أفضل المواقع الشيعية

دعاء في يوم عرفة

 
السجادية

الدعاء مطابق للمصدر

الصحيفة
 

وكان من دعائه (عليه السلام) في يوم عرفة:

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَللّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ بَدِيعَ ٱلسَّمٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ، ذَا الْجَلاَلِ وَٱلإِكْرَامِ، رَبَّ ٱلأَرْبَابِ، وَإِلَـٰهَ كُلِّ مَأْلُوهٍ، وَخَالِقَ كُلِّ مَخْلُوقٍ، وَوَارِثَ كُلِّ شَيْءٍ، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، وَلاَ يَعْزُبُ عَنْهُ عِلْمُ شَيْءٍ، وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ، وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبٌ،

ـــــــــــ

الشرح: (الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) مربي جميع العوالم (أَللّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ) يا (بَدِيعَ ٱلسَّمٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ) أي: مبدعهما وخالقهما من غير مثال سابق، يا (ذَا الْجَلاَلِ) الذي هو أجل من النقائص (وَٱلإِكْرَامِ) الذي يكرمه الكون ويطيع أوامره، يا (رَبَّ ٱلأَرْبَابِ) الرب: يطلق على كل مرب وصاحب، يقال للمعلم: رب، ولصاحب الشيء: رب الشيء، وهكذا، والله تعالى مربي كل أولئك الأرباب (وَإِلَـٰهَ كُلِّ مَأْلُوهٍ) أي: كل ما يعبده الناس كالأصنام وما أشبه، فإن الله تعالى إله كل ذلك، وعبادة الناس لها باطلة (وَخَالِقَ كُلِّ مَخْلُوقٍ) إذ ليس لسواه مخلوق حقيقي، وإن أطلق الخلق أحياناً على سواه فإنما يراد الصنع نحو: ﴿أخلق لكم من الطين﴾ [1] (وَوَارِثَ كُلِّ شَيْءٍ) إذ كل شيء يفنى فيبقى ما يتعلق به لله تعالى ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [2] الكاف إما زائدة، أو عبارة عرفية، نحو: [مثلك لا يبخل] أي: أنت لا تبخل، على ما ذكروه في علم البلاغة (وَلاَ يَعْزُبُ) أي: لا يغيب (عَنْهُ عِلْمُ شَيْءٍ) فهو عالم بكل شيء (وَهُوَ) سبحانه (بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ) إحاطة علم وقدرة (وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبٌ) يراقبه مراقبة تامة.

ـــــــــــ

أَنْتَ اللهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنْتَ ٱلأَحَدُ الْمُتَوَحِّدُ، الْفَرْدُ الْمُتَفَرِّدُ، وَأَنْتَ اللهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنْتَ الْكَرِيمُ الْمُتَكَرِّمُ، الْعَظِيمُ الْمُتَعَظِّمُ، الْكَبِيرُ الْمُتَكَبِّرُ، وَأَنْتَ اللهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنْتَ، الْعَلِيُّ الْمُتَعَالِ ٱلشَّدِيدُ الْمِحَالِ، وَأَنْتَ اللهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنْتَ ٱلرَّحْمٰنُ ٱلرَّحِيمُ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ،

ـــــــــــ

(أَنْتَ اللهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنْتَ ٱلأَحَدُ الْمُتَوَحِّدُ) تأكيد الأحد ولعل المراد به: الذي جعل نفسه وحيداً بمعنى عدم اعترافه بغيره (الْفَرْدُ الْمُتَفَرِّدُ) هذا تأكيد أن للأحد المتوحد، أو بينهما خلاف في المفهوم في الجملة: (وَأَنْتَ اللهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنْتَ الْكَرِيمُ الْمُتَكَرِّمُ) أي: الذي تكرم وأعطى فالكريم صفة في الذات، والمتكرم صفة بعد إتيان الفعل وهو الكرم والإعطاء (الْعَظِيمُ) بذاته (الْمُتَعَظِّمُ) الذي جعل لنفسه العظمة (الْكَبِيرُ) بذاته (الْمُتَكَبِّرُ) الذي جعل لنفسه الكبرياء (وَأَنْتَ اللهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنْتَ، الْعَلِيُّ) أي: الرفيع بذاته (الْمُتَعَالِ) أي: المترفع، وجاعل الرفعة لنفسه (ٱلشَّدِيدُ الْمِحَالِ) أي: القوي الحول (وَأَنْتَ اللهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنْتَ ٱلرَّحْمٰنُ ٱلرَّحِيمُ) الرحيم إما تأكيد، أو أن الرحمان خاص بالآخرة والرحيم عام للدنيا والآخرة، أو غير ذلك من الأقوال الكثيرة التي قيل في ذلك (الْعَلِيمُ) أي: العالم (الْحَكِيمُ) هو الذي يضع الأشياء مواضعها، ويعمل بحكمة وتدبير لا اعتباطاً وعبثاً.

ـــــــــــ

وَأَنْتَ اللهُ لاَ إِلَـٰهَ إلاَّ أَنْتَ ٱلسَّمِيعُ الْبَصِيرُ الْقَدِيمُ الْخَبِيرُ، وَأَنْتَ اللهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنْتَ الْكَرِيمُ ٱلأَكْرَمُ ٱلدَّائِمُ ٱلأَدْوَمُ، وَأَنْتَ اللهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنْتَ ٱلأَوَّلُ قَبْلَ كُلِّ أَحَدٍ، وَٱلآخِرُ بَعْدَ كُلِّ عَدَدٍ، وَأَنْتَ اللهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنْتَ ٱلدَّانِي فِي عُلُوِّهِ، وَالْعَالِي فِي دُنُوِّهِ،

ـــــــــــ

(وَأَنْتَ اللهُ لاَ إِلَـٰهَ إلاَّ أَنْتَ ٱلسَّمِيعُ الْبَصِيرُ) فإنه سبحانه يسمع كل صوت ويرى كل شيء لكن لا بآلة السمع والبصر، فهو سبحانه منزه عن الجسم وعوارضه (الْقَدِيمُ) فلا أول له (الْخَبِيرُ) أي: له خبرة واطلاع على الأشياء (وَأَنْتَ اللهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنْتَ الْكَرِيمُ ٱلأَكْرَمُ) أي: أكرم من كل كريم (ٱلدَّائِمُ ٱلأَدْوَمُ) فهو أكثر دواماً وبقاءً من كل دائم (وَأَنْتَ اللهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنْتَ ٱلأَوَّلُ قَبْلَ كُلِّ أَحَدٍ) فلا أحد قبله (وَٱلآخِرُ بَعْدَ كُلِّ عَدَدٍ) أي: ما يقبل العد والتعداد فإنه يبقى بعد فناء الأشياء (وَأَنْتَ اللهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنْتَ ٱلدَّانِي فِي عُلُوِّهِ) أي: أنه قريب بالعلم والقدرة إلى الأشياء مع أنه عال في ذاته رفيع عن الأشياء لا يشبهه شيء (وَالْعَالِي فِي دُنُوِّهِ) أي: أنه عال، مع أنه دان قريب، ومن المعلوم أن جهة قربه غير جهة علوه وارتفاعه، فلا تناقض.

ـــــــــــ

وَأَنْتَ اللهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنْتَ، ذُو الْبَهَاءِ وَالْمَجْدِ، وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْحَمْدِ، وَأَنْتَ اللهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنْتَ ٱلَّذِي أَنْشَأْتَ ٱلأَشْياءَ مِنْ غَيْرِ سِنْخٍ، وَصَوَّرْتَ مَا صَوَّرْتَ مِنْ غَيْرِ مِثَالٍ، وَٱبْتَدَعْتَ الْمُبْتَدَعَاتِ بِلﹾ ٱحْتِذَاءٍ، أَنْتَ ٱلَّذِي قَدَّرْتَ كُلَّ شَيْءٍ تَقْدِيراً، وَيَسَّرْتَ كُلَّ شَيْءٍ تَيْسِيراً، وَدَبَّرْتَ مَا دُونَكَ تَدْبِيراً،ً

ـــــــــــ

(وَأَنْتَ اللهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنْتَ، ذُو الْبَهَاءِ) أي: الحسن الذاتي (وَالْمَجْدِ) أي: الرفعة (وَالْكِبْرِيَاءِ) أي: العظمة والكبر (وَالْحَمْدِ) فإنه سبحانه يحمده خلقه (وَأَنْتَ اللهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنْتَ ٱلَّذِي أَنْشَأْتَ ٱلأَشْياءَ مِنْ غَيْرِ سِنْخٍ) أي: من غير أصل، أو من غير مثل (وَصَوَّرْتَ مَا صَوَّرْتَ) بأن أعطيت الأشياء الصورة (مِنْ غَيْرِ مِثَالٍ) سبق أن رآه سبحانه فاحتذى بتلك الأمثلة، كما هي العادة في البشر (وَٱبْتَدَعْتَ) الإبداع: الخلق ابتداءً بلا مثال (الْمُبْتَدَعَاتِ بِلﹾ ٱحْتِذَاءٍ) أ ي: بلا اقتداء بشيء سبق (أَنْتَ) يا رب (ٱلَّذِي قَدَّرْتَ كُلَّ شَيْءٍ تَقْدِيراً) بأن جعلت لكل شيء قدراً من الزمان والمكان والكيفية وسائر الخصوصيات (وَيَسَّرْتَ كُلَّ شَيْءٍ تَيْسِيراً) بأن سهلت خلقه ووجوده وسائر خصوصياته (وَدَبَّرْتَ مَا دُونَكَ) أي: ما سواك (تَدْبِيراً) أي: دبرت أمره بنحو الصلاح والحكمة.

ـــــــــــ

وَأَنْتَ ٱلَّذِي لَمْ يُعِنْكَ عَلَىٰ خَلْقِكَ شَرِيكٌ، وَلَمْ يُؤَازِرْكَ فِي أَمْرِكَ وَزِيرٌ، وَلَمْ يَكُنْ لَكَ مُشَاهِدٌ وَلاَ نَظِيرٌ، أَنْتَ ٱلَّذِي أَرَدْتَ فَكَانَ حَتْماً مَا أَرَدْتَ، وَقَضَيْتَ فَكَانَ عَدْلاً مَا قَضَيْتَ، وَحَكَمْتَ فَكَانَ نَصْفاً مَا حَكَمْتَ، أَنْتَ ٱلَّذِي لاَ يَحْوِيكَ مَكَانٌ، وَلَمْ يَقُمْ لِسُلْطَانِكَ سُلْطَانٌ، وَلَمْ يُعْيِكَ بُرْهانٌ وَلاَ بَيَانٌ،

ـــــــــــ

(وَأَنْتَ ٱلَّذِي لَمْ يُعِنْكَ عَلَىٰ خَلْقِكَ شَرِيكٌ) بل خلقت كل الخلق وحدك (وَلَمْ يُؤَازِرْكَ) أي: لم يناصرك ولم يعاونك (فِي أَمْرِكَ وَزِيرٌ) أي: معاون ومؤازر (وَلَمْ يَكُنْ لَكَ مُشَاهِدٌ) يشاهد وينظر إليك، إذ هو سبحانه لا يرى لا في الدنيا ولا في الآخرة، قال تعالى: ﴿لا تدركه الأبصار﴾ (وَلاَ نَظِيرٌ) أي: مثيل (أَنْتَ ٱلَّذِي أَرَدْتَ) الأشياء (فَكَانَ حَتْماً) أي: قطعاً (مَا أَرَدْتَ) بلا تخلف إرادتك عن المراد (وَقَضَيْتَ فَكَانَ عَدْلاً مَا قَضَيْتَ) القضاء في الأشياء: الخلق وفي التشريعات: الحكم، فإنه تعالى خلق بالعدل وشرع بالعدل، والمراد هنا: القضاء في عالم التكوينات بقرينة الجملة الآتية (وَحَكَمْتَ) بأن أمرت ونهيت أو فصلت في القضايا، من الحكم في المرافعات (فَكَانَ نَصْفاً) أي: إنصافاً (مَا حَكَمْتَ) لا تميل إلى طرف من الأطراف، بل تجعل نصفاً لهذا ونصفاً لذاك (أَنْتَ ٱلَّذِي لاَ يَحْوِيكَ) أي: لا يشملك (مَكَانٌ) فإنه ليس بجسم حتى يكون له مكان (وَلَمْ يَقُمْ لِسُلْطَانِكَ سُلْطَانٌ) أي: لم يقم لمعارضة سلطانك سلطة أخرى إذ لا سلطة في مقابل سلطته تعالى (وَلَمْ يُعْيِكَ بُرْهانٌ) من أعياه إذا أعجزه، فإن برهانه تعالى فوق كل برهان مخالف له (وَلاَ بَيَانٌ) فقد يكون برهان الشخص صحيحاً لكنه يعجز عن بيانه.

ـــــــــــ

أَنْتَ ٱلَّذِي أَحْصَيْتَ كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً، وَجَعَلْتَ لِكُلِّ شَيْءٍ أَمَداً، وَقَدَّرْتَ كُلَّ شَيْءٍ تَقْدِيراً، أَنْتَ ٱلَّذِي قَصُرَتِ ٱلأَوْهَامُ عَنْ ذَاتِيَّتِكَ، وَعَجَزَتِ ٱلأَفْهَامُ عَنْ كَيْفِيَّتِكَ وَلَمْ تُدْرِكِ ٱلأَبْصَارُ مَوْضِعَ أَيْنِِِِيَّتِكَ أَنْتَ ٱلَّذِي لاَ تُحَدُّ فَتَكُونَ مَحْدُوداً، وَلَمْ تُمَثَّلْ فَتَكُونَ مَوْجُوداً، وَلَمْ تَلِدْ فَتَكُونَ مَوْلُوداً،

ـــــــــــ

(أَنْتَ ٱلَّذِي أَحْصَيْتَ كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً) بأن علمت إعداد كل شيء معدود (وَجَعَلْتَ لِكُلِّ شَيْءٍ أَمَداً) أي: مدة محدودة (وَقَدَّرْتَ كُلَّ شَيْءٍ تَقْدِيراً) فكان لكل شيء قدر محدود معلوم في جميع جهاته وخصوصياته (أَنْتَ ٱلَّذِي قَصُرَتِ ٱلأَوْهَامُ) أي: الأذهان والظنون (عن) إدراك (عَنْ ذَاتِيَّتِكَ) أي: كنه ذاتك (وَعَجَزَتِ ٱلأَفْهَامُ عَنْ كَيْفِيَّتِكَ) فلم تعرف كيف أنت (وَلَمْ تُدْرِكِ ٱلأَبْصَارُ مَوْضِعَ أَيْنِِِِيَّتِكَ) أي: محلك، وأين أنت، وهذا وما قبله من باب السالبة بانتفاء الموضوع إذ لا كيف ولا أين له تعالى (أَنْتَ ٱلَّذِي لاَ تُحَدُّ) بحد ذاتي أو مكاني أو ما أشبه (فَتَكُونَ مَحْدُوداً) إذ المحدود ليس برب (وَلَمْ تُمَثَّلْ) أي: لست كالموجودات (فَتَكُونَ مَوْجُوداً) بعد العدم، إذ كلما له مثال فهو موجود بعد العدم قالوا: [حكم الأمثال فيما يجوز وفيما لا يجوز واحد] (وَلَمْ تَلِدْ) أحداً (فَتَكُونَ مَوْلُوداً) لأحد إذ كل ولد لا بد له من شيء ولد منه، حتى آدم عليه السلام فإنه مولود من الطين.

ـــــــــــ

أَنْتَ ٱلَّذِي لاَ ضِدَّ مَعَكَ فَيُعَانِدَكَ، وَلاَ عِدْلَ لَكَ فَيُكَاثِرَكَ وَلاَ نِدَّ لَكَ فَيُعَارِضَكَ، أَنْتَ ٱلَّذِي ٱبْتَدَأَ وَٱخْتَرَعَ، وَٱسْتَحْدَثَ وَٱبْتَدَعَ، وَأَحْسَنَ صُنْعَ مَا صَنَعَ، سُبْحَانَكَ! مَا أَجَلَّ شَأْنَكَ، وَأَسْنَىٰ فِي ٱلأَمَاكِنِ مَكَانَكَ، وَأَصْدَعَ بِالْحَقِّ فُرْقَانَكَ!

ـــــــــــ

(أَنْتَ ٱلَّذِي لاَ ضِدَّ مَعَكَ) فإن الضدين ذاتان موجودان يحل أحدهما محل الآخر، وهذا مستحيل بالنسبة إليه تعالى، ولذا لا صنف له (فَيُعَانِدَكَ) إذ الضد يظهره ضده (وَلاَ عِدْلَ) أي: معادل ومماثل (لَكَ فَيُكَاثِرَكَ) أي: يجمع الجند والأعوان ليكون أكثر منك عدداً (وَلاَ نِدَّ) أي: مثل (لَكَ فَيُعَارِضَكَ) كما يعارض المثل مثله (أَنْتَ ٱلَّذِي ٱبْتَدَأَ وَٱخْتَرَعَ) الأشياء بأن صنعها بغير مثال (وَٱسْتَحْدَثَ وَٱبْتَدَعَ) الأشياء إنشاءً من غير مادة أو مثال (وَأَحْسَنَ صُنْعَ مَا صَنَعَ) فصنعه كله حسن وإن لم يدرك الإنسان وجه الحكمة وحسن الصنعة (سُبْحَانَكَ! مَا أَجَلَّ شَأْنَكَ) أي: أعظم أمرك (وَأَسْنَىٰ) أي: أرفع وأعلى (فِي ٱلأَمَاكِنِ مَكَانَكَ) أي: مكانتك بين المكانات، لا المكان مقابل الزمان فإنه سبحانه لا مكان له (وَأَصْدَعَ بِالْحَقِّ) أي: أظهر وأقام بالحق (فُرْقَانَكَ) أي: القرآن أو الموازين التي جعلتها للفرق بين الحق والباطل.

ـــــــــــ

سُبْحَانَكَ مِنْ لَطِيفٍ مَا أَلْطَفَكَ، وَرَؤُوفٍ مَا أَرْأَفَكَ، وَحَكِيمٍ مَا أَعْرَفَكَ، سُبْحَانَكَ مِنْ مَلِيكٍ مَا أَمْنَعَكَ، وَجَوَادٍ مَا أَوْسَعَكَ، وَرَفِيعٍ مَا أَرْفَعَكَ، ذُو الْبَهَاءِ وَالْمَجْدِ، وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْحَمْدِ، سُبْحَانَكَ بَسَطْتَ بِالْخَيْرَاتِ يَدَكَ، وَعُرِفَتِ الْهِدَايَةُ مِنْ عِنْدِكَ، فَمَنِ ٱلْتَمَسَكَ لِدِينٍ أَوْ دُنْيَا وَجَدَكَ،

ـــــــــــ

(سُبْحَانَكَ) أي: أنزهك تنزيهاً لك (مِنْ لَطِيفٍ مَا أَلْطَفَكَ) أي: أكثر لطفك، اللطيف: هو العالم بدقائق الأمور، والصانع لغوامض الأشياء (وَرَؤُوفٍ) أي: رحيم (مَا أَرْأَفَكَ) أي: أكثر رحمتك ورأفتك (وَحَكِيمٍ مَا أَعْرَفَكَ) أي: أكثر علمك بالأشياء ومواضعها إذ الحكمة تتوقف على العلم (سُبْحَانَكَ مِنْ مَلِيكٍ) أي: ملك (مَا أَمْنَعَكَ) من أن يصل أحد إليك (وَجَوَادٍ مَا أَوْسَعَكَ) أي: أوسع جودك وعطاءك (وَرَفِيعٍ مَا أَرْفَعَكَ) أي: أكثر رفعتك حتى لا يصل إليها أحد (ذُو الْبَهَاءِ) أي: الحسن (وَالْمَجْدِ) أي: العظمة (وَالْكِبْرِيَاءِ) أي: العلو والرفعة (وَالْحَمْدِ) أي: ذو الحمد الذي يحمده الناس (سُبْحَانَكَ بَسَطْتَ بِالْخَيْرَاتِ يَدَكَ) كناية عن إعطائه الخير، فإن المعطي يمد يده نحو المعطى له (وَعُرِفَتِ الْهِدَايَةُ مِنْ عِنْدِكَ) فإنه تعالى هدى الناس إلى ما يوجب سعادتهم (فَمَنِ ٱلْتَمَسَكَ) أي: طلبك (لِدِينٍ أَوْ دُنْيَا) بأن تعطيه (وَجَدَكَ) كناية عن إعطائك له ما أراد.

