أفضل المواقع الشيعية

دعاء عند ختم القرآن

 
السجادية

الدعاء مطابق للمصدر

الصحيفة
 

وكان من دعائه (عليه السلام) عند ختم القرآن:

أَللّهُمَّ إِنَّكَ أَعَنْتَنِي عَلَىٰ خَتْمِ كِتَابِكَ ٱلَّذِي أَنْزَلْتَهُ نُوراً، وَجَعَلْتَهُ مُهَيْمِناً عَلَىٰ كُلِّ كِتَابٍ أَنْزَلْتَهُ، وَفَضَّلْتَهُ عَلَىٰ كُلِّ حَدِيثٍ قَصَصْتَهُ، وَفُرْقَاناً فَرَقْتَ بِهِ بَيْنَ حَلاَلِكَ وَحَرَامِكَ، وَقُرْآناً أَعْرَبْتَ بِهِ عَنْ شَرَائِعِ أَحْكَامِكَ، وَكِتَاباً فَصَّلْتَهُ لِعِبَادِكَ تَفْصِيلاً، وَوَحْياً أَنْزَلْتَهُ عَلَىٰ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ تَنْزِيلاً،

ـــــــــــ

الشرح: (أَللّهُمَّ إِنَّكَ أَعَنْتَنِي عَلَىٰ خَتْمِ كِتَابِكَ) بأن وفقتني لأن أقرأه إلى آخره (ٱلَّذِي أَنْزَلْتَهُ نُوراً) لهداية الناس (وَجَعَلْتَهُ مُهَيْمِناً) أي: مشرفاً (عَلَىٰ كُلِّ كِتَابٍ أَنْزَلْتَهُ) فإن القرآن يدل على ما حرّف وبدّل في الكتب السابقة، من الأمور المربوطة بالمبدأ والرسالة والمعاد وما أشبه (وَفَضَّلْتَهُ عَلَىٰ كُلِّ حَدِيثٍ قَصَصْتَهُ) وبينته للناس (وَفُرْقَاناً) بمعنى فارقاً (فَرَقْتَ بِهِ بَيْنَ حَلاَلِكَ وَحَرَامِكَ) أي: ما حللته وما حرمته من التكاليف والأحكام (وَقُرْآناً أَعْرَبْتَ بِهِ) أي: أظهرت بسببه (عَنْ شَرَائِعِ أَحْكَامِكَ) شرائع جمع شريعة أصلها بمعنى الطريق إلى الماء، ثم استعمل في كل طريق إلى حكم الله تعالى (وَكِتَاباً فَصَّلْتَهُ لِعِبَادِكَ تَفْصِيلاً) بأن بيّنت فيه كل حكم وقصة مفصلاً بدون إجمال وإدماج (وَوَحْياً أَنْزَلْتَهُ عَلَىٰ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ تَنْزِيلاً) مصدر تأكيدي.

ـــــــــــ

وَجَعَلْتَهُ نُوراً نَهْتَدِي مِنْ ظُلَمِ ٱلضَّلاَلَةِ وَالْجَهَالَةِ بِٱتِّبَاعِهِ، وَشِفَاءً لِمَنْ أَنْصَتَ بِفَهْمِ ٱلتَّصْدِيقِ إِلَىٰ ٱسْتِمَاعِهِ، وَمِيزَانَ قِسْطٍ لاَ يَحِيفُ عَنِ الْحَقِّ لِسَانُهُ، وَنُورَ هُدَىً لاَ يُطْفَأُ عَنِ ٱلشَّاهِدِينَ بُرْهَانُهُ، وَعَلَمَ نَجَاةٍ لاَ يَضِلُّ مَنْ أَمَّ قَصْدَ سُنَّتِهِ، وَلاَ تَنَالُ أَيْدِي الْهَلَكَاتِ مَنْ تَعَلَّقَ بِعُرْوَةِ عِصْمَتِهِ،

ـــــــــــ

(وَجَعَلْتَهُ نُوراً نَهْتَدِي) به (مِنْ ظُلَمِ ٱلضَّلاَلَةِ وَالْجَهَالَةِ بِٱتِّبَاعِهِ) فإن الظلام كما يسبب عدم رؤية الإنسان للأشياء كذلك الجهل والضلالة يسببان عدم رؤية الإنسان للحقائق فإذا جاء الهدى كان نوراً يسبب رؤية الإنسان لها (وَشِفَاءً لِمَنْ أَنْصَتَ) من أعطى أذنه (بِفَهْمِ ٱلتَّصْدِيقِ) أي: كان إنصاته لأن يفهم ويصدق (إِلَىٰ ٱسْتِمَاعِهِ) متعلق بـ[أنصت] (وَمِيزَانَ قِسْطٍ) أي: عدل (لاَ يَحِيفُ) أي: لا يميل (عَنِ الْحَقِّ لِسَانُهُ) لسان الميزان هو وسط عوده الذي يؤخذ به ليعرف الوزن (وَنُورَ هُدَىً) أي: نور من جنس الهدى لا من جنس النور الخارجي (لاَ يُطْفَأُ عَنِ ٱلشَّاهِدِينَ بُرْهَانُهُ) الشاهدان الرسول صلى الله عليه وآله والأئمة لقوله سبحانه: ﴿لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا﴾ [1] وهذان الشاهدان يستدلان بالقرآن ويكون القرآن برهاناً لهما فلا يطفأ ولا يخمد برهان القرآن عنهما (وَعَلَمَ نَجَاةٍ لاَ يَضِلُّ مَنْ أَمَّ) أي: قصد (قَصْدَ سُنَّتِهِ) أي: نحو سنته، كما لا يضل من قصد العلامة في العراء (وَلاَ تَنَالُ أَيْدِي الْهَلَكَاتِ مَنْ تَعَلَّقَ بِعُرْوَةِ عِصْمَتِهِ) عروة الكوز يده، فكأن للقرآن عروة تعصم المستمسك بها من الهلكة.

