إذا كثرت كان عدها مشكلاً (أَوْ أَقْدِرَ عَلَىٰ ذِكْرِ ذُنُوبِي) وتعدادها (وَإِنَّمَا) أذكر هذا المقدار الذي من ذنوبي وعيوبي لا للإحصاء والتعداد بل لـ(أُوَبِّخُ بِهٰذَا نَفْسِي) وألومها (طَمَعاً فِي رَأَفَتِكَ ٱلَّتِي بِهَا صَلاَحُ أَمْرِ الْمُذْنِبِينَ) فإن رحمته سبحانه تصلح حال المذنب بالعفو والستر (وَرَجَاءً لِرَحْمَتِكَ ٱلَّتِي بِهَا فَكَاكُ رِقَابِ الْخَاطِئِينَ) من النار، والنسبة إلى الرقبة لعلاقة الجزء والكل، وقد مرّ سبب نسبة الذنب إلى الرقبة.

ـــــــــــ

أَللّهُمَّ وَهٰذِهِ رَقَبَتِي قَدْ أَرَّقَتْهَا ٱلذُّنُوبُ، فَصَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَٱعْتِقْهَا بِعَفْوِكَ، وَهٰذَا ظَهْرِي قَدْ أَثْقَلَتْهُ الْخَطَايَا، فَصَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَخَفِّفْ عَنْهُ بِمَنِّكَ، يَا إِلَهِي لَوْ بَكَيْتُ إِلَيْكَ حَتَّىٰ تَسْقُطَ أَشْفَارُ عَيْنَيَّ، وَٱنْتَحَبْتُ حَتَّىٰ يَنْقَطِعَ صَوْتِي، وَقُمْتُ لَكَ حَتَّىٰ تَتَنَشَّرَ قَدَمَايَ، وَرَكَعْتُ لَكَ حَتَّىٰ يَنْخَلِعَ صُلْبِي،

ـــــــــــ

 (أَللّهُمَّ وَهٰذِهِ رَقَبَتِي قَدْ أَرَّقَتْهَا) أي: صيرتها رقاً وعبداً (ٱلذُّنُوبُ) فإن المذنب يكون رهينة بالنسبة إلى من أذنب إليه (فَصَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَٱعْتِقْهَا) من رقها (بِعَفْوِكَ) ومغفرتك لآثامي (وَهٰذَا ظَهْرِي قَدْ أَثْقَلَتْهُ الْخَطَايَا) فإنها كالحمل الثقيل الذي يتعب الظهر (فَصَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَخَفِّفْ عَنْهُ بِمَنِّكَ) وإحسانك، والتخفيف إنما يكون بالغفران والعفو (يَا إِلَهِي لَوْ بَكَيْتُ إِلَيْكَ) أي: بكاءً منتهياً إليك لكونه من أجلك وخوفاً منك (حَتَّىٰ تَسْقُطَ أَشْفَارُ عَيْنَيَّ) وهي حروف العين التي ينبت عليها الشعر والأهداب (وَٱنْتَحَبْتُ) أي: بكيت بالصوت (حَتَّىٰ يَنْقَطِعَ صَوْتِي) فلا يخرج جوهره من كثرة البكاء (وَقُمْتُ لَكَ) في الضراعة والعبادة (حَتَّىٰ تَتَنَشَّرَ قَدَمَايَ) أي: تنتفخ أعصابها (وَرَكَعْتُ لَكَ حَتَّىٰ يَنْخَلِعَ صُلْبِي) الصلب: عظم فقار الظهر، وانخلاعه خروجه من مكانه.

ـــــــــــ

وَسَجَدْتُ لَكَ حَتَّىٰ تَتَفَقَّأَ حَدَقَتَايَ، وَأَكَلْتُ تُرَابَ ٱلأَرْضَ طُولَ عُمُرِي، وَشَرِبْتُ مَاءَ ٱلرَّمَادِ آخِرَ دَهْرِي، وَذَكَرْتُكَ فِي خِلاَلِ ذَلِكَ حَتَّىٰ يَكِلَّ لِسَانِي، ثُمَّ لَمْ أَرْفَعْ طَرْفِي إِلَىٰ آفَاقِ ٱلسَّمَاءِ ٱسْتِحْيَاءً مِنْكَ مَا ٱسْتَوْجَبْتُ بِذَلِكَ مَحْوَ سِيِّئَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ سَيِّئَاتِي، وَإِنْ كُنْتَ تَغْفِرُ لِي حِينَ أَسْتَوْجِبُ مَغْفِرَتَكَ، وَتَعْفُوَ عَنِّي حِينَ أَسْتَحِقُّ عَفْوَكَ فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ وَاجِبٍ لِي بِٱسْتِحْقَاقٍ وَلاَ أَنَا أَهْلٌ لَهُ بِٱسْتِيجَابٍ، إِذْ كَانَ جَزَائِي مِنْكَ فِي أَوَّلِ مَا عَصَيْتُكَ ٱلنَّارَ،

