أفضل المواقع الشيعية

دعاء بعد الفراغ من صلاة الليل

 
السجادية

الدعاء مطابق للمصدر

الصحيفة
 

وكان من دعائه (عليه السلام) بعد الفراغ من صلاة الليل لنفسه في الاعتراف بالذنب:

أَللّهُمَّ يَا ذَا الْمُلْكِ الْمُسْتَأْبِدِ بِالْخُلُودِ وَٱلسُّلْطَانِ، الْمُمْتَنِعِ بِغَيْرِ جُنُودٍ وَلاَ أَعْوَانٍ، وَالْعِزِّ الْبَاقِي عَلَىٰ مَرِّ ٱلدُّهُورِ وَخَوَالِي ٱلأَعْوَامِ وَمَوَاضِي ٱلأَزْمَانِ وَٱلأَيَّامِ، عَزَّ سُلْطَانُكَ عِزّاً لاَ حَدَّ لَهُ بِأَوَّلِيَّةٍ،

ـــــــــــ

الشرح: (أَللّهُمَّ يَا ذَا الْمُلْكِ الْمُسْتَأْبِدِ بِالْخُلُودِ) أي: أن ملكك أبدي خالد، لا كملك أهل الدنيا الذي هو زائل (وَٱلسُّلْطَانِ) أي: السلطة والسيطرة (الْمُمْتَنِعِ بِغَيْرِ جُنُودٍ) فإن ملك الله يمتنع من أن يصل إليه أحد، ولا يحتاج في ذلك إلى الجند والجيش (وَلاَ أَعْوَانٍ) كما للمملوك أعوان مع قطع النظر من الجيش (وَ) يا ذا (الْعِزِّ الْبَاقِي عَلَىٰ مَرِّ ٱلدُّهُورِ) الدهر قطعة من الزمان، أي: على مر الأزمان (وَخَوَالِي ٱلأَعْوَامِ) خوالي جمع خالية، بمعنى: الماضية، أي: على مر الأعوام الماضية (وَمَوَاضِي ٱلأَزْمَانِ وَٱلأَيَّامِ) أي: الأزمان الماضية، فهو ملك منذ الأزل، وإلى الأبد (عَزَّ سُلْطَانُكَ) العزيز: هو النادر وجوده الكثير الاحتياج إليه، فلو كثر وجوده وإن كان محتاجاً إليه كالهواء لم يحتج إليه، وإن ندر وجوده كنبتٍ فريد في صحراء لم يسم عزيزاً، والله سبحانه أعز من كل عزيز لوحده وجوده والاحتياج التام إليه (عِزّاً لاَ حَدَّ لَهُ بِأَوَّلِيَّةٍ) بأن كان ذليلاً ثم صار عزيزا.ً

ـــــــــــ

وَلاَ مُنْتَهَىٰ لَهُ بِآخِرِيَّةٍ، وَٱسْتَعْلَىٰ مُلْكُكَ عُلُوًّا سَقَطَتِ ٱلأَشْيَاءُ دُونَ بُلُوغِ أَمَدِهِ، وَلاَ يَبْلُغُ أَدْنَىٰ مَا ٱسْتَأْثَرْتَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ أَقْصَىٰ نَعْتِ ٱلنَّاعِتِينَ، ضَلَّتْ فِيكَ ٱلصِّفَاتُ وَتَفَسَّخَتْ دُونَكَ ٱلنُّعُوتُ، وَحَارَتْ فِي كِبْرِيَائِكَ لَطَائِفُ ٱلأَوْهَامِ،

ـــــــــــ

(وَلاَ مُنْتَهَىٰ لَهُ بِآخِرِيَّةٍ) بأن ينقلب عزه ذلاً بعد مدة كما هو كذلك في سائر الأعزاء (وَٱسْتَعْلَىٰ مُلْكُكَ) أي: تعالى وارتفع (عُلُوًّا سَقَطَتِ ٱلأَشْيَاءُ دُونَ بُلُوغِ أَمَدِهِ) أي: لم تصل الأشياء إلى ذلك العلو، كما يسقط الطائر إذا أراد أن يصل إلى قمة جبل شاهق فتعب ولم يتمكن (وَلاَ يَبْلُغُ) أي: لا يصل (أَدْنَىٰ مَا ٱسْتَأْثَرْتَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ) أي: الذي جعلته لنفسك من العز والعلو فإن الإنسان إنما يتمكن أن يصف العز الذي قرره الله للبشر لا الذي لنفسه تعالى (أَقْصَىٰ نَعْتِ ٱلنَّاعِتِينَ) أي: غاية مدحهم إذ هو سبحانه مجهول الذات والصفات للبشر وهو فوق حدهم وقدرتهم فلا يتمكنون أن يصلوا إلى نعته (ضَلَّتْ فِيكَ ٱلصِّفَاتُ) أي: لم تصل إلى صفتك وإنما تذهب هدراً (وَتَفَسَّخَتْ) أي: بطلت (دُونَكَ ٱلنُّعُوتُ) أي: نعت الإنسان لك (وَحَارَتْ) أي تحيرت (فِي كِبْرِيَائِكَ لَطَائِفُ ٱلأَوْهَامِ) أي: الظنون والأفكار اللطيفة الرقيقة لا تصل إلى معرفة ما لك من الكبر والعظمة.

ـــــــــــ

كَذٰلِكَ أَنْتَ اللهُ ٱلأَوَّلُ فِي أَوَّلِيَّتِكَ، وَعَلَىٰ ذَلِكَ أَنْتَ دَائِمٌ لاَ تَزُولُ، وَأَنَا الْعَبْدُ ٱلضَّعِيفُ عَمَلاً، الْجَسِيمُ أَمَلاً، خَرَجَتْ مِنْ يَدَيَّ أَسْبَابُ الْوُصُلاَتِ إِلاَّ مَا وَصَلَهُ رَحْمَتُكَ، وَتَقَطَّعَتْ عَنِّي عِصَمُ ٱلآمَالِ إِلاَّ مَا أَنَا مُعْتَصِمٌ بِهِ مِنْ عَفْوِكَ، قَلَّ عِنْدِي مَا أَعْتَدُّ بِهِ مِنْ طَاعَتِكَ، وَكَثُرَ عَلَيَّ مَا أَبُوءُ بِهِ مِنْ مَعْصِيَتِكَ،

