أفضل المواقع الشيعية

دعاء يوم الفطر إذا انصرف من صلاته

 
السجادية

الدعاء مطابق للمصدر

الصحيفة
 

وكان من دعائه (عليه السلام) يوم الفطر إذا انصرف من صلاته قام قائماً ثم استقبل القبلة، وفي يوم الجمعة، فقال:

يَا مَنْ يَرْحَمُ مَنْ لاَ يَرْحَمُهُ الْعِبَادُ، وَيَا مَنْ يَقْبَلُ مَنْ لاَ تَقْبَلُهُ الْبِلاَدُ، وَيَا مَنْ لاَ يَحْتَقِرُ أَهْلَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، وَيَا مَنْ لاَ يُخَيِّبُ الْمُلِحِّينَ عَلَيْهِ، وَيَا مَنْ لاَ يَجْبَهُ بِٱلْرَّدِّ أَهْلَ ٱلدَّالَّةِ عَلَيْهِ،

ـــــــــــ

الشرح: (يَا مَنْ يَرْحَمُ مَنْ لاَ يَرْحَمُهُ الْعِبَادُ) لأنه منقطع عنهم (وَيَا مَنْ يَقْبَلُ مَنْ لاَ تَقْبَلُهُ الْبِلاَدُ) كمن تطارده الحكومات فلا يتمكن أن يسكن البلاد خوفاً، فإنه سبحانه يسعه بفضله (وَيَا مَنْ لاَ يَحْتَقِرُ أَهْلَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ) بخلاف عامة الناس الذين يحتقرون من يحتاج إليهم (وَيَا مَنْ لاَ يُخَيِّبُ الْمُلِحِّينَ عَلَيْهِ) الإلحاح: الإصرار والإكثار في الدعاء، فإنه تعالى يعطي حاجة الدعاء المُلِح (وَيَا مَنْ لاَ يَجْبَهُ بِٱلْرَّدِّ أَهْلَ ٱلدَّالَّةِ عَلَيْهِ) يقال: جبهه إذا رده ضارباً على جبهته، وأهل الدالة: هم الذين يدلون بعملهم ويرونه حسناً، كمن يمن بعمله على من عمل له، وليس المراد به المرائي أو ذا العجب بل من يكبر في نفسه عمله.

ـــــــــــ

وَيَا مَنْ يَجْتَبِي صَغِيرَ مَا يُتْحَفُ بِهِ، وَيَشْكُرُ يَسِيرَ مَا يُعْمَلُ لَهُ، وَيَا مَنْ يَشْكُرُ عَلَىٰ الْقَلِيلِ وَيُجَازِي بِالْجَلِيلِ، وَيَا مَنْ يَدْنُو إِلَىٰ مَنْ دَنَا مِنْهُ، وَيَا مَنْ يَدْعُو إِلَىٰ نَفْسِهِ مَنْ أَدْبَرَ عَنْهُ، وَيَا مَنْ لاَ يُغَيِّرُ ٱلنِّعْمَةَ، وَلاَ يُبَادِرُ بِالْنَّقِمَةِ، وَيَا مَنْ يُثْمِرُ الْحَسَنَةَ حَتَّىٰ يُنَمِّيَهَا، وَيَتَجَاوَزُ عَنِ ٱلسَّيِّئَةِ حَتَّىٰ يُعَفِّيَهَا،

