أفضل المواقع الشيعية

دعاء إذا اعترف بالتقصير عن تأدية الشكر

 
السجادية

الدعاء مطابق للمصدر

الصحيفة
 

وكان من دعائه (عليه السلام) إذا اعترف بالتقصير عن تأدية الشكر:

أَللّهُمَّ إِنَّ أَحَداً لاَ يَبْلُغُ مِنْ شُكْرِكَ غَايَةً، إِلاَّ حَصَلَ عَلَيْهِ مِنْ إِحْسَانِكَ مَا يُلْزِمُهُ شُكْراً، وَلاَ يَبْلُغُ مَبْلَغَاً مِنْ طَاعَتِكَ وَإِنِ ٱجْتَهَدَ، إِلاَّ كَانَ مُقَصِّراً دُونَ ٱسْتِحْقَاقِكَ بِفَضْلِكَ، فَأَشْكَرُ عِبَادِكَ عَاجِزٌ عَنْ شُكْرِكَ،

ـــــــــــ

الشرح: (أَللّهُمَّ إِنَّ أَحَداً لاَ يَبْلُغُ مِنْ شُكْرِكَ غَايَةً) أي: مقصداً (إِلاَّ حَصَلَ عَلَيْهِ مِنْ إِحْسَانِكَ مَا يُلْزِمُهُ شُكْراً) إذ الشكر لا يكون إلا بنعمة الله تعالى على الإنسان بالتوفيق للشكر، وبإعطاء الآلات التي يتشكر الإنسان بسببها ومن المعلوم أن التوفيق والإعطاء للآلات نعمة تستحق شكراً، فكل شكر سبب للشكر، كما قال الشاعر:

إني وليس لي بلوغ ما وجب***من شكره والشكر للشكر سبب

(وَلاَ يَبْلُغُ مَبْلَغَاً) أي: مقداراً (مِنْ طَاعَتِكَ وَإِنِ ٱجْتَهَدَ) وأتعب نفسه (إِلاَّ كَانَ مُقَصِّراً دُونَ ٱسْتِحْقَاقِكَ بِـ) سبب (فَضْلِكَ) فإن طاعة الإنسان دون ما ينبغي أمام الخالق العظيم مهما عبد وأطاع (فَأَشْكَرُ عِبَادِكَ) أي: أكثرهم شكراً (عَاجِزٌ عَنْ شُكْرِكَ) كما ينبغي.

ـــــــــــ

وَأَعْبَدُهُمْ مُقَصِّرٌ عَنْ طَاعَتِكَ، لاَ يَجِبُ لأَحَدٍ أَنْ تَغْفِرَ لَهُ بِاسْتِحْقَاقِهِ، وَلاَ أَنْ تَرْضَىٰ عَنْهُ بِٱسْتِيجَابِهِ، فَمَنْ غَفَرْتَ لَهُ فَبِطَوْلِكَ، وَمَنْ رَضِيتَ عَنْهُ فَبِفَضْلِكَ، تَشْكُرُ يَسِيرَ مَا شُكِرْتَهُ (مَا تُشْكَرُ بِهِ) ، وَتُثِيبُ عَلَىٰ قَلِيلِ مَا تُطَاعُ فِيهِ، حَتَّىٰ كَأَنَّ شُكْرَ عِبَادِكَ ٱلَّذِي أَوْجَبْتَ عَلَيْهِ ثَوَابَهُمْ، وَأَعْظَمْتَ عَنْهُ جَزَاءَهُمْ، أَمْرٌ مَلَكُوا ٱسْتِطَاعَةَ ٱلإِمْتِنَاعِ مِنْهُ دُونَكَ فَكَافَيْتَهُمْ،