ـــــــــــ

سُبْحَانَكَ خَضَعَ لَكَ مَنْ جَرَىٰ فِي عِلْمِكَ، وَخَشَعَ لِعَظَمَتِكَ مَا دُونَ عَرْشِكَ، وَٱنْقَادَ لِلتَّسْلِيمِ لَكَ كُلُّ خَلْقِكَ، سُبْحَانَكَ لاَ تُحَسُّ وَلاَ تُجَسُّ وَلاَ تُمَسُّ وَلاَ تُكَادُ وَلاَ تُمَاطُ وَلاَ تُنَازَعُ وَلاَ تُجَارَىٰ وَلاَ تُمَارَىٰ وَلاَ تُخَادَعُ وَلاَ تُمَاكَرُ، سُبْحَانَكَ سَبِيلُكَ جَدَدٌ، وَأَمْرُكَ رَشَدٌ، وَأَنْتَ حَيٌّ صَمَدٌ،

ـــــــــــ

(سُبْحَانَكَ خَضَعَ لَكَ مَنْ جَرَىٰ فِي عِلْمِكَ) أي: كل المخلوقات، فلا شيء يعلمه الله موجوداً إلا وهو خاضع لجنابه منقاد بأمره (وَخَشَعَ لِعَظَمَتِكَ) أي: خضع لها (مَا دُونَ عَرْشِكَ) أي جميع مخلوقاتك (وَٱنْقَادَ لِلتَّسْلِيمِ لَكَ كُلُّ خَلْقِكَ) فكل مخلوق منقاد لله تعالى تكويناً (سُبْحَانَكَ لاَ تُحَسُّ) أي: لا تدرك بالحواس الخمسة الباصرة والذائقة والشامة واللامسة والسامعة (وَلاَ تُجَسُّ) أي: لا يعلم أخبارك، من التجسس (وَلاَ تُمَسُّ) من المس وهو الدرك باللامسة فإنه تعالى ليس بجسم ولا عرض حتى يدرك بالحواس (وَلاَ تُكَادُ) أي: لا يمكر بك أن يصل الكيد والمكر إليك (وَلاَ تُمَاطُ) من الإماطة بمعنى الإزالة أي: يزال سلطانك ولا تدفع عن ألوهيتك (وَلاَ تُنَازَعُ) فإنه ليس في الوجود من هو قابل لمنازعته تعالى (وَلاَ تُجَارَىٰ) أي: تماثل فإنه لا أحد يجاريك ويماثلك (وَلاَ تُمَارَىٰ) من المماراة والمراء بمعنى الجدل، أي: لا يجادلك أحد (وَلاَ تُخَادَعُ) فإن أحداً لا يقدر على خدعة الله تعالى (وَلاَ تُمَاكَرُ) فإن أحداً لا يقدر على أن يمكر بالله بأن يعمل عملاً خفياً ضده (سُبْحَانَكَ) اللهم (سَبِيلُكَ جَدَدٌ) أي: مستو واضح (وَأَمْرُكَ رَشَدٌ) أي: هداية ورشد (وَأَنْتَ حَيٌّ) لا تموت (صَمَدٌ) سيد شريف، أو لا جوف لك.

ـــــــــــ

سُبْحَانَكَ قَوْلُكَ حُكْمٌ، وَقَضَاؤُكَ حَتْمٌ وَإِرَادَتُكَ عَزْمٌ، سُبْحَانَكَ لاَ رَادَّ لِمَشِيئَتِكَ، وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِكَ سُبْحَانَكَ قَاهِرَ ٱلأَرْبَابِ، بَاهِرَ ٱلآيَاتِ، فَاطِرَ ٱلسَّمٰوَاتِ، بَارِئَ ٱلنَّسَمَاتِ، لَكَ الْحَمْدُ حَمْداً يَدُومُ بِدَوَامِكَ، وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْداً خَالِداً بِنِعْمَتِكَ،

ـــــــــــ

(سُبْحَانَكَ) اللهم (قَوْلُكَ حُكْمٌ) أي: حكمة لا عبث (وَقَضَاؤُكَ حَتْمٌ) فما تقضيه في الكون لا بد أن يكون لا خلف فيه (وَإِرَادَتُكَ عَزْمٌ) فلا ترديد لك (سُبْحَانَكَ) اللهم (لاَ رَادَّ لِمَشِيئَتِكَ) فإذا شئت شيئاً لا يرد ما أردت (وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِكَ) أي: لا أحد يقدر على أن يبدل ما قلت وأمرت (سُبْحَانَكَ قَاهِرَ ٱلأَرْبَابِ) يا (بَاهِرَ ٱلآيَاتِ) أي: آياته ظاهرة عالية (فَاطِرَ ٱلسَّمٰوَاتِ) أي: خالقها (بَارِئَ ٱلنَّسَمَاتِ) جمع نسمة بمعنى الخلق أو بمعنى الإنسان والبارئ بمعنى الخالق (لَكَ الْحَمْدُ حَمْداً يَدُومُ بِدَوَامِكَ) أي: أني أحمدك هذا المقدار من الحمد، لكن حيث لا أبقى فإني أشير إلى ما انطوى عليه نفسي من كثرة حمدك (وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْداً خَالِداً) أي: باقياً (بِنِعْمَتِكَ) أي: أن نعمتك عليَّ في قبولك حمدي الخالد الباقي، هي سبب حمدي الخالد، أو المراد: حمداً بنعمتك، أي: أحمدك بسبب نعمتك،

ـــــــــــ

وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْداً يُوَازِي صُنْعَكَ، وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْداً يَزِيدُ عَلَىٰ رِضَاكَ، وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْداً مَعَ حَمْدِ كُلِّ حَامِدٍ، وَشُكْراً يَقْصُرُ عَنْهُ شُكْرُ كُلِّ شَاكِرٍ، حَمْداً لاَ يَنْبَغِي إِلاَّ لَكَ، وَلاَ يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلاَّ إِلَيْكَ، حَمْداً يُسْتَدَامُ بِهِ ٱلأَوَّلُ، وَيُسْتَدْعَىٰ بِهِ دَوَامُ الآخِرِ،

ـــــــــــ

(وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْداً يُوَازِي) ويعادل (صُنْعَكَ) في الكثرة والعظمة (وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْداً يَزِيدُ عَلَىٰ رِضَاكَ) مثلاً يرضى سبحانه بألف حمد فالحامد يقول إني أحمدك أكثر من الألف (وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْداً) مضى (مَعَ حَمْدِ كُلِّ حَامِدٍ) فإني أحمدك كما يحمدك كل حامد (وَشُكْراً يَقْصُرُ عَنْهُ شُكْرُ كُلِّ شَاكِرٍ) فلو شكرك كل الناس ألف شكر مثلاً فإني أشكرك ألفي شكر (حَمْداً لاَ يَنْبَغِي إِلاَّ لَكَ) لأنه فوق استحقاق المحمودين (وَلاَ يُتَقَرَّبُ بِهِ) أي: بذلك الحمد (إِلاَّ إِلَيْكَ) لأنه خالص مخلص لا شائبة ولا رياء فيه (حَمْداً يُسْتَدَامُ بِهِ) الحمد (ٱلأَوَّلُ) الذي حمده الإنسان (وَيُسْتَدْعَىٰ بِهِ) أي: يطلب بذلك الحمد (دَوَامُ) الحمد (الآخِرِ) والمراد: حمداً متصلاً من الأول إلى الأخير بلا انقطاع.

ـــــــــــ

حَمْداً يَتَضَاعَفُ عَلَىٰ كُرُورِ ٱلأَزْمِنَةِ، وَيَتَزَايَدُ أَضْعَافاً مُتَرَادِفَةً، حَمْداً يَعْجَزُ عَنْ إِحْصَائِهِ الْحَفَظَةُ، وَيَزِيدُ عَلَىٰ مَا أَحْصَتْهُ فِي كِتَابِكَ الْكَتَبَةُ، حَمْداً يُوَازِنُ عَرْشَكَ الْمَجِيدَ، وَيُعَادِلُ كُرْسِيَّكَ الْرَّفِيعَ، حَمْداً يَكْمُلُ لَدَيْكَ ثَوَابُهُ، وَيَسْتَغْرِقُ كُلَّ جَزَاءٍ جَزَاؤُهُ، حَمْداً ظَاهِرُهُ وَفْقٌ لِبَاطِنِهِ، وَبَاطِنُهُ وَفْقٌ لِصِدْقِ ٱلنِّيَّةِ فِيهِ،

ـــــــــــ

(حَمْداً يَتَضَاعَفُ) ويزداد (عَلَىٰ كُرُورِ ٱلأَزْمِنَةِ) كرور، من كر بمعنى رجع، أي: مرور الزمان (وَيَتَزَايَدُ) ذلك الحمد (أَضْعَافاً مُتَرَادِفَةً) لا ضعفاً واحداً فقط (حَمْداً يَعْجَزُ عَنْ إِحْصَائِهِ الْحَفَظَةُ) جمع حافظ: وهم الملائكة الذين يحفظون أعمال العباد ويعدونها (وَيَزِيدُ عَلَىٰ مَا أَحْصَتْهُ فِي كِتَابِكَ الْكَتَبَةُ) أي: الملائكة الكاتبون لذلك الحمد، حتى أن الحمد أكثر مما عده الكاتبون (حَمْداً يُوَازِنُ) ويساوي (عَرْشَكَ الْمَجِيدَ) أي: ذو المجد والعظمة بأن تكون عظمة الحمد كعظمة العرش (وَيُعَادِلُ كُرْسِيَّكَ الْرَّفِيعَ) في رفعته (حَمْداً يَكْمُلُ لَدَيْكَ ثَوَابُهُ) بأن تثيب الحامد ثواباً كاملاً غير منقوص (وَيَسْتَغْرِقُ كُلَّ جَزَاءٍ جَزَاؤُهُ) بأن يكون جزاء هذا الحمد أكثر من جميع أنواع الجزاء والثواب الذي يعطى لسائر الناس على سائر الأعمال (حَمْداً ظَاهِرُهُ وَفْقٌ لِبَاطِنِهِ) بأن أحمد لفظاً وقلباً، أو أريد بلفظ الحمد معناه لا معنى آخر، كما يكون ذلك في باب المجاز وشبهه (وَبَاطِنُهُ وَفْقٌ لِصِدْقِ ٱلنِّيَّةِ فِيهِ) بأن أكون بنية صادقة في حمدي فأعرف أن النعمة منك وأنها تستحق الحمد.

ـــــــــــ

حَمْداً لَمْ يَحْمَدْكَ خَلْقٌ مِثْلَهُ، وَلاَ يَعْرِفُ أَحَدٌ سِوَاكَ فَضْلَهُ، حَمْداً يُعَانُ مَنِ ٱجْتَهَدَ فِي تَعْدِيدِهِ، وَيُؤَيَّدُ مَنْ أَغْرَقَ نَزْعاً فِي تَوْفِيَتِهِ، حَمْداً يَجْمَعُ مَا خَلَقْتَ مِنَ الْحَمْدِ، وَيَنْتَظِمُ مَا أَنْتَ خَالِقُهُ مِنْ بَعْدُ، حَمْداً لاَ حَمْدَ أَقْرَبُ إِلَىٰ قَوْلِكَ مِنْهُ، وَلاَ أَحْمَدُ مِمَّنْ يَحْمَدُكَ بِهِ،

ـــــــــــ

(حَمْداً لَمْ يَحْمَدْكَ خَلْقٌ مِثْلَهُ) أي: مثل ذلك الحمد كثرة وكيفية (وَلاَ يَعْرِفُ أَحَدٌ سِوَاكَ فَضْلَهُ) لكونه حمداً جليلاً عظيماً (حَمْداً يُعَانُ مَنِ ٱجْتَهَدَ فِي تَعْدِيدِهِ) أي: الذي يجتهد في تعداد ذلك الحمد ويتعب يؤيده الله تعالى، لأن الحمد مقبول لديه، ومن المعلوم أن الشخص إذا قام بمحبوبه تعالى أعانه تعالى عليه (وَيُؤَيَّدُ) أي: ويقوي ويوفق (مَنْ أَغْرَقَ نَزْعاً فِي تَوْفِيَتِهِ) الإغراق الإكثار، والأصل أن الذي يريد أن يرمي يبالغ في نزع وامتداد الوتر حتى يذهب السهم بعيداً ومعنى التوفية الوفاء، كأنه يريد وفاء الحمد بما يلزم عليه من الثناء عليه تعالى (حَمْداً يَجْمَعُ مَا خَلَقْتَ مِنَ الْحَمْدِ) أي: يكون جامعاً لجميع أفراد الحمد الذي هو مخلوق لك (وَيَنْتَظِمُ) أي: يشمل (مَا أَنْتَ خَالِقُهُ) من أنواع الحمد (مِنْ بَعْدُ) حمدي لك، والمعنى يكون بتلك الكثرة حتى يشمل جميع أفراد الحمد ما مضى وما يأتي (حَمْداً لاَ حَمْدَ أَقْرَبُ إِلَىٰ قَوْلِكَ) الذي أمرت بالحمد (مِنْهُ) فهو إطاعة لأمرك بالحمد مثابة لأمرك (وَلاَ أَحْمَدُ مِمَّنْ يَحْمَدُكَ بِهِ) أي بالحمد، أي: لا يكون هناك أحد أكثر حمداً من الحامدين، من حمدي لك.

ـــــــــــ

حَمْداً يُوجِبُ بِكَرَمِكَ الْمَزِيدَ بِوُفُورِهِ، وَتَصِلُهُ بِمَزِيدٍ بَعْدَ مَزِيدٍ طَوْلاً مِنْكَ، حَمْداً يَجِبُ لِكَرَمِ وَجْهِكَ، وَيُقَابِلُ عِزَّ جَلاَلِكَ، رَبِّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدِ الْمُنْتَجَبِ، الْمُصْطَفَىٰ الْمُكَرَّمِ الْمُقَرَّبِ، أَفْضَلَ صَلَوَاتِكَ، وَبَارِكْ عَلَيْهِ أَتَمَّ بَرَكَاتِكَ وَتَرَحَّمْ عَلَيْهِ أَمْتَعَ رَحَمَاتِكَ،

ـــــــــــ

(حَمْداً يُوجِبُ بِكَرَمِكَ الْمَزِيدَ) أي: الزيادة (بِوُفُورِهِ) أي: بسبب كثرته، فإن الله تعالى يكثر الشيء القليل فكيف بالشيء الكثير (وَتَصِلُهُ) أي: تصل ذلك الحمد (بِمَزِيدٍ بَعْدَ مَزِيدٍ) أي: زيادة بعد زيادة (طَوْلاً) وإحساناً (مِنْكَ) حيث يزيد الحمد عن قدره الأصلي (حَمْداً يَجِبُ لِكَرَمِ وَجْهِكَ) أي: لكرم ذاتك، فإن الكريم يجب حمده (وَيُقَابِلُ) أي: يكون بقدر (عِزَّ جَلاَلِكَ) فإن العزيز الجليل يستحق الحمد بقدر عزته وجلاله (رَبِّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدِ الْمُنْتَجَبِ) أي: المختار (الْمُصْطَفَىٰ) من اصطفاه بمعنى اختاره (الْمُكَرَّمِ) أي: الذي أكرمته (الْمُقَرَّبِ) الذي قربته إلى نفسك قرب شرف ورضا (أَفْضَلَ صَلَوَاتِكَ) التي صليتها على أحد (وَبَارِكْ عَلَيْهِ) أي: اجعله مباركاً ثابتاً (أَتَمَّ بَرَكَاتِكَ) أي: التي أكثر تماماً (وَتَرَحَّمْ عَلَيْهِ) أي: ارحمه (أَمْتَعَ رَحَمَاتِكَ) أي: الرحمة الموجبة للمتعة واللذة.

ـــــــــــ

رَبِّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ صَلاَةً زَاكِيَةً لاَ تَكُونُ صَلاَةٌ أَزْكَىٰ مِنْهَا، وَصَلِّ عَلَيْهِ صَلاَةً نَامِيَةً لاَ تَكُونُ صَلاَةٌ أَنْمَىٰ مِنْهَا، وَصَلِّ عَلَيْهِ صَلاَةً رَاضِيَةً لاَ تَكُونُ صَلاَةٌ فَوْقَهَا، رَبِّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، صَلاَةً تُرْضِيهِ وَتَزِيدُ عَلَىٰ رِضَاهُ، وَصَلِّ عَلَيْهِ صَلاَةً تُرْضِيكَ وَتَزِيدُ عَلَىٰ رِضَاكَ لَهُ، وَصَلِّ عَلَيْهِ صَلاَةً لاَ تَرْضَىٰ لَهُ إِلاَّ بِهَا، وَلاَ تَرَىٰ غَيْرَهُ لَهَا أَهْلاً،

ـــــــــــ

(رَبِّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ صَلاَةً زَاكِيَةً) أي: تزكو وتنمو (لاَ تَكُونُ صَلاَةٌ أَزْكَىٰ مِنْهَا) فهي أكثر نمواً من كل الصلوات (وَصَلِّ عَلَيْهِ صَلاَةً نَامِيَةً لاَ تَكُونُ صَلاَةٌ أَنْمَىٰ مِنْهَا) والفرق أن الزكاة نمو مع طهارة، والنماء مطلق (وَصَلِّ عَلَيْهِ صَلاَةً رَاضِيَةً) أي: مرضية (لاَ تَكُونُ صَلاَةٌ فَوْقَهَا) في الرضا (رَبِّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، صَلاَةً تُرْضِيهِ) أي: توجب رضى الرسول (صلى الله عليه وآله) (وَتَزِيدُ عَلَىٰ رِضَاهُ) والمراد بالصلاة: الرحمة والعطف الشامل للقرب المعنوي واللذائذ المادية (وَصَلِّ عَلَيْهِ صَلاَةً تُرْضِيكَ) بأن تكون تلك الصلاة بقدر رضاك، فإن المعطي قد لا يرضى بما أعطاه، لأنه يرى أن مقام المعطى له فوق قدر ما أعطاه، كما لو أعطى الإنسان من يستحق ألف دينار (مائة) فإن المعطي لا يرضى بالمائة (وَتَزِيدُ عَلَىٰ رِضَاكَ لَهُ) بأن تكون فوق القدر اللازم الذي ترضى أنت لمثل الرسول (صلى الله عليه وآله) (وَصَلِّ عَلَيْهِ صَلاَةً لاَ تَرْضَىٰ لَهُ إِلاَّ بِهَا) هذا كتأكيد لما سبق (وَلاَ تَرَىٰ غَيْرَهُ لَهَا) لتلك الصلاة (أَهْلاً) أي: لأنها صلاة كبيرة كثيرة.

