أفضل المواقع الشيعية

دعاء في ذكر التوبة وطلبها

 
السجادية

الدعاء مطابق للمصدر

الصحيفة
 

وكان من دعائه (عليه السلام) في ذكر التوبة وطلبها:

أَللّهُمَّ يَا مَنْ لاَ يَصِفُهُ نَعْتُ الْوَاصِفِينَ، وَيَا مَنْ لاَ يُجَاوِزُهُ رَجَاءُ ٱلرَّاجِيْنَ، وَيَا مَنْ لاَ يَضِيعُ لَدَيْهِ أَجْرُ الْمُحْسِنِينَ، وَيَا مَنْ هُوَ مُنْتَهَىٰ خَوْفِ الْعَابِدِيْنَ، وَيَا مَنْ هُوَ غَايَةُ خَشْيَةِ الْمُتَّقِينَ، هٰذَا مَقَامُ مَنْ تَدَاوَلَتْهُ أَيْدِي ٱلذُّنُوبِ، وَقَادَتْهُ أَزِمَّةُ الْخَطَايَا،

ـــــــــــ

الشرح: (أَللّهُمَّ يَا مَنْ لاَ يَصِفُهُ نَعْتُ الْوَاصِفِينَ) أي: لا يحيط بوصفه ما يذكره الواصفون من الصفات له تعالى، إذ كنه صفته سبحانه مجهول للناس فلا يقدرون على وصفه كما هو حقه (وَيَا مَنْ لاَ يُجَاوِزُهُ رَجَاءُ ٱلرَّاجِيْنَ) إذ لا مرجو فوقه سبحانه حتى يمكن لراج أن يرجو من فوقه تعالى (وَيَا مَنْ لاَ يَضِيعُ لَدَيْهِ أَجْرُ الْمُحْسِنِينَ) فمن أحسن كان له أجر لديه تعالى لا يضيع (وَيَا مَنْ هُوَ مُنْتَهَىٰ خَوْفِ الْعَابِدِيْنَ) أنه لا شيء أعظم منه سبحانه يخشى منه (وَيَا مَنْ هُوَ غَايَةُ خَشْيَةِ الْمُتَّقِينَ) فالمتقي إنما يخشى من الله سبحانه (هٰذَا مَقَامُ مَنْ تَدَاوَلَتْهُ) أي: تناقلته وتناوبته (أَيْدِي ٱلذُّنُوبِ) فهو من ذنب إلى ذنب، وهذا اعتراف موجب للغفران فإن المذنب إذا ضخم الذنب كان أقرب إلى المغفرة (وَقَادَتْهُ أَزِمَّةُ الْخَطَايَا) جمع زمام كأن الخطيئة دابة لها زمام والمذنب راكب عليها، فيقاد إلى حيث الغضب والنار.

ـــــــــــ

وَٱسْتَحْوَذَ عَلَيْهِ ٱلشَّيْطَانُ، فَقَصَّرَ عَمَّا أَمَرْتَ بِهِ تَفْريِطاً، وَتَعَاطَىٰ مَا نَهَيْتَ عَنْهُ تَغْرِيراً، كَالْجَاهِلِ بِقُدْرَتِكَ عَلَيْهِ، أَوْ كَالْمُنْكِرِ فَضْلَ إِحْسَانِكَ إِلَيْهِ حَتَّىٰ إِذَا ٱنْفَتَحَ لَهُ بَصَرُ الْهُدَىٰ، وَتَقَشَّعَتْ عَنْهُ سَحَائِبُ الْعَمَىٰ، أَحْصَىٰ مَا ظَلَمَ بِهِ نَفْسَهُ، وَفَكَّرَ فِي مَا خَالَفَ بِهِ رَبَّهُ، فَرَأَىٰ كَبِيْرَ عِصْيَانِهِ كَبِيراً، وَجَلِيْلَ مُخَالَفَتِهِ جَلِيْلاً،

ـــــــــــ

(وَٱسْتَحْوَذَ) أي: تسلط (عَلَيْهِ ٱلشَّيْطَانُ) فوجهه إلى حيث أراد (فَقَصَّرَ عَمَّا أَمَرْتَ بِهِ) بأن لم يأت بالأوامر (تَفْريِطاً) في العصيان (وَتَعَاطَىٰ) أي: ارتكب (مَا نَهَيْتَ عَنْهُ تَغْرِيراً) أي: أنه مغرور مخدوع في الارتكاب، لجهله بعاقبة المعصية السيئة (كَالْجَاهِلِ بِقُدْرَتِكَ عَلَيْهِ) فإن عمله عمل الجهال، إذ لو كان عالماً لما فعل (أَوْ كَالْمُنْكِرِ فَضْلَ إِحْسَانِكَ إِلَيْهِ) إذ المعترف بالإحسان لا يخالف المحسن (حَتَّىٰ إِذَا ٱنْفَتَحَ لَهُ بَصَرُ الْهُدَىٰ) أي: البصر الذي يهتدي به إلى طريق الحق والرشاد (وَتَقَشَّعَتْ) أي: زالت (عَنْهُ سَحَائِبُ الْعَمَىٰ) كأن للعمى سحائب إذا زالت رأى الإنسان ما كان السحاب حائلاً بينه من الحق وبين الإنسان (أَحْصَىٰ مَا ظَلَمَ بِهِ نَفْسَهُ) أي: عدد ذنوبه التي كانت تلك الذنوب ظلماً لنفسه (وَفَكَّرَ فِي مَا خَالَفَ بِهِ رَبَّهُ) من المعاصي (فَرَأَىٰ كَبِيْرَ عِصْيَانِهِ كَبِيراً) كما هو عليه لا أنه يراه صغيراً كما كان سابقاً كذلك إذ يرى العصيان الكبير صغيراً (وَجَلِيْلَ مُخَالَفَتِهِ جَلِيْلاً) أي: رأى مخالفته العظيمة عظيمة كما هي عليه.