ـــــــــــ

أَللّهُمَّ فَإِذْ أَفَدْتَنَا الْمَعُونَةَ عَلَىٰ تِلاَوَتِهِ، وَسَهَّلْتَ جَوَاسِيَ أَلْسِنَتِنَا بِحُسْنِ عِبَارَتِهِ فَٱجْعَلْنَا مِمَِّنْ يَرْعَاهُ حَقَّ رِعَايَتِهِ، وَيَدِينُ لَكَ بِٱعْتِقَادِ ٱلتَّسْلِيمِ لِمُحْكَمِ آيَاتِهِ، وَيَفْزَعُ إِلَىٰ ٱلإقْرَارِ بِمُتَشَابِهِهِ وَمُوضِحَاتِ بَيِّنَاتِهِ، أَللّهُمَّ إِنَّكَ أَنْزَلْتَهُ عَلَىٰ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صَلَّىٰ الله عَلَيْهِ وَآلِهِ مُجْمَلاً،

ـــــــــــ

(أَللّهُمَّ فَإِذْ أَفَدْتَنَا الْمَعُونَةَ عَلَىٰ تِلاَوَتِهِ) أي: أعنتنا على قراءةِ القرآن (وَسَهَّلْتَ جَوَاسِيَ أَلْسِنَتِنَا) جواسي: جمع جاسية بمعنى الغليظ أي: صلاب الألسنة وغلاظها (بِحُسْنِ عِبَارَتِهِ) فإن العبارة الحسنة الجميلة حيث توافق النفس تكون أسهل على اللسان (فَٱجْعَلْنَا مِمَِّنْ يَرْعَاهُ حَقَّ رِعَايَتِهِ) في العمل به كما أمرت (وَيَدِينُ لَكَ) أي: ينقاد (بِٱعْتِقَادِ ٱلتَّسْلِيمِ لِمُحْكَمِ آيَاتِهِ) أي: يعتقد أن اللازم أن يسلم لآيات القرآن المحكمة الظاهرة الدلالة مقابل المتشابه وتخصيص المحكم بالذكر، لأن المتشابه يجب رد علمه إلى الله تعالى قال سبحانه: ﴿أما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه﴾ [2] (وَيَفْزَعُ) أي: يلجأ (إِلَىٰ ٱلإقْرَارِ بِمُتَشَابِهِهِ) والمتشابه هو الذي يحتمل معان متعددة، وإنما يلجئون كما قال سبحانه: ﴿يقولون آمنا به كل من عند ربنا﴾ وإنما كان في القرآن التشابه لامتحان الناس (وَمُوضِحَاتِ بَيِّنَاتِهِ) أي: وإلى الإقرار بصحة أدلته البينة الظاهرة، خلافاً لأهل الفساد الذين لا يعترفون بأدلة القرآن البينة وإنما يشككون فيها (أَللّهُمَّ إِنَّكَ أَنْزَلْتَهُ) أي: القرآن، والإنزال إما باعتبار المرتبة فإن الشيء إذا جاء من قبل الأرفع منزلة، يقال: نزل، وإما باعتبار أن المنزول كان من طرف السماء والسماء فوق الأرض حساً (عَلَىٰ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صَلَّىٰ الله عَلَيْهِ وَآلِهِ مُجْمَلاً) أما المراد: نزل مجمل المعنى ثم فسر، أو هو من قولهم الإجمال في الطلب، أي: الطلب الجميل، فالمراد نزولاً جميلاً.

ـــــــــــ

وَأَلْهَمْتَهُ عِلْمَ عَجَائِبِهِ مُكَمَّلاً، وَوَرَّثْتَنَا عِلْمَهُ مُفَسَّراً، وَفَضَّلْتَنَا عَلَىٰ مَنْ جَهِلَ عِلْمَهُ، وَقَوَّيْتَنَا عَلَيْهِ لِتَرْفَعَنَا فَوْقَ مَنْ لَمْ يُطِقْ حَمْلَهُ، أَللّهُمَّ فَكَمَا جَعَلْتَ قُلُوبَنَا لَهُ حَمَلَةً، وَعَرَّفْتَنَا بِرَحْمَتِكَ شَرَفَهُ وَفَضْلَهُ،

ـــــــــــ

(وَأَلْهَمْتَهُ) أي: الرسول صلى الله عليه وآله والإلهام الإلقاء الخفي (عِلْمَ عَجَائِبِهِ مُكَمَّلاً) أي: كاملاً، إذ قد بينت للرسول صلى الله عليه وآله ما للقرآن من العجائب (وَوَرَّثْتَنَا عِلْمَهُ) أي: أعطيتنا علم القرآن، ومعانيه، إرثاً من الرسول صلى الله عليه وآله سلم في حال كونه (مُفَسَّراً) قد فسر وبين المراد منه (وَفَضَّلْتَنَا عَلَىٰ مَنْ جَهِلَ عِلْمَهُ) إذ العالم بالقرآن أفضل من الجاهل به بالضرورة (وَقَوَّيْتَنَا عَلَيْهِ) فإن العالم أقوى نفساً من الجاهل إذ قوة النفس بالعلم والفضيلة (لِتَرْفَعَنَا فَوْقَ مَنْ لَمْ يُطِقْ حَمْلَهُ) من الكفار، وعدم الطاقة، بمعنى عدم القبول لا عدم القدرة (أَللّهُمَّ فَكَمَا جَعَلْتَ قُلُوبَنَا لَهُ حَمَلَةً) جمع حامل، والمراد حملة للقرآن (وَعَرَّفْتَنَا بِرَحْمَتِكَ شَرَفَهُ) إذ نعرف ما للقرآن من شرف ومنزلة في مقابل الكفار الذين لا يعرفون ذلك (وَفَضْلَهُ) أي: أنه ذو فضل ورفعة.

ـــــــــــ

فَصَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبِ بِهِ، وَعَلَىٰ آلِهِ الْخُزَّانِ لَهُ، وَٱجْعَلْنَا مِمَّنْ يَعْتَرِفُ بِأَنَّهُ مِنْ عِنْدِكَ حَتَّىٰ لا يُعَارِضَنَا ٱلشَّكُّ فِي تَصْدِيقِهِ وَلاَ يَخْتَلِجَنَا ٱلزَّيْغُ عَنْ قَصْدِ طَرِيقِهِ، أَللّهُمَّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَٱجْعَلْنَا مِمَّنْ يَعْتَصِمُ بِحَبْلِهِ، وَيَأْوِي مِنَ الْمُتَشَابِهاتِ إِلَىٰ حِرْزِ مَعْقِلِهِ،