ـــــــــــ

(وَأَعْبَدُهُمْ مُقَصِّرٌ عَنْ طَاعَتِكَ) كما أنت مستحق (لاَ يَجِبُ) عليك (لأَحَدٍ أَنْ تَغْفِرَ لَهُ بِاسْتِحْقَاقِهِ) عليك الغفران، فإن المغفرة فضل لا استحقاق (وَلاَ أَنْ تَرْضَىٰ عَنْهُ بِٱسْتِيجَابِهِ) بأن يكون مستوجباً للرضا عنه (فَمَنْ غَفَرْتَ لَهُ) ذنبه (فَبِطَوْلِكَ) وإحسانك غفرت له (وَمَنْ رَضِيتَ عَنْهُ فَبِفَضْلِكَ) رضيت عنه (تَشْكُرُ) أنت يا رب (يَسِيرَ مَا شُكِرْتَهُ) فلو أن أحداً شكرك يسيراً تشكر أنت ذلك اليسير، وشكر الله سبحانه عن العبد إثابته (وَتُثِيبُ) أي: تعطي الثواب (عَلَىٰ قَلِيلِ مَا تُطَاعُ فِيهِ) من العبادات ونحوها التي يطاع الله فيها (حَتَّىٰ كَأَنَّ شُكْرَ عِبَادِكَ) لك (ٱلَّذِي أَوْجَبْتَ) يا رب (عَلَيْهِ) أي: على ذلك الشكر (ثَوَابَهُمْ) أي: أن تثيبهم (وَأَعْظَمْتَ عَنْهُ جَزَاءَهُمْ) بأن تجزيهم جزاءً عظيماً لشكرهم لك (أَمْرٌ) خبر (كأن) (مَلَكُوا) العباد (ٱسْتِطَاعَةَ ٱلإِمْتِنَاعِ مِنْهُ) فإن الإنسان إنما يمدح على فعل يملك الامتناع منه، والعباد لا يملكون هذا الامتناع عن شكرك، لكنك تعاملهم معاملة من يملك الامتناع (دُونَكَ) أي: في قبالك (فَكَافَيْتَهُمْ) أي: جازيتهم بأن أعطيت على شكرهم ثواباً.

ـــــــــــ

أَوْ لَمْ يَكُنْ سَبَبُهُ بِيَدِكَ فَجَازَيْتَهُمْ، بَلْ مَلَكْتَ ـ يَا إِلَهِي ـ أَمْرَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَمْلِكُوا عِبَادَتَكَ، وَأَعْدَدْتَ ثَوَابَهُمْ قَبْلَ أَنْ يُفِيضُوا فِي طَاعَتِكَ، وَذٰلِكَ أَنَّ سُنَّتَكَ ٱلإِفْضَالُ، وَعَادَتَكَ ٱلإِحْسَانُ، وَسَبِيلَكَ الْعَفْوُ، فَكُلُّ الْبَريَّةِ مُعْتَرِفَةٌ بِأَنَّكَ غَيْرُ ظَالِمٍ لِمَنْ عَاقَبْتَ، وَشَاهِدَةٌ بِأَنَّكَ مُتَفَضِّلٌ عَلَىٰ مَنْ عَافَيْتَ، وَكُلٌّ مُقِرٌّ عَلَىٰ نَفْسِهِ بِٱلتَّقْصِيرِ عَمَّا ٱسْتَوْجَبْتَ،

ـــــــــــ

(أَوْ) كأنه (لَمْ يَكُنْ سَبَبُهُ) أي: سبب شكر العباد (بِيَدِكَ) مع العلم أن سبب الشكر من الآلات والتوفيق منه تعالى وبيده (فَجَازَيْتَهُمْ) بالثواب (بَلْ مَلَكْتَ ـ يَا إِلَهِي ـ أَمْرَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَمْلِكُوا عِبَادَتَكَ) فإن قدرتهم على عبادتك ـ ويعبر عن القدرة بالملك ـ متأخرة عن ملكك لهم (وَأَعْدَدْتَ ثَوَابَهُمْ) على شكرك (قَبْلَ أَنْ يُفِيضُوا) ويدخلوا (فِي طَاعَتِكَ) فإنه سبحانه عين ثواب العبادات قبل عمل العباد لها (لِكَ أَنَّ سُنَّتَكَ ٱلإِفْضَالُ) أي: طريقتك أن تتفضل على عبادك (وَعَادَتَكَ ٱلإِحْسَانُ) إلى الخلق (وَسَبِيلَكَ الْعَفْوُ) عن المسيئين (فَكُلُّ الْبَريَّةِ مُعْتَرِفَةٌ بِأَنَّكَ غَيْرُ ظَالِمٍ لِمَنْ عَاقَبْتَ) من المسيئين، وهذا من قبيل (لا ريب فيه) حيث لا ينافي وجود الريب، إذ المراد الشأنية فلا يقال كيف وهناك منحرفون لا يعدلونه سبحانه في أفعاله (وَشَاهِدَةٌ بِأَنَّكَ مُتَفَضِّلٌ عَلَىٰ مَنْ عَافَيْتَ) من البلاء (وَكُلٌّ مُقِرٌّ عَلَىٰ نَفْسِهِ بِٱلتَّقْصِيرِ عَمَّا ٱسْتَوْجَبْتَ) أي: أنه مقصر عن أداء ما هو واجب لك من العبادة.

