أفضل المواقع الشيعية

دعاء في طلب العفو والرحمة

 
السجادية

الدعاء مطابق للمصدر

الصحيفة
 

وكان من دعائه (عليه السلام) في طلب العفو والرحمة:

أَللّهُمَّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَٱكْسِرْ شَهْوَتِي عَنْ كُلِّ مَحْرَمٍ، وَٱزْوِ حِرْصِي عَنْ كُلِّ مَأْثَمٍ، وَٱمْنَعْنِي عَنْ أَذَىٰ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ، وَمُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ، أَللّهُمَّ وَأَيُّمَا عَبْدٍ نَالَ مِنِّي مَا حَظَرْتَ عَلَيْهِ، وَٱنْتَهَكَ مِنِّي مَا حَجَرْتَ عَلَيْهِ، فَمَضَىٰ بِظُلاَمَتِي مَيِّتاً أَوْ حَصَلَتْ لِي قِبَلَهُ حَيّاً،

ـــــــــــ

الشرح: (أَللّهُمَّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَٱكْسِرْ شَهْوَتِي عَنْ كُلِّ مَحْرَمٍ) بأن لا أشتهي العمل بالمحرمات (وَٱزْوِ) من زوى يزوي، بمعنى: بعد (حِرْصِي عَنْ كُلِّ مَأْثَمٍ) أي: عن كل إثم (وَٱمْنَعْنِي عَنْ أَذَىٰ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ وَمُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ) وقد تقدم أن المسلم الجاهل بالإيمان وشرائطه يستحق الدعاء، ويرجى له الخلاص هناك بعد الامتحان (أَللّهُمَّ وَأَيُّمَا عَبْدٍ نَالَ مِنِّي مَا حَظَرْتَ عَلَيْهِ) أي: منعت، بأن انتابني أو آذاني أو ما أشبه (وَٱنْتَهَكَ مِنِّي) أي: خرق (مَا حَجَرْتَ عَلَيْهِ) أي: حرمت عليه، يقال انتهك الحرمة إذا أخرقها وارتكبها (فَمَضَىٰ بِظُلاَمَتِي مَيِّتاً) أي: أنه مات مع تحمل تبعة ظلمي، والظلامة المظلمة (أَوْ حَصَلَتْ لِي قِبَلَهُ) أي: عليه، وفاعل حصلت الضمير العائد إلى الظلامة (حَيّاً) أي: في حال كونه بعد في الدار الدنيا.

ـــــــــــ

فَٱغْفِرْ لَهُ مَا أَلَمَّ بِهِ مِنِّي، وَٱعْفُ لَهُ عَمَّا أَدْبَرَ بِهِ عَنِّي، وَلاَ تَقِفْهُ عَلَىٰ مَا ٱرْتَكَبَ فِيَّ، وَلاَ تَكْشِفْهُ عَمَّا ٱكْتَسَبَ بِي، وَٱجْعَلْ مَا سَمَحْتُ بِهِ مِنَ الْعَفْوِ عَنْهُمْ، وَتَبَرَّعْتُ بِهِ مِنَ ٱلصَّدَقَةِ عَلَيْهِمْ، أَزْكَىٰ صَدَقَاتِ الْمُتَصَدِّقِينَ، وَأَعْلَىٰ صِلاَتِ الْمُتَقَرَّبِِينَ، وَعَوِّضْنِي مِنْ عَفْوِي عَنْهُمْ عَفْوَكَ، وَمِنْ دُعَائِي لَهُمْ رَحْمَتَكَ،