ـــــــــــ

(كَذٰلِكَ) الذي ذكرنا في وصفك (أَنْتَ اللهُ ٱلأَوَّلُ فِي أَوَّلِيَّتِكَ) أي: أنت أول إذا لوحظت جهة الأولية كما نقول من جهة العلم زيد عالم ومن جهة التقوى هو متقي وهكذا (وَعَلَىٰ ذَلِكَ) الذي ذكرت في أول الدعاء (أَنْتَ دَائِمٌ لاَ تَزُولُ) ولا تنقلب عن حالك (وَأَنَا الْعَبْدُ ٱلضَّعِيفُ عَمَلاً) أي: أني قليل العمل (الْجَسِيمُ) أي: الكبير (أَمَلاً) فإن آمال الإنسان كثيرة (خَرَجَتْ مِنْ يَدَيَّ أَسْبَابُ الْوُصُلاَتِ) جمع وصلة وهي ما يتوصل الإنسان به إلى مطلوبه، وإضافة الأسباب إليه من إضافة المثل إلى الأمثل نحو فاطمة الزهراء، أو بمعنى الأسباب الموصلة إلى السعادة (إِلاَّ مَا وَصَلَهُ رَحْمَتُكَ) فإن رحمتك هي التي تسعدني أما عملي فهو سبب شقائي (وَتَقَطَّعَتْ عَنِّي عِصَمُ ٱلآمَالِ) عصم جمع عصمة، وهي الوقاية والحفظ أي: ما أحفظ به آمالي وأصل إليها بسببه، إذ العصيان يوجب قطع الطاعة التي هي موصلة إلى الآمال (إِلاَّ مَا أَنَا مُعْتَصِمٌ بِهِ مِنْ عَفْوِكَ) فعفوك عن ذنبي هو الذي يوصلني إلى أملي (قَلَّ عِنْدِي مَا أَعْتَدُّ بِهِ) يقال: اعتد به إذا أدخله في العد والحساب (مِنْ طَاعَتِكَ، وَكَثُرَ عَلَيَّ مَا أَبُوءُ) أي: رجع (بِهِ مِنْ مَعْصِيَتِكَ) وكأن الإنسان جاء من قبله سبحانه فإذا عصى ومات رجع إليه بالمعصية.

ـــــــــــ

وَلَنْ يَضِيقَ عَلَيْكَ عَفْوٌ عَنْ عَبْدِكَ وَإِنْ أَسَاءَ فَٱعْفُ عَنِّي، أَللّهُمَّ وَقَدْ أَشْرَفَ عَلَىٰ خَفَايَا الأَعْمَالِ عِلْمُكَ، وَٱنْكَشَفَ كُلُّ مَسْتُورٍ دُونَ خُبْرِكَ، وَلاَ تَنْطَوِي عَنْكَ دَقَائِقُ ٱلأُمُورِ، وَلاَ تَعْزُبُ عَنْكَ غَيِّبَاتُ ٱلسَّرَائِرِ، وَقَدِ ٱسْتَحْوَذَ عَلَيَّ عَدُوُّكَ ٱلَّذِي ٱسْتَنْظَرَكَ لِغِوَايَتِي فَأَنْظَرْتَهُ،

ـــــــــــ

(وَلَنْ يَضِيقَ عَلَيْكَ عَفْوٌ عَنْ عَبْدِكَ وَإِنْ أَسَاءَ) فإني أعفو عن المسيء من عبادك، والحال أنا بشر (فَٱعْفُ عَنِّي) فإن الإله أولى بعدم ضيق العفو عليه (أَللّهُمَّ وَقَدْ أَشْرَفَ عَلَىٰ خَفَايَا الأَعْمَالِ) أي: الأعمال الخفية التي عملتها، أو المراد عام بالنسبة إلى كل عامل (عِلْمُكَ) أي: علمك وأصل إليها نافذ فيها (وَٱنْكَشَفَ) أي: ظهر (كُلُّ مَسْتُورٍ دُونَ خُبْرِكَ) أي: علمك من الخبر والاختبار (وَلاَ تَنْطَوِي) أي: لا تخفى (عَنْكَ دَقَائِقُ ٱلأُمُورِ) أي: الأمور الدقيقة اللطيفة (وَلاَ تَعْزُبُ) أي: لا تغيب (عَنْكَ غَيِّبَاتُ ٱلسَّرَائِرِ) أي: الضمائر الغائبة والمخفية عن وصول الحواس إليها، وغيبات جمع غائبة (وَقَدِ ٱسْتَحْوَذَ) أي: استولى (عَلَيَّ عَدُوُّكَ) وهو الشيطان (ٱلَّذِي ٱسْتَنْظَرَكَ) أي: يطلب منك المهلة، حيث قال: ﴿انظرني إلى يوم يبعثون﴾ [1] (لِغِوَايَتِي) أي: إنما أراد الشيطان المهلة حتى يغوي ويضل البشر حيث قال: ﴿لأغوينهم أجمعين﴾ (فَأَنْظَرْتَهُ) أي: أمهلته، وذلك ليتميز المطيع من العاصي، والضال من المهتدي.

ـــــــــــ

وَٱسْتَمْهَلَكَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلدِّيِنِ لإِضْلاَلِي فَأَمْهَلْتَهُ، فَأَوْقَعَنِي وَقَدْ هَرَبْتُ إِلَيْكَ مِنْ صَغَائِرِ ذُنُوبٍ مُوبِقَةٍ وَكَبَائِرِ أَعْمَالٍ مُرْدِيَةٍ، حَتَّىٰ إِذَا قَارَفْتُ مَعْصِيَتَكَ، وَٱسْتَوْجَبْتُ بِسوُءِ سَعْيِيِِ سَخْطَتَكَ، فَتَلَ عَنِّي عِذَارَ غَدْرِهِ، وَتَلَقَّانِي بِكَلِمَةِ كُفْرِهِ، وَتَوَلَّىٰ الْبَرَاءَةَ مِنَّي، وَأَدْبَرَ مُوَلِّياً عَنِّي، فَأَصْحَرَنِي لغَضَبِكَ فَرِيداً،