ـــــــــــ

فَلَوْلاَ أَنَّ ٱلشَّيْطَانَ يَخْتَدِعُهُمْ عَنْ طَاعَتِكَ مَا عَصَاكَ عَاصٍ، وَلَوْلاَ أَنَّهُ صَوَّرَ لَهُمُ الْبَاطِلَ فِي مِثَالِ الْحَقِّ مَا ضَلَّ عَنْ طَرِيقِكَ ضَالٌّ، فَسُبْحَانَكَ! مَا أَبْيَنَ كَرَمَكَ فِي مُعَامَلَةِ مَنْ أَطَاعَكَ أَوْ عَصَاكَ، تَشْكُرُ لِلْمُطِيعِ مَا أَنْتَ تَوَلَّيْتَهُ لَهُ، وَتُمْلِي لِلْعَاصِي فِي مَا تَمْلِكُ مُعَاجَلَتَهُ فِيهِ، أَعْطَيْتَ كُلاًّ مِنْهُمَا مَا لَمْ يَجِبْ لَهُ،

ـــــــــــ

(فَلَوْلاَ أَنَّ ٱلشَّيْطَانَ يَخْتَدِعُهُمْ) أي: يخدعهم ويغشهم ليصرفهم (عَنْ طَاعَتِكَ مَا عَصَاكَ عَاصٍ) أبداً (وَلَوْلاَ أَنَّهُ صَوَّرَ لَهُمُ الْبَاطِلَ فِي مِثَالِ الْحَقِّ) بأن ألبس الباطل لباس الحق (مَا ضَلَّ عَنْ طَرِيقِكَ ضَالٌّ) منحرف عن السبيل (فَسُبْحَانَكَ! مَا أَبْيَنَ كَرَمَكَ فِي مُعَامَلَةِ مَنْ أَطَاعَكَ) (أبين) بمعنى: أظهر، واللفظ للتعجب من ظهور كرمه سبحانه (أَوْ عَصَاكَ) لأنه سبحانه يعامل الطائفتين بالإنعام كما قال سبحانه: ﴿كلاًّ نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك﴾ [1] (تَشْكُرُ لِلْمُطِيعِ مَا أَنْتَ تَوَلَّيْتَهُ لَهُ) أي: ما أنت أعطيته إياه، إذ هو سبحانه يشكر المطيع بإطاعته والأجرة والتوفيق منه تعالى (وَتُمْلِي لِلْعَاصِي) أي: تمهل ولا تعجل عليه (فِي مَا تَمْلِكُ مُعَاجَلَتَهُ فِيهِ) فإن الله قادر على تعجيل العقاب لكنه يؤخره لعله يتوب (أَعْطَيْتَ كُلاًّ مِنْهُمَا) أي: من المطيع والعاصي (مَا لَمْ يَجِبْ لَهُ) من الإنعام والإحسان.

ـــــــــــ

وَتَفَضَّلْتَ عَلَىٰ كُلٍّ مِنْهُمَا بِمَا يَقْصُرُ عَمَلُهُ عَنْهُ، وَلَوْ كَافَأْتَ الْمُطِيعَ عَلَىٰ مَا أَنْتَ تَوَلَّيْتَهُ لأَوْشَكَ أَنْ يَفْقِدَ ثَوَابَكَ، وَأَنْ تَزُولَ عَنْهُ نِعْمَتُكَ، وَلكِنَّكَ بِكَرَمِكَ جَازَيْتَهُ عَلَىٰ الْمُدَّةِ الْقَصِيرَةِ الْفَانِيَةِ، بِالْمُدَّةِ ٱلطَّوِيلَةِ الْخَالِدَةِ، وَعَلَىٰ الْغَايَةِ الْقَرِيبَةِ ٱلزَّائِلَةِ، بِالْغَايَةِ الْمَدِيدَةِ الْبَاقِيَةِ، ثُمَّ لَمْ تَسُمْهُ الْقِصَاصَ فِي مَا أَكَلَ مِنْ رِزْقِكَ ٱلَّذِي يَقْوَىٰ بِهِ عَلَىٰ طَاعَتِكَ،