ـــــــــــ

فَأَقْبَلَ نَحْوَكَ مُؤَمِّلاً لَِكَِ مُسْتَحْيِياً مِنْكَ، وَوَجَّهَ رَغْبَتَهُ إِلَيْكَ ثِقَةً بِكَ، فَأَمَّكَ بِطَمَعِهِ يَقِيناً، وَقَصَدَكَ بِخَوْفِهِ إِخْلاَصاً، قَدْ خَلاَ طَمَعُهُ مِنْ كُلِّ مَطْمُوعٍ فِيهِ غَيْرِكَ، وَأَفْرَخَ رَوْعُهُ مِنْ كُلِّ مَحَذُورٍ مِنْهُ سِوَاكَ، فَمَثَلَ بَيْنَ يَدَيْكَ مُتَضَرِّعاً، وَغَمَّضَ بَصَرَهُ إِلَىٰ ٱلأَرْضِ مُتَخَشِّعاً، وَطَأْطَأَ رَأْسَهُ لِعِزَّتِكَ مَتَذَلِّلاً،

ـــــــــــ

(فَأَقْبَلَ نَحْوَكَ مُؤَمِّلاً لَِكَِ) أي: له أمل في أن تعفو عنه (مُسْتَحْيِياً مِنْكَ) حيث قد خالفك فيما سبق (وَوَجَّهَ رَغْبَتَهُ إِلَيْكَ) بأن رغب في رضاك وعفوك (ثِقَةً بِكَ) وأنك لا تخيبه (فَأَمَّكَ) أي: قصدك (بِطَمَعِهِ) فيك (يَقِيناً) أي: قصداً يقيناً لا يشوبه إحجام وشك (وَقَصَدَكَ بِخَوْفِهِ إِخْلاَصاً) أي: عن إخلاص وحقيقة (قَدْ خَلاَ طَمَعُهُ مِنْ كُلِّ مَطْمُوعٍ فِيهِ غَيْرِكَ) فهو لا يطمع في غيرك وإنما يطمع فيما لديك، ومن المعلوم أن التوجه الكامل أقرب إلى القبول لأنه اعتراف بوحدة المعظم له المطموع فيه (وَأَفْرَخَ) أي: ذهب (رَوْعُهُ) أي: خوفه (مِنْ كُلِّ مَحَذُورٍ مِنْهُ سِوَاكَ) فخوفه منك وحدك، كما أن رجاءه فيك فقط (فَمَثَلَ) أي: صيَّر نفسه شخصاً ممثلاً (بَيْنَ يَدَيْكَ) أي: أمامك (مُتَضَرِّعاً) أي: في حال كونه ضارعاً مستكيناً (وَغَمَّضَ بَصَرَهُ) أي: ألقى عينه (إِلَىٰ ٱلأَرْضِ مُتَخَشِّعاً) وفي هذا اعتراف بالذلة وعظمة الرب تعالى (وَطَأْطَأَ رَأْسَهُ) أي: اخفضها (لِعِزَّتِكَ مَتَذَلِّلاً) التذلل: إظهار الذلة والعجز.

ـــــــــــ

وَأَبَثَّكَ مِنْ سِرِّهِ مَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنْهُ خُضُوعاً، وَعَدَّدَ مِنْ ذُنُوبِهِ مَا أَنْتَ أَحْصَىٰ لَهَا خُشُوعاً، وَٱسْتَغَاثَ بِكَ مِنْ عَظِيمِ مَا وَقَعَ بِهِ فِي عِلْمِكَ، وَقَبِيحِ مَا فَضَحَهُ فِي حُكْمِكَ، مِنْ ذُنُوبٍ أَدْبَرَتْ لَذَّاتُهَا فَذَهَبَتْ، وَأَقَامَتْ تَبِعَاتُهَا فَلَزِمَتْ، لاَ يُنْكِرُ يَا إِلَهِي عَدْلَكَ إِنْ عَاقَبْتَهُ، وَلاَ يَسْتَعْظِمُ عَفْوَكَ إِنْ عَفَوْتَ عَنْهُ وَرَحِمْتَهُ، لأَنَّكَ ٱلرَّبُّ الْكَرِيمُ ٱلَّذِي لاَ يَتَعَاظَمُهُ غُفْرَانُ ٱلذَّنْبِ الْعَظِيمِ،

ـــــــــــ

(وَأَبَثَّكَ) أي: كشف لك (مِنْ سِرِّهِ مَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنْهُ خُضُوعاً) والمراد بسره ما يعلم من معاصيه وضعفه وعجزه (وَعَدَّدَ مِنْ ذُنُوبِهِ مَا أَنْتَ أَحْصَىٰ لَهَا) أي: أحسن إحصاءً لتلك الذنوب من نفس المذنب (خُشُوعاً) وخضوعاً لك (وَٱسْتَغَاثَ بِكَ مِنْ عَظِيمِ مَا وَقَعَ بِهِ) أي: الذنب العظيم الذي وقع بسببه في الهلكة (فِي عِلْمِكَ) أي: في حال كونه مشمولاً لعلمك (وَقَبِيحِ مَا فَضَحَهُ) أي: قبيح الذنب الذي فضحه، وكان ذلك (فِي حُكْمِكَ) إذ حكمت بشيء وهو عمل خلاف ذلك (مِنْ ذُنُوبٍ أَدْبَرَتْ لَذَّاتُهَا) [من] بيان [ما] وإذا عمل الإنسان بالذنب للذته تدبر اللذة بعد قليل (فَذَهَبَتْ) ومضت (وَأَقَامَتْ) عليه (تَبِعَاتُهَا) تبعة الذنب عقابه (فَلَزِمَتْ) عليه وثبتت على عنقه (لاَ يُنْكِرُ يَا إِلَهِي عَدْلَكَ إِنْ عَاقَبْتَهُ) فعقابك له عدل في مقابل عصيانه (وَلاَ يَسْتَعْظِمُ عَفْوَكَ) أي: لا يعده عظيماً (إِنْ عَفَوْتَ عَنْهُ وَرَحِمْتَهُ) بعدم إلزامه بسيئاته (لأَنَّكَ ٱلرَّبُّ الْكَرِيمُ ٱلَّذِي لاَ يَتَعَاظَمُهُ) أي: لا يعظم عليه (غُفْرَانُ ٱلذَّنْبِ الْعَظِيمِ) وحيث إنك عظيم لا موقع لأن يعظم الإنسان عفوك مهما كان الذنب عظيماً فإن ذلك مثل أن يعظم الإنسان رطل ماء من مياه البحر.