ـــــــــــ

(فَٱغْفِرْ لَهُ مَا أَلَمَّ بِهِ) أي: نزل به من الإثم (مِنِّي) أي: من جهتي وبسببي انتهاكه لي (وَٱعْفُ لَهُ عَمَّا أَدْبَرَ بِهِ عَنِّي) أي: عن الذنب الذي أدبر بسبب ذلك الذنب عني (وَلاَ تَقِفْهُ) أي: لا تطلعه ولا تؤاخذه، من وقفه يقفه (عَلَىٰ مَا ٱرْتَكَبَ فِيَّ) من الإثم والخطأ والإيذاء (وَلاَ تَكْشِفْهُ) أي: تظهر عمله السيئ للناس، وهذا معنى (عَمَّا) أي: لا تكشف له عن عمله السيئ الذي (ٱكْتَسَبَ بِي) أي: بسببي (وَٱجْعَلْ مَا سَمَحْتُ بِهِ) السماح التجاوز عن الحق (مِنَ الْعَفْوِ عَنْهُمْ) أي: عن الذين آذوني (وَتَبَرَّعْتُ بِهِ مِنَ ٱلصَّدَقَةِ عَلَيْهِمْ) أي: تصدقت عليهم بعفوي وصفحي (أَزْكَىٰ صَدَقَاتِ الْمُتَصَدِّقِينَ) أي: أكثرها نماءً وفائدة، من (زكى) بمعنى طهر (وَأَعْلَىٰ صِلاَتِ الْمُتَقَرَّبِِينَ) صلات جمع صلة وهي العطية، والمراد بالمتقربين المتقربون إليه سبحانه (وَعَوِّضْنِي مِنْ عَفْوِي عَنْهُمْ عَفْوَكَ) عني فإن الله حيث أمر بالعفو، يثيب على العفو فيطلب الإمام أن تكون إثابته تعالى عفوه عن سيئات الداعي (وَمِنْ دُعَائِي لَهُمْ رَحْمَتَكَ) وفضلك عليّ.

ـــــــــــ

حَتَّىٰ يَسْعَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا بِفَضْلِكَ، وَيَنْجُوَ كُلٌّ مِنَّا بِمَنِّكَ، أَللّهُمَّ وَأَيُّمَا عَبْدٍ مِنْ عَبِيدِكَ أَدْرَكَهُ مِنِّي دَرَكٌ، أَوْ مَسَّهُ مِنْ نَاحِيَتِي أَذَىً، أوْ لَحِقَهُ بِي أَوْ بِسَبَبِي ظُلْمٌ، فَفُتُّهُ بِحَقِّهِ، أَوْ سَبَقْتُهُ بِمَظْلَمَتِهِ فَصَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَأَرْضِهِ عَنِّي مِنْ وُجْدِكَ، وَأَوْفِهِ حَقَّهُ مِنْ عِنْدِكَ، ثُمَّ قِنِي مَا يُوْجِبُ لَهُ حُكْمُكَ، وَخَلِّصْنِي مِمَّا يَحْكُمُ بِهِ عَدْلُكَ، فَإِنَّ قُوَّتِي لاَ تَسْتَقِلُّ بِنَقِمَتِكَ،

ـــــــــــ

(حَتَّىٰ يَسْعَدَ) أي: يصير سعيداً (كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا) من آذاني، وأنا (بِفَضْلِكَ، وَيَنْجُوَ) من العذاب (كُلٌّ مِنَّا بِمَنِّكَ) وإحسانك (أَللّهُمَّ وَأَيُّمَا عَبْدٍ مِنْ عَبِيدِكَ أَدْرَكَهُ مِنِّي) أي: وصل إليه من ناحيتي (دَرَكٌ) أي: شين وأذى (أَوْ مَسَّهُ مِنْ نَاحِيَتِي أَذَىً) كأن اغتبته أو أذيته أو ما أشبه (أوْ لَحِقَهُ بِي) أي: مني مباشرة (أَوْ بِسَبَبِي) بأن لحقه مني بسبب أبني أو ما أشبه (ظُلْمٌ فَفُتُّهُ بِحَقِّهِ) أي: ذهبت بحقه من فات يفوت (أَوْ سَبَقْتُهُ) أي: ذهبت سابقاً عليه (بِمَظْلَمَتِهِ) أي: بظلمه، فإن الناهب ونحوه يفر ويسبق المنهوب منه لئلا يلحقه (فَصَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَأَرْضِهِ عَنِّي مِنْ وُجْدِكَ) أي: سعة عطيتك فإن الله تعالى واجد وقادر على إرضائه (وَأَوْفِهِ حَقَّهُ) أي: أعطه ما يستحق علي (مِنْ عِنْدِكَ) فإني لا أملك الإعطاء (ثُمَّ قِنِي) أي: احفظني من وقي يقي (مَا يُوْجِبُ لَهُ) أي: لذاك الشخص (حُكْمُكَ) علي، فإن الله ينتقم للمظلومين من الظالمين (وَخَلِّصْنِي مِمَّا يَحْكُمُ بِهِ عَدْلُكَ) فإن عدل الله يقتضي تعذيب الظالم (فَإِنَّ قُوَّتِي لاَ تَسْتَقِلُّ) ولا تتمكن من تحمل (بنقمتك) وعذابك.