ـــــــــــ

(وَسَجَدْتُ لَكَ حَتَّىٰ تَتَفَقَّأَ) أي: تنقلع (حَدَقَتَايَ) أي: عيناي، واحدها حدقة (وَأَكَلْتُ تُرَابَ ٱلأَرْضَ طُولَ عُمُرِي) عوض الأطعمة اللذيذة (وَشَرِبْتُ مَاءَ ٱلرَّمَادِ) إلى (آخِرَ دَهْرِي) عوض المياه العذبة (وَذَكَرْتُكَ فِي خِلاَلِ ذَلِكَ) أي: طول هذه المدة (حَتَّىٰ يَكِلَّ) ويتعب (لِسَانِي) من طول الذكر (ثُمَّ لَمْ أَرْفَعْ طَرْفِي إِلَىٰ آفَاقِ ٱلسَّمَاءِ ٱسْتِحْيَاءً مِنْكَ) لما اقترفته من الذنوب (مَا ٱسْتَوْجَبْتُ بِذَلِكَ) التعب الذي تعبته (مَحْوَ سِيِّئَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ سَيِّئَاتِي) إذ العفو ليس استحقاقاً (وَإِنْ كُنْتَ تَغْفِرُ لِي حِينَ أَسْتَوْجِبُ مَغْفِرَتَكَ) وعفوك (وَتَعْفُوَ عَنِّي حِينَ أَسْتَحِقُّ عَفْوَكَ) وسترك (فَإِنَّ ذَلِكَ) الغفران والعفو (غَيْرُ وَاجِبٍ لِي بِٱسْتِحْقَاقٍ) مني لذلك عليك (وَلاَ أَنَا أَهْلٌ لَهُ بِٱسْتِيجَابٍ) بأن يجب ذلك عليك (إِذْ كَانَ جَزَائِي مِنْكَ فِي أَوَّلِ مَا عَصَيْتُكَ) أي: أول مرة صدرت عني المعصية (ٱلنَّارَ) حسب استحقاقي.

ـــــــــــ

فَإِنْ تُعَذِّبْنِي فَأَنْتَ غَيْرُ ظَالِمٍ لِي، إِلَهِي فَإِذْ قَدْ تَغَمَّدْتَنِي بِسِتْرِكَ فَلَمْ تَفْضَحْنِي، وَتَأَنَّيْتَنِي بِكَرَمِكَ فَلَمْ تُعَاجِلْنِي، وَحَلُمْتَ عَنِّي بِتَفَضُّلِكَ فَلَمْ تُغَيِّرْ نِعْمَتَكَ عَلَيَّ، وَلَمْ تُكَدِّرْ مَعْرُوفَكَ عِنْدِي، فَٱرْحَمْ طُولَ تَضَرُّعِي، وَشِدَّةَ مَسْكَنَتِي، وَسُوءَ مَوْقِفِي، أَللّهُمَّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَقِنِي مِنَ الْمَعَاصِي، وَٱسْتَعْمِلْنِي بِٱلطَّاعَةِ وَٱرْزُقْنِي حُسْنَ ٱلإِنَابَةِ،

ـــــــــــ

(فَإِنْ تُعَذِّبْنِي فَأَنْتَ غَيْرُ ظَالِمٍ لِي) فإن الظلم هو الأذى بغير استحقاق، أما مع الاستحقاق فإنه عدل، حتى أن العفو فضل (إِلَهِي فَإِذْ قَدْ تَغَمَّدْتَنِي) يقال: غمد سيفه، إذا أدخله في القراب والمعنى: سترتني (بِسِتْرِكَ فَلَمْ تَفْضَحْنِي) أمام الناس (وَتَأَنَّيْتَنِي) أي: حلمت فلم تعاجلني بالعقوبة (بِكَرَمِكَ) وفضلك (فَلَمْ تُعَاجِلْنِي) بالعقوبة (وَحَلُمْتَ عَنِّي بِتَفَضُّلِكَ) وإحسانك (فَلَمْ تُغَيِّرْ نِعْمَتَكَ عَلَيَّ) حين عصيتك (وَلَمْ تُكَدِّرْ مَعْرُوفَكَ عِنْدِي) تكدير الشيء: إشابته بما يوجب تنقيصه وتنغيصه (فَٱرْحَمْ طُولَ تَضَرُّعِي) واستكانتي ببابك (وَشِدَّةَ مَسْكَنَتِي) أي: فقري (وَسُوءَ مَوْقِفِي) أي: وقوفي السيئ، وإنما كان سيئاً لأنه وقوف العاصي (أَللّهُمَّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَقِنِي) أي احفظني (مِنَ الْمَعَاصِي) حتى لا أعصيك (وَٱسْتَعْمِلْنِي بِٱلطَّاعَةِ) حتى أطيعك، واستعماله سبحانه بمعنى توفيقه للإنسان حتى يطيع (وَٱرْزُقْنِي حُسْنَ ٱلإِنَابَةِ) أي: الإنابة الحسنة، والإنابة بمعنى الرجوع.

