أفضل المواقع الشيعية

دعاء في وداع شهر رمضان

 
السجادية

الدعاء مطابق للمصدر

الصحيفة
 

وكان من دعائه (عليه السلام) في وداع شهر رمضان:

أَللّهُمَّ يَا مَنْ لاَ يَرْغَبُ فِي الْجَزَاءِ، وَلاَ يَنْدَمُ عَلَىٰ الْعَطَاءِ، وَيَا مَنْ لاَ يُكَافِئُ عَبْدَهُ عَلَىٰ ٱلسَّوَاءِ، مِنَّتُكَ ٱبْتِدَاءٌ، وَعَفْوُكَ تَفَضُّلٌ، وَعُقُوبَتُكَ عَدْلٌ، وَقَضَاؤُكَ خِيَرَةٌ، إِنْ أَعْطَيْتَ لَمْ تَشُبْ عَطَاءَكَ بِمَنٍّ،

ـــــــــــ

الشرح: (أَللّهُمَّ يَا مَنْ لاَ يَرْغَبُ فِي الْجَزَاءِ) فإنه سبحانه لا يعطي أحداً شيئاً ليجزيه بعد ذلك، إذ هو غني عن كل شيء (وَلاَ يَنْدَمُ عَلَىٰ الْعَطَاءِ) فإذا أعطى أحداً شيئاً لا يندم بعد ذلك لِمَ أعطاه، كما قد يكون المخلوق كذلك (وَيَا مَنْ لاَ يُكَافِئُ عَبْدَهُ عَلَىٰ ٱلسَّوَاءِ) فإنه لا يعامل المجرمين بالعدل بل الإحسان، كما لا يعامل المحسنين إلا بأزيد من إحسانهم (مِنَّتُكَ) أي: عطائك (ٱبْتِدَاءٌ) فإنك تبتدئ بالإحسان إلى الناس (وَعَفْوُكَ تَفَضُّلٌ) إذ لا يستحق المجرم العفو (وَعُقُوبَتُكَ عَدْلٌ) إذ لا تعاقب أكثر من الاستحقاق (وَقَضَاؤُكَ خِيَرَةٌ) أي: حكمك باختيار وإرادة لا أنه مجبور كما يقول بعض الفلاسفة من أن صدور الأفعال منه سبحانه كصدور الحرارة من النار (إِنْ أَعْطَيْتَ لَمْ تَشُبْ) من شاب يشوب بمعنى خلط (عَطَاءَكَ بِمَنٍّ) فإن الله لا يمن في عطائه، بل يعطي تفضلاً.

ـــــــــــ

وَإنْ مَنَعْتَ لَمْ يَكُنْ مَنْعُكَ تَعَدِّياً، تَشْكُرُ مَنْ شَكَرَكَ وَأَنْتَ أَلْهَمْتَهُ شُكْرَكَ، وَتُكَافِئُ مَنْ حَمِدَكَ وَأَنْتَ عَلَّمْتَهُ حَمْدَكَ، تَسْتُرُ عَلَىٰ مَنْ لَوْ شِئْتَ فَضَحْتَهُ، وَتَجُودُ عَلَىٰ مَنْ لَوْ شِئْتَ مَنَعْتَهُ، وَكِلاَهُمَا أَهْلٌ مِنْكَ لِلْفَضِيحَةِ وَالْمَنْعِ، غَيْرَ أَنَّكَ بَنَيْتَ أَفْعَالَكَ عَلَىٰ التَّفَضُّلِ، وَأَجْرَيْتَ قُدْرَتَكَ عَلَىٰ ٱلتَّجَاوُزِ، وَتَلَقَّيْتَ مَنْ عَصَاكَ بِالْحِلْمِ،

ـــــــــــ

(وَإنْ مَنَعْتَ لَمْ يَكُنْ مَنْعُكَ تَعَدِّياً) وإنما منعك عن مصلحة (تَشْكُرُ مَنْ شَكَرَكَ) وشكره سبحانه رضاه عن الشاكر وإعطائه النعمة والجزاء (وَ) الحال (أَنْتَ أَلْهَمْتَهُ شُكْرَكَ) إذ الفضائل إنما بإلهام الله تعالى (وَتُكَافِئُ مَنْ حَمِدَكَ) أي: تعطي النعمة لمن حمدك (وَ) الحال (أَنْتَ عَلَّمْتَهُ حَمْدَكَ) فإن حمد الإنسان لله تعالى إنما هو بتعليمه تعالى (تَسْتُرُ عَلَىٰ مَنْ لَوْ شِئْتَ فَضَحْتَهُ) وأشهرت عصيانه وعيبه (وَتَجُودُ عَلَىٰ مَنْ لَوْ شِئْتَ مَنَعْتَهُ) فلست أنت مجبور في الستر والجود، وإنما تفعل ذلك تفضلاً وإحساناً (وَكِلاَهُمَا) الذي تستره وتجود عليه (أَهْلٌ مِنْكَ لِلْفَضِيحَةِ وَالْمَنْعِ) لأن المذنب أهل للفضيحة، والإنسان أهل للمنع بشتى أعماله (غَيْرَ أَنَّكَ بَنَيْتَ أَفْعَالَكَ عَلَىٰ التَّفَضُّلِ) لا على العدل (وَأَجْرَيْتَ قُدْرَتَكَ عَلَىٰ ٱلتَّجَاوُزِ) عن المذنبين (وَتَلَقَّيْتَ مَنْ عَصَاكَ بِالْحِلْمِ) أي: تلاقيهم بالحلم عنهم وعدم عقوبتهم.

ـــــــــــ

وَأَمْهَلْتَ مَنْ قَصَدَ لِنَفْسِهِ بِٱلظُّلْمِ، تَسْتَنْظِرُهُمْ بِأَنَاتِكَ إِلَىٰ ٱلإِنَابَةِ، وَتَتْرُكُ مُعَاجَلَتَهُمْ إِلَىٰ ٱلتَّوْبَةِ، لِكَيْلاَ يَهْلِكَ عَلَيْكَ هَالِكُهُمْ، وَلاَ يَشْقَىٰ بِنِعْمَتِكَ شَقِيُّهُمْ إِلاَّ عَنْ طُولِ الإعْذَارِ إِلَيْهِ، وَبَعْدَ تَرَادُفِ الْحُجَّةِ عَليْهِ، كَرَماً مِنْ عَفْوِكَ يَا كَرِيمُ،

 

ـــــــــــ

(وَأَمْهَلْتَ مَنْ قَصَدَ لِنَفْسِهِ بِٱلظُّلْمِ) بالظلم متعلق بقصد، أي: تعطي المهلة ولا تعاجل بها بالعقوبة من قصد بالظلم لنفسه، إذ كل ذنب ظلم لنفس الإنسان المذنب، وكان الخطاب باعتبار انتهاء عمل العبد إليه سبحانه حيث إنه المجزي والمحاسب (تَسْتَنْظِرُهُمْ بِأَنَاتِكَ إِلَىٰ ٱلإِنَابَةِ) الأناة: الحلم، فإن حلمه سبحانه كثيراً ما ينتهي إلى توبة المسيء (وَتَتْرُكُ مُعَاجَلَتَهُمْ) إذ لا تعاجلهم بالعقوبة وهذا الترك ينتهي (إِلَىٰ ٱلتَّوْبَةِ) من المذنبين (لِكَيْلاَ يَهْلِكَ عَلَيْكَ) أي: على يديك ومن جهتك (هَالِكُهُمْ) فإن الهلاك والعذاب إنما يكون بسببهم حيث أذنبوا أولاً ثم لم يتوبوا مع الإمهال ثانياً (وَلاَ يَشْقَىٰ بِنِعْمَتِكَ شَقِيُّهُمْ) أي: لا يشقى الذي يشقى بسببك وإنما يشقى بخبث باطنه إذ أنت أمهلت له حتى يسعد لكنه تحرك شقاوة وخبثاً (إِلاَّ عَنْ طُولِ الإعْذَارِ إِلَيْهِ) بأن أعذرت إليه إعذاراً طويلاً حيث بينت له أولاً ثم لم تعاجله ثانياً، فالشقاوة والهلاك بعد طول الإعذار يقال: أعذر إليه، إذا هدده وبين له ثم لم يرعو وتمادى في غيه (وَبَعْدَ تَرَادُفِ الْحُجَّةِ عَليْهِ) وذكر حجة بعد حجة، كل ذلك ولم يقبل (كَرَماً مِنْ عَفْوِكَ يَا كَرِيمُ) تفعل ذلك الإعذار وإتمام الحجة بالنسبة إلى المجرمين.

ـــــــــــ

وَعائِدَةً مِنْ عَطْفِكَ يَا حَلِيمُ، أَنْتَ ٱلَّذِي فَتَحْتَ لِعِبَادِكَ بَاباً إلَىٰ عَفْوِكَ، وَسَمَّيْتَهُ ٱلتَّوْبَةَ، وَجَعَلْتَ عَلَىٰ ذَلِكَ الْبَابِ دَلِيلاً مِنْ وَحْيِكَ لِئَلاَّ يَضِلُّوا عَنْهُ، فَقُلْتَ تَبَارَكَ ٱسْمُكَ: ﴿تُوبوُا إِلَىٰ اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ، يَوْمَ لاَ يُخْزِيَ اللهُ ٱلنَّبِيَّ وَٱلَّذِينَ آمَنوُا مَعَهُ، نُوُرُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ، يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُوْرَنَا وَٱغْفِرْ لَنَا، إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾،