ـــــــــــ

أَللّهُمَّ فَهَا أَنَا ذَا قَدْ جِئْتُكَ مُطِيعاً لأَمْرِكَ فِيمَا أَمَرْتَ بِهِ مِنَ ٱلدُّعَاءِ، مُتَنَجِّزاً وَعْدَكَ فِي مَا وَعَدْتَ بِهِ مِنَ ٱلإِجَابَةِ، إِذْ تَقُولُ ﴿ٱدْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ أَللّهُمَّ فَصَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَأَلقَنِي بِمَغْفِرَتِكَ كَمَا لَقِيتُكَ بِإِقْرَارِي، وَٱرْفَعْنِي عَنْ مَصَارِعِ ٱلذُّنُوبِ كَمَا وَضَعْتُ لَكَ نَفْسِي، وَٱسْتُرنِي بِسِتْرِكَ كَمَا تَأَنَّيْتَنِي عَنِ ٱلإِنْتِقَامِ مِنِّي،

ـــــــــــ

(أَللّهُمَّ فَهَا) الفاء للتفريع، و[ها] للتنبيه (أَنَا ذَا قَدْ جِئْتُكَ مُطِيعاً لأَمْرِكَ فِيمَا أَمَرْتَ بِهِ مِنَ ٱلدُّعَاءِ) في القرآن الحكيم كما يأتي في الآية الكريمة (مُتَنَجِّزاً وَعْدَكَ) أي: طالباً لأن تفي بوعدك (فِي مَا وَعَدْتَ بِهِ مِنَ ٱلإِجَابَةِ) لمن دعاك إذ تقول: ﴿ ٱدْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [1] فإني قد دعوتك فاستجب لي وقد قيل: إن الأمر كان مقدراً فما فائدة الدعاء؟ والجواب: إن المقدر أن يدعو زيد فيعطى الشيء الفلاني كما أن المقدر أن يكتسب زيد فيربح الربح الكذائي (أَللّهُمَّ فَصَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَأَلقَنِي بِمَغْفِرَتِكَ) بأن تغفر لي (كَمَا لَقِيتُكَ بِإِقْرَارِي) بالذنوب (وَٱرْفَعْنِي عَنْ مَصَارِعِ ٱلذُّنُوبِ) أي: محلات صرعة الإنسان ووقوعه بواسطة الذنوب (كَمَا وَضَعْتُ) وتذللت (لَكَ نَفْسِي) خضوعاً واعترافاً لك (وَٱسْتُرنِي بِسِتْرِكَ) فلا تفضح ما اطلعت عليه من الذنوب (كَمَا تَأَنَّيْتَنِي) أي: أبطأت (عَنِ ٱلإِنْتِقَامِ مِنِّي) فلم تعاجلني بالعقوبة.

ـــــــــــ

أَللّهُمَّ وَثَبِّتْ فِي طَاعَتِكَ نِيَّتِي، وَأَحْكِمْ فِي عِبَادَتِكَ بَصِيرَتِي، وَوَفِّقْنِي مِنَ ٱلأَعْمَالِ لِمَا تَغْسِلُ بِهِ دَنَسَ الْخَطَايَا عَنِّي، وَتَوَفَّنِي عَلَىٰ مِلَّتِكَ وَمِلَّةِ نَبِيِّكَ مَحَمَّدٍ عَلَيْهِ ٱلسَّلاَمُ إِذَا تَوَفَّيْتَنِي، أَللّهُمَّ إِنِّي أَتُوبُ إِلَيْكَ فِي مَقَامِي هٰذَا مِنْ كَبَائِرِ ذُنُوبِي وَصَغَائِرِهَا، وَبَوَاطِنِ سَيِّئَاتِي وَظَوَاهِرِهَا،

ـــــــــــ

(أَللّهُمَّ وَثَبِّتْ فِي طَاعَتِكَ نِيَّتِي) حتى أنوي طاعتك طول عمري (وَأَحْكِمْ فِي عِبَادَتِكَ بَصِيرَتِي) حتى أكون بصيراً بفوائد العبادة محكم البصيرة (وَوَفِّقْنِي مِنَ ٱلأَعْمَالِ) الصالحة (لِمَا تَغْسِلُ بِهِ دَنَسَ الْخَطَايَا عَنِّي) دنس الخطايا قذارتها والمراد أنواعها وتبعاتها (وَتَوَفَّنِي عَلَىٰ مِلَّتِكَ) أي: طريقتك التي قررتها للناس، والمراد بها الإسلام (وَمِلَّةِ نَبِيِّكَ مَحَمَّدٍ عَلَيْهِ ٱلسَّلاَمُ) هذا للتأكيد نحو أطيعوا الله والرسول، وإلا فملته صلى الله عليه وآله نفس ملة الله تعالى (إِذَا تَوَفَّيْتَنِي) حتى تكون وفاتي على الإسلام والهدى (أَللّهُمَّ إِنِّي أَتُوبُ إِلَيْكَ فِي مَقَامِي هٰذَا) أي: في الحال الحاضر الذي أتكلم فيه (مِنْ كَبَائِرِ ذُنُوبِي وَصَغَائِرِهَا) وللعلماء في ميزان الكبيرة والصغيرة أقوال ومن الواضح أن مثل القتل والزنا والشرك من الكبائر كما أن بعض الذنوب كالظهار والايلاء من الصغائر والتفصيل موكول إلى محله (وَبَوَاطِنِ سَيِّئَاتِي) أي: المعاصي التي لم أظهرها (وَظَوَاهِرِهَا) التي أظهرتها للناس.