ـــــــــــ

(وَٱسْتَمْهَلَكَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلدِّيِنِ) أي: طلب منك المهلة ـ بعدم إماتته ـ إلى يوم القيامة، والدين بمعنى الجزاء (لإِضْلاَلِي فَأَمْهَلْتَهُ) اختباراً للبشر (فَأَوْقَعَنِي) في الهلكة (وَقَدْ هَرَبْتُ إِلَيْكَ) يا رب (مِنْ صَغَائِرِ ذُنُوبٍ مُوبِقَةٍ) أي: مهلكة (وَكَبَائِرِ أَعْمَالٍ مُرْدِيَةٍ) أرداه بمعنى أهلكه (حَتَّىٰ إِذَا قَارَفْتُ) أي: ارتكبت (مَعْصِيَتَكَ) كما أراد الشيطان (وَٱسْتَوْجَبْتُ بِسوُءِ سَعْيِيِِ) وعملي (سَخْطَتَكَ) أي: غضبك (فَتَلَ) الشيطان أي: صرف (عَنِّي عِذَارَ غَدْرِهِ) العذار: لجام الفرس، أي: صرف الشيطان عني عنان فرسه (وَتَلَقَّانِي بِكَلِمَةِ كُفْرِهِ) إشارة إلى قوله سبحانه: ﴿كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك﴾ [2] (وَتَوَلَّىٰ الْبَرَاءَةَ مِنَّي) أي قال: ﴿إني بريء منك﴾ كما تقدم في الآية الكريمة (وَأَدْبَرَ) أي: ذهب (مُوَلِّياً عَنِّي) قد ولى وأعطى دبره نحو الإنسان (فَأَصْحَرَنِي) أي: أظهرني، والأصل فيه الخروج إلى الصحراء (لغَضَبِكَ) في حال كوني (فَرِيداً) وحيداً لا ناصر ولا دافع لي.

ـــــــــــ

وَأَخْرَجَنِي إِلَىٰ فِنَاءِ نَقِمَتِكَ طَرِيداً، لاَ شَفِيعَ يِشْفَعُ لِي إِلَيْكَ، وَلاَ خَفِيرٌ يُؤْمِنُنِي عَلَيْكَ، وَلاَ حِصْنٌ يَحْجُبُنِي عَنْكَ، وَلاَ مَلاَذَ أَلْجَأُ إِلَيْهِ مِنْكَ، فَهٰذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ، وَمَحَلُّ الْمُعْتَرِفِ لَكَ، فَلاَ يَضِيقَنَّ عَنِّي فَضْلُكَ، وَلاَ يَقْصُرَنَّ دُونِي عَفْوُكَ، وَلاَ أَكُنْ أَخْيَبَ عِبَادِكَ ٱلتَّائِبِينَ، وَلاَ أَقْنَطُ وُفُودِكَ ٱلآمِلِينَ، وَٱغْفِرْ لِي إِنَّكَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ،

ـــــــــــ

(وَأَخْرَجَنِي إِلَىٰ فِنَاءِ نَقِمَتِكَ) أي: إلى ناحية غضبك وعقابك (طَرِيداً) أي: في حال كوني مطروداً عن الخير (لاَ شَفِيعَ يِشْفَعُ لِي إِلَيْكَ) لخلاصي من ذنبي (وَلاَ خَفِيرٌ) أي: لا مجير (يُؤْمِنُنِي عَلَيْكَ) أي: يعطيني الأمن على خلاف ما تريد من عقابي (وَلاَ حِصْنٌ يَحْجُبُنِي) أي: يحفظني (عَنْكَ) حتى لا تتمكن أن تعذبني (وَلاَ مَلاَذَ أَلْجَأُ إِلَيْهِ مِنْكَ) الملاذ من لاذ، بمعنى الملجأ (فَهٰذَا) المقام الذي وقفت فيه متضرعاً (مَقَامُ الْعَائِذِ) اللاجئ (بِكَ) عن ذنوبه (وَمَحَلُّ الْمُعْتَرِفِ لَكَ) بآثامه وخطاياه (فَلاَ يَضِيقَنَّ عَنِّي فَضْلُكَ) حتى لا يشملني (وَلاَ يَقْصُرَنَّ دُونِي عَفْوُكَ) فلا يصل إليّ (وَلاَ أَكُنْ أَخْيَبَ عِبَادِكَ ٱلتَّائِبِينَ) أي: أكثرهم خيبة وهي عدم الوصول إلى الفعل (وَلاَ أَقْنَطُ وُفُودِكَ ٱلآمِلِينَ) أي: أكثرهم قنوطاً ويأساً، ووفود، جمع وفد: وهي الجماعة التي تذهب إلى الشخص لتطلب حاجة، والآمل هو الراجي (وَٱغْفِرْ لِي إِنَّكَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ) يقال: غفر ذنبه إذا ستره، ثم إن الستر قد يكون بعدم الفضيحة، وقد يكون بالعفو.

ـــــــــــ

أَللّهُمَّ إِنَّكَ أَمَرْتَنِي فَتَرَكْتُ وَنَهَيْتَنِي فَرَكِبْتُ، وَسَوَّلَ لِيَ الْخَطَأَ خَاطِرُ ٱلسُّوءِ فَفَرَّطْتُ، وَلاَ ٱسْتَشْهِدُ عَلَىٰ صِيَامِي نَهَاراً، وَلاَ أَسْتَجِيرُ بِتَهَجُّدِي لَيْلاً، وَلاَ تُثْنِي عَلَيَّ بِإِحْيَائِهَا سُنَّةٌ، حَاشَا فُروُضِكَ ٱلَّتِي مَنْ ضَيَّعْهَا هَلَكَ، وَلَسْتُ أَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِفَضْلِ نَافِلَةٍ،

ـــــــــــ

(أَللّهُمَّ إِنَّكَ أَمَرْتَنِي) بأوامرك (فَتَرَكْتُ) وخالفت (وَنَهَيْتَنِي) من المحرمات (فَرَكِبْتُ) أي: عملتها (وَسَوَّلَ لِيَ الْخَطَأَ خَاطِرُ ٱلسُّوءِ) سول بمعنى زين، أي: إن الفكر السيئ زين في نظري الإثم (فَفَرَّطْتُ) أي: عملت ذلك الخطأ، والتفريط العمل بخلاف الحق (وَلاَ ٱسْتَشْهِدُ عَلَىٰ صِيَامِي نَهَاراً) يعني لا أقول إني صمت نهاراً والنهار شاهد لي بذلك أريد التبجح بعملي (وَلاَ أَسْتَجِيرُ) وألوذ (بِتَهَجُّدِي) من الهجود بمعنى الابتعاد عن الفراش للعبادة (لَيْلاً) أي: في الليل (وَلاَ تُثْنِي عَلَيَّ بِإِحْيَائِهَا سُنَّةٌ) أي الكتاب والسنة، لا تمدحني لأني أحييتها، فسنة فاعل تثني، وهذا من باب هضم النفس، والمقصود أني لم أعمل عملاً أستحق الثناء، والإسناد إلى السنّة مجاز (حَاشَا فُروُضِكَ ٱلَّتِي مَنْ ضَيَّعْهَا هَلَكَ) فإن الفرض يلزم أن يؤتى وما شأنه كذلك لا يمدح أحداً إذا أداه، وهذا من قبل قولهم لا شكر على الواجب (وَلَسْتُ أَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِفَضْلِ نَافِلَةٍ) أي: بنافلة فضل أديتها.