ـــــــــــ

(فَصَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبِ بِهِ) أي: الذي خوطب بالقرآن، أو الذي خاطب الناس بالقرآن (وَعَلَىٰ آلِهِ الْخُزَّانِ لَهُ) جمع خازن بمعنى الحافظ، فإن أهل البيت حفظوا القرآن عن التغيير والتحريف في لفظه أو معناه (وَٱجْعَلْنَا مِمَّنْ يَعْتَرِفُ بِأَنَّهُ مِنْ عِنْدِكَ) لا كالكفار الذين ينكرون ذلك، والمراد بـ[اجعلنا] مستمرين بهذا الاعتراف، مثل: [اهدنا الصراط المستقيم] لا أن المراد ابتداء الجعل حتى يقال كيف يطلب الإمام ذلك مع أنه مجعول قبلاً (حَتَّىٰ لا يُعَارِضَنَا) ولا يعرض على قلوبنا (ٱلشَّكُّ فِي تَصْدِيقِهِ) بأن نشك هل هو من عندك أم لا (وَلاَ يَخْتَلِجَنَا) الاختلاج الوسوسة (ٱلزَّيْغُ) أي: الميل (عَنْ قَصْدِ طَرِيقِهِ) بأن لا يدخل في قلوبنا الميل عن طريق القرآن الذي هو قصد أي: وسط لا انحراف فيه (أَللّهُمَّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَٱجْعَلْنَا مِمَّنْ يَعْتَصِمُ بِحَبْلِهِ) كأن القرآن حبل بين الله وبين الناس فإذا أخذه الإنسان رفع به إلى الدرجات العلى كما أن من يأخذ الحبل يرتفع إلى الأعلى، فيما إذا وقع في هوة ويجره العالي إلى فوق (وَيَأْوِي مِنَ الْمُتَشَابِهاتِ) أوى: بمعنى اتخذ المأوى والمنزل والمتشابهات هي الأمور التي لا يدري الإنسان أيها صواب وأيها خطأ (إِلَىٰ حِرْزِ مَعْقِلِهِ) المعقل: الملجأ، كأن الإنسان يعقل ويربط هناك بعيره فيما إذا جاء من السفر، والمعنى: رجوع الإنسان إلى القرآن في الأمور المتشابهة ليعرف الحق من الأطراف المحتملة، مثلاً إذا شك في أن الله هل يرى أم لا يرى يرجع إلى قوله: ﴿لا تدركه الأبصار﴾ وهكذا.

ـــــــــــ

وَيَسْكُنُ فِي ظِلِّ جَنَاحِهِ، وَيَهْتَدِي بِضَوْءِ صَبَاحِهِ، وَيَقْتَدِي بِتَبَلُّجِ إِسْفَارِهِ، وَيَسْتَصْبِحُ بِمِصْبَاحِهِ، وَلاَ يَلْتَمِسُ الْهُدَىٰ فِي غَيْرِهِ، أَللّهُمَّ وَكَمَا نَصَبْتَ بِهِ مُحَمَّداً عَلَماً لِلدَّلاَلَةِ عَلَيْكَ، وَأَنْهَجْتَ بِآلِهِ سُبُلَ ٱلرِّضَا إِلَيْكَ،

ـــــــــــ

(وَيَسْكُنُ فِي ظِلِّ جَنَاحِهِ) كأن للقرآن جناحاً إذا سكن الإنسان تحته وقاه من المرارة (وَيَهْتَدِي) إلى طريق الحق (بِضَوْءِ صَبَاحِهِ) أي: بسبب ضياء صبح القرآن (وَيَقْتَدِي بِتَبَلُّجِ إِسْفَارِهِ) أسفر بمعنى أظهر، والتبلج بمعنى ظهور النور، أي يقتدي بنوره الذي يوجب ظهور الحق (وَيَسْتَصْبِحُ بِمِصْبَاحِهِ) أي: يهتدي بسبب مصباح القرآن، إلى الحقائق والشرائع (وَلاَ يَلْتَمِسُ) أي: لا يطلب (الْهُدَىٰ فِي غَيْرِهِ) كأن يطلب الهداية من الكتب السالفة أو أقوال الفلاسفة (أَللّهُمَّ وَكَمَا نَصَبْتَ بِهِ) أي: بسبب القرآن (مُحَمَّداً) صلى الله عليه وآله (عَلَماً لِلدَّلاَلَةِ عَلَيْكَ) فإن الرسول علم يدل الناس إلى الله، بسبب آيات القرآن (وَأَنْهَجْتَ) أي: جعلت النهج والطريق (بِآلِهِ) أي: بسبب آل الرسول صلى الله عليه وآله (سُبُلَ ٱلرِّضَا إِلَيْكَ) فإن آل الرسول صلى الله عليه وآله يبينون الطرق الموجبة لرضى الله سبحانه والوصول إلى رحمته ورضوانه.

ـــــــــــ

فَصَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَٱجْعَلِ الْقُرْآنَ وَسِيلَةً لَنَا إِلَىٰ أَشْرَفِ مَنَازِلَ الْكَرَامَةِ وَسُلَّماً نَعْرُجُ فِيهِ إِلَىٰ مَحَلِّ ٱلسَّلاَمَةِ، وَسَبَبَاً نُجْزِي بِهِ ٱلنَّجَاةَ فِي عَرْصَةِ الْقِيَامَةٍ، وَذَرِيعَةً نَقْدُمُ بِهَا عَلَىٰ نَعِيمِ دَارِ الْمُقَامَةِ، أَللّهُمَّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَٱحْطُطْ بِالْقُرْآنِ عَنَّا ثِقْلَ ٱلأَوْزَارِ، وَهَبْ لَنَا حُسْنَ شَمَائِلِ ٱلأَبْرَارِ،

ـــــــــــ

(فَصَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَٱجْعَلِ الْقُرْآنَ وَسِيلَةً لَنَا إِلَىٰ أَشْرَفِ مَنَازِلَ الْكَرَامَةِ) بأن توفقنا للعمل بالقرآن حتى نصل إلى أشرف المنازل عندك، التي تكرم أصحاب تلك المنازل، والمراد: المنازل المعنوية أو منازل الجنة (وَسُلَّماً نَعْرُجُ فِيهِ إِلَىٰ مَحَلِّ ٱلسَّلاَمَةِ) كأن الإنسان في درك موجب للخطر، وبسبب القرآن يرقى إلى محل السلامة (وَسَبَبَاً نُجْزِي بِهِ) أي: نعطى الجزاء بسبب ذلك القرآن (ٱلنَّجَاةَ فِي عَرْصَةِ الْقِيَامَةٍ) أي: ساحتها (وَذَرِيعَةً) أي: وسيلة (نَقْدُمُ بِهَا) أي: نرد بسبب تلك الذريعة (عَلَىٰ نَعِيمِ دَارِ الْمُقَامَةِ) هي الجنة لأنها دار لا آخر لها بل يقيم الإنسان فيها إلى الأبد (أَللّهُمَّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَٱحْطُطْ) فعل أمر، من حط الحمل إذا وضعه من عاتقه (بِالْقُرْآنِ عَنَّا ثِقْلَ ٱلأَوْزَارِ) جمع وزر بمعنى الذنب فإن للذنب ثقلاً على النفس، كما أن الدين ثقل على النفس، والإنسان بسبب العمل بالقرآن يمحو ذنبه فإن الحسنات يذهبن السيئات (وَهَبْ لَنَا حُسْنَ شَمَائِلِ ٱلأَبْرَارِ) الشمائل جمع شمال بالكسر بمعنى الخلق، أي: حسن أخلاق الأبرار، وهو جمع بر بمعنى المحسن، فإن الإنسان بسبب القرآن تكون أخلاقه أخلاقاً حسنة.