ـــــــــــ

(وَعائِدَةً) أي: صلة (مِنْ عَطْفِكَ يَا حَلِيمُ) لا باستحقاق المجرم لذلك الإمهال والحلم (أَنْتَ ٱلَّذِي فَتَحْتَ لِعِبَادِكَ بَاباً إلَىٰ عَفْوِكَ، وَسَمَّيْتَهُ ٱلتَّوْبَةَ) إذ من تاب دخل في عفوه سبحانه، فكأنها باب إلى عفوه (وَجَعَلْتَ عَلَىٰ ذَلِكَ الْبَابِ) الذي هو التوبة (دَلِيلاً مِنْ وَحْيِكَ) إذ الوحي أرشد الناس المذنبين إلى إمكان دخولهم في عفوه سبحانه (لِئَلاَّ يَضِلُّوا عَنْهُ) أي: عن ذلك الباب، إذا لم يعرفوه (فَقُلْتَ تَبَارَكَ ٱسْمُكَ) تبارك أي: دام وثبت، والمراد بالاسم الذات ﴿تُوبوُا إِلَىٰ اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً﴾ وهي التوبة التي لا رجوع عنها ﴿عَسَىٰ رَبُّكُمْ﴾ أي: لعله سبحانه ﴿أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾ تكفير السيئة: إزالتها ومحوها، والإتيان بكلمة [عسى] لإفادة أن قبول التوبة ليس واجباً ﴿وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ﴾ أي: من تحت أشجارها وقصورها، وذلك في ﴿يَوْمَ لاَ يُخْزِيَ اللهُ ٱلنَّبِيَّ وَٱلَّذِينَ آمَنوُا مَعَهُ﴾ بأن يتركهم وشأنهم ولا ينصرهم في أهوال القيامة ﴿نُوُرُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ [1] أي: قدامهم ﴿وَبِأَيْمَانِهِمْ﴾ أي: من طرف يمينهم، فإن عرصة القيامة مظلمة والعلماء لهم نور في وجوههم يضيء قدامهم وفي أيمانهم من الكتاب الذي أعطوا بيمينهم يضيء طرف يمينهم ﴿يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُوْرَنَا﴾ إما بمعنى إزادته، وإما بمعنى إيصاله إلى نور الجنة بإدخالهم فيها ﴿وَٱغْفِرْ لَنَا﴾ أي: استر ذنوبنا، ومن المعصومين على نحو الخضوع، إذ لا ذنوب لهم ﴿إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [2] أقدر على إتمام نورنا والمغفرة لنا.

ـــــــــــ

فَمَا عُذْرُ مَنْ أَغْفَلَ دُخُولَ ذَلِكَ الْمَنْزِلِ بَعْدَ فَتْحِ الْبَابِ وَإقَامَةِ ٱلدَّليِلِ، وَأَنْتَ ٱلَّذِي زِدْتَ فِي ٱلسَّوْمِ عَلَىٰ نَفْسِكَ لِعِبَادِكَ، تُرِيدُ رِبْحَهُمْ فِي مُتَاجَرَتِهِمْ لَكَ، وَفَوْزَهُمْ بِالْوِفَادَةِ عَلَيْكَ وَٱلزِّيَادَةِ مِنْكَ،

ـــــــــــ

(فَمَا عُذْرُ مَنْ أَغْفَلَ) أي: ترك (دُخُولَ ذَلِكَ الْمَنْزِلِ) وهو عفوك (بَعْدَ فَتْحِ الْبَابِ) أي: باب التوبة، وهذا على سبيل الاستفهام الإنكاري أي: لا عذر لأحد بترك التوبة (وَإقَامَةِ ٱلدَّليِلِ) أي: بعد أن أقمت الدليل على أنك فتحت باب التوبة بالوحي، كما تقدم (وَأَنْتَ) يا رب (ٱلَّذِي زِدْتَ فِي ٱلسَّوْمِ) المساومة المجاذبة بين البائع والمشتري على السلعة (عَلَىٰ نَفْسِكَ لِعِبَادِكَ) بأن جعلت للأعمال القليلة التي يأتون بها أرباحاً كثيرة (تُرِيدُ رِبْحَهُمْ فِي مُتَاجَرَتِهِمْ) تجارة أخروية، وهذا بخلاف سائر المتعاملين فإن كلاً منهم يريد الربح لنفسه لا لطرفه (لَكَ) أي: المتاجرة التي هي بينهم وبينك (و) تريد (فَوْزَهُمْ بِالْوِفَادَةِ عَلَيْكَ) أي: تريد أن يفوزوا بالثواب عند وفادتهم أي: نزولهم عليك في الآخرة (وَ) بـ (ٱلزِّيَادَةِ مِنْكَ) بأن تزيدهم على الثمن الحقيقي لأعمالهم.

ـــــــــــ

فَقُلْتَ تَبَارَكَ ٱسْمُكَ وَتَعَالَيْتَ: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا، وَمَنْ جَاءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَىٰ إِلاَّ مِثْلَهَا﴾، وَقُلْتَ: ﴿مَثَلُ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مَائَةُ حَبَّةٍ، وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ وَقُلْتَ ﴿مَنْ ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعافَاً كَثِيرَةً﴾،

ـــــــــــ

(فَقُلْتَ تَبَارَكَ ٱسْمُكَ) أي: دام وثبت ذاتك (وَتَعَالَيْتَ) أي: ارتفعت ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا﴾ أي: يعطى عشر أمثالها ﴿وَمَنْ جَاءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَىٰ إِلاَّ مِثْلَهَا [3] سيئة واحد وَقُلْتَ ﴿مَثَلُ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ والمراد مطلق السبل صدقة أم زكاة أم خمساً أم حجاً أم جهاداً أو إعانة المشاريع الخيرية أم ما أشبه ذلك ﴿كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ﴾ جمع سنبلة: وهي العودة التي عليها الحب ﴿فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مَائَةُ حَبَّةٍ﴾ من الحنطة أو الشعير أو ما أشبه، فالواحد يكون في قبال سبعمائة ﴿وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [4] فيعطي بإزاء حسنة واحدة أكثر من سبعمائة حسنة وَقُلْتَ ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً﴾ كأن المال للإنسان، وأن إعطائه في سبيل الله قرض له تعالى يستحق المعطي العوض، وكأن المراد بالقرض الحسن: الذي ليس فيه رياء وسمعة ومنة وما أشبه من مبطلات القرض ﴿فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعافَاً كَثِيرَةً [5] في الآخرة.

ـــــــــــ

وَمَا أَنْزَلْتَ مِنْ نَظَائِرِهِنَّ فِي الْقُرْآنِ مِنْ تَضَاعِيفِ الْحَسَنَاتِ، وَأَنْتَ ٱلَّذِي دَلَلْتَهُمْ بِقَوْلِكَ مِنْ غَيْبِكَ وَتَرْغِيبِكَ ٱلَّذِي فِيهِ حَظُّهُمْ عَلَىٰ مَا لَوْ سَتَرْتَهُ عَنْهُمْ لَمْ تُدْرِكْهُ أَبْصَارُهُمْ وَلَمْ تَعِهِ أَسْمَاعُهُمْ، وَلَمْ تَلْحَقْهُ أَوْهَامُهُمْ، فَقُلْتَ: ﴿ٱذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ، وَٱشْكُرُوا لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ﴾ وَقُلْتَ: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾،

ـــــــــــ

(وَمَا أَنْزَلْتَ مِنْ نَظَائِرِهِنَّ) أي: أمثال هذه الآيات (فِي الْقُرْآنِ) الحكيم كقوله سبحانه: ﴿وإن تك حسنة يضاعفها﴾ [6] وقوله: ﴿من جاء بالحسنة فله خير منها﴾ [7] إلى غيرهما (مِنْ تَضَاعِيفِ الْحَسَنَاتِ) أي: جعلها أضعافاً وإعطائها للإنسان المحسن (وَأَنْتَ) يا رب (ٱلَّذِي دَلَلْتَهُمْ) إلى رحمتك وفضلك (بِقَوْلِكَ مِنْ غَيْبِكَ) أي: الغيب الذي أنت تعلمه ولم يكن أحد يعلمه سواك (وَتَرْغِيبِكَ ٱلَّذِي فِيهِ) أي: في ذلك الترغيب (حَظُّهُمْ) نصيبهم (عَلَىٰ مَا لَوْ سَتَرْتَهُ عَنْهُمْ لَمْ تُدْرِكْهُ أَبْصَارُهُمْ) [على] متعلق بترغيبك فإنه سبحانه لو ستر الثواب وشبهه عن الناس لم تدرك ذلك أبصارهم حتى يأتوا بسببه وينالوه (وَلَمْ تَعِهِ أَسْمَاعُهُمْ) من وعى يعي: بمعنى اشتمل (وَلَمْ تَلْحَقْهُ أَوْهَامُهُمْ) فإن الوهم إنما يدرك ما هو من جنس المحسوسات، أما الشيء الخارج عنها فلا يدركه (فَقُلْتَ)  ﴿اذْكُرُونِي﴾ بالطاعة ﴿أَذْكُرْكُمْ﴾ بالثواب والجزاء ﴿وَٱشْكُرُوا لِي﴾ باللسان والجوارح والجوانح ﴿وَلاَ تَكْفُرُونِ [8] فإن الكفران يوجب ذهاب النعمة (وَقُلْتَ) ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ﴾ في النعم ﴿وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ﴾ ولم تشكروا فإن الكفر في مثل هذه الأماكن يراد به الكفر العملي كقوله تعالى: ﴿ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين﴾ [9] وهذا بخلاف الكفر الاعتقادي الذي هو في الأصول ﴿إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [10] هذا كناية عن تعذيبهم بالعذاب الشديد.

ـــــــــــ

وَقُلْتَ: ﴿ٱدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾، فَسَمَّيْتَ دُعَاءَكَ عِبَادَةً، وَتَرْكَهُ ٱسْتِكْبَاراً، وَتَوَعَّدْتَ عَلَىٰ تَرْكِهِ دُخُولَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ، فَذَكَرُوكَ بِمَنِّكَ وَشَكَرُوكَ بِفَضْلِكَ،

ـــــــــــ

(وَقُلْتَ) ﴿ ٱدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ ومن المعلوم أن الدعاء كالدواء مقتض، والمقتضي إنما يؤثر إذا تجمعت الشرائط معه ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي﴾ وحيث إن الدعاء من مصاديق العبادة جيء بالكلية المذكورة (إن اللذين) إفادة لما يترتب على ترك الدعاء إذا كان عن استكبار ﴿ سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [11] أي: في حال كونهم أذلاء، من دخر: بمعنى ذل (فَسَمَّيْتَ دُعَاءَكَ) إضافة إلى المفعول، أي: دعاء الداعي لك (عِبَادَةً، وَتَرْكَهُ ٱسْتِكْبَاراً) وتأنفاً من أن يتواضع الداعي لله تعالى، وإلا فلم لا يدعو (وَتَوَعَّدْتَ) هو الوعد بالشيء (عَلَىٰ تَرْكِهِ دُخُولَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) أذلاء، كل ذلك أنت دللت الناس عليها ولولا دلالتك لم يعرفوا (فَذَكَرُوكَ بِمَنِّكَ) أي: بلطفك وإحسانك الذي دللتهم على ذكرك (وَشَكَرُوكَ بِفَضْلِكَ) حيث أرشدتهم على لزوم شكرك.