ـــــــــــ

مَعَ كَثِيرِ مَا أَغْفَلْتُ مِنْ وَظَائِفِ فُرُوضِكَ، وَتَعَدَّيْتُ عَنْ مَقَامَاتِ حُدُودِكَ إِلَىٰ حُرُمَاتٍ ٱنْتَهَكْتُهَا، وَكَبَائِرِ ذُنُوبٍ ٱجْتَرَحْتُهَا، كَانَتْ عَافِيَتُكَ لِي مِنْ فَضَائِحِهَا سِتْراً، وَهٰذَا مَقَامُ مَنِ ٱسْتَحْيَىٰ لِنَفْسِهِ مِنْكَ، وَسَخِطِ عَلَيْهَا، وَرَضِيَ عَنْكَ، فَتَلَقَّاكَ بِنَفسٍ خَاشِعَةٍ، وَرَقَبةٍ خَاضِعَةٍ وَظَهْرٍ مُثْقَلٍ مِنَ الْخَطَايَا،

ـــــــــــ

(مَعَ كَثِيرِ مَا أَغْفَلْتُ) ولم آت (مِنْ وَظَائِفِ فُرُوضِكَ) أي: كيف أجعل النوافل شفيعي مع أني تركت كثيراً من الواجبات، وهل يتمكن العاصي أن يجعل إتيانه لبعض النوافل جهة مدح لنفسه؟ (وَتَعَدَّيْتُ عَنْ مَقَامَاتِ حُدُودِكَ) أي: محلات يجب الإقامة عليها من حدودك، وحدود الله أحكامه (إِلَىٰ حُرُمَاتٍ) متعلق بـ[تعديت] فإن التجاوز يكون من الحد إلى الموضع المحرم (ٱنْتَهَكْتُهَا) أي: خرقتها وارتكبتها (وَكَبَائِرِ ذُنُوبٍ ٱجْتَرَحْتُهَا) اجتراح السيئة الإشادة بها (كَانَتْ عَافِيَتُكَ لِي مِنْ فَضَائِحِهَا) أي: إنك لم تفضحني ولم تشهر ذنوبي بأن عافيتني عن ذلك (سِتْراً) منك عليّ (ذَا مَقَامُ مَنِ ٱسْتَحْيَىٰ لِنَفْسِهِ) أي: أن الاستحياء لأجل ارتكابه القبيح في قبال استحياء الإنسان لأجل ارتكاب أحد أقربائه القبيح (مِنْكَ) يا رب (وَسَخِطِ عَلَيْهَا) لأجل ارتكابها الإثم (وَرَضِيَ عَنْكَ) لأنك تفضلت حتى عند ارتكابها القبيح (فَتَلَقَّاكَ) أي: جاء إليك (بِنَفسٍ خَاشِعَةٍ، وَرَقَبةٍ خَاضِعَةٍ وَظَهْرٍ مُثْقَلٍ مِنَ الْخَطَايَا) والآثام.

ـــــــــــ

وَاقِفاً بَيْنَ ٱلرَّغْبَةِ إِلَيْكَ وَٱلرَّهْبَةِ مِنْكَ، وَأَنْتَ أَوْلَىٰ مَنْ رَجَاهُ، وَأَحَقُّ مَنْ خَشِيَهُ وَٱتَّقَاهُ، فَأَعْطِنِي يَا رَبِّ مَا رَجَوْتُ، وَآمِنِّي مَا حَذِرْتُ، وَعُدْ عَلَيَّ بِعَائِدَةِ رَحْمَتِكَ، إِنَّكَ أَكْرَمُ الْمَسْؤُولِينَ، أَللّهُمَّ وَإِذْ سَتَرْتَنِي بِعَفْوِكَ، وَتَغَمَّدْتَنِي بِفَضْلِكَ فِي دَارِ الْفَنَاءِ بِحَضْرَةِ ٱلأَكْفَاءِ،

ـــــــــــ

(وَاقِفاً بَيْنَ ٱلرَّغْبَةِ إِلَيْكَ وَٱلرَّهْبَةِ مِنْكَ) أي: يرجوك من ناحية كرمك ويخافك من ناحية ذنب نفسه وأفضل أحوال الإنسان أن يكون خائفاً راجياً (وَأَنْتَ أَوْلَىٰ مَنْ رَجَاهُ) أحد إذ سائر من يرجوهم الناس عبيد وليس بيدهم شيء إلا أنت (وَأَحَقُّ مَنْ خَشِيَهُ) فإن نكالك وعقابك أعظم من كل نكال وعقاب (وَٱتَّقَاهُ) أي: تحفظ الإنسان عن أن يقع في غضبه وسخطه (فَأَعْطِنِي يَا رَبِّ مَا رَجَوْتُ) وطلبت منك (وَآمِنِّي مَا حَذِرْتُ) وخشيت منه من النار والعقاب (وَعُدْ عَلَيَّ) يا رب كما ابتدأت (بِعَائِدَةِ رَحْمَتِكَ) أي: برحمتك التي تعود على الناس (إِنَّكَ أَكْرَمُ الْمَسْؤُولِينَ) فإن كل من يسأل دونك في الكرم (أَللّهُمَّ وَإِذْ سَتَرْتَنِي بِعَفْوِكَ) فلم تفضحني بذنوبي (وَتَغَمَّدْتَنِي) أي: شملتني (بِفَضْلِكَ) وإحسانك (فِي دَارِ الْفَنَاءِ) أي: الدنيا (بِحَضْرَةِ ٱلأَكْفَاءِ) أي: عند الناس الذين هم كُفُئي ومثلي، مع أن الفضيحة لديهم ليست بذات أهمية.