ـــــــــــ

رَبِّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ صَلاَةً تُجَاوِزُ رِضْوَانَكَ، وَيَتَّصِلُ ٱتِّصَالُهَا بِبَقَائِكَ، وَلاَ يَنْفَدُ كَمَا لاَ تَنْفَدُ كَلِمَاتُكَ، رَبِّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ صَلاَةً تَنْتَظِمُ صَلَوَاتِ مَلاَئِكَتِكَ وَأَنْبِيَائِكَ وَرُسُلِكَ وَأَهْلِ طَاعَتِكَ، وَتَشْتَمِلُ عَلَىٰ صَلَوَاتِ عِبَادِكَ مِنْ جِنِّكَ وَإِنْسِكَ وَأَهْلِ إِجَابَتِكَ، وَتَجْتَمِعُ عَلَىٰ صَلاَةِ كُلِّ مَنْ ذَرَأْتَ وَبَرَأْتَ مِنْ أَصْنَافِ خَلْقِكَ،

ـــــــــــ

(رَبِّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ صَلاَةً تُجَاوِزُ رِضْوَانَكَ) أي: تجاوز القدر الذي ترضى به (وَيَتَّصِلُ ٱتِّصَالُهَا بِبَقَائِكَ) فهي صلاة دائمة لا انقطاع لها (وَلاَ يَنْفَدُ) أي: لا يتم (كَمَا لاَ تَنْفَدُ كَلِمَاتُكَ) أي: رحمتك فإن رحمته سبحانه لا تنفد بل دائمة (رَبِّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ صَلاَةً تَنْتَظِمُ صَلَوَاتِ مَلاَئِكَتِكَ) أي: تكون مع تلك الصلوات (وَأَنْبِيَائِكَ وَرُسُلِكَ وَأَهْلِ طَاعَتِكَ) فإن اجتماع الهدايا إلى أحد أكثر وقعاً من تفرقها وإيتائها كلاً بانفرادها (وَتَشْتَمِلُ) صلاتك (عَلَىٰ صَلَوَاتِ عِبَادِكَ مِنْ جِنِّكَ وَإِنْسِكَ وَأَهْلِ إِجَابَتِكَ) أي: الذين تستجاب صلواتهم، وهذا من باب ذكر الخاص بعد العام للتأكيد (وَتَجْتَمِعُ عَلَىٰ صَلاَةِ كُلِّ مَنْ ذَرَأْتَ) أي: خلقت (وَبَرَأْتَ) أي: أنشأت (مِنْ أَصْنَافِ خَلْقِكَ) فإن سائر أجزاء الكون تصلي على محمد وآله كما ورد بذلك الأحاديث.

ـــــــــــ

رَبِّ صَلِّ عَلَيهِ وَآلِهِ صَلاَةً تُحِيطُ بِكُلِّ صَلاَةً سَالِفَةٍ وَمُسْتَأْنَفَةٍ، وَصَلِّ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ صَلاَةً مَرْضِيَّةً لَكَ وَلِمَنْ دُونَكَ، وَتُنْشِىءُ مَعَ ذَلِكَ صَلَوَاتٍ تُضَاعِفُ مَعَهَا تِلْكَ ٱلصَّلَوَاتِ عِنْدَهَا، وَتَزِيدُهَا عَلَىٰ كُرُورِ ٱلأَيَّامِ زِيَادَةً فِي تَضَاعِيفَ لاَ يَعُدُّهَا غَيْرُكَ، رَبِّ صَلِّ عَلَىٰ أَطَايِبِ أَهْلِ بَيْتِهِ ٱلَّذِينَ ٱخْتَرْتَهُمْ لأَمْرِكَ،

ـــــــــــ

(رَبِّ صَلِّ عَلَيهِ وَآلِهِ صَلاَةً تُحِيطُ بِكُلِّ صَلاَةً سَالِفَةٍ) أي: أن صلاتي تكون أكثر من كل صلاة سلفت وتقدمت عليه (وَمُسْتَأْنَفَةٍ) أي: جديدة (وَصَلِّ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ صَلاَةً مَرْضِيَّةً لَكَ) أي: ترضاها (وَلِمَنْ دُونَكَ) بأن تكون صلاة يرضى بها كل أحد (وَتُنْشِىءُ مَعَ ذَلِكَ) الذي ذكرت وطلبت من الصلاة عليه (صلى الله عليه وآله) وعلى آله (صَلَوَاتٍ تُضَاعِفُ مَعَهَا) أي: مع تلك الصلاة (تِلْكَ ٱلصَّلَوَاتِ عِنْدَهَا) فإن الصلوات الجديدة تسبب تضاعف الصلوات القديمة (وَتَزِيدُهَا) بأن تكون الصلوات المنشئة أكثر من الصلوات القديمة (عَلَىٰ كُرُورِ ٱلأَيَّامِ) ومرورها (زِيَادَةً فِي تَضَاعِيفَ) أي: تلك الزيادة تتضاعف (لاَ يَعُدُّهَا غَيْرُكَ) لكثرتها (رَبِّ صَلِّ عَلَىٰ أَطَايِبِ أَهْلِ بَيْتِهِ) أطايب جمع أطيب، والمراد بهذا وصف أهل البيت بالأطيب، لا أنه وصف للتقييد والإخراج، فإنه بعيد عن السياق (ٱلَّذِينَ ٱخْتَرْتَهُمْ) أئمة ِـ) القيام بـ (أَمْرِكَ) ونشر دينك.

ـــــــــــ

وَجَعَلْتَهُمْ خَزَنَةَ عِلْمِكَ، وَحَفَظَةَ دِينِكَ وَخُلَفَاءَكَ فِي أَرْضِكَ وَحُجَجَكَ عَلَىٰ عِبَادِكَ، وَطَهَّرْتَهُمْ مِنَ ٱلرِّجْسِ وَٱلدَّنَسِ تَطْهِيراً بِإِرَادَتِكَ، وَجَعَلْتَهُمُ الْوَسِيلَةَ إِلَيْكَ، وَالْمَسْلَكَ إِلَىٰ جَنَّتِكَ، رَبِّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وآلِهِ، صَلاَةً تُجْزِلُ لَهُمْ بِهَا مِنْ نِحَلِكَ وَكَرَامَتِكَ،

ـــــــــــ

(وَجَعَلْتَهُمْ خَزَنَةَ عِلْمِكَ) خزنة جمع خازن، فإنهم مركز علم الله تعالى (وَحَفَظَةَ دِينِكَ) فإن الأئمة يحفظون الدين عن الزيادة والنقصان (وَخُلَفَاءَكَ فِي أَرْضِكَ) فإنهم يمثلونه سبحانه في الأرض (وَحُجَجَكَ عَلَىٰ عِبَادِكَ) الحجة: هو الذي يحتج الله به على الناس (وَطَهَّرْتَهُمْ مِنَ ٱلرِّجْسِ) المعاصي (وَٱلدَّنَسِ) الأقذار (تَطْهِيراً بِإِرَادَتِكَ) ذلك التطهير إشارة إلى قوله سبحانه: ﴿إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً﴾ [3] وهذه الآية تدل على العصمة إذ الإرادة لا بد أن تكون إرادة تكوينية أما الإرادة التشريعية فهي بالنسبة إلى جميع الناس، وهي إرادة لا تنافي الاختيار كالشخص الذي لا يفقأ عين نفسه فإنه بإرادة لا يفعل (وَجَعَلْتَهُمُ الْوَسِيلَةَ إِلَيْكَ) فإن الناس إذا أرادوا أخذ الفيض منه سبحانه توسلوا بهم (وَالْمَسْلَكَ إِلَىٰ جَنَّتِكَ) فإن الأئمة يرشدون الناس إلى الطريق المؤدي بهم إلى الجنة، فكأنهم نفس المسلك (رَبِّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وآلِهِ، صَلاَةً تُجْزِلُ) أي: تعظم (لَهُمْ بِهَا) أي: بتلك الصلاة (مِنْ نِحَلِكَ) جمع نحلة بمعنى العطية (وَكَرَامَتِكَ) بأن تكرمهم وتشرفهم بها.

ـــــــــــ

وَتُكْمِلُ لَهُمُ ٱلأَشْيَاءَ مِنْ عَطَايَاكَ وَنَوَافِلِكَ، وَتُوَفِّرُ عَلَيْهِمُ الْحَظَّ مِنْ عَوَائِدِكَ وَفَوَائِدِكَ، رَبِّ صَلِّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ صَلاَةً لاَ أَمَدَ فِي أَوَّلِهَا، وَلاَ غَايَةَ لأَمَدِهَا، وَلاَ نِهَايَةَ لآخِرِهَا، رَبِّ صَلِّ عَلَيِْهِمْ زِنَةَ عَرْشِكَ وَمَا دُونَهُ، وَمِلْءَ سَمٰوَاتِكَ وَمَا فَوْقَهُنَّ، وَعَدَدَ أَرَضِيكَ وَمَا تَحْتَهُنَّ وَمَا بَيْنَهُنَّ، صَلاَةً تُقَرِّبُهُمْ مِنْكَ زُلْفَىٰ، وَتَكُونُ لَكَ وَلَهُمْ رِضًىٰ وَمُتَّصِلَةً بِنَظَائِرِهِنَّ أَبَداً،

ـــــــــــ

(وَتُكْمِلُ لَهُمُ ٱلأَشْيَاءَ) المرغوب فيها (مِنْ عَطَايَاكَ) جمع عطية (وَنَوَافِلِكَ) جمع نافلة بمعنى العطية الفاضلة (وَتُوَفِّرُ عَلَيْهِمُ الْحَظَّ) أي: تكثر حظهم (مِنْ عَوَائِدِكَ وَفَوَائِدِكَ) عوائد جمع عائدة، أي: العطية العائدة إلى الإنسان (رَبِّ صَلِّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ صَلاَةً لاَ أَمَدَ فِي أَوَّلِهَا) بأن لا تجعل لها أول يدركها الإنسان، وإلا فلكل ممكن أول، والمراد: أن تكون تلك الصلاة من الكثرة بحيث لا أول لها وإلا فلا يمكن إنشاء صلاة منه تعالى ـ بعد دعاء الداعي ـ بلا أول، إذ الصلاة بلا أول لا تكون حينئذ معلولة للدعاء (وَلاَ غَايَةَ لأَمَدِهَا) أي: لا نهاية لمدتها (وَلاَ نِهَايَةَ لآخِرِهَا) فهي صلاة ممتدة من الأزل إلى الأبد (رَبِّ صَلِّ عَلَيِْهِمْ زِنَةَ عَرْشِكَ) أي: بمقدار ثقل عرشك، وهذا من باب تشبيه المعقول بالمحسوس (وَمَا دُونَهُ) أي: ما دون العرش (وَمِلْءَ سَمٰوَاتِكَ) أي: تكون الصلاة بمقدار تملأ السماوات (وَمَا فَوْقَهُنَّ) فإن فوق السماوات فضاء ممتد كما كشف في العلم الحديث (وَعَدَدَ أَرَضِيكَ) وهي سبعة أو أكثر (وَمَا تَحْتَهُنَّ وَمَا بَيْنَهُنَّ) وفي حديث عن الإمام الرضا (عليه السلام): [أنه جعل كل أرض متوسطة لسماء، فأرض وسماء محيطة بها، ثم أرض وسماء محيطة بها، وهكذا] (صَلاَةً تُقَرِّبُهُمْ مِنْكَ) قرباً شرفياً، فإنه سبحانه منزه من المكان (زُلْفَىٰ) مصدر زلف بمعنى قرب، أي: تقرباً (وَتَكُونُ) تلك الصلاة (لَكَ وَلَهُمْ رِضًىٰ) بأن يرضى المعطي والمعطى له بها (وَمُتَّصِلَةً) تلك الصلاة (بِنَظَائِرِهِنَّ أَبَداً) بأن تتكرر في الصلاة إلى الأبد.

ـــــــــــ

أَللّهُمِّ إِنَّكَ أَيَّدْتَ دِينَكَ فِي كُلِّ أَوَانٍ، بِإِمَامٍ أَقَمْتَهُ عَلَماً لِعِبَادِكَ، وَمَنَاراً فِي بِلاَدِكَ بَعْدَ أَنْ وَصَلْتَ حَبْلَهُ بِحَبْلِكَ، وَجَعَلْتَهُ ٱلذَّرِيعَةَ إِلَىٰ رِضْوَانِكَ، وَٱفْتَرَضْتَ طَاعَتَهُ، وَحَذَّرْتَ مَعْصِيَتَهُ، وَأَمَرْتَ بِٱمْتِثَالِ أَمْرِهِ، وَٱلإِنْتِهَاءِ عِنْدَ نَهْيِهِ، وَأَلاَّ يَتَقَدَّمَهُ مُتَقَدِّمٌ، وَلاَ يِتَأَخَّرَ عَنْهُ مُتَأَخِّرٌ، فَهْوَ عِصْمَةُ ٱللاَّئِذِينَ وَكَهْفُ الْمُؤْمِنِينَ وَعُرْوَةُ الْمُتَمسِّكِينَ، وَبَهَاءُ الْعَالَمِينَ،

ـــــــــــ

(أَللّهُمِّ إِنَّكَ أَيَّدْتَ دِينَكَ فِي كُلِّ أَوَانٍ) جمع آن بمعنى المدة (بِإِمَامٍ أَقَمْتَهُ عَلَماً) العلم: إما بمعنى الجبل الذي يهتدي به الناس إلى طرقهم، أو اللواء الذي يلتف حوله الجيش (لِعِبَادِكَ، وَمَنَاراً) هو الموضع الذي يجعل عليه النور ليلاً ليراه الرائي فيعرف الطريق أو المقصد (فِي بِلاَدِكَ) لهداية الناس من الضلال إلى الرشاد (بَعْدَ أَنْ وَصَلْتَ حَبْلَهُ) أي: حبل ذلك الإمام (بِحَبْلِكَ) بأن كان له اتصال بك (وَجَعَلْتَهُ ٱلذَّرِيعَةَ) أي: الوسيلة (إِلَىٰ رِضْوَانِكَ) أي: رضاك أو جنتك (وَٱفْتَرَضْتَ طَاعَتَهُ) على الناس (وَحَذَّرْتَ مَعْصِيَتَهُ) بأن وعدت على معصيته العقاب (وَأَمَرْتَ بِٱمْتِثَالِ) الناس له (أَمْرِهِ، وَٱلإِنْتِهَاءِ عِنْدَ نَهْيِهِ) هذا تأكيد للجملة السابقة (وَ) أمرت به (أَلاَّ يَتَقَدَّمَهُ) في عمل من الأعمال (مُتَقَدِّمٌ) بأن يفرط فوق ما يقول، كأن يعطي ربعاً عوض الخمس المفروض على المال مثلاً (وَلاَ يِتَأَخَّرَ عَنْهُ مُتَأَخِّرٌ) بأن يفرط دون ما يقول، كأن يعطي السدس عوض الخمس (فَهْوَ عِصْمَةُ ٱللاَّئِذِينَ) من لاذ بمعنى لجأ أي يوجب حفظهم عن الأخطار (وَكَهْفُ الْمُؤْمِنِينَ) الكهف: الغار في الجبل يحفظ من ذهب فيه من الأخطار، وشبه به الإمام الذي يحفظ الناس عن أخطار الدنيا والآخرة (وَعُرْوَةُ الْمُتَمسِّكِينَ) العروة: للكوز ونحوه، كأن الإنسان إذا أراد النجاة أخذ بهذا الإمام الذي هو كالعروة للدين وللسعادة، كما أن عروة الكوز وسيلة لشرب مائه البارد العذب (وَبَهَاءُ الْعَالَمِينَ) فإن الإمام نورهم الذي به يهتدون إلى الحقائق.

ـــــــــــ

ٱللّهُمَّ فَأَوْزِعْ لِوَلِيِّكَ شُكْرَ مَا أَنْعَمْتَ بِهِ عَلَيْهِ، وَأَوْزِعْنَا مِثْلَهُ فِيهِ، وَآتِهِ مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً، وَٱفْتَحْ لَهُ فَتْحاً يَسِيراً، وَأَعِنْهُ بِرُكْنِكَ ٱلأَعَزِّ، وَٱشْدُدْ أَزْرَهُ، وَقَوِّ عَضُدَهُ وَرَاعِهِ بِعَيْنِكَ وَٱحْمِهِ بِحِفْظِكَ، وَٱنْصُرْهُ بِمَلاَئِكَتِكَ وٱمْدُدْهُ بِجُنْدِكَ ٱلأَغْلَبِ، وَأَقِمْ بِهِ كِتَابَكَ، وَحَدُودَكَ وَشَرَائِعَكَ وَسُنَنَ رَسُولِكَ، صَلَوَاتُكَ أَللّهُمَّ عَلَيْهِ وَآلِهِ،

ـــــــــــ

(ٱللّهُمَّ فَأَوْزِعْ) أي: أقسم (لِوَلِيِّكَ) الإمام الذي وصف في الجمل السابقة (شُكْرَ مَا أَنْعَمْتَ بِهِ عَلَيْهِ) فإن جعله سبحانه له خليفة في الأرض من أعظم النعم عليه (وَأَوْزِعْنَا) أي: أقسمنا وقدر لنا (مِثْلَهُ) أي: مثل ذلك الشكر (فِيهِ): في الإمام بأن نشكرك على أن تفضلت علينا بجعل الإمام فينا (وَآتِهِ) أي: أعط الإمام (مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً) أي: سلطة ينصر بها على الأعداء، ولعل كلمة (من لدنك) أن لا يكون للسلطة واسطة تمن بها على الإمام (وَٱفْتَحْ لَهُ فَتْحاً يَسِيراً) الفتح بمعنى نفوذ السلطان، كأن الطريق منسد ثم ينفتح أمام الغالب من الطرفين، وليكن الفتح سهلاً بلا صعوبة وعسر (وَأَعِنْهُ) من الإعانة (بِرُكْنِكَ ٱلأَعَزِّ) الركن ما يركن الإنسان عليه ويعتمد إليه (وَٱشْدُدْ أَزْرَهُ) أي: قوته وعزيمته (وَقَوِّ عَضُدَهُ) فإن العضد حيث كان محل الاعتماد في أعمال اليد، بسبب القوة إليه (وَرَاعِهِ) من المراعاة (بِعَيْنِكَ) أي: حفظك (وَٱحْمِهِ بِحِفْظِكَ) حتى لا يؤذيه مؤذ (وَٱنْصُرْهُ بِمَلاَئِكَتِكَ) فإن الله ينزل الملائكة لنصرة أوليائه كما حدث في قصة بدر (وٱمْدُدْهُ بِجُنْدِكَ) أي: الجند المربوط بك سواء كانوا بشراً أو سائر القوى الكونية (ٱلأَغْلَبِ) أي: أكثر غلبة على الأعداء (وَأَقِمْ بِهِ) أي: بالإمام (كِتَابَكَ) بأن تكون أحكامه قائمة في الناس (وَحَدُودَكَ) وهي الواجبات والمحرمات (وَشَرَائِعَكَ) جمع شريعة، وهي أحكام الدين (وَسُنَنَ رَسُولِكَ) أي: التي جعلها للناس بأمرك، وهذه العبادات كالمترادفات وإن أمكن إبداء بعض الفروق فيها (صَلَوَاتُكَ أَللّهُمَّ عَلَيْهِ وَآلِهِ) هذا خبر في معنى الدعاء، أي: اللهم صلِّ عليه.