ـــــــــــ

وَٱقْفُ بِنَا آثَارَ ٱلَّذِينَ قَامُوا لَكَ بِهِ آناءَ ٱللَّيْلِ وَأَطْرَافَ ٱلنَّهَارِ، حَتَّىٰ تُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ دَنَسٍ بِتَطْهِِيرِهِ وَتَقْفُوَ بِنَا آثَارَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَضَاؤُوا بِنُورِهِ، وَلَمْ يُلْهِهِمُ ٱلأَمَلُ عَنِ الْعَمَلِ فَيَقْطَعَهُمْ بِخُدَعِ غُرُورِهِ، أَللّهُمَّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَٱجْعَلِ الْقُرْآنَ لَنَا فِي ظُلَمِ ٱللَّيَالِي مُؤنِساً،

ـــــــــــ

(وَٱقْفُ بِنَا) قفا يقفو، بمعنى تبع، كقوله سبحانه: ﴿ولا تقف ما ليس لك به علم﴾ [3] اجعلنا تابعين (آثَارَ ٱلَّذِينَ قَامُوا لَكَ بِهِ) أي: القرآن، والمراد قيامهم بالقرآن تعلماً وتعليماً وعملاً وما أشبه (آناءَ ٱللَّيْلِ) جمع (آن) بمعنى الساعة، أي: ساعات الليل (وَأَطْرَافَ ٱلنَّهَارِ) أوله وآخره ووسطه (حَتَّىٰ تُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ دَنَسٍ) وقذارة (بِتَطْهِِيرِهِ) أي: بسبب تطهير القرآن لنا، إذ القرآن يبين الأعمال والأخلاق الحسنة فيكتسبها الإنسان ويتخلق بها (وَتَقْفُوَ بِنَا آثَارَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَضَاؤُوا بِنُورِهِ) أي: تجعلنا تابعين من عمل بالقرآن، واستفاد من نوره في السير والعمل، كما يستفيد الإنسان من نور المصباح في رؤية الأشياء حتى يسير سالماً، ويصل إلى ما يريده (وَلَمْ يُلْهِهِمُ ٱلأَمَلُ) يقال: ألهاه الأمل، إذا أشغله وغرّه فلم يعمل للآخرة، والأمل ما يرجوه الإنسان من زخارف الدنيا وطول العمر فيها (عَنِ الْعَمَلِ) لأجل الآخرة (فَيَقْطَعَهُمْ بِخُدَعِ غُرُورِهِ) خدع جمع خدعة، وهي إراءة الإنسان شيئاً يقصده حتى يقع في مكروه مخفي عليه والمراد قطعهم ومنعهم عن تحصيل الآخرة (أَللّهُمَّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَٱجْعَلِ الْقُرْآنَ لَنَا فِي ظُلَمِ ٱللَّيَالِي مُؤنِساً) المؤنس: هو الذي يوجب ذهاب الوحشة من النفس والقرآن يشع في نفس الإنسان معاني الخير، والالتفات إلى الله تعالى يزيل وحشة الظلمة التي يسببها الليل.

ـــــــــــ

وَمِنْ نَزَغَاتِ ٱلشَّيْطَانِ وَخَطَرَاتِ الْوَسَاوِسِ حَارِساً، وَلأَقْدَامِنَا عَنْ نَقْلِهَا إِلَىٰ الْمَعَاصِي حَابِساً، وَلأَلْسِنَتِنَا عَنِ الْخَوْضِ فِي الْبَاطِلِ مِنْ غَيْرِ مَا آفَةٍ مُخْرِساً، وَلِجَوَارِحِنَا عَنِ ٱقْتِرَافِ ٱلآثَامِ زَاجِراً وَلِمَا طَوَتِ الغَفْلَةُ عَنَّا مِنْ تَصَفُّحِ ٱلإِعْتِبَارِ نَاشِرَاً، حَتَّىٰ تُوصِلَ إِلَىٰ قُلوُبِنَا فَهْمَ عَجَائِبِهِ،

ـــــــــــ

(وَمِنْ نَزَغَاتِ ٱلشَّيْطَانِ) جمع نزغة بمعنى الوسوسة (وَخَطَرَاتِ الْوَسَاوِسِ) الخطرات ما يخطر ببال الإنسان من التشكيك في أمور الدنيا والدين (حَارِساً) حتى يحفظنا عن ذلك (وَلأَقْدَامِنَا) جمع قدم (عَنْ نَقْلِهَا إِلَىٰ الْمَعَاصِي حَابِساً) بأن يحبسنا القرآن عن أن ننقل أقدامنا إلى معاصيك، كالسرقة وما أشبه مما يذهب الإنسان بقدمه نحوه (وَلأَلْسِنَتِنَا عَنِ الْخَوْضِ فِي الْبَاطِلِ) أي: الدخول فيه (مِنْ غَيْرِ مَا آفَةٍ) أي: بدون أن تكون بلساننا آفة ومرض توجب الخرس (مُخْرِساً) بأن يكون القرآن هو المسكت لنا حتى لا نتكلم بالباطل (وَلِجَوَارِحِنَا عَنِ ٱقْتِرَافِ ٱلآثَامِ) اقترف الإثم بمعنى ارتكبه (زَاجِراً) بأن لا نعصي بأحد أعضائنا (وَلِمَا طَوَتِ الغَفْلَةُ عَنَّا) كأن الغفلة تلف وتجمع الشيء حتى لا يرى الإنسان باطن الحقائق (مِنْ تَصَفُّحِ ٱلإِعْتِبَارِ) أي: ملاحظة ما يوجب العبرة، ودرك الحقائق الموجبة لعدم عمل الإنسان بما يضره (نَاشِرَاً) فينشر القرآن ما طوته الغفلة مما يوجب اعتبارنا (حَتَّىٰ تُوصِلَ إِلَىٰ قُلوُبِنَا فَهْمَ عَجَائِبِهِ) بأن نفهم عجائب القرآن، التي تورث عجب الإنسان وفهم الحقائق، إذ العجب يثير النفس ويجلب الالتفات.