ـــــــــــ

وَإِنَّ طَاقَتِي لاَ تَنْهَضُ بِسُخْطِكَ، فَإِنَّكَ إِنْ تُكَافِنِي بِالْحَقِّ تُهْلِكْنِي، وَإِلاَّ تَغَمَّدْنِي بِرَحْمَتِكَ تُوبِقْنِي، أَللّهُمَّ إِنِّي أَسْتَوْهِبُكَ يَا إِلَهِي مَا لاَ يَنْقُصُكَ بَذْلُهُ، وَأَسْتَحْمِلُكَ مَا لاَ يَبْهَضُكَ حَمْلُهُ، أَسْتَوْهِبُكَ يَا إِلَهِي نَفْسِيَ ٱلَّتِي لَمْ تَخْلُقْهَا لِتَمْتَنِعَ بِهَا مِنْ سُوءٍ، أَوْ لِتَطَرَّقَ بِهَا إِلَىٰ نَفْعٍ، وَلَكِنْ أَنْشَأْتَهَا إِثْبَاتاً لِقُدْرَتِكَ عَلَىٰ مِثْلِهَا،

ـــــــــــ

(وَإِنَّ طَاقَتِي) وقدرتي (لاَ تَنْهَضُ بِسُخْطِكَ) أي: لا تتمكن من تحمل الغضب منك (فَإِنَّكَ إِنْ تُكَافِنِي بِالْحَقِّ تُهْلِكْنِي) أي: أن تقابلني بالإساءة عقاباً، كما يقتضيه الحق، تعذبني والعذاب هو الهلاك (وَإِلاَّ تَغَمَّدْنِي) أي: تسترني وتعمّني (بِرَحْمَتِكَ تُوبِقْنِي) أي: تهلكني، من أوبقه بمعنى: أهلكه (أَللّهُمَّ إِنِّي أَسْتَوْهِبُكَ يَا إِلَهِي) أي: أطلب أن تهبني (مَا لاَ يَنْقُصُكَ بَذْلُهُ) فإن كل ما يبذله سبحانه لا يوجب نقصاً في ملكه (وَأَسْتَحْمِلُكَ) أي: أطلب منك أن تتحمل عني تبعات آثامي، ومعنى تحمله لها إسقاطه، وتخفيف ظهر الإنسان منها (مَا لاَ يَبْهَضُكَ) أي: لا يثقلك (حَمْلُهُ) فإنه تعالى لا يشق عليه العفو عن الإثم (أَسْتَوْهِبُكَ يَا إِلَهِي نَفْسِيَ ٱلَّتِي لَمْ تَخْلُقْهَا لِتَمْتَنِعَ بِهَا مِنْ سُوءٍ) فإن الله لم يخلق الإنسان لاحتياجه إليه في دفع أعدائه وما أشبه، فليس من قبيل الملوك الذين يجمعون الأعوان لاحتياجهم إليهم في دفع الأعداء (أَوْ لِتَطَرَّقَ بِهَا) أي: بنفسي (إِلَىٰ نَفْعٍ) بأن تريد الانتفاع بسببي (وَلَكِنْ أَنْشَأْتَهَا إِثْبَاتاً لِقُدْرَتِكَ) أي: تثبت على أنك قادر (عَلَىٰ مِثْلِهَا) فيظهر كمالك في قدرة النفوس كما ورد في الحديث القدسي: (كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لكي أعرف).

ـــــــــــ

وَٱحْتِجَاجاً بِهَا عَلَىٰ شَكْلِهَا، وَأَسْتَحْمِلُكَ مِنْ ذُنُوبِي مَا قَدْ بَهَضَنِي حَمْلُهُ، وَأَسْتَعِينُ بِكَ عَلَىٰ مَا قَدْ فَدَحَنِي ثِقْلُهُ فَصَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَهَبْ لِنَفْسِي عَلَىٰ ظُلْمِهَا نَفْسِي، وَوَكِّلْ رَحْمَتَكَ بِاحْتِمَالِ إِصْرِي، فَكَمْ قَدْ لَحِقَتْ رَحْمَتُكَ بِالْمُسِيئِينَ، وَكَمْ قَدْ شَمَلَ عَفْوُكَ ٱلظَّالِمِينَ، فَصَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَٱجْعَلْنِي أُسْوَةَ مَنْ قَدْ أَنْهَضْتَهُ بِتَجَاوُزِكَ عَنْ مَصَارِعِ الْخَاطِئِينَ،