ـــــــــــ

(وَتَفَضَّلْتَ عَلَىٰ كُلٍّ مِنْهُمَا بِمَا يَقْصُرُ عَمَلُهُ عَنْهُ) فإن عمل الإنسان أقل مما وهبه الله سبحانه من الإنعام (وَلَوْ كَافَأْتَ الْمُطِيعَ) المكافأة المماثلة في الصنع (عَلَىٰ مَا أَنْتَ تَوَلَّيْتَهُ) بأن طلبت منه العمل في مقابل إحسانك (لأَوْشَكَ) واقترب (أَنْ يَفْقِدَ ثَوَابَكَ) إذ عمله يكون حينئذ في مقابل ما أعطيت (وَأَنْ تَزُولَ عَنْهُ نِعْمَتُكَ) إذ النعم المتجددة تبقى بلا مقابل، فإنه لا يتمكن من الإتيان بأعمال كثيرة تعني بما سبق وما يأتي من النعم (وَلكِنَّكَ بِكَرَمِكَ جَازَيْتَهُ عَلَىٰ الْمُدَّةِ الْقَصِيرَةِ الْفَانِيَةِ) وهي مدة الدنيا (بِالْمُدَّةِ ٱلطَّوِيلَةِ الْخَالِدَةِ) الباقية، فإذا أطاع في زمان قليل يثيبه في الآخرة زماناً كثيراً لا انقطاع له ولا نفاد (وَ) جازيته (عَلَىٰ الْغَايَةِ الْقَرِيبَةِ ٱلزَّائِلَةِ) المراد بالغاية المدة، لا انتهاء المدة، والمراد بها مدة مكث الإنسان في الدنيا (بِالْغَايَةِ) أي: المدة (الْمَدِيدَةِ) أي: الممتدة (الْبَاقِيَةِ) في الآخرة (ثُمَّ لَمْ تَسُمْهُ) من سام يسوم، بمعنى الإذلال، وأصله يسومه حذف الواو للجزم (الْقِصَاصَ) أي: التعداد، يعني لم تلزمه القصاص والحسبان (فِي مَا أَكَلَ مِنْ رِزْقِكَ ٱلَّذِي يَقْوَىٰ بِهِ عَلَىٰ طَاعَتِكَ) بأن تخرج قيمة الرزق من قيمة العمل. ثم تعطيه الباقي، مثلاً قيمة الرزق في الدنيا ألف دينار وقيمة العمل خمسة آلاف دينار، فتطرح الألف من الخمسة الآلاف ويقطعه في الآخرة بمقدار أربعة آلاف.

ـــــــــــ

وَلَمْ تَحْمِلْهُ عَلَىٰ الْمُنَاقَشَاتِ فِي ٱلآلاَتِ ٱلَّتِي تُسَبِّبُ بِٱسْتِعْمَالِهَا إَلَىٰ مَغْفِرَتِكَ، وَلَو فَعَلْتَ ذٰلِكَ بِهِ لَذَهَبَ بِجَمِيعِ مَا كَدَحَ لَهَ، وَجُمْلَةِ مَا سَعَىٰ فِيهِ جَزَاءً لِلصُّغْرَىٰ مِنْ أَيَادِيكَ وَمِنَنِكَ، وَلَبَقِيَ رَهِيناً بَيْنَ يَدَيْكَ بِسَائِرِ نِعَمِكَ، فَمَتَىٰ كَانَ يَسْتَحِقُّ شَيْئاً مِنْ ثَوَابِكَ؟ لاَ مَتَىٰ؟!