ـــــــــــ

وَدَعَوْكَ بِأَمْرِكَ، وَتَصَدَّقُوا لَكَ طَلَباً لِمَزِيدِكَ وَفِيهَا كَانَتْ نَجَاتُهُمْ مِنْ غَضَبِكَ وَفَوْزُهُمْ بِرِضَاكَ، وَلَوْ دَلَّ مَخْلُوقٌ مَخْلُوقاً مِنْ نَفْسِهِ عَلَىٰ مِثْلِ ٱلَّذِي دَلَلْتَ عَلَيْهِ عِبَادَكَ مِنْكَ كَانَ مَحْمُوداً مَوْصُوفاً بِٱلإِحْسَانِ، وَمَنْعُوتاً بِٱلإِمْتِنَانِ، وَمَحْمُوداً بِكُلِّ لِسَانٍ،

ـــــــــــ

(وَدَعَوْكَ بِأَمْرِكَ) لهم بدعائك لهم في قولك ادعوني أستجب لكم (وَتَصَدَّقُوا لَكَ طَلَباً لِمَزِيدِكَ) فإن الإنسان إذا أعطى الصدقة لله سبحانه زاده الله مالاً قال سبحانه عن لسان أخوة يوسف: ﴿إن الله يجزي المتصدقين﴾ (وَفِيهَا) أي: في تلك الطاعات التي تقدمت (كَانَتْ نَجَاتُهُمْ مِنْ غَضَبِكَ) فإنه سبحانه لا يغضب على من أطاع وتعبد (وَفَوْزُهُمْ بِرِضَاكَ) أي: أن يفوزوا ويحصلوا على رضاك (وَلَوْ دَلَّ مَخْلُوقٌ مَخْلُوقاً مِنْ نَفْسِهِ) بأن بيّن الدال صفات نفسه لغيره (عَلَىٰ مِثْلِ ٱلَّذِي دَلَلْتَ عَلَيْهِ عِبَادَكَ مِنْكَ) بأن كان في ذلك المخلوق الدال صفات تشبه صفاتك في العفو واستجابة الدعاء وما أشبه، ثم دل الناس على نفسه (كَانَ مَحْمُوداً مَوْصُوفاً بِٱلإِحْسَانِ) يعني: ذلك المخلوق (وَمَنْعُوتاً) أي: موصوفاً (بِٱلإِمْتِنَانِ، وَمَحْمُوداً بِكُلِّ لِسَانٍ) فكيف بك وأنت إله عظيم الشأن، إذ الدلالة من الكبير للصغير أكثر وقعاً من دلالة الصغير على مثله.

ـــــــــــ

فَلَكَ الْحَمْدُ مَا وُجِدَ فِي حَمْدِكَ مَذْهَبٌ وَمَا بَقِيَ لِلْحَمْدِ لَفْظٌ تُحْمَدُ بِهِ، وَمَعْنىً يَنْصَرِفُ إِلَيْهِ، يَا مَنْ تَحَمَّدَ إِلَىٰ عِبَادِهِ بِٱلإِحْسَانِ وَالْفَضْلِ، وَغَمَرَهُمْ بِالْمَنِّ وَٱلطَّوْلِ، مَا أَفْشَىٰ فِينَا نِعْمَتَكَ، وَأَسْبَغَ عَلَيْنَا مِنَّتَكَ، وَأَخَصَّنَا بِبِرِّكَ!، هَدَيْتَنَا لِدِينِكَ ٱلَّذِي ٱصْطَفَيْتَ وَمِلَّتِكَ ٱلَّتِي ٱرْتَضَيْتَ وَسَبِيلِكَ ٱلَّذِي سَهَّلْتَ، وَبَصَّرْتَنَا ٱلزُّلْفَةَ لَدَيْكَ، وَالْوُصُولَ إِلَىٰ كَرَامَتِكَ،

ـــــــــــ

(فَلَكَ) يا رب (الْحَمْدُ) على هذه النعم الجسام، والدلالات العظيمة (مَا وُجِدَ فِي حَمْدِكَ مَذْهَبٌ) أي: ما دام هناك طريق لحمدك، وهذا كناية عن كثرة حمد الحامد له سبحانه إذ لا يمكن لحمده أن ينقطع (وَمَا بَقِيَ لِلْحَمْدِ لَفْظٌ تُحْمَدُ) يا رب (بِهِ) أي: بذلك، نحو [حمدتك] و[أحمدك] و[الحمد لك] و[لك الحمد] وما أشبه (وَمَعْنىً يَنْصَرِفُ إِلَيْهِ) وهي: صفاته سبحانه وأفعاله التي ينصرف الحمد إليها، فله الحمد لكونه عالماً، وخالقاً، وهكذا (يَا مَنْ تَحَمَّدَ إِلَىٰ عِبَادِهِ) أي: طلب من العباد حمده (بِٱلإِحْسَانِ وَالْفَضْلِ) فإنه من الفطري أن يحمد المتنعم من المنعم عليه (وَغَمَرَهُمْ) أي: أعطاهم (بِالْمَنِّ) أي: النعمة (وَٱلطَّوْلِ) والإحسان (مَا أَفْشَىٰ فِينَا نِعْمَتَكَ) فعل التعجب، أي: كثير فاش فينا إحسانك ونعمتك (وَ) ما (أَسْبَغَ عَلَيْنَا مِنَّتَكَ) الإسباغ: الإكثار، والمراد بالمنة: النعمة من باب استعمال المسبب في السبب (وَ) ما (أَخَصَّنَا بِبِرِّكَ) أي: إحسانك فإنه سبحانه خص بعض الناس بالإحسان الزائد، ثم ذكر عليه السلام بعض تلك النعم بقوله: (هَدَيْتَنَا لِدِينِكَ ٱلَّذِي ٱصْطَفَيْتَ) أي: اخترته على سائر الأديان، وهو الإسلام (وَمِلَّتِكَ) أي: طريقتك (ٱلَّتِي ٱرْتَضَيْتَ) أي: اخترتها (وَسَبِيلِكَ ٱلَّذِي سَهَّلْتَ) سلوكه فإن من السهل سلوك سبيل الله تعالى (وَبَصَّرْتَنَا ٱلزُّلْفَةَ لَدَيْكَ) أي: أريتنا الشيء الذي يوجب القرب منك (وَالْوُصُولَ إِلَىٰ كَرَامَتِكَ) أي: الطريق الموصل إلى تكريمه سبحانه للإنسان، كالتقوى، قال سبحانه: ﴿إن أكرمكم عند الله أتقاكم﴾ [12].

ـــــــــــ

أَللّهُمَّ وَأَنْتَ جَعَلْتَ مِنْ صَفَايَا تِلْكَ الْوَظَائِفِ وَخَصَائِصِ تِلْكَ الْفُرُوضِ شَهْرَ رَمَضَانَ ٱلَّذِي ٱخْتَصَصْتَهُ مِنْ سَائِرِ ٱلشُّهُورِ، وَتَخَيَّرْتَهُ مِنْ جَمِيعِ ٱلأَزْمِنَةِ وَٱلدُّهُورِ، وَآثَرْتَهُ عَلَىٰ كُلِّ أَوْقَاتِ ٱلسَّنَةِ بِمَا أَنْزَلْتَ فِيهِ مِنَ الْقُرْآنِ وَٱلنُّورِ،

ـــــــــــ

(أَللّهُمَّ وَأَنْتَ جَعَلْتَ مِنْ صَفَايَا تِلْكَ الْوَظَائِفِ) أي: مما اصطفيته من تلك الوظائف والأحكام المقررة على الإنسان (وَخَصَائِصِ تِلْكَ الْفُرُوضِ) التي فرضتها على عبادك، والمراد بالخصائص، ذو الخصائص (شَهْرَ رَمَضَانَ ٱلَّذِي ٱخْتَصَصْتَهُ مِنْ سَائِرِ ٱلشُّهُورِ) أي: جعلته خاصاً بنفسك، حيث شرفته بإضافته إلى نفسك (وَتَخَيَّرْتَهُ) أي: اخترته (مِنْ جَمِيعِ ٱلأَزْمِنَةِ) جمع زمان (وَٱلدُّهُورِ) وإنما كان الاختصاص باعتبار ما جعل سبحانه فيه من العبادات والطاعات، وما رتب عليه من المثوبات واختصاصه بإنزال القرآن، كما يصرح الإمام (عليه السلام) بذلك (وَآثَرْتَهُ) أي: وقدمته (عَلَىٰ كُلِّ أَوْقَاتِ ٱلسَّنَةِ) فهو أعز من سائر الأوقات (بِمَا أَنْزَلْتَ فِيهِ مِنَ الْقُرْآنِ وَٱلنُّورِ) المراد بالنور: القرآن الذي يسبب إنارة الطريق إلى الحق ولا يخفى عدم المنافاة بين هذا وبين كون المبعث في رجب، فإن في شهر رمضان أنزل القرآن جملة واحدة على قلب الرسول صلى الله عليه وآله أو بيت المعمور قال سبحانه: ﴿شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن﴾ [13] وفي شهر رجب نزلت سورة (اقرأ) في ابتداء نزول الأبعاض التي تمت بعد ثلاث وعشرين سنة.