ـــــــــــ

(وَيَا مَنْ يَجْتَبِي) أي: يختار (صَغِيرَ مَا يُتْحَفُ بِهِ) يعني: أنه يختار حتى صغائر طاعات عباده الذين يهدون أعمالهم إليه (وَيَشْكُرُ يَسِيرَ مَا يُعْمَلُ لَهُ) أي: يشكرحتى اليسير، وشكره إعطاؤه الجزاء والثواب (وَيَا مَنْ يَشْكُرُ عَلَىٰ الْقَلِيلِ وَيُجَازِي بِالْجَلِيلِ) أي: العظيم ويشكر ويجازي، من باب التفنن في العبادة، أو المراد أنه يقبل العمل القليل ويعطي جزاءه جليلاً عظيماً (وَيَا مَنْ يَدْنُو) أي: يقترب بالفضل والرحمة (إِلَىٰ مَنْ دَنَا مِنْهُ) بالطاعة والعبادة (وَيَا مَنْ يَدْعُو إِلَىٰ نَفْسِهِ مَنْ أَدْبَرَ عَنْهُ) أي: من أعرض وتولى بعمل السيئات (وَيَا مَنْ لاَ يُغَيِّرُ ٱلنِّعْمَةَ) بلا سبب ككثير من الناس، فإنه سبحانه لم يكن مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم (وَلاَ يُبَادِرُ بِالْنَّقِمَةِ) أي: لا يسرع إلى العقاب بل يمهل المجرم لعله يتوب (وَيَا مَنْ يُثْمِرُ الْحَسَنَةَ) أي: يطلب ثمر العمل الصالح (حَتَّىٰ يُنَمِّيَهَا) أي: يجعلها كثيرة، فقد ورد أن الله تعالى يربي الصدقة كما يربي الشخص فصيله (وَيَتَجَاوَزُ عَنِ ٱلسَّيِّئَةِ حَتَّىٰ يُعَفِّيَهَا) أي: يمحوها ويجعلها كأن لم تكن.

ــــــــــ

إِنْصَرَفَتِ ٱلآمَالُ دُونَ مَدَىٰ كَرَمِكَ بِالْحَاجَاتِ، وَٱمْتَلأَتْ بِفَيْضِ جُودِكَ أَوْعِيَةُ ٱلطَّلِبَاتِ، وَتَفَسَّخَتْ دُونَ بُلُوغِ نَعْتِكَ ٱلصِّفَاتُ، فَلَكَ الْعُلُوُّ ٱلأَعْلَىٰ فَوْقَ كُلِّ عَالٍ، وَالْجَلاَلُ ٱلأَمْجَدُ فَوْقَ كُلِّ جَلاَلٍ، كُلُّ جَلِيلٍ عِنْدَكَ صَغِيرٌ، وَكُلُّ شَرِيفٍ فِي جَنْبِ شَرَفِكَ حَقِيرٌ، خَابَ الْوَافِدُونَ عَلَىٰ غَيْرِكَ وَخَسِرَ الْمُتَعَرِّضُونَ إِلاَّ لَكَ،

ـــــــــــ

(إِنْصَرَفَتِ ٱلآمَالُ دُونَ مَدَىٰ كَرَمِكَ) أي: دون أن يبلغ الرجاء آخر كرمك (بِالْحَاجَاتِ) أي: بإعطائها حاجاتها، أي: يرجع الأمل بحاجته، بدون أن يصل الأمل إلى آخر كرم الله تعالى، إذ كرمه سبحانه لا ينتهي إلى حد (وَٱمْتَلأَتْ بِفَيْضِ جُودِكَ أَوْعِيَةُ ٱلطَّلِبَاتِ) كأن للطلب وعاءً يملؤه الله سبحانه، من جوده الفائض (وَتَفَسَّخَتْ دُونَ بُلُوغِ نَعْتِكَ ٱلصِّفَاتُ) أي: بطلت الصفات التي يصفها البشر لك، قبل أن تبلغ بكنه نعتك وصفتك، فإن نعته تعالى مجهولة للبشر (فَلَكَ) يارب (الْعُلُوُّ ٱلأَعْلَىٰ فَوْقَ كُلِّ عَالٍ) فإنه تعالى أعلى من كل ما يكون عاليا (وَالْجَلاَلُ ٱلأَمْجَدُ) أي: الأكثر مجداً وثناءً، وأصل الجلال، الأجلية والأرفعية من الذمائم كالجهل والعجز وما أشبه (فَوْقَ كُلِّ جَلاَلٍ) يكون لغيرك (كُلُّ جَلِيلٍ عِنْدَكَ صَغِيرٌ) أي: فكل عظيم في نفسه صغير بالنسبة إليك (وَكُلُّ شَرِيفٍ فِي جَنْبِ شَرَفِكَ حَقِيرٌ) فإن الشرف الحقيقي له سبحانه و شرف غيره مأخوذ منه (خَابَ الْوَافِدُونَ عَلَىٰ غَيْرِكَ) أي: خسر من وفد و ذهب مستعطياً غيرك، إذ العطاء كله من الله تعالى (وَخَسِرَ الْمُتَعَرِّضُونَ إِلاَّ لَكَ) أي: من تعرض لعطاء أحد غيرك كان خاسراً لأنه طلب العطاء من غير محله.