ـــــــــــ

وَأَحْيِ بِهِ مَا أَمَاتَهُ ٱلظَّالِمُونَ مِنْ مَعَالِمِ دِينِكَ، وَٱجْلُ بِهِ صَدَأَ الْجَوْرِ عَنْ طَرِيقَتِكَ، وَأَبِنْ بِهِ ٱلضَّرَّاءَ مِنْ سَبِيلِكَ، وَأَزِلْ بِهِ ٱلنَّاكِبِينَ عَنْ صِرَاطِكَ، وَٱمْحَقْ بِهِ بُغَاةَ قَصْدِكَ عِوَجاً، وَأَلِنْ جَانِبَهُ لأَوْلِيَائِكَ، وَٱبْسُطْ يَدَهُ عَلَىٰ أَعْدَائِكَ، وَهَبْ لَنَا رَأْفَتَهُ وَرَحْمَتَهُ وَتَعَطُّفَهُ وَتَحَنُّنَهُ، وَٱجْعَلْنَا لَهُ سَامِعِينَ مُطيِعِينَ،

ـــــــــــ

(وَأَحْيِ بِهِ) أي: بالإمام (مَا أَمَاتَهُ ٱلظَّالِمُونَ مِنْ مَعَالِمِ دِينِكَ) جمع (معلم) بمعنى موضع العلامة (وَٱجْلُ) من الجلاء: بمعنى الظهور (بِهِ صَدَأَ الْجَوْرِ) الصدأ ما يتراكم على المرآة أو الحديد وما أشبه من الوساخة، فكأن الجور صدأ على وجه الحق والإمام يمحوه ويظهر صفاء الحق (عَنْ طَرِيقَتِكَ) أي: عن دينك (وَأَبِنْ) أي أبعد، من الإبانة (بِهِ ٱلضَّرَّاءَ) نقيض السراء (مِنْ سَبِيلِكَ) حتى لا يكون في سبيل دينك ضر لمن أراد سلوكه (وَأَزِلْ بِهِ ٱلنَّاكِبِينَ عَنْ صِرَاطِكَ) يقال: نكب عن الطريق، إذا انحرف وحاد إلى غير الجادة (وَٱمْحَقْ بِهِ بُغَاةَ قَصْدِكَ عِوَجاً) أي: الذين يطلبون اعوجاج دينك، فإن بغاة جمع باغٍ بمعنى الطالب والمحق المحو والإزالة (وَأَلِنْ جَانِبَهُ لأَوْلِيَائِكَ) حتى يكون ليناً معهم، كما قال تعالى: ﴿رحماء بينهم﴾ (وَٱبْسُطْ يَدَهُ عَلَىٰ أَعْدَائِكَ) بأن يقتلهم ويشتتهم (وَهَبْ لَنَا رَأْفَتَهُ وَرَحْمَتَهُ وَتَعَطُّفَهُ) أي: عطفه وميله، بأن يعطف علينا ويرحمنا (وَتَحَنُّنَهُ) من الحنان بمعنى العطف (وَٱجْعَلْنَا لَهُ سَامِعِينَ مُطيِعِينَ) مثل هذه الأدعية عن الإمام (عليه السلام) يراد بها السمع والإطاعة عن الإمام الذي قبله، أما كونها لمحض التعليم كما ربما يقال فهو بعيد، ولا بد أن يؤول ذلك عند ظهور الأئمة في الرجعة إليهم، أو نحو ذلك.

ـــــــــــ

وَفِي رِضَاهُ سَاعِينَ، وَإِلَىٰ نُصْرَتِهِ وَالْمُدَافَعَةِ عَنْهُ مُكْنِفِينَ، وَإِلَيْكَ وَإلَىٰ رَسُولِكَ صَلَوَاتُكَ أَللّهُمَّ عَلَيْهِ وَآلِهِ بِذَلِكَ مُتَقَرِّبِينَ، أللّهُمَّ وَصَلِّ عَلَىٰ أَوْلِيَائِهِمُ الْمُعْتَرِفِينَ بِمَقَامِهِمُ، الْمُتَّبِعِينَ مَنْهَجَهُمُ، الْمُقْتَفِينَ آثَارَهُمُ، الْمُسْتَمْسِكِينَ بِعُرْوَتِهِمُ، الْمُتَمَسِّكِينَ بِوِلاِيَتِهِمُ، الْمُؤْتَمِّينَ بِإِمَامَتِهِمُ، الْمُسَلِّمِينَ لأَمْرِهِمُ، الْمُجْتَهِدِينَ فِي طَاعَتِهِمُ، الْمُنْتَظِرِينَ أَيَّامَهُمُ،

ـــــــــــ

(وَفِي رِضَاهُ سَاعِينَ) أي: نسعى فيما يوجب رضاه (وَإِلَىٰ نُصْرَتِهِ وَالْمُدَافَعَةِ عَنْهُ مُكْنِفِينَ) أي: محيطين بأن نحيط به للدفاع والنصرة على أعداء الحق (وَإِلَيْكَ وَإلَىٰ رَسُولِكَ صَلَوَاتُكَ أَللّهُمَّ عَلَيْهِ وَآلِهِ بِذَلِكَ) الدفاع والنصرة للإمام (مُتَقَرِّبِينَ) فإن من يدفع عن الإمام يتقرب إلى الله وإلى الرسول (صلى الله عليه وآله) (أللّهُمَّ وَصَلِّ عَلَىٰ أَوْلِيَائِهِمُ) أي: أولياء الأئمة وأنصارهم (الْمُعْتَرِفِينَ بِمَقَامِهِمُ) وهو مقام الإمامة (الْمُتَّبِعِينَ مَنْهَجَهُمُ) أي: طريقتهم (الْمُقْتَفِينَ آثَارَهُمُ) اقتفاء الأثر: اتباعه (الْمُسْتَمْسِكِينَ بِعُرْوَتِهِمُ) أي: الآخذين بأقوالهم (الْمُتَمَسِّكِينَ بِوِلاِيَتِهِمُ) أي محبتهم ونصرتهم (الْمُؤْتَمِّينَ) من ائتم بمعنى اقتدى (بِإِمَامَتِهِمُ) بأن يجعلونهم أئمة لهم يسيرون وراءهم (الْمُسَلِّمِينَ لأَمْرِهِمُ) فلا يخالفون أوامرهم (الْمُجْتَهِدِينَ فِي طَاعَتِهِمُ) الاجتهاد تحمل الجهد والمشقة (الْمُنْتَظِرِينَ أَيَّامَهُمُ) التي يظهرون فيها ويحكمون وهي في الرجعة.

ـــــــــــ

الْمَادِّينَ إِلَيْهِمْ أَعْيُنَهُمْ، ٱلصَّلَوَاتِ الْمُبَارَكَاتِ ٱلزَّاكِيَاتِ ٱلنَّامِيَاتِ الْغَادِيَاتِ ٱلرَّائِحَاتِ، وَسَلِّمْ عَلَيْهِمْ وَعَلَىٰ أَرْوَاحِهِمْ وَٱجْمَعْ عَلَىٰ ٱلتَّقْوَىٰ أَمْرَهُمْ، وَأَصْلِحْ لَهُمْ شُؤُونَهُمْ، وَتُبْ عَلَيْهِمْ، إِنَّكَ أَنْتَ ٱلتَّوَّابُ الْرَّحِيمُ، وَخَيْرُ الْغَافِرِينَ، وَٱجْعَلْنا مَعَهُمْ فِي دَارِ ٱلسَّلاَمِ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ ٱلرَّاحِمِينَ،

ـــــــــــ

(الْمَادِّينَ إِلَيْهِمْ أَعْيُنَهُمْ) هو كناية عن الانتظار والاتباع فإن الإنسان يمد عينه نحو من ينتظره أو من يريد اتباعه (ٱلصَّلَوَاتِ) مفعول [صلِّ] (الْمُبَارَكَاتِ) أي: ذات بركة وثبات (ٱلزَّاكِيَاتِ) أي: ذات زكاة وطهارة (ٱلنَّامِيَاتِ) بأن تنمو الصلوات وتزداد (الْغَادِيَاتِ) أي: التي تغدو في الصباح (ٱلرَّائِحَاتِ) أي: التي تروح في الرواح وهو العصر، أي: صلِّ عليهم في هذين الوقتين، بتلك الأقسام من الصلوات وهي المباركات إلخ (وَسَلِّمْ عَلَيْهِمْ وَعَلَىٰ أَرْوَاحِهِمْ) تخصيص الروح من باب ذكر الخاص بعد العام (وَٱجْمَعْ عَلَىٰ ٱلتَّقْوَىٰ أَمْرَهُمْ) بأن يكون أولياء الأئمة مجتمعين في العمل بالتقوى والخوف من الله تعالى (وَأَصْلِحْ لَهُمْ شُؤُونَهُمْ) جمع شأن بمعنى الأمر المرتبط بالإنسان (وَتُبْ عَلَيْهِمْ) تاب بمعنى مال، فتوبة العبد ميله إلى الله وتوبة الله ميله إلى عبده بعد الإعراض عنه (إِنَّكَ أَنْتَ ٱلتَّوَّابُ الْرَّحِيمُ) أي: كثير التوبة على عبيدك الرحيم بهم (وَخَيْرُ الْغَافِرِينَ) فإنه تعالى خير من كل غافر يغفر الذنب (وَٱجْعَلْنا مَعَهُمْ فِي دَارِ ٱلسَّلاَمِ) وهي الجنة، سميت بها لأنه لا خراب ولا صعوبات فيها (بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ ٱلرَّاحِمِينَ) أو أكثر رحماً من كل راحم.

ـــــــــــ

أَللّهُمَّ وَهٰذَا يَوْمُ عَرَفَةَ، يَوْمٌ شَرَّفْتَهُ وَكَرَّمْتَهُ وَعَظَّمْتَهُ، نَشَرْتَ فِيهِ رَحْمَتَكَ، وَمَنَنْتَ فِيهِ بِعَفْوِكَ وَأَجْزَلْتَ فِيهِ عَطِيَّتَكَ وَتَفَضَّلْتَ بِهِ عَلَىٰ عِبَادِكَ، أَللّهُمَّ وَأَنَا عَبْدُكَ ٱلَّذِي أَنْعَمْتَ عَلَيْهِ قَبْلَ خَلْقِكَ لَهُ وَبَعْدَ خَلْقِكَ إِيَّاهُ، فَجَعَلْتَهُ مِمَّنْ هَدَيْتَهُ لِدِينِكَ، وَوَفَّقْتَهُ لِحَقِّكَ،

ـــــــــــ

(أَللّهُمَّ وَهٰذَا يَوْمُ عَرَفَةَ) سمي يوم التاسع من ذي الحجة بهذا الاسم لتعارف آدم وحواء (عليهما السلام) بعد مفارقتهما حين هبوطهما من الجنة أو لغير ذلك (يَوْمٌ شَرَّفْتَهُ) أي: جعلته شريفاً (وَكَرَّمْتَهُ وَعَظَّمْتَهُ) وشرافة اليوم إنما هي للذي كان فيه أو يكون من الرحمة والخير وما أشبه (نَشَرْتَ فِيهِ رَحْمَتَكَ) أي: فرقت الرحمة على الناس (وَمَنَنْتَ فِيهِ بِعَفْوِكَ) بأن عفوت عن الخاطئين (وَأَجْزَلْتَ فِيهِ) أي: أعظمت من الجزيل بمعنى العظيم والكثير (عَطِيَّتَكَ) أي: عطاياك للناس (وَتَفَضَّلْتَ بِهِ) أي: بهذا اليوم (عَلَىٰ عِبَادِكَ) بأن أعطيتهم هذا اليوم (أَللّهُمَّ وَأَنَا عَبْدُكَ ٱلَّذِي أَنْعَمْتَ عَلَيْهِ قَبْلَ خَلْقِكَ لَهُ) إنساناً، فإن الإنسان قبل خلق بدنه يكون تراباً ونباتاً وما أشبه وكلها لا يكون إلا بإنعام الله تعالى (وَبَعْدَ خَلْقِكَ إِيَّاهُ) فإن نعم الله تعالى على الإنسان لا تحصى كثرة (فَجَعَلْتَهُ مِمَّنْ هَدَيْتَهُ لِدِينِكَ) الإسلام، والإتيان بالضمير الغائب، باعتبار أن المرجع اسم ظاهر ـ كما حقق في البلاغة من أن الاسم الظاهر بمنزلة الغائب، وإن أريد به المتكلم ـ (وَوَفَّقْتَهُ لِحَقِّكَ) أي: للقيام بحقك بالإيمان والعمل.

ـــــــــــ

وَعَصَمْتَهُ بِحَبْلِكَ، وَأَدْخَلْتَهُ فِي حِزْبِكَ، وَأَرْشَدْتَهُ لِمُوَالاَةِ أَوْلِيَائِكَ وَمُعَادَاةِ أَعْدَائِكَ، ثُمَّ أَمَرْتَهُ فَلَمْ يَأْتَمِرْ، وَزَجَرْتَهُ فَلَمْ يَنْزَجِرْ، وَنَهَيْتَهُ عَنْ مَعْصِيَتِكَ، فَخَالَفَ أَمْرَكَ إِلَىٰ نَهْيِكَ لاَ مُعَانَدَةً لَكَ، وَلاَ ٱسْتِكْبَاراً عَلَيْكَ، بَلْ دَعَاهُ هَوَاهُ إِلَىٰ مَا زَيَّلْتَهُ، وَإِلَىٰ مَا حَذَّرْتَهُ، وَأَعَانَهُ عَلَىٰ ذَلِكَ عَدُوُّكَ وَعَدُوُّهُ، فَأَقْدَمَ عَلَيْهِ عَارِفاً بِوَعِيدِكَ،

ـــــــــــ

(وَعَصَمْتَهُ) أي: حفظته عن الزلة (بِحَبْلِكَ) أي: بواسطة أن ربطت به حبلاً لئلا يزل، والحبل هو الإيمان والقرآن (وَأَدْخَلْتَهُ فِي حِزْبِكَ) قال سبحانه: ﴿ألا إن حزب الله هم المفلحون﴾ [4] والحزب: الجماعة من الناس المتجهين اتجاهاً واحداً مع التزام الوحدة في الاتجاه (وَأَرْشَدْتَهُ لِمُوَالاَةِ أَوْلِيَائِكَ) أي: اتباعهم ونصرتهم (وَمُعَادَاةِ أَعْدَائِكَ) بأن يعاديهم ويخالفهم (ثُمَّ أَمَرْتَهُ) بأوامرك (فَلَمْ يَأْتَمِرْ) ولم يطع (وَزَجَرْتَهُ) أي: نهيته عن المحرمات (فَلَمْ يَنْزَجِرْ) أي: لم ينتبه (وَنَهَيْتَهُ عَنْ مَعْصِيَتِكَ) ولعل الزجر أخص من النهي، لأنه نهي مع توبيخ (فَخَالَفَ أَمْرَكَ إِلَىٰ نَهْيِكَ) بأن خرج من أمرك ودخل في نهيك فترك الأول وارتكب الثاني (لاَ مُعَانَدَةً لَكَ) فإن المؤمن العاصي لا يعاند (وَلاَ ٱسْتِكْبَاراً عَلَيْكَ) بأن رأى نفسه فوق إطاعتك كما هو شأن المتكبر (بَلْ دَعَاهُ هَوَاهُ) أي: ميله النفسي (إِلَىٰ مَا زَيَّلْتَهُ) أي: بعدته عنه من زيله إذا أزاله وأبعده (وَإِلَىٰ مَا حَذَّرْتَهُ) وخوفته من معاصيك (وَأَعَانَهُ عَلَىٰ ذَلِكَ) الخلاف (عَدُوُّكَ وَعَدُوُّهُ) الشيطان الرجيم (فَأَقْدَمَ عَلَيْهِ) أي: على المنهي المحذور (عَارِفاً بِوَعِيدِكَ) أي: في حال كونه عارفاً بوعدك العذاب على من أقدم على النهي.

ـــــــــــ

رَاجِياً لِعَفْوِكَ، وَاثِقاً بِتَجَاوُزِكَ، وَكَانَ أَحَقَّ عِبَادِكَ مَعَ مَا مَنَنْتَ عَلَيْهِ أَلاَّ يَفْعَلَ، وَهَا أَنَا ذَا بَيْنَ يَدَيْكَ صَاغِراً ذَلِيلاً خَاضِعاً خَاشِعاً خَائِفاً مُعْتَرِفاً بِعَظِيمٍ مِنَ ٱلذُّنُوبِ تَحَمَّلْتُهُ، وَجَلِيلٍ مِنَ الْخَطَايَا ٱجْتَرَمْتُهُ، مُسْتَجِيراً بِصَفْحِكَ، لاَئِذاً بِرَحْمَتِكَ، مُوقِناً أَنَّهُ لاَ يُجِيرُنِي مِنْكَ مُجِيرٌ، وَلاَ يَمْنَعُنِي مِنْكَ مَانِعٌ،

ـــــــــــ

(رَاجِياً لِعَفْوِكَ) عن زلته (وَاثِقاً بِتَجَاوُزِكَ) التجاوز عن المذنب: التغاضي عنه وعدم عقابه (وَكَانَ أَحَقَّ عِبَادِكَ مَعَ مَا مَنَنْتَ عَلَيْهِ أَلاَّ يَفْعَلَ) أي: كان أحق الناس بعدم الفعل، بعد ما مننت عليه بإعطائه النعم الكثيرة، والمراد المال (وَهَا أَنَا ذَا) ها للتنبيه، وذا إشارة إلى النفس، بعد فرضه إنساناً غير المتكلم، حتى يصح الاعتذار عنه (بَيْنَ يَدَيْكَ) أي: أمامك في حال كوني (صَاغِراً) من الصغر بمعنى الذلة (ذَلِيلاً خَاضِعاً خَاشِعاً خَائِفاً) من ذنوبي (مُعْتَرِفاً بِعَظِيمٍ مِنَ ٱلذُّنُوبِ تَحَمَّلْتُهُ) أي: اقترفتها وارتكبتها (وَجَلِيلٍ) أي: كبير (مِنَ الْخَطَايَا ٱجْتَرَمْتُهُ) من الجرم بمعنى الذنب (مُسْتَجِيراً بِصَفْحِكَ) وعفوك (لاَئِذاً بِرَحْمَتِكَ) اللائذ المتمسك (مُوقِناً أَنَّهُ لاَ يُجِيرُنِي) ولا يعطيني الأمن (مِنْكَ مُجِيرٌ) بأن يدفع عذابك عني (وَلاَ يَمْنَعُنِي مِنْكَ مَانِعٌ) إذ لا قدرة لأحد أن يحول بين الإنسان وبين عذاب الله تعالى.

ـــــــــــ

فَعُدْ عَلَيَّ بِمَا تَعُودُ بِهِ عَلَىٰ مَنِ ٱقْتَرَفَ مِنْ تَغَمُّدِكَ وَجُدْ عَلَيَّ بِمَا تَجُوُدُ بِهِ عَلَىٰ مَنْ أَلْقَىٰ بِيَدِهِ إِلَيْكَ مِنْ عَفْوِكَ وَٱمْنُنْ عَلَيَّ بِمَا لاَ يَتَعَاظَمُكَ أَنْ تَمُنَّ بِهِ عَلَىٰ مَنْ أَمَّلَكَ مِنْ غُفْرَانِكَ، وَٱجْعَلْ لِي فِي هَذَا الْيَوْمِ نَصِيباً أَنَالُ بِهِ حَظّاً مِنْ رِضْوَانِكَ، وَلاَ تَرُدَّنِي صِفْراً مِمَّا يَنْقَلِبُ بِهِ الْمُتَعَبِّدُونَ لَكَ مِنْ عِبَادِكَ،

ـــــــــــ

(فَعُدْ عَلَيَّ) من عاد يعود، بمعنى أقبل، بعد الاعتراض، والمراد طلب العفو (بِمَا تَعُودُ بِهِ عَلَىٰ مَنِ ٱقْتَرَفَ) وارتكب الذنب (مِنْ تَغَمُّدِكَ) بيان (ما) أي: عفوك، كأنه يستر الذنب ويغمده كما يغمد السيف في قرابه (وَجُدْ عَلَيَّ) من جاد يجود بمعنى أعطى (بِمَا تَجُوُدُ بِهِ) أي: بما تعطيه (عَلَىٰ مَنْ أَلْقَىٰ بِيَدِهِ إِلَيْكَ) هو كناية عن الاستسلام، إذ المستسلم يشير بيده (مِنْ عَفْوِكَ) بيان (ما تجود) (وامنن علي) من المنة بمعنى الإحسان (بِمَا لاَ يَتَعَاظَمُكَ) أي: لا يعظم عندك (أَنْ تَمُنَّ بِهِ عَلَىٰ مَنْ أَمَّلَكَ) ورجاك (مِنْ غُفْرَانِكَ) بيان (فلا يتعاظم) فإن غفران الذنب ليس عظيماً لديه تعالى (وَٱجْعَلْ لِي فِي هَذَا الْيَوْمِ نَصِيباً أَنَالُ بِهِ حَظّاً مِنْ رِضْوَانِكَ) أي: رضاك (وَلاَ تَرُدَّنِي صِفْراً) أي: خالياً بدون أجر وثواب، الصفر علامة عدم العدد، يقال صفرت كفه إذا خلت من المال (مِمَّا يَنْقَلِبُ بِهِ الْمُتَعَبِّدُونَ لَكَ) فإن من عبده سبحانه وأطاعه في هذا اليوم يرجع إلى محله وقد ملئت كفاه من الثواب والجزاء (مِنْ عِبَادِكَ) بيان (المتعبدون).