ـــــــــــ

وَضَاعَفْتَ فِيهِ مِنَ ٱلإِيمَانِ، وَفَرَضْتَ فِيهِ مِنَ ٱلصِّيَامِ، وَرَغَّبْتَ فِيهِ مِنَ الْقِيَامِ، وَأَجْلَلْتَ فِيهِ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ ٱلَّتِي هِيَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، ثُمَّ آثَرْتَنَا بِهِ عَلَىٰ سَائِرِ ٱلأُمَمِ، وَٱصْطَفَيْتَنَا بِفَضْلِهِ دُونَ أَهْلِ الْمِلَلِ،

ـــــــــــ

(وَضَاعَفْتَ فِيهِ مِنَ ٱلإِيمَانِ) أي: جعلت ثواب الإيمان والأعمال الصالحة ضعفاً (وَفَرَضْتَ فِيهِ مِنَ ٱلصِّيَامِ) قال سبحانه: ﴿فمن شهد منكم الشهر فليصمه﴾ [14] (وَرَغَّبْتَ فِيهِ) أي: ندبت (مِنَ الْقِيَامِ) في لياليه بالعبادة والذكر (وَأَجْلَلْتَ فِيهِ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْر) حيث قال سبحانه: ﴿إنا أنزلناه في ليلة القدر﴾[15] إلى آخر السورة (ٱلَّتِي هِيَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) قال تعالى: ﴿ليلة القدر خير من ألف شهر﴾ [16] فالعبادة فيها خير من العبادة في ألف شهر، وهناك أخبار في تأويل هذه الآية ذكرت في تفسير البرهان وغيره فليراجع (ثُمَّ آثَرْتَنَا) أي: خصصتنا (بِهِ) أي: بشهر رمضان (عَلَىٰ سَائِرِ ٱلأُمَمِ) فإن شهر رمضان بما له من المزايا والخصوصيات خاص بالمسلمين، وإن كان الصوم جارياً في سائر الأمم قال تعالى: ﴿كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم﴾ [17] (وَٱصْطَفَيْتَنَا) أي: اخترتنا (بِفَضْلِهِ) بأن جعلت فضل شهر رمضان لنا (دُونَ أَهْلِ الْمِلَلِ) أي: سائر الأديان.

ـــــــــــ

فَصُمْنَا بِأَمْرِكَ نَهَارَهُ، وَقُمْنَا بِعَوْنِكَ لَيْلَهُ، مُتَعَرِّضِينَ بِصِيَامِهِ وَقِيَامِهِ لِمَا عَرَّضْتَنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِكَ، وَتَسَبَّبْنَا إِلَيْهِ مِنْ مَثُوبَتِكَ وَأَنْتَ الْمَلِيءُ بِمَا رُغِبَ فِيهِ إِلَيْكَ، الْجَوَادُ بِمَا سُئِلْتَ مِنْ فَضْلِكَ، الْقَرِيبُ إِلَىٰ مَنْ حَاوَلَ قُرْبَكَ،

ـــــــــــ

(فَصُمْنَا بِأَمْرِكَ نَهَارَهُ) أي: في نهاره، والإسناد مجازي، كما ذكر في البلاغة (وَقُمْنَا بِعَوْنِكَ) أي: بإعانتك لنا (لَيْلَهُ) أي: في ليله (مُتَعَرِّضِينَ) يقال: تعرض، إذا جعل نفسه في معرض الشيء حتى يناله (بـِ) سبب (صِيَامِهِ وَقِيَامِهِ لِمَا عَرَّضْتَنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِكَ) فإن الله سبحانه عرض الناس إلى رحمته حيث الرحمة وأرشدهم إلى ما يحرزها (وَتَسَبَّبْنَا إِلَيْهِ) أي: جعلنا الأسباب والضمير عائد إلى [ما] الذي أريد به الرحمة (مِنْ مَثُوبَتِكَ) أي: ثوابك (وَأَنْتَ الْمَلِيءُ) أي: الغني الواجد (بِمَا رُغِبَ فِيهِ إِلَيْكَ) أي: بما رغب الناس وطلبوا منه سبحانه (الْجَوَادُ بِمَا سُئِلْتَ) أي: سألك الناس (مِنْ فَضْلِكَ) أي: تجود بفضلك لا باستحقاق الطالبين (الْقَرِيبُ إِلَىٰ مَنْ حَاوَلَ قُرْبَكَ) أي: طلب وأراد أن يقترب إلى رضاك بسبب الأعمال الصالحة.

ـــــــــــ

وَقَدْ أَقَامَ فِينَا هٰذَا ٱلشَّهْرُ مَقَامَ حَمْدٍ، وَصَحِبَنَا صُحْبَةَ مَبْرُورٍ، وَأَرْبَحَنَا أَفْضَلَ أَرْبَاحِ الْعَالَمِينَ، ثُمَّ قَدْ فَارَقَنَا عِنْدَ تَمَامِ وَقْتِهِ، وَٱنْقِطَاعِ مُدَّتِهِ، وَوَفَاءِ عَدَدِهِ، فَنَحْنُ مُوَدِّعُوهُ وِدَاعَ مَنْ عَزَّ فِرَاقُهُ عَلَيْنَا، وَغَمَّنَا وَأَوْحَشَنَا ٱنْصِرَافُهُ عَنَّا، وَلَزِمَنَا لَهُ ٱلذِّمَامُ الْمَحْفُوظُ، وَالْحُرْمَةُُ الْْمَرْعِيَّةُ، وَالْحَقُّ الْمَقْضِيُّ،

ـــــــــــ

(وَقَدْ أَقَامَ فِينَا هٰذَا ٱلشَّهْرُ) أي: شهر رمضان (مَقَامَ حَمْدٍ) محلاً حمده يجب فإن الإنسان يحمد الشيء النافع وشهر رمضان نافع للإنسان ولذا فهو قائم في مقام الحمد (وَصَحِبَنَا) هذا الشهر (صُحْبَةَ مَبْرُورٍ) مفعول من برّه إذا أحسن إليه، فقد أحسن الله إلى الشهر حيث جعله محل عبادته وطاعته، فهو مبرور يصحب الإنسان، لا ممقوت مكروه (وَأَرْبَحَنَا) الشهر، أي: أعطانا الربح في (أَفْضَلَ أَرْبَاحِ الْعَالَمِينَ) فإن الثواب من أفضل الأرباح (ثُمَّ قَدْ فَارَقَنَا) الشهر (عِنْدَ تَمَامِ وَقْتِهِ) أي: انقضاء شهر الصيام (وَٱنْقِطَاعِ مُدَّتِهِ) التي هي ثلاثون يوماً (وَوَفَاءِ) أي: تمام (عَدَدِهِ) أي: عدد أيامه (فَنَحْنُ مُوَدِّعُوهُ) أي: نودعه (وِدَاعَ مَنْ عَزَّ فِرَاقُهُ) فإن فراقه يصعب (عَلَيْنَا) كما يفارق الإنسان عزيزه (وَغَمَّنَا) أي: صار سبب حزننا (وَأَوْحَشَنَا) الوحشة ضد الإنس (ٱنْصِرَافُهُ عَنَّا) الانصراف الذهاب (وَلَزِمَنَا لَهُ) أي: لشهر رمضان (ٱلذِّمَامُ) أي: العهد (الْمَحْفُوظُ) فكأن له علينا ذمة يجب أداؤها (وَالْحُرْمَةُُ الْْمَرْعِيَّةُ) أي: الاحتراك الذي يجب مراعاته (وَالْحَقُّ الْمَقْضِيُّ) أي: الذي يجب قضاؤه وأداؤه.

ـــــــــــ

فَنَحْنُ قَائِلوُنَ: ٱلسَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا شَهْرَ اللهِ ٱلأَكْبَرَ، وَيَا عِيدَ أَوْلِيَائِهِ، ٱلسَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا أَكْرَمَ مَصْحُوبٍ مِنَ ٱلأَوْقَاتِ، وَيَا خَيْرَ شَهْرٍ فِي ٱلأَيَّامِ وَٱلسَّاعَاتِ، ٱلسَّلاَمُ عَلَيْكَ مِنْ شَهْرٍ قَرُبَتْ فِيهِ ٱلآمَالُ، وَنُشِرَتْ فِيهِ ٱلأَعْمَالُ،

ـــــــــــ

(فَنَحْنُ قَائِلوُنَ: ٱلسَّلاَمُ عَلَيْكَ) سلام المودع (يَا شَهْرَ اللهِ ٱلأَكْبَرَ) الظاهر أن (أكبر) صفة الشهر وكونه أكبر باعتبار ما فيه من اللطف والعناية الخاصة منه تعالى بعباده (وَيَا عِيدَ أَوْلِيَائِهِ) فإن أولياء الله يفرحون لشهر رمضان كما يفرح الناس بالعيد، والمراد بالسلام: التحية والاحترام أو بمعنى أن تكون سالماً من الآفات، كما هو الأصل في السلام (ٱلسَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا أَكْرَمَ مَصْحُوبٍ مِنَ ٱلأَوْقَاتِ) أي: الأوقات التي يكون الإنسان فيها، فكأنها صاحب للإنسان (وَيَا خَيْرَ شَهْرٍ فِي ٱلأَيَّامِ وَٱلسَّاعَاتِ) أي: من جهة أيامه وساعاته إذ تكون عناية الله تعالى فيها كثيرة (ٱلسَّلاَمُ عَلَيْكَ مِنْ شَهْرٍ) الإتيان بـ (من) في مثل هذا المقام، لتوهم ما قبله كلياً، وأن هذا بعضه، أو للبيان (قَرُبَتْ فِيهِ ٱلآمَالُ) فإن أمل الإنسان ورجاءه بالسعادة يقرب في هذا الشهر فإنه سبحانه ينجزه ويستجيب الدعاء (وَنُشِرَتْ فِيهِ ٱلأَعْمَالُ) بمعنى: أن الله سبحانه جعل فيه أعمالاً هي توجب مرضاته.