ـــــــــــ

وَضَاعَ الْمُلِمُّونَ إِلاَّ بِكَ، وَأَجْدَبَ الْمُنْتَجِعُونَ إِلاَّ مَنِ ٱنْتَجَعَ فَضْلَكَ، بَابُكُ مَفْتُوحٌ لِلرَّاغِبِينَ، وَجُودُكَ مُبَاحٌ لِلْسَّائِلِينَ، وَإِغَاثَتُكَ قَرِيبَةٌ مِنَ الْمُسْتَغِيثِينَ، لاَ يَخِيبُ مِنْكَ ٱلآمِلُونَ، وَلاَ يَيْأَسُ مِنْ عَطَائِكَ الْمُتَعَرِّضُونَ، وَلاَ يَشْقَىٰ بِنَقِمَتِكَ الْمُسْتَغْفِرُونَ،

ـــــــــــ

(وَضَاعَ الْمُلِمُّونَ) من ألم بالمكان إذا نزل به، أي: ضلوا ولم يعرفوا طريق النجاة (إِلاَّ بِكَ) أي: من ألم بك ونزل بساحة دينك (وَأَجْدَبَ الْمُنْتَجِعُونَ) الإجداب: انقطاع المطر الموجب للقحط، والمنتجع: هو الذي يطلب الماء والكلأ أي: وقعوا في الجدب والقحط (إِلاَّ مَنِ ٱنْتَجَعَ فَضْلَكَ) بأن طلب من فضلك وإحسانك (بَابُكُ مَفْتُوحٌ لِلرَّاغِبِينَ) فمن رغب في عطائك لم تمنعه من الدعاء والمسألة (وَجُودُكَ مُبَاحٌ لِلْسَّائِلِينَ) قد أبحته لمن سألك (وَإِغَاثَتُكَ) أي: عونك (قَرِيبَةٌ مِنَ الْمُسْتَغِيثِينَ) فمن استغاث بك أغثته وأعنته (لاَ يَخِيبُ مِنْكَ ٱلآمِلُونَ) فمن جاءك بأمل أعطيت أمله ولا ترده (وَلاَ يَيْأَسُ مِنْ عَطَائِكَ الْمُتَعَرِّضُونَ) فمن تعرض لعطائك بالدعاء ونحوه تعطيه طلبته (وَلاَ يَشْقَىٰ بِنَقِمَتِكَ) وعذابك (الْمُسْتَغْفِرُونَ) من ذنوبهم فإنك تعفو عنهم ولا تعذبهم.

ـــــــــــ

رِزْقُكَ مَبْسوُطٌ لِمَنْ عَصَاكَ، وَحِلْمُكَ مُعْتَرِضٌ لِمَنْ نَاوَاكَ، عَادَتُكَ ٱلإِحْسَانُ إِلَىٰ الْمُسِيئِينَ، وَسُنَّتُكَ ٱلإِبْقَاءُ عَلَىٰ الْمُعْتَدِينَ حَتَّىٰ لَقَدْ غَرَّتْهُمْ أَنَاتُكَ عَنِ ٱلرُّجُوعِ، وَصَدَّهُمْ إِمْهالُكَ عَنِ النُّزُوعِ، وَإِنَّما تَأَنَّيْتَ بِهِمْ لِيَفِيئُوا إِلَىٰ أَمْرِكَ، وَأَمْهَلْتَهُمْ ثِقَةً بِدَوَامِ مُلْكِكَ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ ٱلسَّعَادَةِ خَتَمْتَ لَهُ بِهَا، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ ٱلشَّقَاوَةِ خَذَلْتَهُ لَهَا،