ـــــــــــ

وَزَوَاجِرَ أَمْثَالِهِ ٱلَّتِي ضَعُفَتِ الْجِبَالُ ٱلرَّوَاسِي عَلَىٰ صَلاَبَتِهَا عَنِ ٱحْتِمَالِهِ، أَللّهُمَّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَأَدِمْ بِالْقُرْآنِ صَلاَحَ ظَاهِرِنَا، وَٱحْجُبْ بِهِ خَطَرَاتِ الْوَسَاوِس عَنْ صِحَّةِ ضَمَائِرِنَا، وَٱغْسِلْ بِهِ دَرَنَ قُلوُبِنَا وَعَلاَئِقَ أَوْزَارِنَا،

ـــــــــــ

(وَزَوَاجِرَ أَمْثَالِهِ) أي: أمثاله التي توجب زجر الإنسان ومنعه عن الآثام والرذائل (ٱلَّتِي ضَعُفَتِ الْجِبَالُ ٱلرَّوَاسِي) جمع راسية بمعنى الثابتة (عَلَىٰ صَلاَبَتِهَا) أي: مع أن الجبال في غاية الصلابة (عَنِ ٱحْتِمَالِهِ) أي: تحمل القرآن إشارة إلى قوله سبحانه: ﴿لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله﴾ [4] (أَللّهُمَّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَأَدِمْ بِالْقُرْآنِ صَلاَحَ ظَاهِرِنَا) أي: وفقنا لأن نديم صلاح ظاهرنا بسبب العمل بالقرآن، فإن العمل بالقرآن يوجب أن يكون ظاهر الإنسان ظاهراً صالحاً (وَٱحْجُبْ بِهِ) أي: امنع بسبب القرآن (خَطَرَاتِ الْوَسَاوِس) أي: ما يخطر ببال الإنسان من وساوس الشيطان (عَنْ صِحَّةِ ضَمَائِرِنَا) أي: ضمائرنا الصحيحة حتى لا تفسد بواطننا بالوسوسة التي يلقيها الشيطان في قلوبنا (وَٱغْسِلْ بِهِ) أي: بالقرآن (دَرَنَ) أي: قذارة (قُلوُبِنَا) والمراد الرذائل العالقة بالقلب كالحسد والكبر وما أشبه (وَعَلاَئِقَ أَوْزَارِنَا) أي: الآثام التي علقت بنا.

ـــــــــــ

وَٱجْمَعْ بِهِ مُنْتَشَرَ أَمُورِنَا، وَأَرْوِ بِهِ فِي مَوْقِفِ الْعَرْضِ عَلَيْكَ ظَمَأَ هَوَاجِرِنَا وَٱكْسُنَا بِهِ حُلَلَ ٱلأَمَانِ يَوْمَ الْفَزَعِ ٱلأَكْبَرِ فِي نُشُورِنَا، أَللّهُمَّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَٱجْبُرْ بِالْقُرْآنِ خَلَّتَنَا مِنْ عَدَمِ ٱلإِمْلاَقِ، وَسُقْ إِلَيْنَا بِهِ رَغَدَ الْعَيْشِ وَخِصْبَ سَعَةِ ٱلأَرْزَاقِ وَجَنِّبْنَا بِهِ ٱلضَّرَائِبَ الْمَذْمُومَةَ وَمَدَانِيَ ٱلأَخْلاَقِ،

ـــــــــــ

(وَٱجْمَعْ بِهِ) أي: بسبب القرآن (مُنْتَشَرَ أَمُورِنَا) أي: أمورنا المتشتتة التي تحتاج إلى الجمع فإن تشتت أمور الإنسان يوجب تبعثر قواه وتفرق فكره فلا يتمكن من العمل والتقدم (وَأَرْوِ) من الروي بمعنى الارتواء (بِهِ) أي: بالقرآن (فِي مَوْقِفِ الْعَرْضِ عَلَيْكَ) في الآخرة (ظَمَأَ) أي: عطش (هَوَاجِرِنَا) جمع هاجرة وهي الساعة الحارة، فالإسناد إلى الزمان مجازاً، وإلا فالظمأ للإنسان (وَٱكْسُنَا بِهِ) أي: بالقرآن (حُلَلَ ٱلأَمَانِ) كأن الأمان من المخاوف حلة يلبسها الإنسان (يَوْمَ الْفَزَعِ ٱلأَكْبَرِ) فإن الخوف في يوم القيامة أعظم من كل خوف (فِي نُشُورِنَا) أي: بعثنا (أَللّهُمَّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَٱجْبُرْ بِالْقُرْآنِ خَلَّتَنَا) أي: الثغرة الموجودة فينا (مِنْ عَدَمِ ٱلإِمْلاَقِ) الإملاق الفقر، وإضافة العدم إليه من باب البيان أي: الإملاق الذي هو عدم (وَسُقْ إِلَيْنَا بِهِ) بسبب القرآن (رَغَدَ الْعَيْشِ) أي: الواسع من العيش (وَخِصْبَ) مقابل الجدب بمعنى القحط (سَعَةِ ٱلأَرْزَاقِ) حتى تكون أرزاقنا واسعة (وَجَنِّبْنَا بِهِ) أي: بالقرآن (ٱلضَّرَائِبَ) جمع ضريبة بمعنى الطبيعة (الْمَذْمُومَةَ) كالجبن والبخل وما أشبه (وَمَدَانِيَ ٱلأَخْلاَقِ) أي: الأخلاق الدنيئة.