ـــــــــــ

(وَٱحْتِجَاجاً بِهَا) أي: بنفسي (عَلَىٰ شَكْلِهَا) بأنك قادر على إعادة شكلها في الآخرة، كما قال سبحانه: ﴿من يحيى العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة﴾ [1] (وَأَسْتَحْمِلُكَ مِنْ ذُنُوبِي) أي: أسألك أن تحمل من آثامي ـ بالعفو عنها ـ (مَا قَدْ بَهَضَنِي) أي: أثقلني (حَمْلُهُ، وَأَسْتَعِينُ بِكَ عَلَىٰ مَا قَدْ فَدَحَنِي) أي: شق عليّ (ثِقْلُهُ) والمراد: الثقل المعنوي (فَصَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَهَبْ لِنَفْسِي عَلَىٰ ظُلْمِهَا) أي: مع أنها ظالمة (نَفْسِي) مفعول [وهب] (وَوَكِّلْ رَحْمَتَكَ بِاحْتِمَالِ إِصْرِي) الإصر: الحمل الثقيل، والمراد: أن تعفو برحمتك عن ذنوبي (فَكَمْ قَدْ لَحِقَتْ رَحْمَتُكَ بِالْمُسِيئِينَ) فغفرت عنهم، و (كم) للتكثير (وَكَمْ قَدْ شَمَلَ عَفْوُكَ ٱلظَّالِمِينَ) فتجاوزت عن ظلمهم (فَصَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَٱجْعَلْنِي أُسْوَةَ) أي: مقتدى ومشار إليه لكون أول المعفو عنهم (مَنْ قَدْ أَنْهَضْتَهُ بِتَجَاوُزِكَ) أي: بسبب تجاوزك (عَنْ مَصَارِعِ الْخَاطِئِينَ) فإن للخاطئ صرعة ووقوع في أوحال الذنوب.

ـــــــــــ

وَخَلَّصْتَهُ بِتَوْفِيقِكَ مِنْ وَرَطَاتِ الْمُجْرِمِينَ، فَأَصْبَحَ طَلِيقَ عَفْوِكَ مِنْ إِسَارِ سُخْطِكَ، وَعَتِيقَ صُنْعِكَ مِنْ وَثَاقِ عَدْلِكَ، إِنَّكَ إنْ تَفْعَلْ ذٰلِكَ يَا إِلَهِي تَفْعَلْهُ بِمَنْ لاَ يَجْحَدُ ٱسْتِحْقَاقَ عُقُوبَتِكَ، وَلاَ يُبَرِّئُ نَفْسَهُ مِنْ ٱسْتِيجَابِ نَقِمَتِكَ، تَفْعَلُ ذٰلِكَ يَا إِلَهِي بِمَنْ خَوْفُهُ مِنْكَ أَكْثَرُ مِنْ طَمَعِهِ فِيكَ،

ـــــــــــ

(وَخَلَّصْتَهُ بِتَوْفِيقِكَ) أي: بسبب توفيقك له (مِنْ وَرَطَاتِ الْمُجْرِمِينَ) أي: ما وقعوا فيه من الورطة والهلاك، والمجرم من أجرم وتعاطى الإثم (فَأَصْبَحَ) ذلك المجرم (طَلِيقَ عَفْوِكَ) قد أطلق من إسار الذنب بعفوك له (مِنْ إِسَارِ سُخْطِكَ) الإسار جمع ٍ[آسر] بمعنى: القيد، والسخط الغضب (وَعَتِيقَ صُنْعِكَ) أعتقه من الذنوب صنعك الحسن به (مِنْ وَثَاقِ عَدْلِكَ) الوثاق: القيد الذي يوثق به المجرم، فإن عدله سبحانه يقتضي أن يعاقب المجرم (إِنَّكَ إنْ تَفْعَلْ ذٰلِكَ) العفو (يَا إِلَهِي) بي (تَفْعَلْهُ بِمَنْ لاَ يَجْحَدُ ٱسْتِحْقَاقَ عُقُوبَتِكَ) فإني معترف باستحقاقي (وَلاَ يُبَرِّئُ نَفْسَهُ مِنْ ٱسْتِيجَابِ نَقِمَتِكَ) فإني أرى نفسي غير بريء من أني أستوجب وأستحق نقمتك أي: انتقامك (تَفْعَلُ ذٰلِكَ) العفو (يَا إِلَهِي بِمَنْ خَوْفُهُ مِنْكَ أَكْثَرُ مِنْ طَمَعِهِ فِيكَ) فإن الإنسان في مقام الاستغناء عن ذنوبه يتغلب عليه الخوف، وإن كان في سائر الأوقات متعادل الخوف والرجاء.