ـــــــــــ

(رِزْقُكَ مَبْسوُطٌ لِمَنْ عَصَاكَ) فلا تقطع رزقك من العاصي بخلاف عادة الملوك والرؤساء (وَحِلْمُكَ مُعْتَرِضٌ لِمَنْ نَاوَاكَ) أي: عاداك وخالفك فإنك تحلم عنه ولا تعاجله بالعقوبة (عَادَتُكَ ٱلإِحْسَانُ إِلَىٰ الْمُسِيئِينَ) فلا تقابل إساءتهم بالمثل (وَسُنَّتُكَ) أي: طريقتك (ٱلإِبْقَاءُ عَلَىٰ الْمُعْتَدِينَ) فمن اعتدى وظلم نفسه لا تعاجله بالعقوبة (حَتَّىٰ لَقَدْ غَرَّتْهُمْ أَنَاتُكَ) وحلمك (عَنِ ٱلرُّجُوعِ) لأنهم يظنون أن لا عقاب عليهم فلا يرجعون عن اعتدائهم (وَصَدَّهُمْ) أي: منعهم (إِمْهالُكَ) لهم وعدم أخذهم عاجلاً بظلمهم (عَنِ النُّزُوعِ) والانقلاع من العصيان (وَإِنَّما تَأَنَّيْتَ بِهِمْ) وأمهلتهم (لِيَفِيئُوا) ويرجعوا (إِلَىٰ أَمْرِكَ) في مدة المهلة (وَأَمْهَلْتَهُمْ) فلا تؤاخذهم بالعجلة (ثِقَةً) منك (بِدَوَامِ مُلْكِكَ) فإنك لا تخاف أن يهربوا من يديك أو أن يزول ملكك فتكون لم تعاقب العاصي (فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ ٱلسَّعَادَةِ) ذاتاً وفطرةً (خَتَمْتَ لَهُ بِهَا) أي: بالسعادة بأن سعد في أخر أمره وانقلع عن العصيان (وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ ٱلشَّقَاوَةِ) بأن قدر له الشقاء (خَذَلْتَهُ) وتركته وعمله (لَهَا) أي: للشقاوة حتى يشقى.

ـــــــــــ

كُلُّهُمْ صَائِرُونَ إِلَىٰ حُكْمِكَ، وَأُمُورُهُمْ آيِلَةٌ إِلَىٰ أَمْرِكَ، لَمْ يَهِنْ عَلَىٰ طُولِ مُدَّتِهِمْ سُلْطَانُكَ، وَلَمْ يُدْحَضْ لِتَرْكِ مُعَاجَلَتِهِمْ بُرْهَانُكَ، حُجَّتُكَ قَائِمَةٌ لاَ تُدْحَضُ، وَسُلْطَانُكَ ثَابِتٌ لاَ يَزُولُ، فَالْوَيْلُ ٱلدَّائِمُ لِمَنْ جَنَحَ عَنْكَ، وَالْخَيْبَةُ الْخَاذِلَةُ لِمَنْ خَابَ مِنْكَ، وَٱلشَّقَاءُ ٱلأَشْقَىٰ لِمَنْ ٱغْتَرَّ بِكَ،