ـــــــــــ

وَٱعْصِمْنَا بِهِ مِنْ هُوَّةِ الْكُفْرِ وَدَوَاعِي ٱلنِّفَاقِ، حَتَّىٰ يَكُونَ لَنَا فِي الْقِيَامَةِ إِلَىٰ رِضْوَانِكَ وَجِنَانِكَ قَائِداً، وَلَنَا فِي ٱلدُّنْيَا عَنْ سَخَطِكَ وَتَعَدِّي حُدُودِكَ ذَائِداً، وَلِمَا عِنْدَكَ بِتَحْلِيلِ حَلاَلِهِ وَتَحْرِيمِ حَرَامِهِ شَاهِداً، أَللّهُمَّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَهَوِّنْ بِالْقُرْآنِ عِنْدَ الْمَوْتِ عَلَىٰ أَنْفُسِنَا كَرْبَ ٱلسِّيَاقِ وَجَهْدَ ٱلأَنِينِ،

ـــــــــــ

(وَٱعْصِمْنَا بِهِ) أي: بالقرآن (مِنْ هُوَّةِ الْكُفْرِ) الهوة المنخفض من الأرض وقد شبه بها الكفر لكونه ترد وانحطاطاً (وَدَوَاعِي ٱلنِّفَاقِ) أي: الصفات والأمور التي تدعو إلى النفاق، بأن لا نبتلي بما يوجب على الإنسان أن يكون منافقاً (حَتَّىٰ يَكُونَ) القرآن (لَنَا فِي الْقِيَامَةِ إِلَىٰ رِضْوَانِكَ وَجِنَانِكَ قَائِداً) يقودنا إلى رضاك وجنتك (وَلَنَا فِي ٱلدُّنْيَا عَنْ سَخَطِكَ) وغضبك (وَتَعَدِّي حُدُودِكَ) أي أحكامك (ذَائِداً) أي: مانعاً فلا نعمل ما يوجب غضبك (وَلِمَا عِنْدَكَ) متعلق (شاهداً) أي: يكون القرآن لنا شاهداً (بِتَحْلِيلِ حَلاَلِهِ وَتَحْرِيمِ حَرَامِهِ شَاهِداً) أي: يشهد بأن في الدنيا حللنا حلالك وحرمنا حرامك ولم نخالف أمرك (أَللّهُمَّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَهَوِّنْ بِالْقُرْآنِ) أي: سهل بسبب القرآن (عِنْدَ الْمَوْتِ عَلَىٰ أَنْفُسِنَا كَرْبَ ٱلسِّيَاقِ) السياق: حالة سوق المحتضر من الدنيا إلى الآخرة، وكربه همه وأتعابه (وَجَهْدَ ٱلأَنِينِ) حتى لا يوجب الأنين لنا جهداً ومشقة وتعباً.

ـــــــــــ

وَتَرَادُفَ الْحَشَارِجِ إِذَا بَلَغَتِ ٱلنُّفُوسُ ٱلتَّرَاقِي وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ؟ وَتَجَلَّىٰ مَلَكُ الْمَوْتِ لِقَبْضِهَا مِنْ حُجُبِ الْغُيُوبِ وَرَمَاهَا عَنْ قَوْسِ الْمَنَايَا بِأَسْهُمِ وَحْشَةِ الْفِرَاقِ وَدَافَ لَهَا مِنْ ذُعَافِ الْمَوْتِ كَأْساً مَسْمُوُمَةَ الْمَذَاقِ،

ـــــــــــ

(وَتَرَادُفَ الْحَشَارِجِ) جمع حشرجة: بمعنى الغرغرة عند الموت وتردد النفس، وترادفها ترددها ذهاباً وإياباً مما يوجب المشقة، أي: هون ذلك علينا (إِذَا بَلَغَتِ ٱلنُّفُوسُ ٱلتَّرَاقِي) جمع ترقوة: العظم المحيط بالرقبة، قال سبحانه: ﴿كلا إذا بلغت التراقي﴾ [5] فإنها أشد حالات المحتضر ﴿ وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ؟﴾ [6] أي: قالت الملائكة: من يرقى بروح هذا الميت إلى الملأ الأعلى، ومحل العرض للمحاكمة أمام الله تعالى؟ (وَتَجَلَّىٰ مَلَكُ الْمَوْتِ) أي: ظهر الملك الموكل بموت الإنسان (لِقَبْضِهَا) أي: أخذ النفوس من الأبدان (مِنْ حُجُبِ الْغُيُوبِ) متعلق بـ[تجلى] أي: ظهر من حجاب الغيب، فإنه غائب عن الأبصار كالمستتر بستر (وَرَمَاهَا) أي: رمى ملك الموت النفوس (عَنْ قَوْسِ الْمَنَايَا) أي: القوس التي يرمي بها الموت، منايا جمع منية بمعنى الموت (بِأَسْهُمِ وَحْشَةِ الْفِرَاقِ) أي: بالسهم الذي يوجب وحشة الإنسان بسبب فراقه لبدنه وأهله وسائر الأمور الدنيوية (وَدَافَ) دأف الدواء: إذا خلطه بالماء (لَهَا) أي: للنفوس، وفاعل داف ملك الموت (مِنْ ذُعَافِ الْمَوْتِ) أي: خالصه (كَأْساً مَسْمُوُمَةَ الْمَذَاقِ) أي: من ذوقها يوجب تسمم الإنسان.

ـــــــــــ

وَدَنا مِنَّا إِلَىٰ ٱلآخِرَةِ رَحِيلٌ وَٱنْطِلاَقٌ، وَصَارَتِ ٱلأَعْمَالُ قَلاَئِدَ فِي ٱلأَعْنَاقِ، وَكَانَتِ الْقُبُوُرُ هِيَ الْمَأْوَىٰ إِلَىٰ مِيقَاتِ يَوْمِ ٱلتَّلاَقِ، أَللّهُمَّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَبَارِكْ لَنَا فِي حُلُولِ دَارِ الْبِلَىٰ، وَطُولِ الْمُقَامَةِ بَيْنَ أَطْبَاقِ ٱلثَّرَىٰ، وَٱجْعَلِ الْقُبُوُرَ بَعْدَ فِرَاقِ ٱلدُّنْيَا خَيْرَ مَنَازِلِنَا، وَٱفْسَحْ لَنَا بِرَحْمَتِكَ فِي ضِيقِ مَلاَحِدِنَا،