ـــــــــــ

وَسَوَالِفِ زَلاَّتِي وَحَوَادِثِهَا، تَوْبَةَ مَنْ لاَ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِمَعْصِيَةٍ وَلاَ يُضْمِرُ أَنْ يَعُودَ فِي خَطِيئَةٍ، وََقَدْ قُلْتَ يَا إِلَهِي فِي مُحْكَمِ كِتَابِكَ أَنَّكَ تَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِكَ، وَتَعْفُو عَنِ ٱلسَّيِّئَاتِ، وَتُحِبُّ ٱلتَّوَّابِينَ، فَٱقْبَلْ تَوْبَتِي كَمَا وَعَدْتَ، وَٱعْفُ عَنْ سَيِّئَاتِي كَمَا ضَمِنْتَ، وَأَوْجِبْ لِي مَحَبَّتَكَ كَمَا شَرَطْتَ، وَلَكَ يَا رَبِّ شَرْطِيَ أَلاَّ أَعُودَ فِي مَكْرُوهِكَ، وَضَمَانِيَ أَنْ لاَ أَرْجِعَ فِي مَذْمُومِكَ، وَعَهْدِيَ أَنْ أَهْجُرَ جَمِيعَ مَعَاصِيكَ،

ـــــــــــ

(وَسَوَالِفِ زَلاَّتِي) جمع سالفة، والزلة المعصية، أي: ما تقدم من معاصي (وَحَوَادِثِهَا) التي أحدثتها جديداً (تَوْبَةَ مَنْ لاَ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِمَعْصِيَةٍ) بأن يعزم على ترك العصيان (وَلاَ يُضْمِرُ) أي: لا ينوي (أَنْ يَعُودَ فِي خَطِيئَةٍ) أي: في ذنب (وََقَدْ قُلْتَ يَا إِلَهِي فِي مُحْكَمِ كِتَابِكَ) أي: كتابك المحكم الذي لا يجد الباطل والنقص والفسخ إليه سبيلاً (أَنَّكَ تَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِكَ، وَتَعْفُو عَنِ ٱلسَّيِّئَاتِ) قال سبحانه: ﴿وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات﴾ [2] (وَتُحِبُّ ٱلتَّوَّابِينَ) قال سبحانه: ﴿وإن الله يحب التوابين﴾ [3] (فَٱقْبَلْ تَوْبَتِي كَمَا وَعَدْتَ) يا إلهي (وَٱعْفُ عَنْ سَيِّئَاتِي كَمَا ضَمِنْتَ) في الآية السابقة، فوعد الكريم ضمانة (وَأَوْجِبْ لِي مَحَبَّتَكَ) بأن تحبني (كَمَا شَرَطْتَ) حيث قلت ويحب المتطهرين، والشرط ما يلتزمه الإنسان وخصوصاً إذا كان في ضمن عقد أو نحوه (وَلَكَ يَا رَبِّ شَرْطِيَ) أي: أشترط وألتزم إن عفوت عني، أو ألتزم مطلقاً (أَلاَّ أَعُودَ فِي مَكْرُوهِكَ) أي: في عمل أنت تكرهه (وَضَمَانِيَ) أي: أضمن (أَنْ لاَ أَرْجِعَ فِي مَذْمُومِكَ) أي: في عمل تذمه (وَعَهْدِيَ) أي: أتعهد (أَنْ أَهْجُرَ) وأفارق (جَمِيعَ مَعَاصِيكَ) جمع معصية وهي المخالفة.

ـــــــــــ

أَللّهُمَّ إِنَّكَ أَعْلَمُ بِمَا عَمِلْتُ، فَٱغْفِرْ لِي مَا عَلِمْتَ، وَٱصْرِفْنِي بِقُدْرَتِكَ إِلَىٰ مَا أَحْبَبْتَ، أَللّهُمَّ وَعَلَيَّ تَبِعَاتٌ قَدْ حَفِظْتُهُنَّ، وَتَبِعَاتٌ قَدْ نَسِيتُهُنَّ، وَكُلُّهُنَّ بِعَيْنِكَ ٱلَّتِي لاَ تَنَامُ، وَعِلْمِكَ ٱلَّذِي لاَ يَنْسَىٰ، فَعَوِّضْ مِنْهَا أَهْلَهَا، وَٱحْطُطْ عَنِّي وِزْرَهَا وَخَفِّفْ عَنِّي ثِقْلَهَا، وَٱعْصِمْنِي مِنْ أَنْ أُقَارِفَ مِثْلَهَا،