ـــــــــــ

وَإِنِّي وَإِنْ لَمْ أُقَدِّمْ مَا قَدَّمُوهُ مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ، فَقَدْ قَدَّمْتُ تَوْحِيدَكَ وَنَفْيَ ٱلأَضْدَادِ وَٱلأَنْدَادِ وَالأَشْبَاهِ عَنْكَ، وَأَتَيْتُكَ مِنَ ٱلأَبْوَابِ ٱلَّتِي أَمَرْتَ أَنْ تُؤْتَىٰ مِنْهَا، وَتَقَرَّبْتُ إِلَيْكَ بِمَا لاَ يَقْرُبُ أَحَدٌ مِنْكَ إِلاَّ بِٱلتَّقَرُّبِ بِهِ، ثُمَّ أَتْبَعْتُ ذَلِكَ بِٱلإِنَابَةِ إِلَيْكَ، وَالتَّذَلُّلِ وَٱلإسْتِكَانَةِ لَكَ، وَحُسْنِ الظَّنِّ بِكَ، وَٱلثِّقَةِ بِمَا عِنْدَكَ، وَشَفَعْتُهُ بِرَجَائِكَ ٱلَّذِي قَلَّ مَا يَخِيبُ عَلَيْهِ رَاجِيكَ،

ـــــــــــ

(وَإِنِّي وَإِنْ لَمْ أُقَدِّمْ) إليك (مَا قَدَّمُوهُ) أي: ما قدمه المتعبدون (مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ) بيان (ما) (فَقَدْ قَدَّمْتُ تَوْحِيدَكَ) فإن الإنسان الموحد غير المشرك يقدم إليه تعالى توحيده (وَنَفْيَ الأَضْدَادِ والأَنْدَادِ) جمع ند بمعنى المثل (وَالأَشْبَاهِ عَنْكَ) بأن لم أجعل لك شبهاً، كما يشبه بعض الناس الإله بالخلق (وَأَتَيْتُكَ مِنَ ٱلأَبْوَابِ ٱلَّتِي أَمَرْتَ أَنْ تُؤْتَىٰ مِنْهَا) فإنه تعالى أمر عباده أن يأتوه من باب الدعاء، أو المراد بالأبواب الرسول والأئمة (عليهم السلام) (وَتَقَرَّبْتُ إِلَيْكَ بِمَا لاَ يَقْرُبُ أَحَدٌ مِنْكَ إِلاَّ بِٱلتَّقَرُّبِ بِهِ) فإن الله سبحانه لا يقبل التقرب به إلا من طريق الأنبياء والأئمة كما وردت بذلك متواتر الروايات (ثُمَّ أَتْبَعْتُ ذَلِكَ) التقرب والإتيان إليك من الباب (بِٱلإِنَابَةِ إِلَيْكَ) أي: الرجوع عن المعصية (وَالتَّذَلُّلِ) أي: إظهار الذلة (وَٱلإسْتِكَانَةِ) أي: التضرع (لَكَ، وَحُسْنِ الظَّنِّ بِكَ) فإن ظني بك حسن وهو أنك تعفو ولا تعاقب (وَٱلثِّقَةِ بِمَا عِنْدَكَ) لا كما يتوهم الجاهلون من أنه لا ثقة بالله وبما عنده (وَشَفَعْتُهُ بِرَجَائِكَ ٱلَّذِي قَلَّ مَا يَخِيبُ عَلَيْهِ رَاجِيكَ) فإنه سبحانه قرر أن لا يرجوه أحد إلا أعطاه رجاه إذا لم يكن هناك مانع.

ـــــــــــ

وَسَأَلْتُكَ مَسْأَلَةَ الْحَقِيرِ ٱلذَّلِيلِ، الْبَائِسِ الْفَقِيرِ، الْخَائِفِ الْمُسْتَجِيرِ، وَمَعَ ذلِكَ خِيفَةً وَتَضَرُّعاً وَتَعَوُّذاً وَتَلَوُّذاً لاَ مُسْتَطِيلاً بِتَكَبُّرِ الْمُتَكَبِّرِينَ، وَلاَ مُتَعَالِياً بِدَالَّةِ الْمُطِيعِينَ، وَلاَ مُسْتَطِيلاً بِشَفَاعَةِ ٱلشَّافِعِينَ، وَأَنَا بَعْدُ أَقَلُّ ٱلأَقَلِّينَ، وَأَذَلُّ ٱلأَذَلِّينَ، وَمِثْلُ ٱلذَّرَّةِ أَوْ دُونَهَا،

ـــــــــــ

(وَسَأَلْتُكَ مَسْأَلَةَ الْحَقِيرِ ٱلذَّلِيلِ، الْبَائِسِ) من البؤس بمعنى الفقر (الْفَقِيرِ، الْخَائِفِ) من ذنوبه (الْمُسْتَجِيرِ) أي: اللائذ بك عما يخاف (وَمَعَ ذلِكَ) لعله راجع إلى ما تقدم، أي: أخافك خيفة، مع رجائي وسائر أسباب الشفاعة (خِيفَةً) لتأكيد الخوف (وَتَضَرُّعاً وَتَعَوُّذاً) من عاذ بمعنى استجار ولاذ (وَتَلَوُّذاً) من لاذ بمعنى التجأ (لاَ مُسْتَطِيلاً بِتَكَبُّرِ الْمُتَكَبِّرِينَ) أي: لا أتكبر عليك بمثل ما يفعل المتكبرون (وَلاَ مُتَعَالِياً) أعلو نفسي عن المسألة (بِدَالَّةِ الْمُطِيعِينَ) أي: بمثل دلال المطيع الذي يعجب بعمله ويمن به على الله تعالى (وَلاَ مُسْتَطِيلاً بِشَفَاعَةِ ٱلشَّافِعِينَ) أي: لا أستعلي كما يستعلي ذو الشفيع (وَأَنَا بَعْدُ) أي: بعد ذلك كله (أَقَلُّ ٱلأَقَلِّينَ) أي: أقل كل قليل (وَأَذَلُّ ٱلأَذَلِّينَ) أي: أكثر ذلة من ذل كل ذليل، وهذه حكاية عما في نفس الإنسان من التواضع، فهو إنشاء لا إخبار حتى يقال أنه كذب (وَمِثْلُ ٱلذَّرَّةِ) أي: النمل، في الصغر والذلة (أَوْ دُونَهَا) في الصغر.

ـــــــــــ

فَيَا مَنْ لَمْ يُعَاجِلِ الْمُسِيئِينَ، وَلاَ يَنْدَهُ الْمُتْرَفِينَ، وَيَا مَنْ يَمُنُّ بِإِقَالَةِ الْعَاثِرِينَ، وَيَتَفَضَّلُ بِإنْظَارِ الْخَاطِئِينَ، أَنَا الْمُسِيءُ الْمُعْتَرِفُ الْخَاطِىءُ الْعَاثِرُ، أَنَا ٱلَّذِي أَقْدَمَ عَلَيْكَ مُجْتَرِئاً، أَنَا ٱلَّذِي عَصَاكَ مُتَعَمِّداً، أَنَا ٱلَّذِي ٱسْتَخْفىٰ مِنْ عِبَادِكَ وَبَارَزَكَ،

ـــــــــــ

(فَيَا مَنْ لَمْ يُعَاجِلِ الْمُسِيئِينَ) بعقابهم عما أجرموه (وَلا يَنْدَهُ) أي: يمنع (الْمُتْرَفِينَ) من أترف إذا أسرف في التمتع بملاذ الحياة، فإنه سبحانه لا يمنعهم نعمته ولطفه (وَيَا مَنْ يَمُنُّ بِإِقَالَةِ الْعَاثِرِينَ) فإن من عثر أي: سقط في العصيان يقيله تعالى ويقبل عذره إذا طلب العذر واستقال (وَيَتَفَضَّلُ بِإنْظَارِ الْخَاطِئِينَ) أي: إمهالهم فلا يعاملهم بالعقوبة (أَنَا الْمُسِيءُ الْمُعْتَرِفُ) بإساءتي (الْخَاطِىءُ) أي: الذي أخطأ وأثم (الْعَاثِرُ) أي: عثر ووقع في المعصية (أَنَا ٱلَّذِي أَقْدَمَ عَلَيْكَ مُجْتَرِئاً) أي: في حال كونه جريئاً متجرياً بالذنب (أَنَا ٱلَّذِي عَصَاكَ مُتَعَمِّداً) بدون سهو أو نسيان أو ما أشبه (أَنَا ٱلَّذِي ٱسْتَخْفىٰ مِنْ عِبَادِكَ) حين أراد المعصية (وَبَارَزَكَ) أي: ظاهرك فلم يخف منك عصيانه، قال سبحانه: ﴿يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله﴾ [5].

ـــــــــــ

أَنَا ٱلَّذِي هَابَ عِبَادَكَ وَأَمِنَكَ، أَنَا ٱلَّذِي لَمْ يَرْهَبْ سَطْوَتَكَ وَلَمْ يَخَفْ بَأْسَكَ، أَنَا الْجَانِي عَلَىٰ نَفْسِهِ، أَنَا الْمُرْتَهَنُ بِبَلِيَّتِهِ، أَنَا الْقَلِيلُ الْحَيَاءِ، أَنَا ٱلطَّوِيلُ الْعَنَاءِ، بِحَقِّ مَنِ ٱنْتَجَبْتَ مِنْ خَلْقِكَ، وَبِمَنْ ٱصْطَفَيْتَهُ لِنَفْسِكَ، بِحَقِّ مَنِ ٱخْتَرْتَ مِنْ بَرِيَّتِكَ وَمَنْ ٱجْتَبَيْتَ لِشَأْنِكَ،

ـــــــــــ

(أَنَا ٱلَّذِي هَابَ) أي: خاف (عِبَادَكَ) فلم يعص أمامهم (وَأَمِنَكَ) بأن لم يخف منك (أَنَا ٱلَّذِي لَمْ يَرْهَبْ) أي: لم يخف (سَطْوَتَكَ) أي: أخذك وعذابك (وَلَمْ يَخَفْ بَأْسَكَ) أي: عقابك (أَنَا الْجَانِي عَلَىٰ نَفْسِهِ) من جنى بمعنى اقترف الجناية، ومن المعلوم أن العصيان يعود بالخسران على نفس العاصي (أَنَا الْمُرْتَهَنُ بِبَلِيَّتِهِ) أي: بلائه فإن الإنسان رهين أعماله (أَنَا الْقَلِيلُ الْحَيَاءِ) حيث إن من قلة الحياء عصيان المنعم (أَنَا ٱلطَّوِيلُ الْعَنَاءِ) أي: التعب، فإن تعب العاصي في الآخرة (بِحَقِّ مَنِ ٱنْتَجَبْتَ) أي: اخترت (مِنْ خَلْقِكَ) والمراد الرسول (صلى الله عليه وآله) وآله (عليهم السلام) أو مطلق الأخيار والأولياء (وَبِمَنْ ٱصْطَفَيْتَهُ) أي: اخترته (لِنَفْسِكَ) بأن يكون عبداً مطيعاً لك يبلغ رسالتك ودينك (بِحَقِّ مَنِ ٱخْتَرْتَ مِنْ بَرِيَّتِكَ) أي: من خلقك (وَمَنْ ٱجْتَبَيْتَ) الاجتباء: الاصطفاء والاختيار (لِشَأْنِكَ) أي: لدينك.

ـــــــــــ

بِحَقِّ مَنْ وَصَلْتَ طَاعَتَهُ بِطَاعَتِكَ، وَمَنْ جَعَلْتَ مَعْصِيَتَهُ كَمَعْصِيَتِكَ، بِحَقِّ مَنْ قَرَنْتَ مُوَالاَتَهُ بِمُوَالاَتِكَ، وَمَنْ نُطْتَ مُعَادَاتَهُ بِمُعَادَاتِكَ، تَغَمَّدْنِي فِي يَوْمِي هٰذَا بِمَا تَتَغَمَّدُ بِهِ مَنْ جَارَ إِلَيْكَ مُتَنَصِّلاً، وَعَاذَ بِٱسْتِغْفَارِكَ تَائِباً، وَتَوَلَّنِي بِمَا تَتَوَلَّىٰ بِهِ أَهْلَ طَاعَتِكَ، وَٱلزُّلْفَىٰ لَدَيْكَ وَالْمَكَانَةِ مِنْكَ،

ـــــــــــ

(بِحَقِّ مَنْ وَصَلْتَ طَاعَتَهُ بِطَاعَتِكَ) قال سبحانه: ﴿من يطع الرسول فقد أطاع الله﴾ [6] (وَمَنْ جَعَلْتَ مَعْصِيَتَهُ كَمَعْصِيَتِكَ) فإن الله سبحانه جعل النبي والأئمة خلفاءه وجعل طاعتهم وعصيانهم بمنزلة طاعته وعصيانه (بِحَقِّ مَنْ قَرَنْتَ مُوَالاَتَهُ) أي: حبه ونصرته (بِمُوَالاَتِكَ) فمن تولاهم تولاك لاقتران الولايتين (وَمَنْ نُطْتَ) من ناط بمعنى علق (مُعَادَاتَهُ بِمُعَادَاتِكَ) فمن عاداه عاداك للارتباط بين المعاداتين (تَغَمَّدْنِي) أي: أدخلني وأصله إدخال السيف غمده وقرابه (فِي يَوْمِي هٰذَا) وهو يوم عرفة (بِمَا تَتَغَمَّدُ بِهِ مَنْ جَارَ إِلَيْكَ) أي: تضرع (مُتَنَصِّلاً) أي: متبرئاً من ذنوبه من تنصل بمعنى تبرأ (وَعَاذَ) أي: لاذ والتجأ من ذنوبه (بِٱسْتِغْفَارِكَ) بأن طلب غفرانك في حال كونه (تَائِباً) عن ذنوبه (وَتَوَلَّنِي) أي: كن وليي وناصري (بِمَا تَتَوَلَّىٰ بِهِ أَهْلَ طَاعَتِكَ وَ) أهل (ٱلزُّلْفَىٰ) والقرب (لَدَيْكَ وَ) أهل (الْمَكَانَةِ) والمنزلة (مِنْكَ) والمراد المكانة والقرب شرفاً لا مكاناً فإنه سبحانه منزه عن الجسم ولوازمه.

ـــــــــــ

وَتَوَحَّدْنِي بِمَا تَتَوَحَّدُ بِهِ مَنْ وَفَىٰ بِعَهْدِكَ، وَأَتْعَبَ نَفْسَهُ فِي ذَاتِكَ، وَأَجْهَدَهَا فِي مَرْضَاتِكَ، وَلاَ تُؤَاخِذْنِي بِتَفْرِيطِي فِي جَنْبِكَ، وَتَعَدِّي طَوْرِي فِي حُدُودِكَ وَمُجَاوَزَةِ أََحْكَامِكَ، وَلاَ تَسْتَدْرِجْنِي بِإِمْلاَئِكَ لِي ٱسْتِدْرَاجَ مَنْ مَنَعَنِي خَيْرَ مَا عِنْدَهُ،

ـــــــــــ

(وَتَوَحَّدْنِي) أي: اعصمني، يقال توحده الله إذا عصمه (بِمَا تَتَوَحَّدُ بِهِ مَنْ وَفَىٰ بِعَهْدِكَ) فإنه سبحانه يلطف لطفاً خاصاً بمن وفى بعهده في عدم إطاعة الشيطان، كما قال تعالى: ﴿ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان﴾ [7] والعهد ما جاء على لسان الأنبياء وأودع في فطرة الإنسان (وَأَتْعَبَ نَفْسَهُ فِي ذَاتِكَ) أي: من أجلك (وَأَجْهَدَهَا فِي مَرْضَاتِكَ) الإجهاد: الإتعاب وإتعاب النفس في مرضاته تعالى بالقيام بأوامره ونواهيه وإرشاد الناس إلى الحق وما إلى ذلك (وَلاَ تُؤَاخِذْنِي) أي: لا تعاقبني يا رب (بِتَفْرِيطِي فِي جَنْبِكَ) التفريط: التقصير في الحقوق، والمراد بالجنب: القرب، وكأن الإنسان حين بلغ ولم يعمل، أنه فرط في قرب الله، حيث عرف أحكامه ومن المعلوم أن العصيان في القرب أوجب للعقاب، قال تعالى: ﴿يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله﴾ [8] (وَتَعَدِّي طَوْرِي) أي: ما هو لائق بي فإن العبد يليق به الطاعة (فِي حُدُودِكَ) أي: أحكامك (وَمُجَاوَزَةِ أََحْكَامِكَ) أي: التجاوز منها إلى العصيان وعدم الوقوف عليها بالإطاعة (وَلاَ تَسْتَدْرِجْنِي) الاستدراج: التحريك درجة درجة، والمراد بالاستدراج هنا وفي قوله: ﴿سنستدرجهم من حيث لا يعلمون﴾ [9] إيكال العبد إلى نفسه ليقدم نحو العصيان درجة درجة حتى يموت وقد هلك واستحق العقاب لتماديه في العصيان (بِإِمْلاَئِكَ لِي) الإملاء: إلقاء الكلام إلى الطرف والمراد هنا إملاء معاصي العبد حتى يكمل عصيانه وتنتهي مدته (ٱسْتِدْرَاجَ) أي: مثل استدراج (مَنْ مَنَعَنِي خَيْرَ مَا عِنْدَهُ) بأن لا يعطيني الخير.

ـــــــــــ

وَلَمْ يُشْرِكْكَ فِي حُلوُلِ نِعْمَتِهِ بِي، وَنَبِّهْنِي مِنْ رَقْدَةِ الْغَافِلِينَ، وَسِنَةِ الْمُسْرِفينَ، وَنَعْسَةِ الْمَخْذُولِينَ، وَخُذْ بِقَلْبِي إِلَىٰ مَا ٱسْتَعْمَلْتَ بِهِ ٱلْقَانِتِينَ، وَٱسْتَعْبَدْتَ بِهِ الْمُتَعَبِّدِينَ، وَٱسْتَنْقَذْتَ بِهِ الْمُتَهَاوِنِينَ، وَأَعِذْنِي مِمَّا يُبَاعِدُنِي عَنْكَ، وَيَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَ حَظِّي مِنْكَ، وَيَصُدُّنِي عَمَّا أُحَاوِلُ لَدَيْكَ، وَسَهِّلْ لِي مَسْلَكَ الْخَيْرَاتِ إِلَيْكَ،

ـــــــــــ

(وَلَمْ يُشْرِكْكَ فِي حُلوُلِ نِعْمَتِهِ بِي) أي: ولم يكن ذلك المانع مثلك حيث إن تعطيني نعمتك وتستدرجني وهو لا يعطيني النعم، وهذا الكلام كالاستعطاف والتذكر بأن الإله تعالى يعطي النعمة للإنسان فكيف يستدرجه وهو المنعم عليه، وإنما يحق الاستدراج بالنسبة إلى من يمنع خيره عن الإنسان، فإن المانع خيره لو كان محلاً لأن يستدرج الإنسان فإن معطي الخير يبعد منه أن يستدرج الإنسان المنعم عليه، هذا ما نستفيده من ظاهر اللفظ، وقيل في معناه غير ذلك (وَنَبِّهْنِي) أي: أيقظني (مِنْ رَقْدَةِ الْغَافِلِينَ) أي: نومهم فكأن الغافل نائم، لاشتراكهما في عدم تطلبهما مصالحهما (وَسِنَةِ) أول النوم (الْمُسْرِفينَ) فإن من أسرف كالإنسان الذي أخذه النعاس لا يدركه مصالحه (وَنَعْسَةِ الْمَخْذُولِينَ) النعاس: النوم، والمخذول هو الذي تركه سبحانه يفعل ما يشاء ولم ينصره على الإنسان (وَخُذْ بِقَلْبِي) أي: وجهه (إِلَىٰ مَا ٱسْتَعْمَلْتَ بِهِ ٱلْقَانِتِينَ) أي: الخاضعين لأوامرك (وَٱسْتَعْبَدْتَ بِهِ الْمُتَعَبِّدِينَ) الاستعباد: طلب العبادة والطاعة، والمتعبد هو القائم بالعبادة (وَٱسْتَنْقَذْتَ بِهِ الْمُتَهَاوِنِينَ) أي: الذين تهاونوا في طاعتك وضعفوا عن القيام بحقوقك، فأنقذتهم عن الهلكة إلى الطاعة (وَأَعِذْنِي) أي: احفظني (مِمَّا يُبَاعِدُنِي عَنْكَ) فإن العصيان يوجب بعد الإنسان عن رضاه تعالى (وَيَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَ حَظِّي مِنْكَ) فإن المطيع له نعم من الله تعالى بخلاف العاصي (وَيَصُدُّنِي) أي: يمنعني (عَمَّا أُحَاوِلُ لَدَيْكَ) محاولة الأمر تطلبه بشتى الوسائل، أي: أطلبه من عندك (وَسَهِّلْ لِي مَسْلَكَ الْخَيْرَاتِ) أي: سلوك الطرق الموجبة للخير (إِلَيْكَ) بأن أسلك تلك الطرق حتى أصل إلى رضاك.