ـــــــــــ

ٱلسَّلاَمُ عَلَيْكَ مِنْ قَرِينٍ جَلَّ قَدْرُهُ مَوْجُوداً، وَأَفْجَعَ فَقْدُهُ مَفْقُوداً، وَمَرْجُوٍّ آلَمَ فِرَاقُهُ، ٱلسَّلاَمُ عَلَيْكَ مِنْ أَلِيفٍ آنَسَ مُقْبِلاً فَسَرَّ، وَأَوْحَشَ مُنقَضِياً فَمَضَّ، ٱلسَّلاَمُ عَلَيْكَ مِنْ مُجَاوِرٍ رَقَّتْ فِيهِ القُلوُبُ، وَقَلَّتْ فيهِ ٱلذُّنوُبُ،

ـــــــــــ

(ٱلسَّلاَمُ عَلَيْكَ مِنْ قَرِينٍ) أي: مقارن للإنسان (جَلَّ قَدْرُهُ) أي: عظم شأنه (مَوْجُوداً) أي: حال كونه موجوداً غير ذاهب (وَأَفْجَعَ) أي: أحزن الإنسان (فَقْدُهُ) وذهابه في حال كونه (مَفْقُوداً) فإن أهل الطاعة يحزنون لذهاب شهر رمضان (وَمَرْجُوٍّ) إذ يرجوه الإنسان أن يثقل فيه حسناته وتخف سيئاته (آلَمَ فِرَاقُهُ) أي: أوجب الألم (ٱلسَّلاَمُ عَلَيْكَ مِنْ أَلِيفٍ) للإنسان يألفه (آنَسَ) الشخص في حال كونه (مُقْبِلاً) آتياً بعد شهر شعبان (فَسَرَّ) وأفرح الإنسان (وَأَوْحَشَ مُنقَضِياً) إذا انقضى وذهب بمجيء شوال (فَمَضَّ) أي: آلم، يقال: مض الجرح، إذا أوجع (ٱلسَّلاَمُ عَلَيْكَ مِنْ مُجَاوِرٍ) للإنسان، جوار زمان، كما أن البيت جوار مكان للبيت الآخر (رَقَّتْ فِيهِ القُلوُبُ) لتوجهها إلى الله تعالى (وَقَلَّتْ فيهِ ٱلذُّنوُبُ) لأن الله عفا عنها أو لأن الإنسان جاء بحسنات ذهبت بها.

ـــــــــــ

ٱلسَّلاَمُ عَلَيْكَ مِنْ نَاصِرٍ أَعَانَ عَلَىٰ ٱلشَّيْطَانِ، وَصَاحِبٍ سَهَّلَ سُبُلَ ٱلإِحْسَانِ، ٱلسَّلامُ عَلَيْكَ مَا أَكْثَرَ عُتَقَاءِ اللهِ فِيكَ، وَمَا أَسْعَدَ مَنْ رَعَىٰ حُرْمَتَكَ بِكَ!، ٱلسَّلاَمُ عَلَيْكَ مَا كَانَ أَمْحَاكَ لِلذُّنوُبِ، وَأَسْتَرَكَ لأَنْوَاعِ الْعُيوُبِ، ٱلسَّلاَمُ عَلَيْكَ مَا كَانَ أَطْوَلَكَ عَلَىٰ الْمُجْرِمِينَ، وَأَهْيَبَكَ فِي صُدُورِ الْمُؤْمِنِينَ،

ـــــــــــ

(ٱلسَّلاَمُ عَلَيْكَ مِنْ نَاصِرٍ) نصر الإنسان و (أَعَانَ عَلَىٰ ٱلشَّيْطَانِ) فلم يتمكن الشيطان من إغواء الشخص وإدخاله النار (وَصَاحِبٍ سَهَّلَ سُبُلَ ٱلإِحْسَانِ) الإحسان إلى النفس بالأعمال الصالحة التي قررها الله تعالى في هذا الشهر والإحسان إلى الناس لأن الخيرات في هذا الشهر أكثر لرغبة الناس فيها (ٱلسَّلامُ عَلَيْكَ مَا أَكْثَرَ عُتَقَاءِ اللهِ فِيكَ) فإن لله سبحانه في كل ليلة عتقاء من النار كما ورد في الأحاديث (وَمَا أَسْعَدَ مَنْ رَعَىٰ حُرْمَتَكَ) أي: قام باللازم من احترامك في طاعته وعبادته (بِكَ) أي: بسببك كأن الشهر هو سبب احترام نفسه (ٱلسَّلاَمُ عَلَيْكَ مَا كَانَ أَمْحَاكَ لِلذُّنوُبِ) [كان] زائدة، قال ابن مالك:وقد تزاد [كان] في حشو***كما كان أصح علم من تقدما أي: ما أكثر محوك للذنوب، وهذا للتعجب (وَأَسْتَرَكَ) أي: أكثر سترك (لأَنْوَاعِ الْعُيوُبِ) أي: المعاصي والآثام (ٱلسَّلاَمُ عَلَيْكَ مَا كَانَ أَطْوَلَكَ عَلَىٰ الْمُجْرِمِينَ) فإنهم يستثقلونه ويريدون ذهابه حتى يفطروا علنا (وَأَهْيَبَكَ) أي: أكثر هيبتك (فِي صُدُورِ الْمُؤْمِنِينَ) فإن المؤمنين يهابون الشهر خوفاً من أن لا يقوموا بواجبه.

ـــــــــــ

ٱلسَّلاَمُ عَلَيْكَ مِنْ شَهْرٍ لاَ تُنَافِسُهُ ٱلأَيَّامُ، ٱلسَّلاَمُ عَلَيْكَ مِنْ شَهْرٍ هُوَ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلاَمٌ، ٱلسَّلاَمُ عَلَيْكَ غَيْرَ كَرِيهِ الْمُصَاحَبَةِ، وَلاَ ذَمِيمِ الْمُلاَبَسَةِ، ٱلسَّلاَمُ عَلَيْكَ كَمَا وَفَدْتَ عَلَيْنَا بِالْبَرَكَاتِ وَغَسَلْتَ عَنَّا دَنَسَ الْخَطِيئَاتِ،

ـــــــــــ

(ٱلسَّلاَمُ عَلَيْكَ مِنْ شَهْرٍ لاَ تُنَافِسُهُ ٱلأَيَّامُ) فإن سائر الأيام، لا تبلغ مرتبته في العز والجلال حتى تنافسه وتعادله، وإنما المنافسة تكون بين الأقران (ٱلسَّلاَمُ عَلَيْكَ مِنْ شَهْرٍ هُوَ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلاَمٌ) فإنه سبحانه ينزل التقديرات الموجبة لسلامة الإنسان، في ليلة القدر، كما في سورة إنا أنزلناه، وإنما الآفات وما أشبه من فعل الإنسان أو لأجل غاية رفيعة (ٱلسَّلاَمُ عَلَيْكَ) حال كونك (غَيْرَ كَرِيهِ الْمُصَاحَبَةِ) فإن المؤمن لا يكره مصاحبة شهر رمضان لأنه يحبه (وَلاَ ذَمِيمِ الْمُلاَبَسَةِ) كأنه لباس للإنسان يحب الإنسان ذلك اللباس ولا يذمه بل يمدحه (ٱلسَّلاَمُ عَلَيْكَ كَمَا وَفَدْتَ) وأتيت (عَلَيْنَا بِالْبَرَكَاتِ) أي: الخيرات والحسنات (وَغَسَلْتَ عَنَّا دَنَسَ) أي: قذارة (الْخَطِيئَاتِ) فإن الإثم يوجب دنس النفس.

ـــــــــــ

ٱلسَّلاَمُ عَلَيْكَ غَيْرَ مُوَدَّعٍ بَرَماً، وَلاَ مَتْرُوكٍ صِيَامُهُ سَأَماً، ٱلسَّلاَمُ عَلَيْكَ مِنْ مَطْلوُبٍ قَبْلَ وَقْتِهِ، وَمَحْزُونٍ عَلَيْهِ قَبْلَ فَوْتِهِ، ٱلسَّلاَمُ عَلَيْكَ كَمْ مِنْ سُوءٍ صُرِفَ بِكَ عَنَّا، وَكَمْ مِنْ خَيْرٍ أُفِيضَ بِكَ عَلَيْنَا، ٱلسَّلاَمُ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ لَيْلَةِ الْقَدْرِ ٱلَّتِي هِيَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، ٱلسَّلاَمُ عَلَيْكَ مَا كَانَ أَحْرَصَنَا بِالأَمْسِ عَلَيْكَ، وَأَشَدَّ شَوْقَنَا غَداً إِلَيْكَ،

ـــــــــــ

(ٱلسَّلاَمُ عَلَيْكَ) في حال كونك (غَيْرَ مُوَدَّعٍ) أي: لا أودعك (بَرَماً) أي: من جهة الملالة والتبرم منك (وَلاَ مَتْرُوكٍ صِيَامُهُ سَأَماً) فلا نترك صيامه من جهة الملالة والكلالة، بل لأنه ذهب بنفسه وانقضى (ٱلسَّلاَمُ عَلَيْكَ مِنْ مَطْلوُبٍ قَبْلَ وَقْتِهِ) فإن الإنسان يطلب مجيئه قبل أن يأتي (وَمَحْزُونٍ عَلَيْهِ قَبْلَ فَوْتِهِ) فإن الإنسان يحزن لشهر رمضان وهو فيه، لأجل أنه يحبه لا يريد انقضاءه (ٱلسَّلاَمُ عَلَيْكَ كَمْ مِنْ سُوءٍ صُرِفَ بِكَ) أي: بسببك (عَنَّا) فإن الله ببركة هذا الشهر يصرف السوء عن الناس (وَكَمْ مِنْ خَيْرٍ أُفِيضَ بِكَ) والمفيض هو الله تعالى (عَلَيْنَا) و (كم) في هذه الجمل للتكثير (ٱلسَّلاَمُ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ لَيْلَةِ الْقَدْرِ ٱلَّتِي هِيَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) هذا من باب ذكر الخاص بعد العام، وإلاّ فالشهر شامل لليلة القدر (ٱلسَّلاَمُ عَلَيْكَ مَا كَانَ أَحْرَصَنَا بِالأَمْسِ) حين كنت موجوداً (عَلَيْكَ) والحرص على الشهر، حب الإنسان له وشدة مفارقته إياه (وَأَشَدَّ شَوْقَنَا غَداً) حين تذهب وينقضي شهر رمضان (إِلَيْكَ) والاشتياق طلب الشيء المحبوب حين فقده.