ـــــــــــ

فَأَجِرْنِي مِنْ فَضِيحَاتِ دَارِ الْبَقَاءِ عِنْدَ مَوَاقِفِ ٱلأَشْهَادِ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ، وَٱلرُّسُلِ الْمُكَرَّمِينَ، وَٱلشُّهَدَاءِ وَٱلصَّالِحِينَ مِنْ جَارٍ كُنْتُ أُكَاتِمُهُ سَيِّئَاتِي، وَمِنْ ذِي رَحِمٍ كُنْتُ أَحْتَشِمُ مِنْهُ فِي سَرِيرَاتِي، لَمْ أَثِقْ بِهِمْ رَبِّ فِي ٱلسِّتْرِ عَلَيَّ، وَوَثِقْتُ بِكَ رَبِّ فِي الْمَغْفِرَةِ لِي، وَأَنْتَ أَوْلَىٰ مَنْ وُثِقَ بِهِ، وَأَعْطَىٰ مَنْ رُغِبَ إِلَيْهِ وَأَرْأَفُ مَنِ ٱسْتُرْحِمَ فَٱرْحَمْنِي،

ـــــــــــ

(فَأَجِرْنِي) أي: احفظني (مِنْ فَضِيحَاتِ دَارِ الْبَقَاءِ) بإظهارك لآثامي وذنوبي (عِنْدَ مَوَاقِفِ ٱلأَشْهَادِ) أي: محل وقوف الشهود، فإن [أشهاد] جمع شاهد (مِنَ الْمَلاَئِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ) بيان [الأشهاد] (وَٱلرُّسُلِ الْمُكَرَّمِينَ) الذين أكرمتهم (وَٱلشُّهَدَاءِ وَٱلصَّالِحِينَ مِنْ جَارٍ) بيان الشهداء والصالحين، أو الثاني فقط (كُنْتُ أُكَاتِمُهُ) أي: أكتم وأخفي عليه (سَيِّئَاتِي) في دار الدنيا (وَمِنْ ذِي رَحِمٍ كُنْتُ أَحْتَشِمُ مِنْهُ) أي: استحي منه (فِي سَرِيرَاتِي) أي: في الأعمال التي أرتكبها سراً (لَمْ أَثِقْ بِهِمْ) يا (رَبِّ فِي ٱلسِّتْرِ عَلَيَّ) ولذا أخاف إن عرفوا سريرتي فضحوني (وَوَثِقْتُ بِكَ) يا (رَبِّ فِي الْمَغْفِرَةِ لِي) فإن المؤمن إنما يعصي ثقة بمغفرة الله تعالى (وَأَنْتَ) يا رب (أَوْلَىٰ مَنْ وُثِقَ بِهِ) فإن الله تعالى محل الثقة حقيقةً بخلاف من سواه، الأول كان ثقة في المغفرة وهذا عام بالنسبة إلى الثقة في كل شيء (وَأَعْطَىٰ مَنْ رُغِبَ إِلَيْهِ) أي: أكثر الناس إعطاءً فإن الإنسان إذا طلب شيئاً من أي: شخص عظيم، لا يكون إعطاؤه كإعطاء الله تعالى (وَأَرْأَفُ مَنِ ٱسْتُرْحِمَ) فإن استرحام الإنسان لغيره تعالى، يمكن أن يخيب بخلافه تعالى لأنه أرأف من جميع الناس (فَٱرْحَمْنِي) بفضلك.

ـــــــــــ

أَللّهُمَّ وَأَنْتَ حَدَرْتَنِي مَاءً مَهِيناً مِنْ صُلْبٍ مُتَضَائِقِ الْعِظَامِ، حَرِجِ الْمَسَالِكِ إِلَىٰ رَحِمٍ ضَيِّقَةٍ سَتَرْتَهَا بِالْحُجُبِ، تُصَرِّفُنِي حَالاً عَنْ حَالٍ حَتَّىٰ ٱنْتَهَيْتَ بِي إِلَىٰ تَمَامِ ٱلصُّورَةِ، وَأَثْبَتَّ فِيَّ الْجَوَارِحَ كَمَا نَعَتَّ فِي كِتَابِكَ: نُطْفَةً ثُمَّ عَلَقَةً ثُمَّ مُضْغَةً ثُمَّ عِظَاماً ثُمَّ كَسَوْتَ الْعِظَامَ لَحْماً، ثُمَّ أَنْشَأْتَنِي خَلْقَاً آخَرَ كَمَا شِئْتَ، حَتَّىٰ إِذَا ٱحْتَجْتُ إِلَىٰ رِزْقِكَ وَلَمْ أَسْتَغْنِ عَنْ غِيَاثِ فَضْلِكَ،

ـــــــــــ

(أَللّهُمَّ وَأَنْتَ حَدَرْتَنِي) أي: أنزلتني (مَاءً مَهِيناً) أي: ذليلاً حقيراً، والمراد به المني (مِنْ صُلْبٍ) الأب: وهي العظام التي في ظهره الـ (مُتَضَائِقِ الْعِظَامِ) فإن عظام الصلب متداخلة متضايقة (حَرِجِ الْمَسَالِكِ) أي: ضيق الطرق حتى يصل إلى الآلة التي يفرغه (إِلَىٰ رَحِمٍ) الأم الـ (ضَيِّقَةٍ) الرحم مؤنث سماعي (سَتَرْتَهَا) أي: تلك الرحم (بِالْحُجُبِ) جمع حجاب المانع من الرؤية (تُصَرِّفُنِي حَالاً عَنْ حَالٍ) أي: بعد حال (حَتَّىٰ ٱنْتَهَيْتَ بِي إِلَىٰ تَمَامِ ٱلصُّورَةِ) بأن كملت صورتي الإنسانية (وَأَثْبَتَّ) أي: جعلت (فِيَّ الْجَوَارِحَ) جمع جارحة: بمعنى الأعضاء (كَمَا نَعَتَّ) وذكرت (فِي كِتَابِكَ) القرآن الحكيم، قال سبحانه: ﴿لقد خلقنا الإنسان من سلالةٍ من طين ثم جعلناه نطفةً في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقةً فخلقنا العلقة مضغةً فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين﴾ [3] (نُطْفَةً) بيان للتصرف حالاً عن حال، والنطفة هي المني (ثُمَّ عَلَقَةً) كالدم المتجمد (ثُمَّ مُضْغَةً) كاللحم الذي يمضغ بالأسنان (ثُمَّ عِظَاماً ثُمَّ كَسَوْتَ) وألبست (الْعِظَامَ لَحْماً، ثُمَّ أَنْشَأْتَنِي خَلْقَاً آخَرَ) إذ أعطيتني الروح الإنسانية (كَمَا شِئْتَ، حَتَّىٰ إِذَا ٱحْتَجْتُ إِلَىٰ رِزْقِكَ وَلَمْ أَسْتَغْنِ عَنْ غِيَاثِ فَضْلِكَ) أي: فضلك الذي يغيثني ويجيرني.