ـــــــــــ

(وَلَمْ تَحْمِلْهُ عَلَىٰ الْمُنَاقَشَاتِ) أي: المحاسبات الدقيقة (فِي ٱلآلاَتِ) البدنية أي: الجوارح (ٱلَّتِي تُسَبِّبُ بِٱسْتِعْمَالِهَا إَلَىٰ مَغْفِرَتِكَ) بأن تحسب عليه قيمة الجوارح، وتخرجها عن قيمة العمل (وَلَو فَعَلْتَ ذٰلِكَ بِهِ) أي: بالشخص (لَذَهَبَ) حسابك وطلبك منه (بِجَمِيعِ مَا كَدَحَ) وعمل (لَهَ) من ثواب الآخرة، إذ قيمة ما أعطاه الله للإنسان من الأجهزة والرزق أكثر من قيمة عمل الإنسان (وَجُمْلَةِ) أي: تمام (مَا سَعَىٰ فِيهِ) من الأعمال الصالحة (جَزَاءً) أي: ذهب الكل جزاءً (لِلصُّغْرَىٰ مِنْ أَيَادِيكَ) أي: النعمة الصغيرة من نعمك (وَمِنَنِكَ) التي أعطيتها، والمراد بالمنة النعمة (وَلَبَقِيَ) الشخص (رَهِيناً بَيْنَ يَدَيْكَ بِـ) سبب (سَائِرِ نِعَمِكَ) فإن نعمة العين تسوي آلاف الدنانير بينما تمام أعمال الإنسان لا تسوي ذلك، فيبقى لله طلب من العبد بسبب نعمة اليد واللسان وغيرهما (فَمَتَىٰ كَانَ يَسْتَحِقُّ شَيْئاً مِنْ ثَوَابِكَ) وإحسانك في الآخرة، لو حاسبته بهذا الحساب (لاَ مَتَىٰ) أي: لا وقت يكون العبد طالباً منك، وإنما أنت تطلب منه.

ـــــــــــ

هٰذَا يَا إِلَهِي حَالُ مَنْ أَطَاعَكَ، وَسَبِيلُ مَنْ تَعَبَّد لَكَ، فَأَمَّا الْعَاصِي أَمْرَكَ وَالْمُوَاقِعُ نَهْيَكَ، فَلَمْ تُعَاجِلْهُ بِنَقِمَتِكَ لِكَيْ يَسْتَبْدِلَ بِحَالِهِ فِي مَعْصِيَتِكَ حَالَ ٱلإِنَابَةٍ إِلَىٰ طَاعَتِكَ، وَلَقَدْ كَانَ يَسْتَحِقُّ فِي أَوَّلِ مَا هَمَّ بِعِصْيَانِكَ، كُلَّ مَا أَعْدَدْتَ لِجَمِيعِ خَلْقِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، فَجَمِيعُ مَا أَخَّرْتَ عَنْهُ مِنَ الْعَذَابِ، وَأَبْطَأْتَ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ سَطَوَاتِ ٱلنَّقِمَةِ وَالْعِقَابِ، تَرْكٌ مِنْ حَقِّكَ، وَرِضىً بِدُونِ وَاجِبِكَ،