ـــــــــــ

ٱلسَّلاَمُ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ فَضْلِكَ الَّذِي حُرِمْنَاهُ، وَعَلَىٰ مَاضٍ مِنْ بَرَكَاتِكَ سُلِبْنَاهُ، أَللّهُمَّ إِنَّا أَهْلُ هٰذَا الْشَّهْرِ ٱلَّذِي شَرَّفْتَنَا بِهِ، وَوَفَّقْتَنَا بِمَنِّكَ لَهُ حِينَ جَهِلَ ٱلأَشْقِياءُ وَقْتَهُ، وَحُرِمُوا لِشَقَائِهِمْ فَضْلَهُ، أَنْتَ وَلِيُّ مَا آثَرْتَنَا بِهِ مِنْ مَعْرِفَتِهِ، وَهَدَيْتَنَا لَهُ مِنْ سُنَّتِهِ، وَقَدْ تَوَلَّيْنَا بِتَوْفِيقِكَ صِيَامَهُ وَقِيَامَهُ عَلَىٰ تَقْصِيرٍ، وَأَدَّيْنَا فِيهِ قَلِيلاً مِنْ كَثِيرٍ،

ـــــــــــ

(ٱلسَّلاَمُ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ فَضْلِكَ الَّذِي حُرِمْنَاهُ) بذهابك عنا، فإن الإنسان لا يجد فضل شهر رمضان حين ينقضي ويذهب (وَعَلَىٰ مَاضٍ مِنْ بَرَكَاتِكَ) أي: ما ذهب ومضى من بركاتك التي (سُلِبْنَاهُ) أي: سلب منا والضمير عائد إلى (ماض) (أَللّهُمَّ إِنَّا أَهْلُ هٰذَا الْشَّهْرِ ٱلَّذِي شَرَّفْتَنَا بِهِ) ومعنى الأهل، الملتزم والعامل بمقتضاه (وَوَفَّقْتَنَا بِمَنِّكَ) وإحسانك (لَهُ) حتى نعمل فيه حسب أمرك (حِينَ جَهِلَ ٱلأَشْقِياءُ وَقْتَهُ) إذ لا يهمهم هذا الشهر، فلا يدرون في أي وقت هو (وَحُرِمُوا لِشَقَائِهِمْ فَضْلَهُ) لأنهم لم يعملوا عملاً يدركون فضله (أَنْتَ) يا رب (وَلِيُّ مَا آثَرْتَنَا بِهِ) أي: اختصصتنا، والضمير عائد إلى (ما) (مِنْ مَعْرِفَتِهِ) بيان (ما) (وَهَدَيْتَنَا لَهُ مِنْ سُنَّتِهِ) فإن الله تعالى هدى المسلمين إلى السنن والمستحبات في هذا الشهر حتى ينالوا ثوابه (وَقَدْ تَوَلَّيْنَا) أي: اتبعنا (بِتَوْفِيقِكَ صِيَامَهُ) فصمنا هذا الشهر (وَقِيَامَهُ) بأن قمنا في لياليه (عَلَىٰ تَقْصِيرٍ) أي كنا مقصرين في الصيام والقيام، إذ لا أحد يتمكن من إعطاء حق الله تعالى في واجباته ومستحباته (وَأَدَّيْنَا فِيهِ قَلِيلاً مِنْ كَثِيرٍ) ندبته في هذا الشهر.

ـــــــــــ

أَللّهُمَّ فَلَكَ الْحَمْدُ إقْرَاراً بِالإِسَاءَةِ وَٱعْتِرَافاً بِالإِضَاعَةِ، وَلَكَ مِنْ قُلُوبِنَا عَقْدُ ٱلنَّدَمِ وَمِنْ ألْسِنَتِنَا صِدْقُ ٱلإِعْتِذَارِ، فَأَجِرْنَا عَلَىٰ مَا أَصَابَنَا فِيهِ مِنَ ٱلتَّفْرِيطِ أَجْراً نَسْتَدْرِكُ بِهِ الْفَضْلَ الْمَرْغُوبَ فِيهِ، وَنَعْتَاضُ بِهِ مِنْ أَنْوَاعِ ٱلذُّخْرِ الْمَحْرُوصِ عَلَيْهِ،

ـــــــــــ

(أَللّهُمَّ فَلَكَ الْحَمْدُ إقْرَاراً بِالإِسَاءَةِ) أي: نحمدك في حال كوننا مقرين بذنبنا، فمدح لك، وذم لنا (وَٱعْتِرَافاً بِالإِضَاعَةِ) بأن أضعنا هذا الشهر إذ لم نقم باللازم علينا من أعماله وآدابه (وَلَكَ مِنْ قُلُوبِنَا عَقْدُ ٱلنَّدَمِ) بأن تركز الندم في قلوبنا لما أضعناه ولم يكن الندم شيئاً عابراً وخاطراً يسيراً، بل عقد على ذلك قلوبنا، كما يعقد الحبل وشبهه (وَمِنْ ألْسِنَتِنَا صِدْقُ ٱلإِعْتِذَارِ) أي: نعتذر صادقين، من تفريطنا (فَأَجِرْنَا) أي: أعطنا الأجر والثواب (عَلَىٰ مَا أَصَابَنَا فِيهِ مِنَ ٱلتَّفْرِيطِ) أي: أعطنا الثواب مجاناً، لا أن المراد أعطنا أجر تفريطنا إذ التفريط لا أجر له (أَجْراً نَسْتَدْرِكُ بِهِ) أي: بذلك الأجر (الْفَضْلَ الْمَرْغُوبَ فِيهِ) والثواب الذي يطلبه الإنسان (وَنَعْتَاضُ بِهِ) أي: نأخذ العوض بسبب ذلك الأجر (مِنْ أَنْوَاعِ ٱلذُّخْرِ الْمَحْرُوصِ عَلَيْهِ) أي: الثواب الذي ادخرته ويحرص الإنسان على إدراكه.

ـــــــــــ

وَأَوْجِبْ لَنَا عُذْرَكَ عَلَىٰ مَا قَصَّرْنَا فِيهِ مِنْ حَقِّكَ وَأَبْلُغْ بِأَعْمَارِنَا مَا بَيْنَ أَيْدِينَا مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ الْمُقْبِلِ، فَإِذَا بَلَّغْتَنَاهُ فَأَعِنَّا عَلَىٰ تَنَاوُلِ مَا أَنْتَ أَهْلُهُ مِنَ الْعِبَادَةِ، وَأَدِّنَا إِلَىٰ الْقِيَامِ بِمَا يِسْتَحِقُّهُ مِنَ ٱلطَّاعَةِ وَأَجْرِ لَنَا مِنْ صَالِحِ الْعَمَلِ مَا يَكُونُ دَرْكاً لِحَقِّكَ فِي ٱلشَّهْرَيْنِ مِنْ شُهُورِ ٱلدَّهْرِ،

ـــــــــــ

(وَأَوْجِبْ لَنَا عُذْرَكَ) أي: اكتب لنا أن تقبل عذرنا (عَلَىٰ مَا قَصَّرْنَا فِيهِ مِنْ حَقِّكَ) علينا (وَأَبْلُغْ بِأَعْمَارِنَا) أي: طول عمرنا (مَا بَيْنَ أَيْدِينَا) أي: ما هو أمامنا من الزمان (مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ الْمُقْبِلِ) في السنة الآتية حتى ندرك فضله (فَإِذَا بَلَّغْتَنَاهُ) ومددت أعمارنا إليه (فَأَعِنَّا عَلَىٰ تَنَاوُلِ مَا أَنْتَ أَهْلُهُ مِنَ الْعِبَادَةِ) وتناول العبادة بمعنى الإتيان بها (وَأَدِّنَا إِلَىٰ الْقِيَامِ) من الأداء، بمعنى الإتيان والوصول إلى الشيء أي أوصلنا (بِمَا يِسْتَحِقُّهُ) الشهر (مِنَ ٱلطَّاعَةِ) لك والمعنى وفقنا لأن نطيعك فيه (وَأَجْرِ لَنَا مِنْ صَالِحِ الْعَمَلِ) كأن الأعمال الصالحة شيء يجريه الله تعالى إلى خلقه، حتى يؤدوها، كما يجري الماء إلى البستان ونحوه (مَا يَكُونُ دَرْكاً) أي: يسبب إدراكاً (لِحَقِّكَ فِي ٱلشَّهْرَيْنِ) الرمضان الماضي والآتي، حتى يتلافى بالأعمال في المستقبل، التفريط في الماضي (مِنْ شُهُورِ ٱلدَّهْرِ) ولعل فائدة القيد بيان الداعي بطلب التوفيق لعمل شهرين في شهر واحد، من شهور العمر، لا من شهور الداعي، إذ يمكن أن يكون الداعي في حال من المرض والضعف وما أشبه مما يكون شهره أقل حقاً لله من الشهور المتعارفة، كما لو قال الإنسان الضعيف في العمل للذي استأجره: أعطني أجر عاملين من عمالك، في مقابل أن يقول: أعطني ضعفي أجري، فإن أجر الضعيف نصف أجر القوي مثلاً، وبعض الشرّاح قالوا غير ذلك في فائدة هذا القيد، وما ذكرناه أظهر.

ـــــــــــ

أَللّهُمَّ وَمَا أَلْمَمْنَا بِهِ فِي شَهْرِنَا هٰذَا مِنْ لَمَمٍ أَوْ إِثْمٍ، أَوْ وَاقَعْنَا فِيهِ مِنْ ذَنْبٍ، وَٱكْتَسَبْنَا فِيهِ مِنْ خَطِيئَةٍ عَلَىٰ تَعَمُّدٍ مِنَّا، أَوْ عَلَىٰ نِسْيَانٍ ظَلَمْنَا فِيهِ أَنْفُسَنَا، أَوِ انْتَهَكْنَا بِهِ حُرْمَةً مِنْ غَيْرِنَا، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَٱسْتُرْنَا بِسِتْرِكَ وَٱعْفُ عَنَّا بِعَفْوِكَ وَلاَ تَنْصِبْنَا فِيهِ لأَعْيُنِ ٱلشَّامِتِينَ،

ـــــــــــ

(أَللّهُمَّ وَمَا أَلْمَمْنَا) الإلمام بالشيء: العمل به والدخول فيه (بِهِ فِي شَهْرِنَا هٰذَا مِنْ لَمَمٍ) هي: الذنوب التي يلم بها الإنسان ثم يتركها وبعد حين يأتي بها، ولذا ورد عنهم (عليهم السلام): هو الهنة بعد الهنة ـ أي الذنب بعد الذنب ـ يلم به العبد، وهذا في مقابل من غاص في بحار الآثام وكأن المراد باللمم الصغائر، كما قال سبحانه:﴿إلا اللمم﴾ [18] (أَوْ إِثْمٍ) عصيان عمدي، عصيان كبير (أَوْ وَاقَعْنَا فِيهِ مِنْ ذَنْبٍ) الإتيان بباب المفاعلة، لتوهم أن كلاً من الإنسان والذنب أثر في الآخر (وَٱكْتَسَبْنَا فِيهِ مِنْ خَطِيئَةٍ) أي: عملناها واقترفناها (عَلَىٰ تَعَمُّدٍ مِنَّا) على إتيانها (أَوْ عَلَىٰ نِسْيَانٍ) منا لكونه ذنباً (ظَلَمْنَا فِيهِ) أي: في ذلك الذنب (أَنْفُسَنَا) كالذنوب التي تضر الإنسان، ولا تضر غيره (أَوِ انْتَهَكْنَا بِهِ حُرْمَةً مِنْ غَيْرِنَا) كالسرقة والإيذاء وما أشبه (فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَٱسْتُرْنَا بِسِتْرِكَ) حتى لا نفتضح بذنبنا (وَٱعْفُ عَنَّا بِعَفْوِكَ) حتى لا تعذبنا (وَلاَ تَنْصِبْنَا فِيهِ) أي: في ذلك الذنب ولأجله (لأَعْيُنِ ٱلشَّامِتِينَ) بأن يرى الشامت عصياني فيفرح بسقوطي ويلومني بلسانه شماتةً بي.