ـــــــــــ

(أَللّهُمَّ إِنَّكَ أَعْلَمُ بِمَا عَمِلْتُ) من السيئات (فَٱغْفِرْ لِي مَا عَلِمْتَ) من سيئاتي (وَٱصْرِفْنِي بِقُدْرَتِكَ إِلَىٰ مَا أَحْبَبْتَ) من أنواع الطاعة (أَللّهُمَّ وَعَلَيَّ تَبِعَاتٌ) هي الآثام التابعة للمعاصي (قَدْ حَفِظْتُهُنَّ) أنا وأعلم بها (وَتَبِعَاتٌ قَدْ نَسِيتُهُنَّ) ولا أذكرهن (وَكُلُّهُنَّ بِعَيْنِكَ ٱلَّتِي لاَ تَنَامُ) أي: أنت تعلم بها (وَعِلْمِكَ ٱلَّذِي لاَ يَنْسَىٰ) نسبة النسيان إلى العلم من باب المجاز (فَعَوِّضْ مِنْهَا أَهْلَهَا) الذين لهم هذه التبعات علينا كالذين يغتابهم الإنسان أو يؤذيهم أو ما أشبه (وَٱحْطُطْ عَنِّي وِزْرَهَا) أي: ذنبها (وَخَفِّفْ عَنِّي ثِقْلَهَا) فإن للذنب ثقلاً معنوياً على الإنسان لأنه مأخوذ به، والثقل إنما هو على النفس، والمراد بالتخفيف إذهاب الثقل تماماً لا تقليله (وَٱعْصِمْنِي) أي: احفظني (مِنْ أَنْ أُقَارِفَ) وأرتكب (مِثْلَهَا) من الذنوب.

ـــــــــــ

أَللّهُمَّ وَإِنَّهُ لاَ وَفَاءَ لِي بِٱلتَّوْبَةِ إِلاَّ بِعِصْمَتِكَ، وَلاَ ٱسْتِمسَاكَ بِي عَنِ الْخَطَايَا إِلاَّ عَنْ قُوَّتِكَ، فَقَوِّنِي بِقُوَّةٍ كَافِيَةٍ، وَتَوَلَّنِي بِعِصْمَةٍ مَانِعَةٍ، أَللّهُمَّ أَيُّمَا عَبْدٍ تَابَ إِلَيْكَ وَهُوَ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ فَاسِخٌ لِتَوْبَتِهِ، وَعَائِدٌ فِي ذَنْبِهِ وَخَطِيْئَتِهِ، فَإِنِّي أَعوُذُ بِكَ أَنْ أَكُونَ كَذٰلِكَ، فَٱجْعَلْ تَوْبَتِي هٰذِهِ تَوْبَةً لاَ أَحْتَاجُ بَعْدَهَا إِلَىٰ تَوْبَةٍ، تَوْبَةً مُوجِبَةً لِمَحْوِ مَا سَلَفَ، وَٱلسَّلاَمَةِ فِيمَا بَقِيَ،

ـــــــــــ

(أَللّهُمَّ وَإِنَّهُ لاَ وَفَاءَ لِي بِٱلتَّوْبَةِ) أي: لا أتمكن أن أفي (إِلاَّ بِعِصْمَتِكَ) بأن تحفظني أنت (وَلاَ ٱسْتِمسَاكَ بِي عَنِ الْخَطَايَا) أي لا أتمكن أن أتحفظ نفسي عن الذنوب (إِلاَّ عَنْ قُوَّتِكَ) بأن تقويني حتى لا أعصي (فَقَوِّنِي بِقُوَّةٍ كَافِيَةٍ) تكفيني في قبال إغراء النفس والشيطان (وَتَوَلَّنِي بِعِصْمَةٍ مَانِعَةٍ) أي: أعطني العصمة التي تمنعني عن اقتراف الآثام (أَللّهُمَّ أَيُّمَا عَبْدٍ تَابَ إِلَيْكَ وَهُوَ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ فَاسِخٌ لِتَوْبَتِهِ) أي: مبطل لها بعدم الاستمرار فيها (وَعَائِدٌ فِي ذَنْبِهِ وَخَطِيْئَتِهِ) أي: الجنس من الذنب الذي سبق بعض أفراده وإلا فالعود في شخص الذنب غير معقول (فَإِنِّي أَعوُذُ بِكَ أَنْ أَكُونَ كَذٰلِكَ) ممّن يفسخ توبته (فَٱجْعَلْ تَوْبَتِي هٰذِهِ) التي أتوب بها إليك في هذا الحال (تَوْبَةً لاَ أَحْتَاجُ بَعْدَهَا إِلَىٰ تَوْبَةٍ) لعدم فسخها طيلة عمري (تَوْبَةً مُوجِبَةً لِمَحْوِ مَا سَلَفَ) ومضى من الآثام (وَٱلسَّلاَمَةِ فِيمَا بَقِيَ) بأن أسلم عن الخطايا فإن التوبة لو كانت قوية من الأعماق لم يرتكب الإنسان الذنب بعدها.

ـــــــــــ

أَلّلهُمَّ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِنْ جَهْلِي، وَٱسْتَوْهِبُكَ سُوءَ فِعْلِي، فَٱضْمُمْنِي إِلَىٰ كَنَفِ رَحْمَتِكَ تَطَوُّلاً، وَٱسْتُرْنِي بِسِتْرِ عَافِيَتِكَ تَفَضُّلاً، أَللّهُمَّ وَإِنِّي أَتُوبُ إِلَيْكَ مِنْ كُلِّ مَا خَالَفَ إِرَادَتَكَ، أَوْ زَالَ عَنْ مَحَبَّتِكَ مِنْ خَطَرَاتِ قَلْبِي وَلَحَظَاتِ عَيْنِي، وَحِكَايَاتِ لِسَانِي، تَوْبَةً تَسْلَمُ بِهَا كُلُّ جَارِحَةٍ عَلَىٰ حِيَالِهَا مِنْ تَبِعَاتِكَ، وَتَأْمَنُ مِمَّا يَخَافُ الْمُعْتَدُونَ مِنْ أَلِيمِ سَطَوَاتِكَ،