ـــــــــــ

وَالْمُسَابَقَةِ إِلَيْهَا مِنْ حَيْثُ أَمَرْتَ، وَالْمُشَاحَّةَ فِيهَا عَلَىٰ مَا أَرَدْتَ، وَلاَ تَمْحَقْنِي فِي مَنْ تَمْحَقُ مِنَ الْمُسْتَخِفِّينَ بِمَا أَوْعَدْتَ، وَلاَ تُهْلِكْنِي مَعَ مَنْ تُهْلِكُ مِنَ الْمُتَعَرِّضِينَ لِمَقْتِكَ، وَلاَ تُتَبِّرْنِي فِي مَنْ تُتَبِّرُ مِنَ الْمُنْحَرِفِينَ عَنْ سُبُلِكَ، وَنَجِّنِي مِنْ غَمَرَاتِ الْفِتْنَةِ وَخَلِّصْنِي مِنْ لَهَوَاتِ الْبَلْوَىٰ، وَأَجِرْنِي مِنْ أَخْذِ ٱلإِمْلاَءِ، وَحُلْ بَيْنِي وَبَيْنَ عَدُوٍّ يُضِلُّنِي،

ـــــــــــ

(وَالْمُسَابَقَةِ إِلَيْهَا) بأن أسابق سائر الناس كما قال تعالى: ﴿فاستبقوا الخيرات﴾ [10] (مِنْ حَيْثُ أَمَرْتَ) أي: مسابقة من الطرق التي أمرت بها لا مسابقة من غير وجهها (وَالْمُشَاحَّةَ فِيهَا) التشاح: التنازع والمراد هنا التنافس كما قال تعالى: ﴿وفي ذلك فليتنافس المتنافسون﴾ [11] وقد ثبت أنه لا إيثار في الطاعة فمثلاً من أراد السبق إلى المسجد يسبق هذا قبله وهكذا وضمير (فيها) راجع إلى الخيرات (عَلَىٰ مَا أَرَدْتَ) أي: كما أردت (وَلاَ تَمْحَقْنِي) أي: لا تهلكني من المحق بمعنى البطلان (فِي مَنْ تَمْحَقُ مِنَ الْمُسْتَخِفِّينَ بِمَا أَوْعَدْتَ) فإن من استخف بعذاب الله تعالى فلم يطعه هلك (وَلاَ تُهْلِكْنِي) المراد بالهلاك: العقاب والعذاب (مَعَ مَنْ تُهْلِكُ) وتعذب (مِنَ الْمُتَعَرِّضِينَ لِمَقْتِكَ) أي: غضبك والتعرض لمقته إنما يكون بالعصيان (وَلاَ تُتَبِّرْنِي) أي: لا تهلكني فإن التتبير بمعنى الإهلاك قال تعالى: ﴿وليتبروا ما علوا تتبيرا﴾ [12] (فِي مَنْ تُتَبِّرُ) أي: في جملة الهالكين (مِنَ الْمُنْحَرِفِينَ عَنْ سُبُلِكَ) أي: دينك (وَنَجِّنِي) يا رب (مِنْ غَمَرَاتِ الْفِتْنَةِ) جمع غمرة، وهي الشدة التي تشتمل على الإنسان وتغمره من رأسه إلى رجله (وَخَلِّصْنِي مِنْ لَهَوَاتِ الْبَلْوَىٰ) البلوى بمعنى الابتلاء، ولهوات جمع لهاة وهو اللحمة المتدلية في الحلق، أي: لا تجعلني في حلوق الابتلاء حتى يشملني البلاء من كل جوانبي (وَأَجِرْنِي) من الإجارة بمعنى احفظني (مِنْ أَخْذِ ٱلإِمْلاَءِ) من الأخذ الذي هو بنحو الإملاء بمعنى كتابة العصيان حتى تنتهي مدة الإنسان ويؤاخذ بذنبه (وَحُلْ) من حال يحول بمعنى صار فأصلة (بَيْنِي وَبَيْنَ عَدُوٍّ يُضِلُّنِي) المراد بالعدو أعم من الشيطان وسائر الأصدقاء الذين يضلون الإنسان.

ـــــــــــ

وَهَوَىً يُوبِقُنِي، وَمَنْقَصَةٍ تَرْهَقُنِي، وَلاَ تُعْرِضْ عَنِّي إِعْرَاضَ مَنْ لاَ تَرْضَىٰ عَنْهُ بَعْدَ غَضَبِكَ، وَلاَ تُؤْيِسْنِي مِنَ ٱلأَمَلِ فِيكَ فَيغْلِبَ عَلَيَّ الْقُنُوُطُ مِنْ رَحْمَتِكَ، وَلاَ تَمْتَحِنِّي بِمَا لاَ طَاقَةَ لِي بِهِ فَتَبْهَظَنِي مَمَّا تُحَمِّلُنِيهِ مِنْ فَضْلِ مَحَبَّتِكَ،

ـــــــــــ

(وَهَوَىً) أي: ميل النفس نحو الباطل الذي (يُوبِقُنِي) أي: يهلكني، يقال: أوبقه بمعنى أهلكه (وَمَنْقَصَةٍ) أي: نقص في دين أو دنيا (تَرْهَقُنِي) أي: يوجب العسر عليَّ، قال تعالى: ﴿ولا ترهقني من أمري عسراً﴾ (وَلاَ تُعْرِضْ عَنِّي إِعْرَاضَ مَنْ لاَ تَرْضَىٰ عَنْهُ بَعْدَ غَضَبِكَ) فإنه ربما يعصي الشخص معصية لا يستحق بعدها رضى الله تعالى أبداً وربما يعصي ما يوجب غضبه لكنه غضب يرضى بعده، والمعنى إذا أردت الغضب عليَّ فلا تغضب بالقسم الأول من الغضب الذي لا ترضى بعد غضبك عني (وَلاَ تُؤْيِسْنِي مِنَ ٱلأَمَلِ) والرجاء (فِيكَ) فإن الإنسان ربما يذنب ذنباً يوجب يأسه عن رحمته تعالى، واليأس من رحمته معصية كبيرة فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون (فَيغْلِبَ عَلَيَّ) عوض الرجاء (الْقُنُوُطُ مِنْ رَحْمَتِكَ) من يقنط من رحمة ربه إلا الضالون؟ (وَلاَ تَمْتَحِنِّي) من المنحة بمعنى العطاء فإن النعم ربما كانت موجبة للطغيان كما قال تعالى: ﴿إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى﴾ [13] أي: لا تعطني (بِمَا لاَ طَاقَةَ لِي بِهِ) فيسبب ذلك العطاء طغياني (فَتَبْهَظَنِي) أي: تثقلني (مَمَّا تُحَمِّلُنِيهِ) أي: تجعله حملاً عليَّ (مِنْ فَضْلِ مَحَبَّتِكَ) أي: نعمتك التي هي فضل منك وحب لي.

ـــــــــــ

وَلاَ تُرْسِلْنِي مِنْ يَدِكَ إِرْسَالَ مَنْ لاَ خَيْرَ فِيهِ، وَلاَ حَاجَةَ بِكَ إِلَيْهِ، وَلاَ إِنَابَةَ لَهُ، وَلاَ تَرْمِ بِي رَمْيَ مَنْ سَقَطَ مِنْ عَيْنِ رِعَايَتِكَ، وَمَنِ ٱشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْخِزْيُ مِنْ عِنْدِكَ، بَلْ خُذْ بِيَدِي مِنْ سَقْطَةِ الْمُتَرَدِِّينَ، وَوَهْلَةِ الْمُتَعَسِّفِينَ، وَزَلَّةِ الْمَغْرُورِينَ، وَوَرْطَةِ الْهَالِكِينَ، وَعَافِنِي مِمَّا ٱبْتَلَيْتَ بِهِ طَبَقَاتِ عَبِيدِكَ وَإِمَائِكَ،

ـــــــــــ

(وَلاَ تُرْسِلْنِي مِنْ يَدِكَ) كما يرسل الإنسان عبده أو دابته أو طيره إذا لم يرجى فيه نفعاً (إِرْسَالَ مَنْ لاَ خَيْرَ فِيهِ، وَلاَ حَاجَةَ بِكَ إِلَيْهِ) والإرسال هنا كناية عن الخذلان والترك بلا رعاية زائدة ولطف (وَلاَ إِنَابَةَ لَهُ) أي: لا رجوع له إلى الطاعة (وَلاَ تَرْمِ بِي) يقال: رماه، إذا لفظه وأقصاه (رَمْيَ مَنْ سَقَطَ مِنْ عَيْنِ رِعَايَتِكَ) بأن لا تريد أن ترعاه وتلطف به فترميه وتتركه (وَمَنِ ٱشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْخِزْيُ) والخذلان (مِنْ عِنْدِكَ) بأن تتركه وشأنه (بَلْ خُذْ بِيَدِي) كناية من الحفظ عن العصيان (مِنْ سَقْطَةِ الْمُتَرَدِِّينَ) أي: سقوط الذي يرتد عن طريقك (وَوَهْلَةِ) بمعنى الغفلة والغلطة (الْمُتَعَسِّفِينَ) من تعسف بمعنى خبط وخلط على غير هداية (وَزَلَّةِ الْمَغْرُورِينَ) أي: سقوطهم فإن المغرور المخدوع لا يهتم بشأنه ولذا يسقط (وَوَرْطَةِ الْهَالِكِينَ) الورطة: الهلاكة (وَعَافِنِي مِمَّا ٱبْتَلَيْتَ بِهِ طَبَقَاتِ عَبِيدِكَ وَإِمَائِكَ) جمع أمَة بمعنى الوصيفة، أي: مختلف صنوف الرجال والنساء، والمراد بالعافية الأعم من الدنيوية والأخروية.

ـــــــــــ

وَبَلِّغْنِي مَبَالِغَ مَنْ عُنِيتَ بِهِ، وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ، وَرَضِيتَ عَنْهُ فَأَعَشْتَهُ حَمِيداً، وَتَوَفَّيْتَهُ سَعِيداً، وَطَوِّقْنِي طَوْقَ ٱلإِقْلاَعِ عَمَّا يُحْبِطُ الْحَسَنَاتِ، وَيَذْهَبُ بِالْبَرَكَاتِ، وَأَشْعِرْ قَلْبِيَ ٱلإِزْدِجَارَ عَنْ قَبَائِحِ الْسَّيِّئَاتِ، وَفَوَاضِحِ الْحَوْبَاتِ، وَلاَ تَشْغَلْنِي بِمَا لاَ أُدْرِكُهُ إِلاَّ بِكَ عَمَّا لاَ يُرْضِيكَ عَنِّي غَيْرُهُ،

ـــــــــــ

(وَبَلِّغْنِي مَبَالِغَ مَنْ عُنِيتَ بِهِ) أي: وصلني إلى الدرجات العالية التي أوصلت إليها من اعتنيت بشأنه (وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ) بنعمتك (وَرَضِيتَ عَنْهُ) لعمله الصالح (فَأَعَشْتَهُ حَمِيداً) أي: جعلت له عيشاً حميداً محموداً (وَتَوَفَّيْتَهُ سَعِيداً) أي: أمته في حال كونه مع السعادة ينال الجنة والرضوان (وَطَوِّقْنِي) أي: اجعل الطوق في عنقي (طَوْقَ ٱلإِقْلاَعِ عَمَّا يُحْبِطُ الْحَسَنَاتِ) بأن لا أعمل عملاً يوجب حبط حسناتي وبطلانها (وَيَذْهَبُ بِالْبَرَكَاتِ) بأن يكون عدم السيئة الموجبة لهذين الأمرين كالطوق في عنقي أعرف به لدى الناس والملائكة، كما يعرف الإنسان ذو الطوق بالطوق الذي في عنقه (وَأَشْعِرْ قَلْبِيَ ٱلإِزْدِجَارَ) أي: أدخل في قلبي الشعور بأن يزدجر وينتهي (عَنْ قَبَائِحِ الْسَّيِّئَاتِ) من إضافة الصفة إلى الموصوف أي: السيئات القبيحة (وَفَوَاضِحِ الْحَوْبَاتِ) الحوبة بمعنى المعصية أي: المعاصي الموجبة للفضيحة لدى الناس والملائكة (وَلاَ تَشْغَلْنِي بِمَا لاَ أُدْرِكُهُ إِلاَّ بِكَ) كالرزق ونحوه فإنه لا يدركه الإنسان ولا يصل إليه إلا بسببه تعالى (عَمَّا لاَ يُرْضِيكَ عَنِّي غَيْرُهُ) أي: العمل الصالح فإن الله تعالى لا يرضيه عن الإنسان إلا أن يعمل الصالحات، والمعنى لا تشغلني بطلب الرزق عن الأعمال الصالحة بل أكفني الرزق حتى أشتغل بالأعمال الصالحة.

ـــــــــــ

وَٱنْزَعْ مِنْ قَلْبِي حُبَّ دُنْياً دَنِيَّةٍ تَنْهَىٰ عَمَّا عِنْدَكَ، وَتَصُدُّ عَنِ ٱبْتِغَاءِ الْوَسِيلَةِ إِلَيْكَ، وَتُذْهِلُ عَنِ ٱلتَّقَرُّبِ مِنْكَ، وَزَيِّنْ لِيَ ٱلتَّفَرُّدَ بِمُنَاجَاتِكَ بِالْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ، وَهَبْ لِي عِصْمَةً تُدْنِينِي مِنْ خَشْيَتِكَ، وَتَقْطَعُنِي عَنْ رُكُوُبِ مَحَارِمِكَ، وَتَفُكُّنِي مِنْ أَسْرِ الْعَظَائِمِ، وَهَبْ لِي ٱلتَّطْهِيرَ مِنْ دَنَسِ الْعِصْيَانِ،

ـــــــــــ

(وَٱنْزَعْ مِنْ قَلْبِي حُبَّ دُنْياً دَنِيَّةٍ) من الدناءة: بمعنى عدم القيمة والوضاعة (تَنْهَىٰ) تلك الدنيا (عَمَّا عِنْدَكَ) من المثوبات (وَتَصُدُّ) أي: تمنع (عَنِ ٱبْتِغَاءِ الْوَسِيلَةِ إِلَيْكَ) أي: طلب الشيء الموجب للقرب إلى رضاك (وَتُذْهِلُ) أي: توجب الذهول والغفلة (عَنِ ٱلتَّقَرُّبِ مِنْكَ) قرب الرضا والشرف، لأقرب الزمان والمكان لتنزهه سبحانه عنهما (وَزَيِّنْ لِيَ ٱلتَّفَرُّدَ بِمُنَاجَاتِكَ) أن أخلو بنفسي لأناجيك (بِالْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ) فإن المفاجأة بالانفراد لها حلاوة زائدة ومثوبة عظيمة (وَهَبْ لِي عِصْمَةً تُدْنِينِي مِنْ خَشْيَتِكَ) فإن الإنسان الذي عصمه الله وحفظه من الآثام يقترب من خشية الله تعالى (وَتَقْطَعُنِي عَنْ رُكُوُبِ مَحَارِمِكَ) أي: توجب أن أنقطع عن المعاصي، والمحارم جمع محرم بمعنى الشيء المحظور الممنوع (وَتَفُكُّنِي مِنْ أَسْرِ الْعَظَائِمِ) أي: لا أكون أسير لعظائم الذنوب، كالذي اعتادها فإنه أسير لها (وَهَبْ لِي ٱلتَّطْهِيرَ مِنْ دَنَسِ الْعِصْيَانِ) فإن للمعصية قذارة نفسية، فإذا محا الله الذنب طهر الإنسان عن تلك القذارة.

ـــــــــــ

وَأَذْهِبْ عَنِّي دَرَنَ الْخَطَايَا، وَسَرْبِلْنِي بِسِرْبَالِ عَافِيَتِكَ وَرَدِّنِي رِدَاءَ مُعَافَاتِكَ وَجَلِّلْنِي سَوَابِغَ نَعْمَائِكَ، وَظَاهِرْ لَدَيَّ فَضْلَكَ وَطَوْلَكَ، وَأَيِّدْنِي بِتَوْفِيقِكَ وَتَسْدِيدِكَ، وَأَعِنِّي عَلَىٰ صَالِحِ ٱلنِّيَّةٍ وَمَرْضِيِّ الْقَوْلِ، وَمُسْتَحْسَن الْعَمَلِ، وَلاَ تَكِلْنِي إِلَىٰ حَوْلِي وَقُوَّتِي دُونَ حَوْلِكَ وَقُوَّتِكَ، وَلاَ تُخْزِنِي يَوْمَ تَبْعَثُنِي لِلِقَائِكَ،

ـــــــــــ

(وَأَذْهِبْ عَنِّي دَرَنَ الْخَطَايَا) الدرن: القذارة والنجاسة فإن للأخطاء قذارة على النفس (وَسَرْبِلْنِي بِسِرْبَالِ عَافِيَتِكَ) السربال: القميص، كأن العافية حيث تشتمل على الجسد كله قميص يلبسه الإنسان (وَرَدِّنِي رِدَاءَ مُعَافَاتِكَ) أي: اجعل عفوك عني بمنزلة الرداء لي (وَجَلِّلْنِي) أي: اغمرني (سَوَابِغَ نَعْمَائِكَ) أي: نعمائك السابغة الواسعة (وَظَاهِرْ لَدَيَّ) أي: تابع عليّ (فَضْلَكَ وَطَوْلَكَ) الطول: النعمة والإحسان (وَأَيِّدْنِي) أي: قوني من التأييد بمعنى التقوية والتوفيق (بِتَوْفِيقِكَ وَتَسْدِيدِكَ) بأن توفقني للأعمال الصالحة وتسددني أي: تحفظني عن الخطأ (وَأَعِنِّي عَلَىٰ صَالِحِ ٱلنِّيَّةٍ) بأن تكون نواياي صالحة لا أريد عصياناً ولا فساداً (وَمَرْضِيِّ الْقَوْلِ) أي: القول المرضي لك (وَمُسْتَحْسَن الْعَمَلِ) أي: العمل الحسن لديك (وَلاَ تَكِلْنِي) أي: لا تذرني، من وكله (إِلَىٰ حَوْلِي) أي: إرادتي (وَقُوَّتِي دُونَ حَوْلِكَ وَقُوَّتِكَ) بأن تقطعهما عني (وَلاَ تُخْزِنِي) أي: لا تهزلني ولا تفضحني (يَوْمَ تَبْعَثُنِي لِلِقَائِكَ) أي: لقاء إحسانك وجزائك والمراد في القيامة.