ـــــــــــ

(هٰذَا) الذي ذكرنا من طلبك عن العبد (يَا إِلَهِي حَالُ مَنْ أَطَاعَكَ، وَسَبِيلُ) أي: طريق (مَنْ تَعَبَّد لَكَ) أي: عبدك، الذي ليس له حق عليك مع طاعته وعبادته (فَأَمَّا الْعَاصِي أَمْرَكَ وَالْمُوَاقِعُ) أي: الآتي (نَهْيَكَ، فَلَمْ تُعَاجِلْهُ بِنَقِمَتِكَ) وعذابك (لِكَيْ يَسْتَبْدِلَ بِحَالِهِ فِي مَعْصِيَتِكَ) أي: عوض حاله في العصيان (حَالَ ٱلإِنَابَةٍ إِلَىٰ طَاعَتِكَ) الإنابة: بمعنى الرجوع والتوبة (وَلَقَدْ كَانَ يَسْتَحِقُّ فِي أَوَّلِ مَا هَمَّ بِعِصْيَانِكَ، كُلَّ مَا أَعْدَدْتَ لِجَمِيعِ خَلْقِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ) والمراد بالاهتمام إما الفعل، لأن الإرادة تستعمل بمعنى الفعل قال سبحانه: ﴿إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس﴾ [2] وإما الاهتمام، ولا يبعد في أن يكون هم العصيان مأخوذ عليه لأنه يدل على سوء السريرة والانطواء على المخالفة، والمراد: (بكل ما أعددت) الشيء الذي أعده تعالى، لا الكل بمعنى الجميع (فَجَمِيعُ مَا أَخَّرْتَ عَنْهُ مِنَ الْعَذَابِ، وَأَبْطَأْتَ بِهِ) الضمير عائد إلى [ما] (عَلَيْهِ) أي: على العاصي (مِنْ سَطَوَاتِ ٱلنَّقِمَةِ وَالْعِقَابِ) السطوة الأخذة الشديدة، والنقمة: النكال من نقم بمعنى غضب (تَرْكٌ مِنْ حَقِّكَ) أي: أنت تترك حقك، في عدم الأخذ (وَرِضىً بِدُونِ وَاجِبِكَ) أي: رضى منك بالأدون من الشيء الذي ثابت لك، فإن الواجب بمعنى الثابت، والإضافة إلى الفاعل، لأنه بمعنى الواجب لك، لا الواجب عليك.

ـــــــــــ

فَمَنْ أَكْرَمُ يَا إِلَهِي مِنْكَ، وَمَنْ أَشْقَىٰ مِمَّنْ هَلَكَ عَلَيْكَ؟ لاَ! مَنْ؟ فَتَبَارَكْتَ أَنْ تُوصَفَ إِلاَّ بِٱلإِحْسَانِ، وَكَرُمْتَ أنْ يُخَافَ مِنْكَ إِلاَّ الْعَدْلُ، لاَ يُخْشَىٰ جَوْرُكَ عَلَىٰ مَنْ عَصَاكَ، وَلاَ يُخَافُ إِغْفَالُكَ ثَوَابَ مَنْ أَرْضَاكَ، فَصَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَهَبْ لِي أَمَلِي وَزِدْنِي مِنْ هُدَاكَ مَا أَصِلُ بِهِ إِلَىٰ ٱلتَّوْفِيقِ فِي عَمَلِي، إِنَّكَ مَنَّانٌ كَرِيمٌ،

ـــــــــــ

(فَمَنْ أَكْرَمُ يَا إِلَهِي مِنْكَ) استفهام للإنكار، أي لا أكرم منك (وَمَنْ أَشْقَىٰ مِمَّنْ هَلَكَ عَلَيْكَ) أي: شقي إلى جنب رحمتك وفضلك (لاَ مَنْ) أي: لا أحد أكرم منك، ولا أحد أشقى ممن هلك في قبال رحمتك (فَتَبَارَكْتَ أَنْ تُوصَفَ إِلاَّ بِٱلإِحْسَانِ) أي: أنت منزه من الوصف بسوى أنك محسن إلى الناس (وَكَرُمْتَ أنْ يُخَافَ مِنْكَ) أحد (إِلاَّ الْعَدْلُ) فالخوف إنما هو من عدلك (لاَ يُخْشَىٰ جَوْرُكَ عَلَىٰ مَنْ عَصَاكَ) إذ لا تظلم أنت، بعقاب العاصي أكثر من استحقاقه (وَلاَ يُخَافُ إِغْفَالُكَ ثَوَابَ مَنْ أَرْضَاكَ) بأن تغفل من ثواب المطيع فلا تثيبه (فَصَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَهَبْ لِي أَمَلِي) أي: ما أرجوه (وَزِدْنِي مِنْ هُدَاكَ مَا أَصِلُ بِهِ إِلَىٰ ٱلتَّوْفِيقِ فِي عَمَلِي) بأن أوفق لصالح الأعمال، والتوفيق، جمع الأسباب الموصلة إلى المراد، مصدر من باب وفق يوفق (إِنَّكَ) يا رب (مَنَّانٌ) أي كثير المنة على العباد (كَرِيمٌ) في عطائك.

ـــــــــــ

[1] ـ سورة الإسراء، آية: 20.

[2] ـ سورة الأحزاب، آية: 33.