ـــــــــــ

(كُلُّهُمْ صَائِرُونَ إِلَىٰ حُكْمِكَ) في الآخرة سعداء كانوا أم أشقياء (وَأُمُورُهُمْ آيِلَةٌ) من آل يؤول بمعنى انتهى ورجع (إِلَىٰ أَمْرِكَ) فأنت تحكم فيهم بما عملوا (لَمْ يَهِنْ عَلَىٰ طُولِ مُدَّتِهِمْ) أي: مدة العصاة (سُلْطَانُكَ) بخلاف سلاطين الأرض، حيث إن طول مدة العصاة لم يهن سلطانهم وينقص من قدرهم في النفوس (وَلَمْ يُدْحَضْ لِتَرْكِ مُعَاجَلَتِهِمْ بُرْهَانُكَ) فإن عدم عجلتك بعقوبتهم لم يسبب إبطال البرهان على وجودك، فإن الدليل قائم عليك وإن لم تعاجلهم (حُجَّتُكَ) أي دليلك على الأصول (قَائِمَةٌ لاَ تُدْحَضُ) وإن عصوا وتركتهم (وَسُلْطَانُكَ ثَابِتٌ) وإن خالفوا وعاندوا (لاَ يَزُولُ) فليس كسلطان أهل الأرض (فَالْوَيْلُ) والخسارة (ٱلدَّائِمُ لِمَنْ جَنَحَ) ومال (عَنْكَ) إلى غيرك (وَالْخَيْبَةُ الْخَاذِلَةُ) الموجبة للخذلان وعدم النصرة (لِمَنْ خَابَ) وخسر (مِنْكَ) أي: من عندك فإن الربح من سواك لا ينفع أبداً (وَٱلشَّقَاءُ ٱلأَشْقَىٰ) الذي لا شقوة فوقه (لِمَنْ ٱغْتَرَّ بِكَ) وانخدع بإمهالك له.

ـــــــــــ

مَا أَكْثَرَ تَصَرُّفَهُ فِي عَذَابِكَ، وَمَا أَطْوَلَ تَرَدُّدَهُ فِي عِقَابِكَ وَمَا أَبْعَدَ غَايَتَهُ مِنَ الْفَرَجِ، وَمَا أَقْنَطَهُ مِنْ سُهُولَةِ الْمَخْرَجِ!! عَدْلاً مِنْ قَضَائِكَ لاَ تَجُورُ فِيهِ، وَإِنْصَافاً مِنْ حُكْمِكَ لاَ تَحِيفُ عَلَيْهِ، فَقَدْ ظَاهَرْتَ الْحُجَجَ، وَأَبْلَيْتَ ٱلأَعْذَارَ، وَقَدْ تَقَدَّمْتَ بِالْوَعِيدِ، وَتَلَطَّفْتَ فِي ٱلتَّرْغِيبِ، وَضَرَبْتَ ٱلأَمْثَالَ،

ـــــــــــ

(مَا أَكْثَرَ تَصَرُّفَهُ) أي: تقلبه (فِي عَذَابِكَ) الأبدي في الآخرة و[ما أكثر] للتعجب، والضمير عائد إلى [من اغتر] (وَمَا أَطْوَلَ تَرَدُّدَهُ فِي عِقَابِكَ) التردد المجيء والذهاب (وَمَا أَبْعَدَ غَايَتَهُ مِنَ الْفَرَجِ) عن العذاب إذ لا فرج له (وَمَا أَقْنَطَهُ مِنْ سُهُولَةِ الْمَخْرَجِ) أي: أنه يائس من الخروج عن العذاب خروجاً سهلا، فإنه لو خرج فرضاً فخروجه من أصعب الأشياء، ثم إن إدخاله العذاب بما ذكر له من الأوصاف (عَدْلاً مِنْ قَضَائِكَ) فإن حكمك بعذابه عدل لا جور فيه (لاَ تَجُورُ فِيهِ) ولا تظلم (وَإِنْصَافاً مِنْ حُكْمِكَ) فهو إنصاف لا اعتساف فيه (لاَ تَحِيفُ) أي: لا تجور (عَلَيْهِ) في تعذيبه (فَقَدْ ظَاهَرْتَ الْحُجَجَ) أي: جعلت بعض الأدلة في ظهر بعض (وَأَبْلَيْتَ ٱلأَعْذَارَ) أي: أديت ما هو عذر لك في تعذيبه يقال: أبلاه عذراً أي: أداه إليه (وَقَدْ تَقَدَّمْتَ بِالْوَعِيدِ) أي: ذكرت له وعيدك بالعذاب لمن خالفك (وَتَلَطَّفْتَ فِي ٱلتَّرْغِيبِ) إلى ثوابك، والتلطف باعتبار أن الثواب لطف منه سبحانه (وَضَرَبْتَ ٱلأَمْثَالَ) لمن أراد البصيرة، أمثال المحسنين كيف سعدوا، وأمثال المسيئين كيف شقوا.