ـــــــــــ

وَبِمَنْ يَأْسُهُ مِنَ ٱلنَّجَاةِ أَوْكَدُ مِنْ رَجَائِهِ لِلْخَلاَصِ، لاَ أَنْ يَكُونَ يَأْسُهُ قُنُوطاً، أَوْ أَنْ يَكُونَ طَمَعُهُ ٱغْتِرَاراً، بَلْ لِقِلَّةِ حَسَنَاتِهِ بَيْنَ سَيِّئَاتِهِ، وَضَعْفِ حُجَجِهِ فِي جَمِيعِ تَبِعَاتِهِ، فَأَمَّا أَنْتَ يَا إِلَهِي فَأَهْلٌ أَنْ لاَ يَغْتّرَّ بِكَ ٱلصِّدِّيقُونَ وَلاَ يَيْأَسَ مِنْكَ الْمُجْرِمُونَ، لأَنَّكَ ٱلرَّبُّ الْعَظِيمُ ٱلَّذِي لاَ يَمْنَعُ أَحَداً فَضْلَهُ وَلاَ يَسْتَقْصِي مِنْ أَحَدٍ حَقَّهُ، تَعَالَىٰ ذِكْرُكَ عَنِ الْمَذْكُورِينَ، وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُكَ عَنِ الْمَنْسُوبِينَ، وَفَشَتْ نِعْمَتُكَ فِي جَمِيعِ الْمَخْلوُقِينَ فَلَكَ الْحَمْدُ عَلَىٰ ذٰلِكَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.

ـــــــــــ

(وَبِمَنْ يَأْسُهُ مِنَ ٱلنَّجَاةِ) من عذابك (أَوْكَدُ مِنْ رَجَائِهِ لِلْخَلاَصِ) أي: أكثر (لاَ أَنْ يَكُونَ يَأْسُهُ قُنُوطاً) فإن القانط من لا رجاء له (أَوْ أَنْ يَكُونَ طَمَعُهُ) في عفوك (ٱغْتِرَاراً) كما يغتر أهل المعاصي، يستمرون في العصيان ويقولون نطمع (بَلْ) يأسه أكثر (لِقِلَّةِ حَسَنَاتِهِ بَيْنَ سَيِّئَاتِهِ) الكثيرة (وَضَعْفِ حُجَجِهِ) وأعذاره (فِي جَمِيعِ تَبِعَاتِهِ) أي: ذنوبه، فإنه لا عذر صحيح له في سيئاته التي ارتكبها (فَأَمَّا أَنْتَ يَا إِلَهِي فَأَهْلٌ أَنْ لاَ يَغْتّرَّ بِكَ ٱلصِّدِّيقُونَ) بأن يأمنوا عقابك والصديق: هو كثير التصديق، وكون الله أهلاً بمعنى أنه لا يترك العصاة وشأنهم بدون عذاب حتى يكون موضع الاغترار من أهل العلم به الذين هم الصديقون، وإن اغتر به الجاهلون (وَلاَ يَيْأَسَ مِنْكَ الْمُجْرِمُونَ) لأنك أهلٌ للعفو فلا ييأس من مغفرتك من أساء وأجرم (لأَنَّكَ ٱلرَّبُّ الْعَظِيمُ ٱلَّذِي لاَ يَمْنَعُ أَحَداً فَضْلَهُ) وإحسانه حتى ولو كان مجرماً (وَلاَ يَسْتَقْصِي) أي: لا يأخذ بالاستقصاء (مِنْ أَحَدٍ حَقَّهُ) بأن يأخذ تمام حقه (تَعَالَىٰ ذِكْرُكَ عَنِ الْمَذْكُورِينَ) فإن ذكرك أرفع من ذكر كل أحد يذكره الناس بالرفعة (وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُكَ) أي: تنزهت عن النقائص (عَنِ الْمَنْسُوبِينَ) إلى تلك الأسماء، مثلاً من ينسب إلى العلم، فيقال له (عالم) علمه خليط بالجهل، إلا علمك فإنه تقدس وتنزه عن ذلك، وهكذا بالنسبة إلى سائر الأسماء (وَفَشَتْ) أي: وعمّت (نِعْمَتُكَ فِي جَمِيعِ الْمَخْلوُقِينَ فَلَكَ الْحَمْدُ عَلَىٰ ذٰلِكَ) الذي ذكرت من صفاتك الجميلة (يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ) إلههم ومربيهم حتى يصلوا إلى حدّ الكمال.

ـــــــــــ

[1]  ـ سورة يس، آية: 78 - 79.