ـــــــــــ

وَلاَ تَفْضَحْنِي بَيْنَ يَدَيْ أَوْلِيَائِكَ، وَلاَ تُنْسِنِي ذِكْرَكَ، وَلاَ تُذْهِبْ عَنِّي شُكْرَكَ، بَلْ أَلْزِمْنِيهِ فِي أَحْوَالِ ٱلسَّهْوِ عِنْدَ غَفَلاَتِ الْجَاهِليِنَ لآلاَئِكَ، وَأَوْزِعْنِي أَنْ أُثْنِيَ بِمَا أَوْلَيْتَنِيهِ وَأَعْتَرِفَ بِمَا أَسْدَيْتَهُ إِلَيَّ! وَٱجْعَلْ رَغْبَتِي إِلَيْكَ فَوْقَ رَغْبَةِ ٱلرَّاغِبينَ وَحَمْدِي إِيَّاكَ فَوْقَ حَمْدِ الْحَامِدِينَ، وَلاَ تَخْذُلْنِي عِنْدَ فَاقَتِي إِلَيْكَ، وَلاَ تُهْلِكْنِي بِمَا أَسْدَيْتُهُ إِلَيْكَ،

ـــــــــــ

(وَلاَ تَفْضَحْنِي بَيْنَ يَدَيْ أَوْلِيَائِكَ) والفضيحة كشف ستر الإنسان حتى يظهر باطنه السيئ وأعماله التي كان يخفيها عن الناس (وَلاَ تُنْسِنِي ذِكْرَكَ) حتى لا أذكرك (وَلاَ تُذْهِبْ) أي: لا تبعد (عَنِّي شُكْرَكَ) حتى لا أشكرك (بَلْ أَلْزِمْنِيهِ) أي: الذكر والشكر، والمراد كل واحد منهما نحو قوله سبحانه: ﴿فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه﴾ [14] (فِي أَحْوَالِ ٱلسَّهْوِ) الذي يعتاد الإنسان على السهو في تلك الأحوال (عِنْدَ غَفَلاَتِ الْجَاهِليِنَ لآلاَئِكَ) أي: عندما يغفل لنعمك، فآلاء جمع (إلي) بمعنى النعمة (وَأَوْزِعْنِي) أي: اقسم لي (أَنْ أُثْنِيَ بِمَا أَوْلَيْتَنِيهِ) أي: أمدحك بما أعطيتنيه من النعم، يقال (أولاه) إذا أعطاه (وَأَعْتَرِفَ بِمَا أَسْدَيْتَهُ) الإسداء: إيصال العطاء إلى الإنسان (إِلَيَّ) من الإحسان (وَٱجْعَلْ رَغْبَتِي إِلَيْكَ فَوْقَ رَغْبَةِ ٱلرَّاغِبينَ) بأن أكون راغباً إلى ثوابك ورضاك أكثر من رغبة غيري (وَحَمْدِي إِيَّاكَ فَوْقَ حَمْدِ الْحَامِدِينَ) بأن أحمدك أكثر من حمد غيري لك (وَلاَ تَخْذُلْنِي عِنْدَ فَاقَتِي) وحاجتي (إِلَيْكَ، وَلاَ تُهْلِكْنِي بِمَا أَسْدَيْتُهُ إِلَيْكَ) الإسداء بمعنى الإعطاء، كأن المذنب يعطي ذنبه إلى الله تعالى، وسمي إسداءً من باب المقابلة، وإلا فالأصل في الإسداء الإحسان.

ـــــــــــ

وَلاَ تَجْبَهْنِي بِمَا جَبَهْتَ بِهِ الْمُعَانِدِينَ لَكَ، فَإِنِّي لَكَ مُسَلِّمٌ أَعْلَمُ أَنَّ الْحُجَّةَ لَكَ، وَأَنَّكَ أَوْلَىٰ بِالفَضْلِ، وَأَعْوَدُ بِالإِحْسَانِ وَأَهْلُ ٱلتَّقْوَىٰ، وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ، وَأَنَّكَ بِأَنْ تَعْفُوَ أَوْلَىٰ مِنْكَ بِأَنْ تُعَاقِبَ، وَأَنَّكَ بِأَنْ تَسْتُرَ أَقْرَبُ مِنْكَ إِلَىٰ أَنْ تَشْهَرَ، فَأَحْيِنِي حَيَاةً طَيِّبَةً تَنْتَظِمُ بِمَا أَُرِيدُ، وَتَبْلُغُ مَا أُحِبُّ مِنْ حَيْثُ لاَ آتِي مَا تَكْرَهُ،

ـــــــــــ

(وَلاَ تَجْبَهْنِي) أي: لا تضرب بجبهتي لردي (بِمَا جَبَهْتَ بِهِ الْمُعَانِدِينَ لَكَ) أي: الذين يخالفونك عن عمد وعناد (فَإِنِّي لَكَ) يا رب (مُسَلِّمٌ) أمري (أَعْلَمُ أَنَّ الْحُجَّةَ لَكَ) عليَّ (وَأَنَّكَ أَوْلَىٰ بِالفَضْلِ) من كل أحد (وَأَعْوَدُ بِالإِحْسَانِ) أي: أكثر عوداً وإعادة (وَأَهْلُ ٱلتَّقْوَىٰ) أي: أهل لأن يتقى منك ويخشى الإنسان عقابك (وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) أي: أهل لأن تغفر ذنب المذنبين (وَأَنَّكَ بِأَنْ تَعْفُوَ أَوْلَىٰ مِنْكَ بِأَنْ تُعَاقِبَ) ووجه الأولوية أن العقاب تبعي بخلاف العفو فإنه أصلي مع أنه تعالى سبقت رحمته غضبه كما في الأحاديث (وَأَنَّكَ بِأَنْ تَسْتُرَ) على المذنبين ذنوبهم (أَقْرَبُ مِنْكَ إِلَىٰ أَنْ تَشْهَرَ) أي: تشهرهم وتفضحهم (فَأَحْيِنِي) يا رب (حَيَاةً طَيِّبَةً) فيه طيب الدنيا وسعادة الآخرة (تَنْتَظِمُ بِمَا أَُرِيدُ) تلك الحياة من الأمور النافعة (وَتَبْلُغُ مَا أُحِبُّ مِنْ حَيْثُ لاَ آتِي مَا تَكْرَهُ) أي: تسبب تلك الحياة نظم إرادتي وبلوغ آمالي التي لا تكون مكروهة لك.

ـــــــــــ

وَلاَ أَرْتَكِبُ مَا نَهَيْتَ عَنْهُ، وَأَمِتْنِي مِيتَةَ مَنْ يَسْعَىٰ نُوُرُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَعَنْ يَمِينِهِ، وَذَلِّلْنِي بَيْنَ يَدَيْكَ، وَأَعِزَّنِي عِنْدَ خَلْقِكَ وَضَعْنِي إِذَا خَلَوْتُ بِكَ، وَٱرْفَعْنِي بَيْنَ عِبَادِكَ، وَأَغْنِنِي عَمَّنْ هُوَ غَنِيٌّ عَنِّي، وَزِدْنِي إِلَيْكَ فَاقَةً وَفَقْراً، وَأَعِذْنِي مِنْ شَمَاتَةِ ٱلأَعْدَاءِ،

ـــــــــــ

(وَلاَ أَرْتَكِبُ مَا نَهَيْتَ عَنْهُ) من أنواع المعاصي والآثام (وَأَمِتْنِي) وقت موتي (مِيتَةَ مَنْ يَسْعَىٰ نُوُرُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَعَنْ يَمِينِهِ) فإن المحشر مظلم وكل إنسان صالح ينور أمامه بسبب جبهته وينور يمينه بسبب كتابه الذي بيمناه، كما قال سبحانه: ﴿يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم﴾ [15] ولفظة السعي، باعتبار أن الإنسان إذا حشر تقدم النور كالساعي (وَذَلِّلْنِي) يا رب (بَيْنَ يَدَيْكَ) أي: أمامك، والمراد حين أقف لعبادتك ومناجاتك، وحين أتوجه بقلبي إليك، وإلا فليس له سبحانه أمام وخلف (وَأَعِزَّنِي) أي: اجعلني عزيزاً (عِنْدَ خَلْقِكَ) ليحترموني (وَضَعْنِي) من الوضع بمعنى الذلة، بأن أرى وضيعاً ذليلاً (إِذَا خَلَوْتُ بِكَ) للطاعة والمناجاة (وَٱرْفَعْنِي بَيْنَ عِبَادِكَ) حتى يروني رفيعاً عظيماً (وَأَغْنِنِي عَمَّنْ هُوَ غَنِيٌّ عَنِّي) أي: عن الخلق فإن الخلق محتاجون إلى الله تعالى لا إلى مخلوق مثلهم، أو المراد الغنى عن الشخص الذي في غنى عن الراعي فإن الاحتياج إذا كان إلى غني عنك كان أصعب من الاحتياج إلى محتاج إليك (وَزِدْنِي إِلَيْكَ فَاقَةً وَفَقْراً) الفاقة أشد من الفقر، والمعنى أشعر قلبي الاحتياج الشديد إليك فإن الإنسان لا يدرك قدر احتياجه إلى الله تعالى (وَأَعِذْنِي) أي: احفظني (مِنْ شَمَاتَةِ ٱلأَعْدَاءِ) بأن تبلني ببلاء يوجب شماتتهم.

ـــــــــــ

وَمِنْ حُلُولِ الْبَلاَءِ، وَمِنَ ٱلذُّلِّ وَالْعَنَاءِ، تَغَمَّدْنِي فِي مَا ٱطَّلَعْتَ عَلَيْهِ مِنَّي بِمَا يَتَغَمَّدُ بِهِ الْقَادِرُ عَلَىٰ الْبَطْشِ لَوْلاَ حِلْمُهُ، وَالآخِذُ عَلَىٰ الْجَرِيرَةِ لَوْلاَ أَنَاتُهُ وَإِذَا أَرَدْتَ بِقَوْمٍ فِتْنَةً أَوْ سُوءً فَنَجِّنِي مِنْهَا لِوَاذاً بِكَ، وَإِذْ لَمْ تُقِمْنِي مَقَامَ فَضِيحَةٍ فِي دُنْيَاكَ فَلاَ تُقِمْنِي مِثْلَهُ فِي آخِرَتِكَ،

ـــــــــــ

(وَمِنْ حُلُولِ الْبَلاَءِ) أي: تحل بي البلاء (وَمِنَ ٱلذُّلِّ وَالْعَنَاءِ) أي: التعب (تَغَمَّدْنِي) أي: اشملني برحمتك (فِي مَا ٱطَّلَعْتَ عَلَيْهِ مِنَّي) من المعاصي، بأن تغفرها لي غفراناً يشتمل عليَّ (بِمَا يَتَغَمَّدُ بِهِ الْقَادِرُ عَلَىٰ الْبَطْشِ لَوْلاَ حِلْمُهُ) فإن القادر على البطش ـ لولا حلمه ـ يتغمد المذنب بالعفو. فتغمدني يا رب بالمغفرة، مثل تغميدي الباطش بالعقاب والنكال (وَالآخِذُ عَلَىٰ الْجَرِيرَةِ) أي: الجرم (لَوْلاَ أَنَاتُهُ) وصبره (وَإِذَا أَرَدْتَ) يا رب (بِقَوْمٍ فِتْنَةً أَوْ سُوءً) لعل المراد بالفتنة: الضلال، وإرادته سبحانه بعد الإرشاد، كما قال سبحانه: ﴿وإذا أراد الله بقوم سوءً فلا مردّ له﴾[16] (فَنَجِّنِي مِنْهَا) أي: من تلك الفتنة (لِوَاذاً بِكَ) أي: التجاءً بك، أي: ألتجئ بك التجاءً أن تنجني من تلك الفتنة والسوء (وَإِذْ لَمْ تُقِمْنِي مَقَامَ فَضِيحَةٍ فِي دُنْيَاكَ) بأن تفضلت علي بعدم فضيحتي وأنا في الدنيا (فَلاَ تُقِمْنِي مِثْلَهُ فِي آخِرَتِكَ) فلا تفضحني بكشف ذنوبي هناك.

ـــــــــــ

وَٱشْفَعْ لِي أَوَائِلَ مِنَنِكَ بِأَوَاخِرِهَا، وَقَدِيمَ فَوَائِدِكَ بِحَوَادِثِهَا، وَلاَ تَمْدُدْ لِي مَدّاً يَقْسُو مَعَهُ قَلْبِي، وَلاَ تَقْرَعْنِي قَارِعَةً يَذْهَبُ لَهَا بَهَائِي، وَلاَ تَسُمْنِي خَسِيسَةً يَصْغُرُ لَهَا قَدْرِي، وَلاَ نَقِيصَةً يُجْهَلُ مِنْ أَجْلِهَا مَكَانِي، وَلاَ تَرُعْنِي رَوْعَةً أُبْلِسُ بِهَا، وَلاَ خَيْفَةً أَوْجِسُ دُونَهَا،

ـــــــــــ

(وَٱشْفَعْ لِي أَوَائِلَ مِنَنِكَ بِأَوَاخِرِهَا) أي: اجعل أوائل النعم شفعاً ومقترنة بأواخرها، كناية عن عدم انقطاع النعمة بل دوامها (وَقَدِيمَ فَوَائِدِكَ بِحَوَادِثِهَا) حتى لا تنقطع الفوائد بل تتلو حادثاتها ما تقدم منه (وَلاَ تَمْدُدْ لِي) في نعمك (مَدّاً يَقْسُو مَعَهُ قَلْبِي) فإن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى (وَلاَ تَقْرَعْنِي قَارِعَةً) القارعة: هي المصيبة الشديدة التي تقرع الإنسان وتدقه (يَذْهَبُ لَهَا بَهَائِي) أي: جمالي ورونقي (وَلاَ تَسُمْنِي خَسِيسَةً) سامه الخسف: إذا أذله، وأورد الذل عليه، والمراد بالخسيسة الصفة الدنيئة (يَصْغُرُ لَهَا) أي: لتلك الخسيسة (قَدْرِي) عند الناس (وَلاَ نَقِيصَةً يُجْهَلُ مِنْ أَجْلِهَا مَكَانِي) أي: يجهل الناس قدري ومكانتي لأجل تلك الصفة المنقصة لي (وَلاَ تَرُعْنِي) أي: ولا تخفني يقال: راعه، إذا أخافه (رَوْعَةً أُبْلِسُ بِهَا) الإبلاس: الأياس، أي: أكون آيساً بسببها من رحمتك فإن الإنسان إذا احتف به الخوف يقنط منه تعالى (وَلاَ خَيْفَةً) أي: لا تخفني خيفة (أَوْجِسُ) أي: يشتد خوفي (دُونَهَا) أي: عندها قال تعالى: ﴿فأوجس منهم خيفة﴾ [17].

ـــــــــــ

إِجْعَلْ هَيْبَتِي فِي وَعِيدِكَ، وَحَذَرِي مِنْ إِعْذَارِكَ وَإِنْذَارِكَ وَرَهْبَتِي عِنْدَ تِلاَوَةِ آياَتِكَ، وَٱعْمُرْ لَيْلِي بِِإِيقَاظِي فِيهِ لِعِبَادَتِكَ وَتَفَرُّدِي بِٱلتَّهَجُّدِ لَكَ، وَتَجَرُّدِي بِسُكُونِي إِلَيْكَ، وَإِنْزَالِ حَوَائِجِي بِكَ، وَمُنَازَلَتِي إِيَّاكَ فِي فَكَاكِ رَقَبَتِي مِنْ نَارِكَ، وَإِجَارَتِي مِمَّا فِيهِ أَهْلُهَا مِنْ عَذَابِكَ،

ـــــــــــ

(إِجْعَلْ) اللهم (هَيْبَتِي فِي وَعِيدِكَ) بأن أخاف من عقابك وعذابك فأعمل صالحاً (وَحَذَرِي) أي: خوفي (مِنْ إِعْذَارِكَ وَإِنْذَارِكَ) الإعذار: تقديم العذر إلى الغير حتى إذا خالف كان مستحقاً للعقاب، والإنذار: تخويفه بأنه إن خالف عوقب (وَرَهْبَتِي) أي: خوفي (عِنْدَ تِلاَوَةِ آياَتِكَ) بأن أخاف حين أقرأ القرآن (وَٱعْمُرْ لَيْلِي بِِإِيقَاظِي فِيهِ) أي: بأن توقظني من النوم (لِعِبَادَتِكَ) فإن العبادة في الليل لها ثواب عظيم (وَتَفَرُّدِي بِٱلتَّهَجُّدِ لَكَ) التهجد: العبادة ليلاً (وَتَجَرُّدِي بِسُكُونِي إِلَيْكَ) بأن أتجرد عن الناس وعن سائر ما في الكون وأسكن عند بابك (وَإِنْزَالِ حَوَائِجِي بِكَ) فلا أطلبها من الناس (وَمُنَازَلَتِي إِيَّاكَ) يقال: نازلته، إذا راجعته (فِي فَكَاكِ رَقَبَتِي مِنْ نَارِكَ) أي: أراجعك حتى تعفو عني (وَإِجَارَتِي) بأن تجيرني وتؤمنني (مِمَّا فِيهِ) أي: من الشيء الذي في ذلك الشيء (أَهْلُهَا) أي: أهل النار (مِنْ عَذَابِكَ) بيان [ما].

ـــــــــــ

وَلاَ تَذَرْنِي فِي طُغْيَانِي عَامِهاً، وَلاَ فِي غَمْرَتِي سَاهِياً حَتَّىٰ حِينٍ وَلاَ تَجْعَلْنِي عِظَةً لِمَن ٱتَّعَظَ، وَلاَ نَكَالاً لِمَنِ ٱعْتَبَرَ، وَلاَ فِتْنَةً لِمَنْ نَظَرَ، وَلاَ تَمْكُرْ بِي فِي مَنْ تَمْكُرُ بِهِ، وَلاَ تَسْتَبْدِلْ بِي غَيْرِي، وَلاَ تُغَيِّرْ لِي إِسْماً، وَلاَ تُبَدِّلْ لِي جِسْماً، وَلاَ تَتَّخِذْنِي هُزُواً لِخَلْقِكَ،

ـــــــــــ

(وَلاَ تَذَرْنِي) أي: لا تخلني (فِي طُغْيَانِي عَامِهاً) العمه: أشد العمى (وَلاَ فِي غَمْرَتِي) الغمرة: ما يغمر الإنسان من الشدة، والمراد هنا الغفلة (ساهياً) أي: أسهو عنك (حَتَّىٰ حِينٍ) أي: حين حلول المنية إشارة إلى قوله تعالى:﴿فذرهم في غمرتهم حتى حين﴾ [18] (وَلاَ تَجْعَلْنِي عِظَةً) أي: موعظة (لِمَن ٱتَّعَظَ) بأن تحل علي العقوبة حتى يتعظ بي غيري (وَلاَ نَكَالاً) وعقاباً (لِمَنِ ٱعْتَبَرَ) بأن تنكل بي حتى يعتبر غيري (وَلاَ فِتْنَةً لِمَنْ نَظَرَ) بأن يفتتن من نظر إلي فإن الناس إذا رأوا المسرفين وأهل الدنيا افتتنوا بهم (وَلاَ تَمْكُرْ بِي فِي مَنْ تَمْكُرُ بِهِ) بأن تعالج معالجة خفية لإلقائي في الهلكة (وَلاَ تَسْتَبْدِلْ بِي غَيْرِي) بأن تجعل غيري مكاني (وَلاَ تُغَيِّرْ لِي إِسْماً) بأن تمحوه من ديوان السعداء وتثبته في ديوان الأشقياء (وَلاَ تُبَدِّلْ لِي جِسْماً) بأن تحل علي عقوبتك حتى يصير منظري كريهاً (وَلاَ تَتَّخِذْنِي هُزُواً) أي: مادة استهزاء (لِخَلْقِكَ) بأن يستهزءوا بي.