ـــــــــــ

وَأَطَلْتَ ٱلإِمْهَالَ، وَأَخَّرْتَ وَأَنْتَ مُسْتَطِيعٌ لِلْمُعَاجَلَةِ، وَتأَنَّيْتَ وَأَنْتَ مَلِيءٌ بِالْمُبَادَرَةِ، لَمْ تَكُنْ أَنَاتُكَ عَجْزاً وَلاَ إِمْهَالُكَ وَهْناً وَلاَ إِمْسَاكُكَ غَفْلَةً، وَلاَ ٱنْتِظَارُكَ مُدَارَاةً، بَلْ لِتَكُونَ حُجَّتُكَ أَبْلَغَ، وَكَرَمُكَ أَكْمَلَ، وَإِحْسَانُكَ أَوْفَىٰ، وَنِعْمَتُكَ أَتَمَّ، كُلُّ ذَلِكَ كَانَ وَلَمْ تَزَلْ، وَهُوَ كَائِنٌ وَلاَ تَزَالُ، حُجَّتُكَ أَجَلَّ مِنْ أَنْ تُوصَفَ بِكُلِّهَا،

ـــــــــــ

(وَأَطَلْتَ ٱلإِمْهَالَ) فقد أمهلت الناس طويلاً لعلهم يرجعون (وَأَخَّرْتَ) العقاب (وَأَنْتَ مُسْتَطِيعٌ لِلْمُعَاجَلَةِ) فضلاً وكرماً (وَتأَنَّيْتَ) التأني: التصبر في الأمر (وَأَنْتَ مَلِيءٌ) قادر (بِالْمُبَادَرَةِ) أي: الإسراع في العقاب (لَمْ تَكُنْ أَنَاتُكَ) وإمهالك للمسيء (عَجْزاً) منك على عقابه (وَلاَ إِمْهَالُكَ) له (وَهْناً) وضعفاً في قدرتك (وَلاَ إِمْسَاكُكَ) من عذابه (غَفْلَةً) منك بأن كنت غافلاً منه (وَلاَ ٱنْتِظَارُكَ) للمسيء لعله ينقلع (مُدَارَاةً) في مفهوم المداراة نوع من الضعف والعجز (بَلْ) إنما أخرت وأمهلت (لِتَكُونَ حُجَّتُكَ أَبْلَغَ) أي: أكثر بلوغاً (وَكَرَمُكَ أَكْمَلَ) إذ العفو وعدم المعاجلة من فعل الكرماء (وَإِحْسَانُكَ أَوْفَىٰ) أي: أكثر وفاءً (وَنِعْمَتُكَ أَتَمَّ) على المسيء حيث أنعمت عليه حتى بعد الإساءة (كُلُّ ذَلِكَ) الذي ذكرت من الإمهال ونحوه (كَانَ) سابقاً بالنسبة إلى العصاة (وَلَمْ تَزَلْ) إلى الحال (وَهُوَ كَائِنٌ) الآن (وَلاَ تَزَالُ) في المستقبل (حُجَّتُكَ) ودليلك (أَجَلَّ) وأعظم (مِنْ أَنْ تُوصَفَ بِكُلِّهَا) أي: من أن يتمكن الإنسان من بيان جميع أنواع حججك.

ـــــــــــ

وَمَجْدُكَ أَرْفَعُ مِنْ أَنْ تُحَدَّ بِكُنْهِهِ، وَنِعْمَتُكَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَىٰ بِأَسْرِهَا، وَإِحْسَانُكَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُشْكَرَ عَلَىٰ أَقَلِّهِ، وَقَدْ قَصَّرَ بِيَ ٱلسُّكُوتُ عَنْ تَحْمِيدِكَ، وَفَهَّهَنِي ٱلإِمْسَاكُ عَنْ تَمْجِيدِكَ، وَقُصَارَايَ ٱلإِقْرَارُ بِالْحُسوُرِ لاَ رَغْبَةً يَا إِلَهِٰي بَلْ عَجْزاً، فَهَا أَنَا ذَا أَؤُمُّكَ بِالْوِفَادَةِ، وَأَسْأَلُكَ حُسْنَ ٱلرِّفَادَةِ،