ـــــــــــ

جَعَلْتَ لِي قُوتاً مِنْ فَضْلِ طَعَامٍ وَشَرَابٍ أَجْرَيْتَهُ لأَمَتِكَ ٱلَّتِي أَسْكَنْتَنِي جَوْفَهَا، وَأَوْدَعْتَنِي قَرَارَ رَحِمِهَا، وَلَوْ تَكِلُنِي يَا رَبِّ فِي تِلْكَ الْحَالاَتِ إِلَىٰ حَوْلِي، أَوْ تَضْطَرُّنِي إِلَىٰ قُوَّتِي لَكَانَ الْحَوْلُ عَنِّي مُعْتَزِلاً، وَلَكَانَتِ الْقُوَّةُ مِنِّي بَعِيدَةً، فَغَذَوْتَنِي بِفَضْلِكَ غِذَاءَ الْبَرِّ ٱللَّطِيفِ، تَفْعَلُ ذَلِكَ بِي تَطَوُلاًّ عَلَيَّ إِلَىٰ غَايَتِي هٰذِهِ، لاَ أَعْدَمُ بِرَّكَ، وَلاَ يُبْطِئُ بِي حُسْنُ صَنِيعِكَ، وَلاَ تَتأَكَّدُ مَعَ ذَلِكَ ثِقَتِي فَأَتَفَرَّغَ لِمَا هُوَ أَحْظَىٰ لِي عِنْدَكَ، قَدْ مَلَكَ ٱلشَّيْطَانُ عِنَانِي فِي سُوءِ ٱلظَّنِّ وَضَعْفِ الْيَقِينِ، فَأَنَا أَشْكُو سُوءَ مُجَاوَرَتِهِ لِي،

ـــــــــــ

(جَعَلْتَ لِي قُوتاً) ورزقاً (مِنْ فَضْلِ طَعَامٍ وَشَرَابٍ) أي: زيادتهما (أَجْرَيْتَهُ) أي: كل واحد منهما (لأَمَتِكَ) وهي والدة الإنسان (ٱلَّتِي أَسْكَنْتَنِي جَوْفَهَا) في بطنها (وَأَوْدَعْتَنِي قَرَارَ رَحِمِهَا) أي: في مستقر الرحم، فإن الطفل في البطن يرزق بواسطة سرته من رزق أمه (وَلَوْ تَكِلُنِي يَا رَبِّ فِي تِلْكَ الْحَالاَتِ إِلَىٰ حَوْلِي) وقوتي، ارتزق نفسي بنفسي، وأحول شخصي من حال إلى حال (أَوْ تَضْطَرُّنِي إِلَىٰ قُوَّتِي) حتى أكون أنا الذي أتصرف في شؤوني بقوتي (لَكَانَ الْحَوْلُ عَنِّي مُعْتَزِلاً) أي: بعيداً إذ لا حول لي (وَلَكَانَتِ الْقُوَّةُ مِنِّي بَعِيدَةً) والحول هو القدرة على الانتقال من حال إلى حال، والقوة مطلق شامل لجميع أقسام القدرة (فَغَذَوْتَنِي بِفَضْلِكَ غِذَاءَ الْبَرِّ) البر هو الذي يبر ويحسن بالإنسان (ٱللَّطِيفِ) ذي اللطف والإفضال (تَفْعَلُ ذَلِكَ بِي تَطَوُلاًّ عَلَيَّ) أي: تفضلاً وإحساناً (إِلَىٰ غَايَتِي هٰذِهِ) أي: إلى هذا الوقت (لاَ أَعْدَمُ بِرَّكَ) في حال من الحالات (وَلاَ يُبْطِئُ بِي حُسْنُ صَنِيعِكَ) أي: صنعك الحسن (وَلاَ تَتأَكَّدُ مَعَ ذَلِكَ) الذي رأيته منك من الجميل المستمر (ثِقَتِي) بك، حتى أعلم أنك المؤمل الوحيد والمحسن الفرد (فَأَتَفَرَّغَ لِمَا هُوَ أَحْظَىٰ لِي عِنْدَكَ) أي اجعل أوقاتي كلها مصروفة في طاعتك، الموجبة لكثرة حظوتي وحظي ولا أشتغل بأمور الدنيا، كما هو عادة الذين يسيئون الظن بك (قَدْ مَلَكَ ٱلشَّيْطَانُ عِنَانِي فِي سُوءِ ٱلظَّنِّ) بك (وَضَعْفِ الْيَقِينِ) بأمرك (فَأَنَا أَشْكُو) إليك (سُوءَ مُجَاوَرَتِهِ) أي: مجاورة الشيطان (لِي) فإنه جار سيئ.