ـــــــــــ

وَلاَ تَبْسُطْ عَلَيِْنَا فِيهِ أَلْسُنَ ٱلطَّاغِينَ، وَٱسْتَعمِلْنَا بِمَا يَكوُنُ حِطَّةً وَكَفَّارَةً لِمَا أَنْكَرْتَ مِنَّا فِيهِ بِرَأْفَتِكَ ٱلَّتِي لاَ تَنْفَدُ، وَفَضْلِكَ ٱلَّذِي لاَ يَنْقُصُ، ٱللّهُمَّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَٱجْبُرْ مُصِيبَتَنَا بِشَهْرِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي يَوْمِ عِيدِنَا وَفِطْرِنَا، وَٱجْعَلْهُ مِنْ خَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْنَا، أَجْلَبُهُ لِعَفْوٍ، وَأَمْحَاهُ لِذَنْبٍ، وَٱغْفِرْ لَنَا مَا خَفِيَ مِنْ ذُنُوبِنَا وَمَا عَلَنَ،

ـــــــــــ

(وَلاَ تَبْسُطْ عَلَيِْنَا فِيهِ) أي: في ذلك الذنب (أَلْسُنَ ٱلطَّاغِينَ) فإن الطغاة دائماً يترقبون ذنباً من الصالحين حتى يبسطوا ألسنتهم بالسوء بالنسبة إليهم (وَٱسْتَعمِلْنَا) أي: وفقنا لأن نعمل (بِمَا يَكوُنُ حِطَّةً) أي: سبباً لحط الذنب ومحوه (وَكَفَّارَةً لِمَا أَنْكَرْتَ مِنَّا فِيهِ) كأن نتوب ونأتي بالحسنات التي هي تذهب السيئات (بِرَأْفَتِكَ) ورحمتك (ٱلَّتِي لاَ تَنْفَدُ) فإن رحمته سبحانه لا نهاية لها (وَفَضْلِكَ ٱلَّذِي لاَ يَنْقُصُ) وإن أكثر سبحانه في التفضل. (ٱللّهُمَّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَٱجْبُرْ مُصِيبَتَنَا بِشَهْرِنَا) المصيبة: هي فقد الإنسان لمحبوبه، ومعنى الجبر: إعطاء الثواب لذلك (وَبَارِكْ لَنَا فِي يَوْمِ عِيدِنَا وَفِطْرِنَا) أي: إفطارنا (وَٱجْعَلْهُ مِنْ خَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْنَا) ثم بيّن (عليه السلام) وجه الخيرية المطلوبة بقوله: (أَجْلَبُهُ لِعَفْوٍ) بأن نعمل في هذا اليوم ما يجلب عفوك أكثر من جلبه في سائر الأيام (وَأَمْحَاهُ لِذَنْبٍ) بأن يمحو من الذنوب أكثر من سائر الأيام لها (وَٱغْفِرْ لَنَا مَا خَفِيَ مِنْ ذُنُوبِنَا) علينا بأن أذنبناها ثم نسيناها، مثلاً (وَمَا عَلَنَ) أو المراد الظاهرة منها والمخفية التي لم يطلع عليها الناس.

ـــــــــــ

أَللّهُمَّ ٱسْلَخْنَا بِٱنْسِلاَخِ هٰذَا ٱلشَّهْرِ مِنْ خَطَايَانَا، وَأَخْرِجْنَا بِخُرُوجِهِ مِنْ سَيِّئَاتِنَا، وَٱجْعَلْنَا مِنْ أَسْعَدِ أَهْلِهِ بِهِ، وَأَجْزَلِهِمْ قِسْماً فِيهِ، وَأَوْفَرِهِمْ حَظَّاً مِنْهُ، أَللّهُمَّ وَمَنْ رَعَىٰ هٰذَا ٱلشَّهْرَ حَقَّ رِعَايَتِهِ، وَحَفِظَ حُرْمَتَهُ حَقَّ حِفْظِهَا، وَقَامَ بِحُدُودِهِ حَقَّ قِيَامِهَا، وَٱتَّقَىٰ ذُنُوبَهُ حَقَّ تُقَاتِهَا، أَوْ تَقَرَّبَ إِلَيْكَ بِقُرْبَةٍ،

ـــــــــــ

(أَللّهُمَّ ٱسْلَخْنَا) أي: أخرجنا (بِٱنْسِلاَخِ هٰذَا ٱلشَّهْرِ) أي: مع خروج شهر رمضان (مِنْ خَطَايَانَا، وَأَخْرِجْنَا بِخُرُوجِهِ مِنْ سَيِّئَاتِنَا) من باب عطف البيان تأكيداً (وَٱجْعَلْنَا مِنْ أَسْعَدِ أَهْلِهِ) أي: أهل رمضان (بِهِ) أي: بسبب شهر رمضان بأن يكون موجباً لسعادتنا (وَأَجْزَلِهِمْ) أي: أكثرهم (قِسْماً) أي: قسمة من رحمتك (فِيهِ) أي: في هذا الشهر (وَأَوْفَرِهِمْ حَظَّاً مِنْهُ) أي: (أكثرهم حظا منه) بأن يكون حظنا من ثوابك من أكثر حظ سائر الناس (أَللّهُمَّ وَمَنْ رَعَىٰ هٰذَا ٱلشَّهْرَ حَقَّ رِعَايَتِهِ) بأن عمل فيه بآدابه وأعماله (وَحَفِظَ حُرْمَتَهُ حَقَّ حِفْظِهَا) وحفظ الحرمة، إنما هو العمل بما ألزم الله تعالى فيه (وَقَامَ بِحُدُودِهِ) المقررة في الشريعة (حَقَّ قِيَامِهَا) بلا زيادة أو نقصان (وَٱتَّقَىٰ ذُنُوبَهُ) أي: الذنوب التي هي مرتبطة بهذا الشهر كالإفطار وما أشبه (حَقَّ تُقَاتِهَا) أي: حق التقوى من تلك الذنوب (أَوْ تَقَرَّبَ إِلَيْكَ) يا رب (بِقُرْبَةٍ) أي: بعمل موجب للقرب منك قرباً بالشرف لا بالمكان.

ـــــــــــ

أَوْجَبَتْ رِضَاكَ لَهُ، وَعَطَفَتْ رَحْمَتَكَ عَلَيْهِ، فَهَبْ لَنَا مِثْلَهُ مِنْ وُجْدِكَ، وَأَعْطِنَا أَضْعَافَهُ مِنْ فَضْلِكَ فَإنَّ فَضْلَكَ لا يَغِيضُ، وَإِنَّ خَزَائِنَكَ لا تَنْقُصُ بَلْ تَفِيضُ، وَإِنَّ مَعَادِنَ إِحْسَانِكَ لاَ تَفْنَىٰ وَإِنَّ عَطَاءَكَ لِلْعَطَاءُ الْمُهَنَّا، أَللّهُمَّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَٱكْتُبْ لَنَا مِثْلَ أُجُورِ مَنْ صَامَهُ أَوْ تَعَبَّدَ لَكَ فِيهِ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ،

ـــــــــــ

(أَوْجَبَتْ) تلك القربة (رِضَاكَ لَهُ) بأن ترضى عنه (وَعَطَفَتْ) أي: أمالت تلك القربة (رَحْمَتَكَ عَلَيْهِ) فرحمته (فَهَبْ لَنَا مِثْلَهُ) أي: مثل ذلك الفضل الذي أعطيته لمن رعى حق هذا الشهر (من وجدك) أي: من غناك وفضلك، من (وجد يجد) (وَأَعْطِنَا أَضْعَافَهُ مِنْ فَضْلِكَ) وإحسانك (فَإنَّ فَضْلَكَ لا يَغِيضُ) يقال: غاض الماء إذا تسرب في باطن الأرض، والمعنى لا ينفد ولا يتم (وَإِنَّ خَزَائِنَكَ لا تَنْقُصُ) فإنه سبحانه يخلق الشيء بمجرد الإرادة (بَلْ تَفِيضُ) فاض الماء إذا كثر واتسع (وَإِنَّ مَعَادِنَ إِحْسَانِكَ لاَ تَفْنَىٰ) ولا تنعدم بل تبقى إلى الأبد (وَإِنَّ عَطَاءَكَ لِلْعَطَاءُ الْمُهَنَّا) أي: الهنيء الذي لا يشوبه كدر وألم (أَللّهُمَّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَٱكْتُبْ لَنَا مِثْلَ أُجُورِ مَنْ صَامَهُ) أي: صام هذا الشهر، أي: مثل أجر جميعهم، ولا يلزم من ذلك خلاف العدل، إذ الفضل خارج عن العدل، بالإضافة إلى أن الداعي استحق بدعائه ذلك (أَوْ تَعَبَّدَ لَكَ فِيهِ) أي: عبدك في هذا الشهر (إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ) في كل شهر رمضان.