ـــــــــــ

(وَمَجْدُكَ) وعلوك (أَرْفَعُ مِنْ أَنْ تُحَدَّ بِكُنْهِهِ) فإن الإنسان لا يبلغ فهم كنه علوه سبحانه (وَنِعْمَتُكَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَىٰ بِأَسْرِهَا) أي: جميعها (وَإِحْسَانُكَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُشْكَرَ) أي: يشكره الناس (عَلَىٰ أَقَلِّهِ) أي: المقدار القليل منه فكيف بجميعه (وَقَدْ قَصَّرَ بِيَ ٱلسُّكُوتُ عَنْ تَحْمِيدِكَ) أي: سكوتي في بعض الأحيان سبب تقصيري إذ اللازم أن يشتغل الإنسان بالحمد دائماً فلا يسكت ولو لحظة (وَفَهَّهَنِي) من الفهاهة، ضد الفصاحة بمعنى أعجزني (ٱلإِمْسَاكُ عَنْ تَمْجِيدِكَ) فلا أقدر على تعظيمك كما ينبغي (وَقُصَارَايَ ٱلإِقْرَارُ بِالْحُسوُرِ) أي: منتهى أمري إقراري بأني حسير غير قادر على حمدك ومجدك (لاَ رَغْبَةً يَا إِلَهِٰي) عنك وعن حمدك (بَلْ عَجْزاً) إذ لا أقدر أن أحسدك وأمجدك كما أنت أهله (فَهَا أَنَا ذَا) [الفاء] للعطف، و[ها] للتنبيه، و[أنا] ضمير المتكلم، و[ذا] للإشارة (أَؤُمُّكَ) أي: أقصدك (بِالْوِفَادَةِ) أي: أقدم عليك وآتي نحوك (وَأَسْأَلُكَ حُسْنَ ٱلرِّفَادَةِ) بأن ترفدني وتعطيني عطاءً حسناً.

ـــــــــــ

فَصَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَٱسْمَعْ نَجْوَايَ، وَٱسْتَجِبْ دُعَائِي، وَلاَ تَخْتِمْ يَوْمِي بِخَيْبَتِي، وَلاَ تَجْبَهْنِي بِالْرَّدِ فِي مَسْأَلَتِي، وَأَكْرِمْ مِنْ عِنْدِكَ مُنْصَرَفِي، وَإِلَيْكَ مُنْقَلَبِي، إِنَّكَ غَيْرُ ضَائِقٍ بِمَا تُرِيدُ، وَلاَ عَاجِزٍ عَمَّا تُسْأَلُ، وَأَنْتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةً إِلاَ بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.

ـــــــــــ

(فَصَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَٱسْمَعْ نَجْوَايَ) أي: كلامي الخفي معك (وَٱسْتَجِبْ دُعَائِي) بإنجاز حاجتي (وَلاَ تَخْتِمْ يَوْمِي بِخَيْبَتِي) وعدم إعطاء طلبي بل أعطني قبل تمام هذا اليوم الذي أدعوك فيه (وَلاَ تَجْبَهْنِي) من جبهه بمعنى ضرب على جبهته حين أقبل إليه (بِالْرَّدِ فِي مَسْأَلَتِي) حتى تردني ولا تقضي حاجتي التي سألتها (وَأَكْرِمْ مِنْ عِنْدِكَ مُنْصَرَفِي) أي: انصرافي (وَ) أكرم (إِلَيْكَ مُنْقَلَبِي) أي: حين أنقلب وأرجع بعد الموت (إِنَّكَ غَيْرُ ضَائِقٍ) أي: غير عاجز (بِمَا تُرِيدُ) من الأمور (وَلاَ عَاجِزٍ عَمَّا تُسْأَلُ) إذ تقدر على إجابة كل سؤال (وَأنْتَ) يا رب (عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةً) للإنسان في أي عمل أراده (إِلاَ بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ) فإن كل القوى منه.