ـــــــــــ

(وَدَنا) أي: قرب (مِنَّا إِلَىٰ ٱلآخِرَةِ رَحِيلٌ وَٱنْطِلاَقٌ) أي: أن نرحل وأن ننطلق (وَصَارَتِ ٱلأَعْمَالُ) التي عملناها في الدنيا (قَلاَئِدَ) أي: كالقلائد (فِي ٱلأَعْنَاقِ) فإن كانت خيراً زانتنا وإن كانت شراً شانتنا (وَكَانَتِ الْقُبُوُرُ هِيَ الْمَأْوَىٰ) أي: المحل الذي نأوي إليه ونتخذه منزلاً (إِلَىٰ مِيقَاتِ) أي: وقت (يَوْمِ ٱلتَّلاَقِ) أي: تلاقي الروح والجسد في الآخرة، حيث يحيى الناس للعرض الأكبر (أَللّهُمَّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَبَارِكْ لَنَا فِي حُلُولِ) أي: حلولنا (دَارِ الْبِلَىٰ) أي: الفناء، والمباركة بمعنى الثبات في الخير (وَطُولِ الْمُقَامَةِ) أي: الإقامة والبقاء (بَيْنَ أَطْبَاقِ ٱلثَّرَىٰ) أطباق جمع طبق (وَٱجْعَلِ الْقُبُوُرَ بَعْدَ فِرَاقِ ٱلدُّنْيَا) أي: مفارقتنا للدنيا (خَيْرَ مَنَازِلِنَا) فإن حسن المنزل الأول للمسافر الغريب أفضل من حسن المنازل الأخر لاستيناس الإنسان بالسفر بعد ذلك (وَٱفْسَحْ لَنَا بِرَحْمَتِكَ فِي ضِيقِ مَلاَحِدِنَا) اللحد: هو الشق في القبر الذي يوضع فيه الميت، والمراد فسحته المعنوية.

ـــــــــــ

وَلاَ تَفْضَحْنَا فِي حَاضِرِي الْقِيَامَةِ بِمُوبِقَاتِ آثَامِنَا، وَٱرْحَمْ بِالْقُرْآنِ فِي مَوْقِفِ الْعَرْضِ عَلَيْكَ ذُلَّ مَقَامِنَا، وَثَبِّتْ عِنْدَ ٱضْطِرَابِ جِسْرِ جَهَنَّمَ يَوْمَ الْمَجَازِ عَلَيْهَا زَلَلَ أَقْدَامِنَا، وَنَوِّرْ بِهِ قَبْلَ الْبَعْثِ سَدْفَ قُبُورِنَا، وَنَجِّنَا بِهِ مِنْ كُلِّ كَرْبٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشَدَائِدِ أَهْوَالِ يَوْمِ ٱلطَّامَّةِ، وَبَيِّضْ وُجُوهَنَا يَوْمَ تَسْوَدُّ وُجُوهُ ٱلظَّلَمَةِ فِي يَوْمِ الْحَسْرَةِ وٱلنَّدَامَةِ،

ـــــــــــ

(وَلاَ تَفْضَحْنَا فِي حَاضِرِي الْقِيَامَةِ) أي: الذين يحضرون القيامة (بِمُوبِقَاتِ آثَامِنَا) الموبقة المهلكة، وآثام هي الذنوب التي يرتكبها الإنسان (وَٱرْحَمْ بـ) سبب (الْقُرْآنِ فِي مَوْقِفِ الْعَرْضِ عَلَيْكَ) أي: المحل الذي نعرض عليك لأجل المحاسبة والمجازاة (ذُلَّ مَقَامِنَا) فإن الإنسان هناك ذليل خائف (وَثَبِّتْ) أي: بسبب القرآن (عِنْدَ ٱضْطِرَابِ جِسْرِ جَهَنَّمَ) الذي هو بين المحشر وبين الجنة، ممدود على جهنم يسقط منه الأثيم إلى النار وينجو المؤمن المطيع (يَوْمَ الْمَجَازِ عَلَيْهَا) أي: العبور على النار (زَلَلَ أَقْدَامِنَا) حتى لا نزل ولا نسقط (وَنَوِّرْ بِهِ) أي: بالقرآن (قَبْلَ الْبَعْثِ) أي: قبل أن تقوم القيامة (سَدْفَ قُبُورِنَا) أي: ظلمة قبورنا (وَنَجِّنَا بِهِ) أي: بالقرآن (مِنْ كُلِّ كَرْبٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) فإن للقيامة كرباً كثيرة (وَشَدَائِدِ أَهْوَالِ يَوْمِ ٱلطَّامَّةِ) من طم بمعنى علا، لأنه يعلُ الإنسان بشدائده وأهواله (وَبَيِّضْ وُجُوهَنَا يَوْمَ تَسْوَدُّ وُجُوهُ ٱلظَّلَمَةِ) جمع ظالم، فإن المخاوف والغبار وما أشبه توجب اسوداد الوجه، بخلاف الأفراح والنظافة وما أشبه فإنها توجب ابيضاض الوجه (فِي يَوْمِ الْحَسْرَةِ) فإن الإنسان يتحسر الإنسان لماذا لم يفعل بالطاعات (وٱلنَّدَامَةِ) فإن الإنسان يندم لما فات منه من الخير الذي لا يمكن تداركه.

ـــــــــــ

وَٱجْعَلْ لَنَا فِي صُدُورِ الْمُؤْمِنِينَ وُدَّاً وَلاَ تَجْعَلِ الْحَيَاةَ عَلَيْنَا نَكَدَاً، أَللّهُمَّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ كَمَا بَلَّغَ رِسَالَتَكَ، وَصَدَعَ بِأَمْرِكَ وَنَصَحَ لِعِبَادِكَ، أَللّهُمَّ ٱجْعَلْ نَبِيَّنَا صَلَوَِاتُكَ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَقْرَبَ ٱلنَّبِيِّينَ مِنْكَ مَجْلِساً، وَأَمْكَنَهُمْ مِنْكَ شَفَاعَةً، وَأَجَلَّهُمْ عِنْدَكَ قَدْراً، وَأَوْجَهَهُمْ عِنْدَكَ جَاهاً،

ـــــــــــ

(وَٱجْعَلْ لَنَا فِي صُدُورِ الْمُؤْمِنِينَ وُدَّاً) أي: حباً بأن يحبوننا (وَلاَ تَجْعَلِ الْحَيَاةَ عَلَيْنَا نَكَدَاً) أي: صعباً (أَللّهُمَّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ) لعل تقديم العبد لمقابلة ما يزعم اليهود والنصارى من أن أنبياءهم أبناء الله وشركاء له (كَمَا بَلَّغَ رِسَالَتَكَ) أي: في مقابل تبليغه لدينك (وَصَدَعَ بِأَمْرِكَ) أي: قام بإنفاذه (وَنَصَحَ لِعِبَادِكَ) وأرشدهم (أَللّهُمَّ ٱجْعَلْ نَبِيَّنَا صَلَوَِاتُكَ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَقْرَبَ ٱلنَّبِيِّينَ مِنْكَ مَجْلِساً) المراد: القرب المعنوي وإلا فإنه سبحانه ليس بجسم، وهذا من باب تشبيه المعقول بالمحسوس (وَأَمْكَنَهُمْ مِنْكَ شَفَاعَةً) بأن يكون أكثر تمكناً من شفاعة المذنبين لديك فتقبل شفاعته (وَأَجَلَّهُمْ عِنْدَكَ قَدْراً) بأن يكون أرفع شأناً من سائرهم (وَأَوْجَهَهُمْ عِنْدَكَ جَاهاً) أي: مقاماً ومنزلة.