ـــــــــــ

وَطَاعَةَ نَفْسِي لَهُ، وَأَسْتَعْصِمُكَ مِنْ مَلَكَتِهِ، وَأَتََضَرَّعُ إِلَيْكَ فِي صَرْفِ كَيْدِهِ عَنِّي، وَأَسْأَلُكَ فِي أَنْ تُسَهِّلَ إِلَىٰ رِزْقِي سَبِيلاً، فَلَكَ الْحَمْدُ عَلَىٰ ٱبْتِدَائِكَ بِٱلنِّعَمِ الْجِسَامِ وَإِلْهَامِكَ ٱلشُّكْرَ عَلَىٰ ٱلإِحْسَانِ وَٱلإِنْعَامِ، فَصَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَهِّلْ عَلَيَّ رِزْقِي، وَأَنْ تُقَنِّعَنِي بِتَقْدِيِرِكَ لِي، وَأَنْ تُرْضِيَنِي بِحِصَّتِي فِي مَا قَسَمْتَ لِي، وَأَنْ تَجْعَلَ مَا ذَهَبَ مِنْ جِسْمِي وَعُمُرِي فِي سَبِيلِ طَاعَتِكَ، إِنَّكَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ،

ـــــــــــ

(وَطَاعَةَ نَفْسِي لَهُ) أي: للشيطان (وَأَسْتَعْصِمُكَ) أي: أطلب أن تحفظني وتعصمني (مِنْ مَلَكَتِهِ) أي: مالكيته (وَأَتََضَرَّعُ إِلَيْكَ فِي صَرْفِ كَيْدِهِ عَنِّي، وَأَسْأَلُكَ فِي أَنْ تُسَهِّلَ إِلَىٰ رِزْقِي سَبِيلاً) حتى تقطع دابر الشيطان ووسوسته إلي (فَلَكَ الْحَمْدُ) يا رب (عَلَىٰ ٱبْتِدَائِكَ بِٱلنِّعَمِ الْجِسَامِ) جمع جسيم: بمعنى العظيم أي: إنك ابتدأت بإعطائي نعماً عظيمة (وَإِلْهَامِكَ ٱلشُّكْرَ عَلَىٰ ٱلإِحْسَانِ وَٱلإِنْعَامِ) أي: أوقعت في قلبي أن أشكرك على ما أعطيتني من النعم (فَصَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَهِّلْ عَلَيَّ رِزْقِي) حتى يأتني سهلاً بدون تعب ونصب (وَأَنْ تُقَنِّعَنِي بِتَقْدِيِرِكَ لِي) حتى أكون قانعاً بتقديرك وقسمتك (وَأَنْ تُرْضِيَنِي بِحِصَّتِي) وقسمتي (فِي مَا قَسَمْتَ لِي) من الرزق (وَأَنْ تَجْعَلَ مَا ذَهَبَ مِنْ جِسْمِي وَعُمُرِي فِي سَبِيلِ طَاعَتِكَ) بأن تكتبني مطيعاً فيما سلف من عمري، وإن لم أكن حقيقة مطيعاً (إِنَّكَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ) ترزق كثيراً بلا منة.

ـــــــــــ

أَللّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ نَارٍ تَغَلَّظْتَ بِهَا عَلَىٰ مَنْ عَصَاكَ، وَتَوَعَّدْتَ بِها مَنْ صَدَفَ عَنْ رِضَاكَ، وَمِنْ نَارٍ نُورُهَا ظُلْمَةٌ ٍ، وَهَيِّنُهَا أَلِيمٌ، وَبَعِيدُهَا قَرِيبٌ، وَمِنْ نَارٍ يَأْكُلُ بَعْضَهَا بَعْضٌ، وَيَصُولُ بَعْضُهَا عَلَىٰ بَعْضٍ، وَمِنْ نَارٍ تَذَرُ الْعِظَامَ رَمِيماً، وَتَسْقِي أَهْلَهَا حَمِيماً، وَمِنْ نَارٍ لاَ تُبْقِي عَلَىٰ مَنْ تَضَرَّعَ إِلَيْهَا،

ـــــــــــ

(أَللّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ نَارٍ تَغَلَّظْتَ بِهَا عَلَىٰ مَنْ عَصَاكَ) أي: أخذتهم بالشدة بسبب تلك النار (وَتَوَعَّدْتَ بِها) من الوعيد بمعنى الوعد بالشر (مَنْ صَدَفَ) وأعرض (عَنْ رِضَاكَ) في أوامرك ونواهيك (وَ) أعوذ بك (مِنْ نَارٍ نُورُهَا ظُلْمَةٌ) فإن الدخان إذا كان شديداً كان النور كالظلمة (وَهَيِّنُهَا) أي: السهل منها (أَلِيمٌ) مؤلم لشدتها (وَبَعِيدُهَا قَرِيبٌ) أي: كالقريب في إيصال حرارتها إلى الإنسان وهكذا تكون الحرارة الشديدة (وَمِنْ نَارٍ يَأْكُلُ بَعْضَهَا بَعْضٌ) فإن النار الشديدة هكذا تأكل الأقوى منها الأضعف بمعنى أنها تسيطر عليها (وَيَصُولُ بَعْضُهَا) أي: يهجم بعضها (عَلَىٰ بَعْضٍ) فإن الأمواج النارية لاندفاعها الشديد تهاجم سائر النار (وَمِنْ نَارٍ تَذَرُ الْعِظَامَ رَمِيماً) أي: مفتوتاً كالتراب (وَتَسْقِي أَهْلَهَا حَمِيماً) أي: ناراً شديدة الحرارة (وَمِنْ نَارٍ لاَ تُبْقِي عَلَىٰ مَنْ تَضَرَّعَ إِلَيْهَا) يعني لا يفيد التضرع لديها في تخفيفها.

ـــــــــــ

وَلاَ تَرْحَمُ مَنِ ٱسْتَعْطَفَهَا، وَلاَ تَقْدِرُ عَلَىٰ ٱلتَّخْفِيفِ عَمَّنْ خَشَعَ لَهَا وَٱسْتَسْلَمَ إِلَيْهَا، تَلْقَىٰ سُكَّانَهَا بِأَحَرِّ مَا لَدَيْهَا مِنْ أَلِيمِ ٱلنَّكَالِ وَشَدِيدِ الْوَبَالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَقَارِبِهَا الْفَاغِرَةِ أَفْوَاهَهَا، وَحَيَّاتِهَا ٱلصَّالِقَةِ بِأَنْيَابِهَا، وَشَرَابِهَا ٱلَّذِي يُقَطِّعُ أَمْعَاءَ وَأَفْئِدَةَ سُكَّانِهَا، وَيَنْزِعُ قُلُوُبَهُمْ، وَأَسْتَهْدِيكَ لِمَا بَاعَدَ مِنْهَا، وَأَخَّرَ عَنْهَا،