ـــــــــــ

وَطَهِّرْنِي بِٱلتَّوْبَةِ، وَأَيِّدْنِي بِالْعِصْمَةِ، وَٱسْتَصْلِحْنِي بِالْعَافِيَةِ، وَأَذِقْنِي حَلاَوَةَ الْمَغْفِرَةِ، وَٱجْعَلْنِي طَلِيقَ عَفْوِكَ، وَعَتِيقَ رَحْمَتِكَ، وَٱكْتُبْ لِي أَمَاناً مِنْ سَخَطِكَ، وَبَشِّرْنِي بِذَلِكَ فِي الْعَاجِلِ دُونَ الآجِلِ، بُشْرىٰ أَعْرِفُهَا، وَعَرِّفْنِي فِيهِ عَلاَمَةً أَتَبَيَّنُهَا، إِنَّ ذَلِكَ لاَ يَضِيقُ عَلَيْكَ فِي وُسْعِكَ، وَلاَ يَتَكَأَّدُكَ فِي قُدْرَتِكَ، وَلاَ يَتَصَعَّدُكَ فِي أَنَاتِكَ، وَلاَ يَؤُودُكَ فِي جَزِيلِ هِبَاتِكَ ٱلَّتِي دَلَّتْ عَلَيْهَا آيَاتُكَ، إِنَّكَ تَفْعَلْ مَا تَشَاءُ وَتَحْكُمُ مَا تُرِيدُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

ـــــــــــ

(وَطَهِّرْنِي) عن الذنوب (بِٱلتَّوْبَةِ، وَأَيِّدْنِي) أي: قوّني في قبال الشيطان (بِالْعِصْمَةِ) بأن تعصمني وتحفظني (وَٱسْتَصْلِحْنِي) أي: أصلحني (بِالْعَافِيَةِ) أي: تعافيني عن العقاب والعذاب (وَأَذِقْنِي حَلاَوَةَ الْمَغْفِرَةِ) فإن لها حلاوة للنفس (وَٱجْعَلْنِي طَلِيقَ عَفْوِكَ) بأن تطلقني بعفوك، حتى لا أكون مقيداً بالذنوب (وَعَتِيقَ رَحْمَتِكَ) بأن ترحمني فتعتقني من النار (وَٱكْتُبْ لِي أَمَاناً مِنْ سَخَطِكَ) وغضبك (وَبَشِّرْنِي بِذَلِكَ) الأمان (فِي الْعَاجِلِ) أي: الدنيا (دُونَ الآجِلِ) أي: لا تؤخر البشارة إلى الآخرة (بُشْرىٰ أَعْرِفُهَا) في الدنيا كما قال سبحانه: ﴿لهم البشرى في الحياة الدنيا﴾ (وَعَرِّفْنِي فِيهِ) أي: في العاجل (عَلاَمَةً أَتَبَيَّنُهَا) أي: أعرفها (إِنَّ ذَلِكَ) التعريف، أو البشرى (لاَ يَضِيقُ عَلَيْكَ) فإنك قادر على كل شيء (فِي وُسْعِكَ) أي: سعة قدرتك (وَلاَ يَتَكَأَّدُكَ) أي لا يثقل عليك (فِي قُدْرَتِكَ) على الأشياء كلها (وَلاَ يَتَصَعَّدُكَ) أي لا يشتد عليك (فِي أَنَاتِكَ) أي في حلمك وهذا بخلاف الإنسان فإنه إن أراد ستر الفضيحة وما أشبه يشتد عليه ويضيق صدره بذلك لقلة حلم الإنسان (وَلاَ يَؤُودُكَ) يقال: أداه الشيء إذا ثقل عليه، أي لا يثقل عليك (فِي جَزِيلِ هِبَاتِكَ) أي في هباتك العظيمة فإن ستره تعالى وتفضله هبة جزيلة منه لعبده (ٱلَّتِي دَلَّتْ عَلَيْهَا آيَاتُكَ) فإن آيات القرآن، وكذلك سائر الآيات والعلامات الكونية دلّت على عظيم لطف الله وإحسانه (إِنَّكَ) يا رب (تَفْعَلْ مَا تَشَاءُ) فلا تقع مورد الاعتراض إذا تفضلت وأعطيت، كما أنه يقع كل شيء تحت قدرتك فلا يمتنع عليك شيء فتفضل عليّ بما سألت (وَتَحْكُمُ مَا تُرِيدُ) من الأوامر (إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فيقع سؤالي تحت قدرتك يا رب.

ـــــــــــ

[1]  ـ سورة النساء، آية: 110.

[2]  ـ سورة النور، آية: 63.