ـــــــــــ

(أَلّلهُمَّ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِنْ جَهْلِي) الذي سبب وقوعي في العصيان فإنه لولا جهل الإنسان بوخامة المعصية وعاقبتها السيئة لم يكن يذنب أبداً (وَٱسْتَوْهِبُكَ) أي: أطلب منك أن تهب لي (سُوءَ فِعْلِي) حتى لا يكون عندك مثبوتاً فأعاقب عليه (فَٱضْمُمْنِي إِلَىٰ كَنَفِ رَحْمَتِكَ) الكنف الجانب أي: اجعلني في جانب الرحمة مقابل جانب العذاب (تَطَوُّلاً) أي: تفضلاً منك لا باستحقاق مني (وَٱسْتُرْنِي بِسِتْرِ عَافِيَتِكَ تَفَضُّلاً) فلا تفضحني على ذنوبي بفضلك وإحسانك (أَللّهُمَّ وَإِنِّي أَتُوبُ إِلَيْكَ مِنْ كُلِّ مَا خَالَفَ إِرَادَتَكَ) أي: أمرك من السيئات التي ارتكبتها (أَوْ زَالَ عَنْ مَحَبَّتِكَ) أي: عن حبك فإن المعاصي توجب زوال الإنسان عن حب الله تعالى (مِنْ خَطَرَاتِ قَلْبِي) فإن القلب إذا سنح له خاطر سيئ ومرَّ به فكر باطل كان ذلك خلاف إرادته سبحانه وإن لم يصل إلى حد الحرمة (وَلَحَظَاتِ عَيْنِي) اللحظة النظر بالمعنى (وَحِكَايَاتِ لِسَانِي) أي أقواله وكلماته (تَوْبَةً تَسْلَمُ بِهَا كُلُّ جَارِحَةٍ عَلَىٰ حِيَالِهَا) أي: على انفرادها، بأن توجب تلك التوبة أن لا أعصي بعدها بأي عضو من أعضائي (مِنْ تَبِعَاتِكَ) أي: العقاب الذي يتبع العصيان (وَتَأْمَنُ) كل جارحة (مِمَّا يَخَافُ الْمُعْتَدُونَ) الذي عصى واعتدى (مِنْ أَلِيمِ سَطَوَاتِكَ) جمع سطوة بمعنى الأخذ والقبض بشدة، والإضافة من إضافة الصفة إلى الموصوف أي: سطوتك الأليمة.

ـــــــــــ

أَللّهُمَّ فَٱرْحَمْ وَحْدَتِي بَيْنَ يَدَيْكَ، وَوَجِيبَ قَلْبِي مِنْ خَشْيَتِكَ، وَٱضْطِرَابَ أَرْكَانِي مِنْ هَيْبَتِكَ، فَقَدْ أَقَامَتْنِي يَا رَبِّ ذُنُوبِي مَقَامَ الْخِزْي بِفِنَائِكَ، فَإِنْ سَكَتُّ لَمْ يَنْطِقْ عَنِّي أَحَدٌ، وَإِنْ شَفَعْتُ فَلَسْتُ بِأَهْلِ ٱلشَّفَاعَةِ،

ـــــــــــ

(أَللّهُمَّ فَٱرْحَمْ وَحْدَتِي بَيْنَ يَدَيْكَ) فإن الإنسان المتفرد أقرب إلى الترحم لأنه لا شوكة له بخلاف الذي معه أشخاص آخرون يوجبون شوكته وعزه (وَوَجِيبَ قَلْبِي مِنْ خَشْيَتِكَ) أي: خفقانه فإن الخائف يخفق قلبه خفقاناً شديداً (وَٱضْطِرَابَ أَرْكَانِي مِنْ هَيْبَتِكَ) أي: ارتعاد مفاصلي وأعضائي من خوفك (فَقَدْ أَقَامَتْنِي يَا رَبِّ ذُنُوبِي مَقَامَ الْخِزْي) والذلة (بِفِنَائِكَ) فناء الدار: ساحتها الخارجية (فَإِنْ سَكَتُّ) عن الاعتذار وطلب التوبة (لَمْ يَنْطِقْ عَنِّي أَحَدٌ) غيري في طلب التوبة (وَإِنْ شَفَعْتُ) أي: طلبت الشفاعة (فَلَسْتُ بِأَهْلِ ٱلشَّفَاعَةِ) بأن يشفع لي أحد.

ـــــــــــ

أَللّهُمَّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَشَفِّعْ فِي خَطَايَايَ كَرَمَكَ، وَعُدْ عَلَىٰ سَيِّئَاتِي بِعَفْوِكَ، وَلاَ تَجْزِنِي جَزَائِي مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَٱبْسُطْ عَلَيَّ طَوْلَكَ، وَجَلِّلْنِي بِسِتْرِكَ، وَٱفْعَلْ بِي فِعْلَ عَزِيزٍ تَضَرَّعَ إِلَيْهِ عَبْدٌ ذَلِيْلٌ فَرَحِمَهُ، أَوْ غَنِيٍّ تَعَرَّضَ لَهُ عَبْدٌ فَقِيْرٌ فَنَعَشَهُ،

ـــــــــــ

(أَللّهُمَّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَشَفِّعْ فِي خَطَايَايَ كَرَمَكَ) أي: اجعل كرمك وسيلة وشفيعاً لمحو خطاياي (وَعُدْ عَلَىٰ سَيِّئَاتِي بِعَفْوِكَ) فإن العفو يتوجه إلى الإنسان المعفو عنه، وهذا هو العود، وكأنه كان العفو مقبلاً ثم أدبر لما رأى السيئة فيطلب الداعي إقباله ثانياً (وَلاَ تَجْزِنِي جَزَائِي) أي: لا تعطني جزاء سيئاتي (مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَٱبْسُطْ عَلَيَّ طَوْلَكَ) أي: إحسانك وإنعامك (وَجَلِّلْنِي بِسِتْرِكَ) أي ألبسني بسترك حتى لا أفتضح أمام الناس (وَٱفْعَلْ بِي فِعْلَ عَزِيزٍ تَضَرَّعَ إِلَيْهِ عَبْدٌ ذَلِيْلٌ فَرَحِمَهُ) فإن العزيز إذا رأى ذلة المتضرع يعطف عليه ويرحمه (أَوْ غَنِيٍّ تَعَرَّضَ لَهُ) طالباً معروفه (عَبْدٌ فَقِيْرٌ فَنَعَشَهُ) بإعطائه لوازمه.