ـــــــــــ

(وَلاَ تَرْحَمُ مَنِ ٱسْتَعْطَفَهَا) أي: طلب منها العطف والرحمة (وَلاَ تَقْدِرُ عَلَىٰ ٱلتَّخْفِيفِ عَمَّنْ خَشَعَ) وخضع (لَهَا) إذ ليس اختيارها بيد نفسها (وَٱسْتَسْلَمَ إِلَيْهَا) أي: انقاد وخضع (تَلْقَىٰ سُكَّانَهَا) جمع ساكن (بِأَحَرِّ مَا لَدَيْهَا مِنْ أَلِيمِ ٱلنَّكَالِ) أي: النكال المؤلم (وَشَدِيدِ الْوَبَالِ) بمعنى عاقبة العمل السيئة والنكال بمعنى العقاب (وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَقَارِبِهَا) جمع عقرب (الْفَاغِرَةِ) أي: الفاتحة (أَفْوَاهَهَا) جمع فم، وذلك لالتهام العصاة (وَحَيَّاتِهَا ٱلصَّالِقَةِ) صلق كضرب وزناً ومعنى (بِأَنْيَابِهَا) جمع ناب: بمعنى السن والمعنى: تلدغ الإنسان بأسنانها (وَشَرَابِهَا ٱلَّذِي يُقَطِّعُ أَمْعَاءَ وَأَفْئِدَةَ سُكَّانِهَا) أفئدة جمع فؤاد: بمعنى القلب، فإن ماء النار لكثرة حرارته يقطع أمعاء الإنسان وما في جوفه إذا شربه (وَيَنْزِعُ قُلُوُبَهُمْ) عن مكانها (وَأَسْتَهْدِيكَ) أي: أطلب منك الهداية (لِمَا بَاعَدَ مِنْهَا) بأن تهديني للأعمال التي توجب بعد الإنسان عن النار (وَأَخَّرَ عَنْهَا) أي: يوجب تأخير النار عن الإنسان.

ـــــــــــ

أَللّهُمَّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَأَجِرْنِي مِنْهَا بِفَضْلِ رَحْمَتِكَ، وَأَقِلْنِي عَثَرَاتِي بِحُسْنِ إِقَالَتِكَ، وَلاَ تَخْذُلْنِي يَا خَيْرَ الْمُجِيريِنَ، إِنَّكَ تَقِي الْكَرِيهَةَ، وَتُعْطِي الْحَسَنَةَ، وَتَفْعَلُ مَا تُرِيدُ وَأَنْتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، أَللّهُمَّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ إِذَا ذُكِرَ ٱلأَبْرَارُ،

ـــــــــــ

(أَللّهُمَّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَأَجِرْنِي) أي: أعذني واحفظني (مِنْهَا بِفَضْلِ رَحْمَتِكَ، وَأَقِلْنِي عَثَرَاتِي) العثرة: بمعنى الزلة والإقالة: بمعنى الإغماض عن العثرة (بِحُسْنِ إِقَالَتِكَ) أي: إقالتك الحسنة (وَلاَ تَخْذُلْنِي) الخذلان: ترك العبد ليصنع ما يشاء مما يستوجب له العقاب (يَا خَيْرَ الْمُجِيريِنَ) من أجار: بمعنى أعطاه الملجأ (إِنَّكَ تَقِي الْكَرِيهَةَ) الكريهة: الخلة والصفة التي يكرهها الإنسان، فإنه سبحانه يحفظ الإنسان منها، فإن (تقي) من وقى يقي: بمعنى حفظ (وَتُعْطِي الْحَسَنَةَ) فقني من العذاب واعطني الجنة والثواب (وَتَفْعَلُ مَا تُرِيدُ وَأَنْتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) تتمكن من أن تفعل كل ما تريده (أَللّهُمَّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ إِذَا ذُكِرَ ٱلأَبْرَارُ) جمع: بر وهو الذي يفعل الأفعال الحسنة، وهذا كناية عن كونهم أبراراً حتى إذا ذكر الأبرار كأن المستحق للعطف هم، لأنهم أظهر مصاديق البارين كما نقول: احترم زيداً إذا جاء العلماء.

ـــــــــــ

وَصَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ مَا ٱخْتَلَفَ ٱللَّيْلُ وَٱلنَّهَارُ صَلاَةً لاَ يَنْقَطِعُ مَدَدُهَا، وَلاَ يُحْصَىٰ عَدَدُهَا، صَلاَةً تَشْحَنُ الْهَوَاءَ، وَتَمْلأُ ٱلأَرْضَ وَٱلسَّمَاءَ، صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَرْضَىٰ، وَصَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ بَعْدَ ٱلرِّضَا، صَلاَةً لاَ حَدَّ لَهَا وَلاَ مُنْتَهَىٰ، يَا أَرْحَمَ ٱلرَّاحِمِينَ.

ـــــــــــ

(وَصَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ مَا ٱخْتَلَفَ ٱللَّيْلُ وَٱلنَّهَارُ) أي: تعاقبا بأن جاء أحدهما بعقب الآخر (صَلاَةً لاَ يَنْقَطِعُ مَدَدُهَا) وإنما تأتي صلاة وراء صلاة، فتكون الثانية مدداً للأولى وهكذا (وَلاَ يُحْصَىٰ عَدَدُهَا) أي: عدد تلك الصلوات كثرة (صَلاَةً تَشْحَنُ) أي: تملأ تلك الصلاة (الْهَوَاءَ) من باب تشبيه المعقول بالمحسوس (وَتَمْلأُ ٱلأَرْضَ وَٱلسَّمَاءَ) كثرة وزيادة حتى أنها لو كانت جسماً لملأت جميع الكون (صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ) جملة خبرية بمعنى الإنشاء أي: اللهم صلّ عليه (حَتَّىٰ يَرْضَىٰ) كما قال سبحانه: ﴿ولسوف يعطيك ربك فترضى﴾ [4] (وَصَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ بَعْدَ ٱلرِّضَا) أي: أضف عليه العطف والرحمة زيادة على ما رضي منه (صَلاَةً لاَ حَدَّ لَهَا) وسعة (وَلاَ مُنْتَهَىٰ يَا أَرْحَمَ ٱلرَّاحِمِينَ) ذاتاً، بل صلاة وسيعة ممتدة وعدم الحد والمنتهى كناية عن الكثرة الزائدة وإلا فكل حادث لا بد وأن يكون له حد ومنتهى كما ثبت في أدلة بطلان التسلسل.

ـــــــــــ

[1] ـ سورة الأعراف، آية: 14.

[2] ـ سورة الحشر، آية: 16.

[3] ـ سورة المؤمنون، آية: 12 ـ 15.

[4] ـ سورة الضحى، آية: 5.