ـــــــــــ

أَللّهُمَّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَشَرِّفْ بُنْيَانَهُ، وَعَظِّمْ بُرْهَانَهُ، وَثَقِّلْ مِيزَانَهُ، وَتَقَبَّلْ شَفَاعَتَهُ، وَقَرِّبْ وَسِيلَتَهُ، وَبَيِّضْ وَجْهَهُ وَأَتِمَّ نُورَهُ، وَٱرْفَعْ دَرَجَتَهُ، وَأَحْيِنَا عَلَىٰ سُنَّتِهِ، وَتَوَفَّنَا عَلَىٰ مِلَّتِهِ، وَخُذْ بِنَا مِنْهَاجَهُ، وَٱسْلُكْ بِنَا سَبِيلَهُ، وَٱجْعَلْنَا مِنْ أَهْلِ طَاعَتِهِ، وَٱحْشُرْنَا فِي زُمْرَتِهِ، وَأَوْرِدْنَا حَوْضَهُ، وَٱسْقِنَا بِكَأْسِهِ،

ـــــــــــ

(أَللّهُمَّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَشَرِّفْ بُنْيَانَهُ) أي: بنائه، وكأن المراد بذلك دينه الذي بناه، وتشريفه تعظيمه وجعله شريفاً (وَعَظِّمْ بُرْهَانَهُ) حتى يكون دليله وحجته عظيماً لا يتمكن أحد من نقضه (وَثَقِّلْ مِيزَانَهُ) بالحسنات (وَتَقَبَّلْ شَفَاعَتَهُ) بأن تعفو عمن شفع صلى الله عليه وآله له (وَقَرِّبْ وَسِيلَتَهُ) حتى يكون السبب الذي بينك وبينه أقرب من سائر الأسباب (وَبَيِّضْ وَجْهَهُ) كناية عن إعطائه ما يريد حتى يسر ويفرح (وَأَتِمَّ نُورَهُ) بأن يبلغ أقصى الحد الممكن (وَٱرْفَعْ دَرَجَتَهُ) في الجنة، وفي رضوانك (وَأَحْيِنَا عَلَىٰ سُنَّتِهِ) أي: طريقته ودينه (وَتَوَفَّنَا) أي: أمتنا (عَلَىٰ مِلَّتِهِ) أي: دينه وطريقته (وَخُذْ بِنَا مِنْهَاجَهُ) بأن نسير في النهج الذي جعله (وَٱسْلُكْ بِنَا سَبِيلَهُ) بأن توفقنا لأن نسلك في الطريق الذي قرره وهو الإسلام (وَٱجْعَلْنَا مِنْ أَهْلِ طَاعَتِهِ) فنكون مطيعين لأوامره (وَٱحْشُرْنَا فِي زُمْرَتِهِ) أي: جماعته، والحشر: الجمع يوم القيامة (وَأَوْرِدْنَا حَوْضَهُ) هو حوض الكوثر الذي مَن شرب منه ارتوى من عطش يوم القيامة (وَٱسْقِنَا بِكَأْسِهِ) أي: الكأس التي يملأها، وهذا كناية عن كوننا من أمته وتحت لوائه.

ـــــــــــ

أَللّهُمَّ وَصَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ صَلاَةً تُبَلِّغُهُ بِهَا أَفْضَلَ مَا يَأْمُلُ مِنْ خَيْرِكَ وَفَضْلِكَ وَكَرَامَتِكَ، إِنَّكَ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ، وَفَضْلٍ كَرِيمٍ، أَللّهُمَّ ٱجْزِهِ بِمَا بَلَّغَ مِنْ رِسَالاَتِكَ، وَأَدَّىٰ مِنْ آيَاتِكَ، وَنَصَحَ لِعِبَادِكَ، وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِكَ، أَفْضَلَ مَا جَزَيْتَ أَحَداً مِنْ مَلاَئِكَتِكَ الْمُقَرَّبِينَ، وَأَنْبِيَائِكَ الْمُرْسَلِينَ الْمُصْطَفَيْنَ وَٱلسَّلاَمُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ ٱلطَّيِّبيِنَ ٱلطَّاهِرِينَ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.

ـــــــــــ

(أَللّهُمَّ وَصَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ صَلاَةً تُبَلِّغُهُ بِهَا) أي: بسبب تلك الصلاة والرحمة منك إليه (أَفْضَلَ مَا يَأْمُلُ) الرسول صلى الله عليه وآله (مِنْ خَيْرِكَ وَفَضْلِكَ وَكَرَامَتِكَ) له (إِنَّكَ) يا رب (ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ) تسع كل ما تريد (وَفَضْلٍ كَرِيمٍ) يوجب كرامة الإنسان الذي تفضلت عليه (أَللّهُمَّ ٱجْزِهِ) أي: الرسول صلى الله عليه وآله (بِـ) مقابل (مَا بَلَّغَ مِنْ رِسَالاَتِكَ) فإن كل حكم رسالة (وَأَدَّىٰ) أي: جاء إلى الناس (مِنْ آيَاتِكَ) آيات القرآن، أو الأدلة الدالة عليه تعالى (وَنَصَحَ لِعِبَادِكَ) بأن أرشدهم (وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِكَ) ولإعلاء دينك (أَفْضَلَ مَا جَزَيْتَ أَحَداً مِنْ مَلاَئِكَتِكَ الْمُقَرَّبِينَ) الذين لهم القرب لديك (وَأَنْبِيَائِكَ الْمُرْسَلِينَ الْمُصْطَفَيْنَ) أي: الذين اصطفيتهم واخترتهم (وَٱلسَّلاَمُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ ٱلطَّيِّبيِنَ) عن الخبائث (ٱلطَّاهِرِينَ) عن الأقذار (وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ) عليه وعلى آله.

ـــــــــــ

[1]  ـ سورة البقرة، آية: 143.

[2]  ـ سورة آل عمران، آية: 7.

[3]  ـ سورة الإسراء، آية: 36.

[4]  ـ سورة الحشر، آية: 21.

[5]  ـ سورة القيامة، آية: 26.

[6]  ـ إشارة إلى سورة القيامة، آية: 27.