ـــــــــــ

أَللّهُمَّ لاَ خَفِيرَ لِي مِنْكَ فَلْيَخْفُرْنِي عِزُّكَ، وَلاَ شَفِيعَ لِي إِلَيْكَ فَلْيَشْفَعْ لِي فَضْلُكَ، وَقَدْ أَوْجَلَتْنِي خَطَايَايَ فَلْيُؤْمِنِّي عَفْوُكَ، فَمَا كُلُّ مَا نَطَقْتُ بِهِ عَنْ جَهْلٍ مِنِّي بِسُوءِ أَثَرِي، وَلاَ نِسْيَانٍ لِمَا سَبَقَ مِنْ ذَمِيمِ فِعْلِي، وَلكِنْ لِتَسْمَعَ سَمَاؤُكَ وَمَنْ فِيهَا، وَأَرْضُكَ وَمَنْ عَلَيْهَا، مَا أَظْهَرْتُ لَكَ مِنَ ٱلنَّدَمِ، وَلَجَأْتُ إِلَيْكَ فِيهِ مِنَ ٱلتَّوْبَةِ،

ـــــــــــ

(أَللّهُمَّ لاَ خَفِيرَ لِي مِنْكَ) أي: لا مجير يجيرني من عذابك (فَلْيَخْفُرْنِي عِزُّكَ) أي: تجيرني أنت بعزك، وإسناد الخفارة إلى العز مجاز من الإسناد إلى السبب (وَلاَ شَفِيعَ لِي إِلَيْكَ فَلْيَشْفَعْ لِي فَضْلُكَ) فإني أجعل فضلك شفيعاً، والنفي إضافي، والمراد به: الشفعاء العاديون، فلا ينافي ذلك الاستشفاع بمحمد صلى الله عليه وآله أو أن الشفيع أولاً وبالذات الفضل إذ شفاعتهم منوطة برضاه سبحانه (وَقَدْ أَوْجَلَتْنِي) أي: أخافتني (خَطَايَايَ) وآثامي (فَلْيُؤْمِنِّي عَفْوُكَ) حتى لا أخاف (فَمَا كُلُّ مَا نَطَقْتُ بِهِ) من الطلبات التي طلبتها منك (عَنْ جَهْلٍ مِنِّي بِسُوءِ أَثَرِي) فإن الذنب يبقى للإنسان (وَلاَ نِسْيَانٍ لِمَا سَبَقَ مِنْ ذَمِيمِ فِعْلِي) أي: فعلي المذموم فإن العصيان مذموم (وَلكِنْ لِتَسْمَعَ سَمَاؤُكَ وَمَنْ فِيهَا) فإن للكون أذاناً سميعة وألسنة ناطقة ﴿ولكن لا تفقهون تسبيحهم﴾ (وَأَرْضُكَ وَمَنْ عَلَيْهَا) ممن يسمع كلامي (مَا أَظْهَرْتُ لَكَ مِنَ ٱلنَّدَمِ) على خطاياي (وَلَجَأْتُ إِلَيْكَ فِيهِ) الضمير عائد إلى [ما] (مِنَ ٱلتَّوْبَةِ) أي: ليسمع كل شيء التوبة التي لجأت فيها إليك وحيث إن علم الإنسان بسوء أثره يقتضي أن يسكت لا أن يتكلم، كأن التكلم خلاف القاعدة ويحتاج إلى مبرر. ولذا ذكره ثم بلفظة [لكن] استثناءً.

ـــــــــــ

فَلَعَلَّ بَعْضَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَرْحَمُنِي لِسُوءِ مَوْقِفِي، أَوْ تُدْرِكُهُ ٱلرِّقَّةُ عَلَيَّ لِسُوءِ حَالِي فَيَنَالَنِي مِنْهُ بِدَعْوَةٍ هِيَ أَسْمَعُ لَدَيْكَ مِنْ دُعَائِي، أَوْ شَفَاعَةٍ أَوْكَدُ عِنْدَكَ مِنْ شَفَاعَتِي، تَكُونُ بِهَا نَجَاتِي مِنْ غَضَبِكَ، وَفَوْزَتِي بِرِضَاكَ، أَللّهُمَّ إِنْ يَكُنِ ٱلنَّدَمُ تَوْبَةً إِلَيْكَ فَأَنَا أَنْدَمُ ٱلنَّادِمِينَ،

ـــــــــــ

(فَلَعَلَّ بَعْضَهُمْ) أي: السماء والأرض ومن فيهما (بِرَحْمَتِكَ) التي وهبتها لهم (يَرْحَمُنِي) بأن يدعو لي فتستجيب وتعفو عني (لِسُوءِ مَوْقِفِي) حيث يرى أن موقفي عندك موقفاً سيئاً مثل موقف سائر المجرمين أمام عدل القضاء (أَوْ تُدْرِكُهُ ٱلرِّقَّةُ) والرحمة (عَلَيَّ لِسُوءِ حَالِي) حيث أذنبت إلى ربي (فَيَنَالَنِي مِنْهُ بِدَعْوَةٍ) إليك للعفو عني (هِيَ أَسْمَعُ لَدَيْكَ مِنْ دُعَائِي) والمراد بكونه أسمع: أنه أقرب إلى الإجابة (أَوْ شَفَاعَةٍ) بأن يشفع لي (أَوْكَدُ عِنْدَكَ مِنْ شَفَاعَتِي) الشفاعة: التوصل إلى المطلب بسبب وقد يكون السبب خارجياً وقد يكون من نفس الإنسان كالتوبة والإنابة (تَكُونُ بِهَا) أي: بشفاعة ذلك الشيء لي (نَجَاتِي مِنْ غَضَبِكَ، وَفَوْزَتِي) أي: فوزي وظفري (بِرِضَاكَ) بعد أن كنت غاضباً عليّ بسبب عصياني (أَللّهُمَّ إِنْ يَكُنِ ٱلنَّدَمُ تَوْبَةً إِلَيْكَ فَأَنَا أَنْدَمُ ٱلنَّادِمِينَ) أي: فأنا أكثر من جميع النادمين ندماً عما أذنبت.