ـــــــــــ

أَللّهُمَّ إِنَّا نَتُوبُ إِلَيْكَ فِي يَوْمِ فِطْرِنَا ٱلَّذِي جَعَلْتَهُ لِلْمُؤْمِنِينَ عِيداً وَسُرُوراً وَلأَهْلِ مِلَّتِكَ مَجْمَعاً وَمُحْتَشَداً مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ أَذْنَبْنَاهُ أَوْ سُوءٍ أَسْلَفْنَاهُ، أَوْ خَاطِرِ شَرٍّ أَضْمَرْنَاهُ، تَوْبَةَ مَنْ لاَ يَنْطَوِي عَلَىٰ رُجُوعٍ إِلَىٰ ذَنْبٍ، وَلا يَعُودُ بَعْدَهَا فِي خَطِيئَةٍ، تَوْبَةً نَصُوحاً خَلُصَتْ مِنَ ٱلشَّكِّ وَٱلإِرْتِيَابِ فَتَقَبَّلْهَا مِنَّا، وَأَرْضَ عَنَّا، وَثَبِّتْنَا عَلَيْهَا،

ـــــــــــ

(أَللّهُمَّ إِنَّا نَتُوبُ إِلَيْكَ فِي يَوْمِ فِطْرِنَا ٱلَّذِي جَعَلْتَهُ لِلْمُؤْمِنِينَ عِيدا) يسمى عيداً، لعود الله تعالى بالرحمة على العباد، فإن أصل العيد في العود، لعود السرور وما أشبه فيه (وَسُرُوراً) أي: موجباً للفرح (وَلأَهْلِ مِلَّتِكَ) أي: طريقتك، وهي الإسلام (مَجْمَعاً) أي: محل اجتماع (وَمُحْتَشَداً) الاحتشاد: بمعنى الاجتماع، فإن المسلمين يجتمعون في الفطر للصلاة ولسائر مراسم الأفراح (مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ أَذْنَبْنَاهُ) متعلق به نتوب (أَوْ سُوءٍ أَسْلَفْنَاهُ) أي: قدمناه (أَوْ خَاطِرِ شَرٍّ أَضْمَرْنَاهُ) أي: أخفيناه في صدورنا (تَوْبَةَ مَنْ لاَ يَنْطَوِي) أي: لا يضمر (عَلَىٰ رُجُوعٍ إِلَىٰ ذَنْبٍ) بل يريد الانقلاع إلى الأبد (وَلا يَعُودُ بَعْدَهَا فِي خَطِيئَةٍ) وإثم (تَوْبَةً نَصُوحاً) أي: خالصة، من نصح لنفسه، إذا لم يشب عمله بما يفسده (خَلُصَتْ) تلك التوبة (مِنَ ٱلشَّكِّ) في أنه هل يتوب أو لا يتوب (وَٱلإِرْتِيَابِ) في أن عمله هل كان قبيحاً يستحق التوبة أم لا (فَتَقَبَّلْهَا) أي: اقبل التوبة (مِنَّا) بأن أعف ذنبنا (وَأَرْضَ عَنَّا) بعد غضبك بسبب المعصية علينا (وَثَبِّتْنَا عَلَيْهَا) حتى لا نكسرها ونعود في الذنب.

ـــــــــــ

أَللّهُمَّ ٱرْزُقْنَا خَوْفَ عِقَابِ الْوَعِيدِ، وَشَوْقَ ثَوَابِ الْمَوْعُودِ، حَتَّىٰ نَجِدَ لَذَّةَ مَا نَدْعُوكَ بِهِ، وَكَآبَةَ مَا نَسْتَجِيرُكَ مِنْهُ، وَٱجْعَلْنَا عِنْدَكَ مِنَ ٱلتَّوَّابِينَ ٱلَّذِينَ أَوْجَبْتَ لَهُمْ مَحَبَّتَكَ، وَقَبِلْتَ مِنْهُمْ مُرَاجَعَةَ طَاعَتِكَ، يَا أَعْدَلَ الْعَادِلِينَ، أَللّهُمَّ تَجَاوَزْ عَنْ آباَئِنَا وأُمَّهَاتِنَا وأَهْلِ دِينِنَا جَمِيعاً مَنْ سَلَفَ مِنْهُمْ وَمَنْ غَبَرَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ،

ـــــــــــ

(أَللّهُمَّ ٱرْزُقْنَا خَوْفَ عِقَابِ الْوَعِيدِ) بأن نخاف من عقابك الذي وعدته للعاصين (وَشَوْقَ ثَوَابِ الْمَوْعُودِ) أي: ثواب الشيء الذي وعدت عليه الثواب (حَتَّىٰ نَجِدَ لَذَّةَ مَا نَدْعُوكَ بِهِ) فإن الخائف الشائق يجد لذة الطلب لأنه يعلم النتائج، بخلاف غيره فإن دعاءه سطحي لا عمق له (وَ) حتى نجد (كَآبَةَ) وحزن (مَا نَسْتَجِيرُكَ مِنْهُ) من أنواع العذاب، كما هو شأن الخائف حقيقة فإنه كئيب خائف من المستقبل السيئ (وَٱجْعَلْنَا عِنْدَكَ مِنَ ٱلتَّوَّابِينَ) الذين يكثرون التوبة (ٱلَّذِينَ أَوْجَبْتَ لَهُمْ مَحَبَّتَكَ) بمعنى أنك تحبهم (وَقَبِلْتَ مِنْهُمْ مُرَاجَعَةَ طَاعَتِكَ) فلم ترفضهم حتى لا تقبل لهم طاعة أبداً (يَا أَعْدَلَ الْعَادِلِينَ) أي: أكثر عدلاً من كل عادل (أَللّهُمَّ تَجَاوَزْ) أي: اعف واغفر (عَنْ آباَئِنَا وأُمَّهَاتِنَا وأَهْلِ دِينِنَا جَمِيعاً) وهم المؤمنون (مَنْ سَلَفَ مِنْهُمْ) أي: ذهب (وَمَنْ غَبَرَ) أي: مَن بقي ويأتي (إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ) متعلق بـ[غبر].

ـــــــــــ

أَللّهُمَّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ نَبِيِّنَا وَآلِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَىٰ مَلاَئِكَتِكَ الْمُقَرَّبِينَ، وَصَلِّ عَلَيْهِ وَآلِهِ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَىٰ أَنْبِيَائِكَ الْمُرْسَلِينَ وَصَلِّ عَلَيْهِ وَآلِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَىٰ عِبَادِكَ ٱلصَّالِحِينَ وَأَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، صَلاَةً تَبْلُغُنَا بَرَكَتُهَا وَيَنَالُنَا نَفْعُهَا وَيُسْتَجَابُ لَهَا دُعَاؤُنَا، إِنَّكَ أَكْرَمُ مَنْ رُغِبَ إِلَيْهِ، وَأَكْفَىٰ مَنْ تُوُكِّلَ عَلَيْهِ، وَأَعْطَىٰ مَنْ سُئِلَ مِنْ فَضْلِهِ، وَأَنْتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

ـــــــــــ

(أَللّهُمَّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ نَبِيِّنَا وَآلِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَىٰ مَلاَئِكَتِكَ الْمُقَرَّبِينَ) التشبيه في كيفية الصلاة لا في أصلها (وَصَلِّ عَلَيْهِ وَآلِهِ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَىٰ أَنْبِيَائِكَ الْمُرْسَلِينَ) في مقابل النبي غير المرسل، وهو الذي يخبر عن الله تعالى لنفسه لا لأن يبلغه غيره، قالوا: والمرسلون عددهم ثلاثمائة وثلاث عشر في حين أن عدد الأنبياء جميعاً مائة وأربعة وعشرون ألف، أو أكثر كما في بعض الروايات (وَصَلِّ عَلَيْهِ وَآلِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَىٰ عِبَادِكَ ٱلصَّالِحِينَ) هذا شامل للأنبياء غير المرسلين والأوصياء والأولياء ومن إليهم (وَأَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ) كله بأن تكون صلواتك عليه وآله أفضل مما صليت على غيره (يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، صَلاَةً تَبْلُغُنَا بَرَكَتُهَا) فإن رحمته سبحانه على الرسول تعود بالآخرة إلى أمته (وَيَنَالُنَا) أي: يصل إلينا (نَفْعُهَا) وفائدتها (وَيُسْتَجَابُ لَهَا دُعَاؤُنَا) فإن الداعي إذا صلى على الرسول وآله كان ذلك سبباً لاستجابة دعائه كما في الأحاديث (إِنَّكَ) يا رب (أَكْرَمُ مَنْ رُغِبَ إِلَيْهِ) أي: أكرم من كل أحد طلب الشخص منه شيئاً (وَأَكْفَىٰ مَنْ تُوُكِّلَ عَلَيْهِ) فإن كفايتك فوق كفاية سائر الوكلاء (وَأَعْطَىٰ) أي: أكثر إعطاءً من سائر (مَنْ سُئِلَ مِنْ فَضْلِهِ) فاعطنا ما سألناك (وَأَنْتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فتقدر على قضاء حوائجنا جميعاً.

ـــــــــــ

[1] ـ إشارة إلى سورة التحريم، آية: 8.

[2] ـ إشارة إلى سورة التحريم، آية: 8.

[3] ـ إشارة إلى سورة الأنعام، آية: 160.

[4] ـ إشارة إلى سورة البقرة، آية: 261.

[5] ـ إشارة إلى سورة البقرة، آية: 245.

[6] ـ سورة النساء، آية: 40.

[7] ـ سورة النمل، آية: 89.

[8] ـ إشارة إلى سورة البقرة، آية: 152.

[9] ـ سورة آل عمران، آية: 97.

[10] ـ إشارة إلى سورة إبراهيم، آية: 7.

[11] ـ إشارة إلى سورة غافر، آية: 60.

[12] ـ سورة الحجرات، آية: 13.

[13] ـ سورة البقرة، آية: 185.

[14] ـ سورة البقرة، آية: 185.

[15] ـ سورة القدر، آية: 1.

[16] ـ سورة القدر، آية: 3.

[17] ـ سورة البقرة، آية: 183.

[18] ـ سورة النجم، آية: 32.