ـــــــــــ

وَلاَ سُخْرِيّاً لَكَ، وَلاَ تَبَعاً إِلاَّ لِمَرْضَاتِكَ، وَلاَ مُمْتَهَناً إِلاَّ بِٱلإِنْتِقَامِ لَكَ، وَأَوْجِدْنِي بَرْدَ عَفْوِكَ، وَحَلاَوَةَ رَحْمَتِكَ، وَرَوْحِكَ وَرَيْحَانِكَ، وَجَنَّةَ نَعِيمِكَ، وَأَذِقْنِي طَعْمَ الْفَرَاغِ لِمَا تُحِبُّ بِسَعَةٍ مِنْ سَعَتِكَ، وَٱلإِجْتِهَادِ فِي مَا يُزْلِفُ لَدَيْكَ وَعِنْدَكَ،

ـــــــــــ

(وَلاَ سُخْرِيّاً لَكَ) بأن تعاملني معاملة المستهزئ كما ورد في قوله تعالى: ﴿الله يستهزئ بهم﴾ [19] (وَلاَ تَبَعاً إِلاَّ لِمَرْضَاتِكَ) بأن لا أتبع ما يوجب سخطك (وَلاَ مُمْتَهَناً) أي: حقيراً ذليلاً أو بمعنى مبتذلاً في الخدمة (إِلاَّ بِٱلإِنْتِقَامِ لَكَ) أي: إلا بسبب الانتقام لك من أعدائك، فالانتقام يوجب ذلة المنتقم، أو المراد: لا أبذل نفسي إلا بالانتقام (وَأَوْجِدْنِي بَرْدَ عَفْوِكَ) فإن العفو يوجب برداً على قلب الإنسان بخلاف الانتقام الذي يوجب الخوف الموجب لغليان الدم الموجب للحرارة (وَحَلاَوَةَ رَحْمَتِكَ) المراد: الحلاوة النفسية (وَرَوْحِكَ) الروح: الهواء الطيب (وَرَيْحَانِكَ) الريحان: النبت ذو الرائحة الطيبة (وَجَنَّةَ نَعِيمِكَ) أي: الجنة ذات النعيم والنعمة (وَأَذِقْنِي طَعْمَ الْفَرَاغِ لِمَا تُحِبُّ) بأن أكون فارغاً حتى أعمل فيه ما تحب (بِسَعَةٍ مِنْ سَعَتِكَ) أي: يكون الفراغ بأن تهبني سعة من الوقت (وَٱلإِجْتِهَادِ) بأن توفقني لأن أجتهد وأتعب (فِي مَا يُزْلِفُ) أي: يقرب (لَدَيْكَ) قرب الشرف والرضا (وَعِنْدَكَ) [لدى] أحضر من [عند] فإذا كان مال زيد غائباً، يقال: عنده مال، ولا يقال: لديه مال، وكأن المراد هنا: الاقتراب إلى رحمته القريبة والبعيدة.

ـــــــــــ

وَأَتْحِفْنِي بِتُحْفَةٍ مِنْ تُحَفَاتِكَ، وَٱجْعَلْ تِجَارَتِي رَابِحَةً، وَكَرَّتِي غَيْرَ خَاسِرَةٍ، وَأَخِفْنِي مَقَامَكَ، وَشَوِّقْنِي لِقَاءَكَ، وَتُبْ عَلَيَّ تَوْبَةً نَصُوحاً لاَ تُبْقِ مَعَهَا ذُنُوباً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ تَذَرْ مَعَهَا عَلاَنِيَةً وَلاَ سَرِيرَةً،

ـــــــــــ

(وَأَتْحِفْنِي) أي: أعطني التحفة وهي الشيء الثمين الذي يهدى إلى الإنسان (بِتُحْفَةٍ مِنْ تُحَفَاتِكَ) والمراد بالتحفة: الجنس، نحو ربنا آتنا في الدنيا حسنة (وَٱجْعَلْ تِجَارَتِي) المراد تجارة الآخرة كما قال تعالى: ﴿تجارة لن تبور﴾ [20] (رَابِحَةً) أي: ذات ربح (وَكَرَّتِي) أي: رجوعي إليك (غَيْرَ خَاسِرَةٍ) فلا أخسر بالعقاب بل أنال الثواب (وَأَخِفْنِي مَقَامَكَ) من الإخافة أي: اجعلني أخاف من مقامك والمراد الحساب كما قال تعالى: ﴿لمن خاف مقام ربه جنتان﴾ [21] والأصل فيه مقام الحاكم للمحاكمة (وَشَوِّقْنِي لِقَاءَكَ) بأن أشتاق إلى الآخرة التي فيها لقاء ثوابك (وَتُبْ عَلَيَّ تَوْبَةً نَصُوحاً) أي: عد علي يا رب عوداً خالصاً من الانتقام، فإن التوبة بمعنى الرجوع (لاَ تُبْقِ مَعَهَا) أي: مع تلك التوبة (ذُنُوباً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً) إلا محوتها وغفرتها (وَلاَ تَذَرْ مَعَهَا) أي: لا تبق مع تلك التوبة معصية (عَلاَنِيَةً وَلاَ سَرِيرَةً) أي: تمحو ما أعلنت وأخفيت من عصيانك.

ـــــــــــ

وَٱنْزَعِ الْغِلَّ مِنْ صَدْرِي لِلْمُؤْمِنِينَ، وَٱعْطِفْ بِقَلْبِي عَلَىٰ الْخَاشِعِينَ، وَكُنْ لِي كَمَا تَكُونُ لِلْصَّالِحِينَ، وَحَلِّنِي حِلْيَةَ الْمُتَّقِينَ، وَٱجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْغَابِرِينَ، وَذِكْراً نَامِياً فِي ٱلآخِرِينَ، وَوَافِ بِي عَرْصَةَ ٱلأَوَّلِينَ، وَتَمِّمْ سُبُوغَ نِعْمَتِكَ عَلَيَّ،

ـــــــــــ

(وَٱنْزَعِ الْغِلَّ) أي: الحقد والحسد (مِنْ صَدْرِي لِلْمُؤْمِنِينَ) إشارة لقوله تعالى: ﴿لا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا﴾ [22] (وَٱعْطِفْ بِقَلْبِي عَلَىٰ الْخَاشِعِينَ) أي: أمل قلبي نحو الذين يخافونك حتى أحبهم (وَكُنْ لِي) يا رب (كَمَا تَكُونُ لِلْصَّالِحِينَ) من عبادك من اللطف والإحسان وسائر أقسام الإفضال (وَحَلِّنِي حِلْيَةَ الْمُتَّقِينَ) أي: اجعلني متحلياً بما يتحلى به المتقون من الطاعة والعبادة (وَٱجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْغَابِرِينَ) أي: الآتين من بعدي أي: ثناءً حسناً، فإن المراد باللسان: الكلام بعلاقة الحال والمحل، والمراد بالصدق: الجودة، فإن كل شيء رديء هو انحراف عن الجودة فالجيد صدق والرديء كذب (وَذِكْراً نَامِياً) أي: ينمو مدى الأجيال (فِي ٱلآخِرِينَ) في مقابل الأولين، والمراد الذين يأتون من بعدي (وَوَافِ بِي) أي: انتقل بي (عَرْصَةَ ٱلأَوَّلِينَ) أي: ساحتهم، وهذا كناية عن الإلحاق بهم في منزلتهم بأن أكون على درجتهم (وَتَمِّمْ سُبُوغَ نِعْمَتِكَ عَلَيَّ) أي: سعة النعمة وتمامها الانتهاء في السعة.

ـــــــــــ

وَظَاهِرَ كَرَامَاتِها لَدَيَّ، وَٱمْلأْ مِنْ فَوَائِدِكَ يَدَيَّ، وَسُقْ كَرَائِمَ مَوَاهِبِكَ إِلَيَّ، وَجَاوِرْ بِي ٱلأَطْيَبِينَ مِنْ أَوْلِيَائِكَ فِي الْجِنَانِ ٱلتَِّي زَيَّنْتَهَا لأَصْفِيَائِكَ وَجَلِّلْنِي شَرَائِفَ نِحَلِكَ فِي الْمَقَامَاتِ الْمُعَدَّةِ لأَحِبَّائِكَ، وَٱجْعَلْ لِي عِنْدَكَ مَقِيلاً آوِي إِلَيْهِ مُطْمَئِنّاً، وَمَثابَةً أَتَبَوَّؤُهَا،

ـــــــــــ

(وَظَاهِرَ) أي: واتر، فإن المظاهرة كون البعض ظهر بعض (كَرَامَاتِها لَدَيَّ) أي: كرامات النعم بأن تأتي كرامة أثر كرامة (وَٱمْلأْ مِنْ فَوَائِدِكَ يَدَيَّ) كناية عن إعطاء النعم (وَسُقْ) من ساق يسوق (كَرَائِمَ مَوَاهِبِكَ) أي: مواهبك الكريمة (إِلَيَّ) أي: نحوي (وَجَاوِرْ بِي) أي: اجعلني جاراً إلى (ٱلأَطْيَبِينَ مِنْ أَوْلِيَائِكَ) أي: الأكثر طيباً من الأولياء، والمراد: أقربهم إليه تعالى (فِي الْجِنَانِ ٱلتَِّي زَيَّنْتَهَا لأَصْفِيَائِكَ) جمع صفي وهو الذي اصطفاه سبحانه (وَجَلِّلْنِي) أي: أسبغ علي، يقال: جلله إذا غمره بالعطاء ونحوه (شَرَائِفَ نِحَلِكَ) النحلة: العطية، وشريف العطية ما يوجب شرف المعطى له (فِي الْمَقَامَاتِ الْمُعَدَّةِ لأَحِبَّائِكَ) بأن تعطيني النحلة في تلك المقامات ولا يكون ذلك إلا بأن يكون الإنسان من أهل تلك المقامات (وَٱجْعَلْ لِي عِنْدَكَ مَقِيلاً) أي: محل القيلولة، وهي الاستراحة (آوِي إِلَيْهِ) أي: أنزل إليه وأتخذه مأوىً ومحلاً في حال كوني (مُطْمَئِنّاً) لا أخاف التحول والاضطراب (وَمَثابَةً) أي محل ثواب ورجوع إليه (أَتَبَوَّؤُهَا) أي: أتخذها محلاً، يقال: تبوأ الدار، إذا اتخذها مسكناً.

ـــــــــــ

وَأَقَرُّ عَيْناً، وَلاَ تُقَايِسْنِي بِعَظِيمَاتِ الْجَرَائِرِ، وَلاَ تُهْلِكْنِي يَوْمَ تُبْلَىٰ ٱلسَّرَائِرُ وَأَزِلْ عَنِّي كُلَّ شَكٍّ وَشُبْهَةٍ، وَٱجْعَلْ لِي فِي الْحَقِّ طَرِيقاً، مِنْ كُلِّ رَحْمَةٍ، وَأَجْزِلْ لِي قِسَمَ الْمَوَاهِبِ مِنْ نَوَالِكَ، وَوَفِّرْ عَلَيَّ حُظُوظَ ٱلإِحْسَانِ مِنْ إِفْضَالِكَ، وَٱجْعَلْ قَلْبِي وَاثِقاً بِمَا عِنْدَكَ، وَهَمِّي مُسْتَفْرَغاً لِمَا هُوَ لَكَ وَٱسْتَعْمِلْنِي بِمَا تَسْتَعْمِلُ بِهِ خَالِصَتَكَ،

ـــــــــــ

(وَأَقَرُّ عَيْناً) بأن تستقر عيني بذلك المنزل، لا أن تضطرب كما تضطرب عين الخائف هنا وهناك ليجد النجاة والملجأ (وَلاَ تُقَايِسْنِي) أي: لا تؤاخذني (بِعَظِيمَاتِ الْجَرَائِرِ) أي: الجرائر العظيمة التي ارتكبتها، والجريرة بمعنى الجريمة (وَلاَ تُهْلِكْنِي يَوْمَ تُبْلَىٰ) أي: تظهر وتختبر (ٱلسَّرَائِرُ) جمع سريرة أي: ما أسرته الناس من الحسنات والسيئات (وَأَزِلْ عَنِّي كُلَّ شَكٍّ وَشُبْهَةٍ) حتى لا أشك في دينك ولا يشتبه علي الحق بالباطل (وَٱجْعَلْ لِي فِي الْحَقِّ طَرِيقاً، مِنْ كُلِّ رَحْمَةٍ) بأن أنال كل رحمة من طريق الحق، لا كالذين ينالون المال وما أشبه من طريق الباطل (وَأَجْزِلْ) أي: أعظم (لِي قِسَمَ الْمَوَاهِبِ مِنْ نَوَالِكَ) أي: الهبات التي تقسمها من عطائك (وَوَفِّرْ) أي: كثر (عَلَيَّ حُظُوظَ ٱلإِحْسَانِ مِنْ إِفْضَالِكَ) أي: إحسانك وإعطائك (وَٱجْعَلْ قَلْبِي وَاثِقاً بِمَا عِنْدَكَ) حتى أتيقن بثوابك (وَهَمِّي مُسْتَفْرَغاً) أي: فارغاً من كل شغل (لِمَا هُوَ لَكَ) من الطاعة والعبادة بأن يفرغ همي لعبادتك (وَٱسْتَعْمِلْنِي بِمَا تَسْتَعْمِلُ بِهِ خَالِصَتَكَ) أي: اجعل لي عمل خلصائك وهو الطاعة فأعمل كما يعملون.

ـــــــــــ

وَأَشْرِبْ قَلْبِي عِنْدَ ذُهُولِ الْعُقُولِ طَاعَتِكَ، وَٱجْمَعْ لِيَ الْغِنَىٰ وَالْعَفَافَ، وَٱلدَّعَةَ وَالْمُعَافَاةَ، وَٱلصِّحَّةَ وٱلسَّعَةَ، وَٱلطُّمَأْنِيْنَةَ وَالْعَافِيَةَ، وَلاَ تُحْبِطْ حَسَنَاتِي بِمَا يَشُوبُهَا مِنْ مَعْصِيَتِكَ، وَلاَ خَلَوَاتِي بِمَا يَعْرِضُ لِي مِنْ نَزَغَاتِ فِتْنَتِكَ، وَصُنْ وَجْهِي عَنِ ٱلطَّلَبِ إلَىٰ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ،

ـــــــــــ

(وَأَشْرِبْ قَلْبِي) أي: اجعله كأنه شرب وصار جزءً منه، من قوله: ﴿وأُشربوا في قلوبهم العجل﴾ [23] (عِنْدَ ذُهُولِ الْعُقُولِ) وغفلتها (طَاعَتِكَ) مفعول [أشرب] (وَٱجْمَعْ لِيَ الْغِنَىٰ وَالْعَفَافَ) وهو التوسط في البذل وتناول المشتهيات إذ من الغالب أن يفرط الغني ويسرف (وَٱلدَّعَةَ) السعة في العيش (وَالْمُعَافَاةَ) عن الآثام إذ السعة غالباً توجب اقتراف الآثام (وَٱلصِّحَّةَ وٱلسَّعَةَ) فإن السعة غالباً تلازم الأمراض (وَٱلطُّمَأْنِيْنَةَ وَالْعَافِيَةَ) فإن المعافى غالباً قلق لا يطمئن (وَلاَ تُحْبِطْ) أي: تمحق وتذهب (حَسَنَاتِي بِمَا يَشُوبُهَا مِنْ مَعْصِيَتِكَ) فإن المعصية توجب إحباط الحسنات (وَلاَ خَلَوَاتِي) أي: حالات خلوتي (بِمَا يَعْرِضُ لِي مِنْ نَزَغَاتِ فِتْنَتِكَ) نزغات: جمع نزغة وهي نخسة الشيطان فإن الإنسان إذا خلى غلبت عليه النزغات غالباً، وهذه الوساوس توجب الفتنة والبلية (وَصُنْ) أي: احفظ (وَجْهِي عَنِ ٱلطَّلَبِ إلَىٰ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ) حتى لا أطلب أحداً.

ـــــــــــ

وَذُبِّنِِي عَنِ الْتِمَاسِ مَا عِنْدَ الْفَاسِقِينَ، وَلاَ تَجْعَلْنِي لِلظَّالِمِينَ ظَهِيراً، وَلاَ لَهُمْ عَلَىٰ مَحْوِ كِتَابِكَ يَدَاً وَنَصِيراً، وَحُطْنِي مِنْ حَيْثُ لاَ أَعْلَمُ حِيَاطَةً تَقِينِي بِهَا، وَٱفْتَحْ لِي أَبْوَابَ تَوْبَتَكَ وَرَحْمَتِكَ وَرَأْفَتِكَ وَرِزْقِكَ الْوَاسِعِ، إِنِّي إِلَيْكَ مِنَ ٱلرَّاغِبِينَ وَأَتْمِمْ لِي إِنْعَامَكَ، إِنَّكَ خَيْرُ الْمُنْعِمِينَ، وَٱجْعَلْ بَاقِي عُمْرِيَ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ٱبْتِغَاءَ وَجْهِكَ، يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّىٰ اللهُ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ ٱلطَّيِّبِينَ ٱلطَّاهِرِينَ، وَالْسَّلامُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَبَدَ ٱلآبِدِينَ.

ـــــــــــ

(وَذُبِّنِِي) من الذبّ بمعنى الدفع (عَنِ الْتِمَاسِ مَا عِنْدَ الْفَاسِقِينَ) حتى أطلب ما عندهم (وَلاَ تَجْعَلْنِي لِلظَّالِمِينَ ظَهِيراً) أي: معاوناً ونصيراً (وَلاَ لَهُمْ عَلَىٰ مَحْوِ كِتَابِكَ) فإن إجراء سائر الأحكام يوجب محو أحكام الكتاب (يَدَاً وَنَصِيراً وَحُطْنِي) فلا أنصرهم على ذلك وحطني من حاطه إذا حفظه (مِنْ حَيْثُ لاَ أَعْلَمُ) أي: من الآفات والمكاره التي لا أعلمها (حِيَاطَةً تَقِينِي) وتحفظني من الوقاية (بِهَا) من كل مكروه (وَٱفْتَحْ لِي أَبْوَابَ تَوْبَتَكَ وَرَحْمَتِكَ) حتى أوفق للتوبة وتصلني الرحمة (وَرَأْفَتِكَ وَرِزْقِكَ الْوَاسِعِ) لعل الرأفة أخص من الرحمة (إِنِّي إِلَيْكَ) يا رب (مِنَ ٱلرَّاغِبِينَ) الطالبين لما لديك (وَأَتْمِمْ لِي إِنْعَامَكَ) فلا تكون نعمة لدي ناقصة (إِنَّكَ خَيْرُ الْمُنْعِمِينَ) الذين ينعمون على الإنسان (وَٱجْعَلْ بَاقِي عُمْرِيَ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ) بأن آتي بهما، وليس المعنى دوامهما (ٱبْتِغَاءَ وَجْهِكَ) أي: آتي بهما لأجلك (يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّىٰ اللهُ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ ٱلطَّيِّبِينَ ٱلطَّاهِرِينَ) الجملة الخبرية في معنى الإنشاء أي: اللهم صلِّ عليهم (وَالْسَّلامُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَبَدَ ٱلآبِدِينَ) أي: إلى أبد الآبد فإن آبد تأكيد للأبد، كما أن أليل تأكيد لليل، والمعنى: أن تكون السلامة والتحية مستمرة لهم إلى ما لا نهاية له.

ـــــــــــ

[1] ـ سورة آل عمران، آية: 49.

[2] ـ سورة الشورى، آية: 11.

[3] ـ سورة الأحزاب، آية: 33.

[4] ـ سورة المجادلة، آية: 22.

[5] ـ سورة النساء، آية: 108.

[6] ـ سورة النساء، آية: 80.

[7] ـ سورة يس، آية: 60.

[8] ـ سورة الزمر، آية: 56.

[9] ـ سورة الأعراف، آية: 182.

[10] ـ سورة البقرة، آية: 148.

[11] ـ سورة المطففين، آية: 26.

[12] ـ سورة الإسراء، آية: 7.

[13] ـ سورة العلق، آية: 6 و7.

[14] ـ سورة البقرة، آية: 259.

[15] ـ سورة الحديد، آية: 12.

[16] ـ سورة الرعد، آية: 11.

[17] ـ سورة الذاريات، آية: 28.

[18] ـ سورة المؤمنون، آية: 54.

[19] ـ سورة البقرة، آية: 15.

[20] ـ سورة فاطر، آية: 29.

[21] ـ سورة الرحمن، آية: 46.

[22] ـ سورة الحشر، آية: 10.

[23] ـ سورة البقرة، آية: 93.