ـــــــــــ

وَإِنْ يَكُنِ ٱلتَّرْكُ لِمَعْصِيَتِكَ إِنَابَةً فَأَنَا أَوَّلُ الْمُنِيبِينَ، وَإنْ يَكُنِ ٱلإِسْتِغْفارُ حِطَّةً لِلذُّنُوبِ فَإِنِّي لَكَ مِنَ الْمُسْتَغْفِريِنَ، أَللّهُمَّ فَكَمَا أَمَرْتَ بَٱلتَّوْبَةِ، وَضَمِنْتَ الْقَبُولَ وَحَثَثْتَ عَلَىٰ ٱلدُّعَاءِ، وَوَعَدْتَ ٱلإِجَابَةَ، فَصَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَٱقْبَلْ تَوْبَتِي، وَلاَ تَرْجِعْنِي مَرْجِعَ الْخَيْبَةِ مِنْ رَحْمَتِكَ، إِنَّكَ أَنْتَ ٱلتَّوَّابُ عَلَىٰ الْمُذْنِبِينَ، وَٱلرَّحِيمُ لِلْخَاطِئِينَ الْمُنِيبِينَ،

ـــــــــــ

(وَإِنْ يَكُنِ ٱلتَّرْكُ لِمَعْصِيَتِكَ إِنَابَةً) الإنابة: بمعنى الترك والرجوع، فإن التائب يرجع إلى الله سبحانه بعد أن ابتعد عنه بالعصيان (فَأَنَا أَوَّلُ الْمُنِيبِينَ) أولهم رتبةً لا زماناً، كما لا يخفى (وَإنْ يَكُنِ ٱلإِسْتِغْفارُ) بمعنى طلب الغفران (حِطَّةً لِلذُّنُوبِ) أي: موجباً لحط الذنوب عن عاتق الإنسان (فَإِنِّي لَكَ مِنَ الْمُسْتَغْفِريِنَ) فاعف عني وتجاوز عني (أَللّهُمَّ فَكَمَا أَمَرْتَ بَٱلتَّوْبَةِ، وَضَمِنْتَ الْقَبُولَ) حيث قلت: ﴿توبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون﴾ [4] وقلت: ﴿وإني لغفار لمن تاب﴾ [5] (وَحَثَثْتَ) الحث: التريض (عَلَىٰ ٱلدُّعَاءِ، وَوَعَدْتَ ٱلإِجَابَةَ) حيث قلت: ﴿ادعوني استجب لكم﴾ [6] (فَصَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَٱقْبَلْ تَوْبَتِي) بالعفو عني (وَلاَ تَرْجِعْنِي مَرْجِعَ الْخَيْبَةِ) أي: مثل رجوع الإنسان الذي خاب ولم يحصل على مراده (مِنْ رَحْمَتِكَ) وفضلك (إِنَّكَ أَنْتَ ٱلتَّوَّابُ عَلَىٰ الْمُذْنِبِينَ، وَٱلرَّحِيمُ لِلْخَاطِئِينَ) لعل الفرق: أن التواب من يستر الذنب والرحيم من يعطي الفضل، وتواب مبالغة في تائب، وتاب بمعنى رجع، وهو من العبد رجوعه إلى الله بعد ابتعاده عنه بالذنوب، ومن الله رجوعه إلى العبد بالغفران بعد إعراضه عنه لما ارتكب من الإثم (الْمُنِيبِينَ) من أناب بمعنى تاب.

ـــــــــــ

أَللّهُمَّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، كَمَا هَدَيْتَنَا بِهِ، وَصَلَّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ كَمَا ٱسْتَنْقَذْتَنَا بِه، وَصَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، صَلاَةً تَشْفَعُ لَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَوْمَ الْفَاقَةِ إلَيْكَ، إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَهُوَ عَلَيْكَ يَسِيرٌ.

ـــــــــــ

(أَللّهُمَّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، كَمَا هَدَيْتَنَا بِهِ) أي: مثل أن تفضلت علينا بالهداية تفضل على محمد صلى الله عليه وآله بالصلاة (وَصَلَّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ كَمَا ٱسْتَنْقَذْتَنَا) أي أنقذتنا وخلصتنا من الشرك والشقاء (بِه) أي: بالرسول صلى الله عليه وآله (وَصَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، صَلاَةً تَشْفَعُ) تلك الصلاة (لَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَوْمَ الْفَاقَةِ) أي: الاحتياج (إلَيْكَ) فإن الإنسان إذا أهدى إلى الكريم هدية استحق عليه حقاً وهكذا لو صلى الإنسان على الرسول استحق أن تكون تلك الصلاة شفيعة له ومخلصة إياه عن العقاب (إِنَّكَ) يا رب (عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَهُوَ) أي: ما طلبنا منك (عَلَيْكَ يَسِيرٌ) فإنه سبحانه لا يصعب عليه شيء مهما كان عظيماً ثقيلاً في نظرنا.

ـــــــــــ

[1] ـ إشارة إلى سورة غافر، آية: 60.

[2] ـ سورة الشورى، آية: 25.

[3] ـ سورة البقرة، آية: 222.

[4] ـ سورة النور، آية: 31.

[5] ـ سورة طه، آية: 82.

[6] ـ سورة غافر، آية: 60.