أفضل المواقع الشيعية

دعاء في دفع كيد الأعداء ورد بأسهم

 
السجادية

الدعاء مطابق للمصدر

الصحيفة
 

وكان من دعائه (عليه السلام) في دفع كيد الأعداء ورد بأسهم ويسمى هذا الدعاء بالجوشن الصغير، والجوشن بمعنى الدرع:

إِلَهِي هَدَيْتَنِي فَلَهَوْتُ، وَوَعَظْتَ فَقَسَوْتُ، وَأَبْلَيْتَ الْجَمِيلَ فَعَصَيْتُ، ثُمَّ عَرَفْتُ مَا أَصْدَرْتَ إِذْ عَرَّفْتَنِيهِ فَٱسْتَغْفَرْتُ فَأَقَلْتَ، فَعُدْتُ فَسَتَرْتَ،

ـــــــــــ

الشرح: (إِلَهِي هَدَيْتَنِي فَلَهَوْتُ) أي: لعبت ولم أعمل حسب مقتضى الهداية من العمل الصالح (وَوَعَظْتَ فَقَسَوْتُ) أي: قسى قلبي فلم أعمل حسب العظة (وَأَبْلَيْتَ الْجَمِيلَ) أي: أعطيت العطاء الجميل (فَعَصَيْتُ) عوض أن أشكرك (ثُمَّ عَرَفْتُ مَا أَصْدَرْتَ) أي: ما أعطيتني، أي: تنبهت إلى عطائك وإحسانك لي (إِذْ عَرَّفْتَنِيهِ) معرفة كاملة (فَٱسْتَغْفَرْتُ) لك عما سلف مني (فَأَقَلْتَ) أي: تبت علي وقبلت معذرتي (فَعُدْتُ) أي: رجعت إلى عصيانك بعد التوبة (فَسَتَرْتَ) ذنبي ولم تفضحني.

ـــــــــــ

فَلَكَ الْحَمْدُ إِلَهِي، تَقَحَّمْتُ أَوْدِيَةَ الْهَلاَكِ، وَحَلَلْتُ شِعَابَ تَلَفٍ، تَعَرَّضْتُ فِيهَا لِسَطَوَاتِكَ وَبِحُلُولِهَا عُقُوبَاتِكَ، وَوَسيِلَتِي إِلَيْكَ ٱلتَّوْحِيدُ، وَذَرِيعَتِي أَنِّي لَمْ أُشْرِكْ بِكَ شَيْئاً، وَلَمْ أَتَّخِذْ مَعَكَ إِلَهاً، وَقَدْ فَرَرْتُ إِلَيْكَ بِنَفْسِي، وَإِلَيْكَ مَفَرُّ الْمُسِيءِ، وَمَفْزَعُ الْمُضَيِّعِ لِحَظِّ نَفْسِهِ الْمُلْتَجِىءِ،

ـــــــــــ

(فَلَكَ الْحَمْدُ إِلَهِي) على كل ذلك (تَقَحَّمْتُ) أي: ألقيت نفسي  دفعة في (أَوْدِيَةَ الْهَلاَكِ) جمع وادي: الصحارى الموجبة لهلاك السائر فيها والمراد بها محلات المعصية (وَحَلَلْتُ) أي: دخلت ونزلت (شِعَابَ تَلَفٍ) جمع شعب وهو الصدع في الجبل، أي: الشعاب الموجبة لتلف الإنسان (تَعَرَّضْتُ فِيهَا) أي: في تلك الأودية والشعاب (لِسَطَوَاتِكَ) أي: لأقسام أخذك وانتقامك (وَبِحُلُولِهَا) أي تعرضت بحلول تلك الشعاب والأودية (عُقُوبَاتِكَ) بي (وَوَسيِلَتِي إِلَيْكَ) في نجاتي والعفو عني (ٱلتَّوْحِيدُ) فإني موحد لك (وَذَرِيعَتِي) أي وسيلتي في نجاتي من عذابك (أَنِّي لَمْ أُشْرِكْ بِكَ شَيْئاً) أي لم أجعل لك شريكاً بل وحدتك (وَلَمْ أَتَّخِذْ مَعَكَ إِلَهاً) كما يفعل المشركون (وَقَدْ فَرَرْتُ إِلَيْكَ) يا رب (بِنَفْسِي) والمراد بالفرار: الالتجاء إليه تعالى حتى لا يعاتبه بذنبه (وَإِلَيْكَ مَفَرُّ الْمُسِيءِ) فإن الشخص الذي يسيء ويذنب لا ملجأ له إلا إليه تعالى (وَمَفْزَعُ الْمُضَيِّعِ لِحَظِّ نَفْسِهِ) فإن الإنسان بعصيانه قد ضيع حظ نفسه من السعادة والرفعة (الْمُلْتَجِىءِ) أي: الذي يلتجئ ويلوذ فراراً من المكروه الذي يوشك أن يصل إليه.

ـــــــــــ

فَكَمْ مِنْ عَدُوٍّ ٱنْتَضَىٰ عَلَيَّ سَيْفَ عَدَاوَتِهِ، وَشَحَذَ لِي ظُبَةَ مُدْيَتِهِ، وَأَرْهَفَ لِي شَبَا حَدِّهِ، وَدَافَ لِي قَوَاتِلَ سُمُومِهِ، وَسَدَّدَ نَحْوِي صَوَائِبَ سِهَامِهِ، وَلَمْ تَنَمْ عَنِّي عَيْنُ حِرَاسَتِهِ، وَأَضْمَرَ أَنْ يَسُومَنِي الْمَكْرُوهَ، وَيُجَرَّعَنِي زُعَافَ مَرَارَتِهِ، فَنَظَرْتَ يَا إِلَهِي إِلَىٰ ضَعْفِي عَنِ ٱحْتِمَالِ الْفَوَادِحِ، وَعَجْزِي عَنْ ٱلإِنْتِصَارِ مِمَّنْ قَصَدَنِي بِمُحَارَبَتِهِ،

ـــــــــــ

(فَكَمْ مِنْ عَدُوٍّ ٱنْتَضَىٰ) أي: سل وأخرج من غمده (عَلَيَّ سَيْفَ عَدَاوَتِهِ، وَشَحَذَ) أي: حدّه حتى يقطع سريعاً (لِي ظُبَةَ مُدْيَتِهِ) المدية: السكين العظيمة والظبة طرفها (وَأَرْهَفَ) أي: رقق ليقطع بسرعة، ولا يكون كليلاً (لِي شَبَا حَدِّهِ) أي: طرف حدة سكينه (وَدَافَ) أي: مزج بماء ونحوه (لِي قَوَاتِلَ سُمُومِهِ) أي: سمومه القتالة (وَسَدَّدَ نَحْوِي) أي: وجه إلى جانبي (صَوَائِبَ سِهَامِهِ) أي: سهامه الصائبة (وَلَمْ تَنَمْ عَنِّي عَيْنُ حِرَاسَتِهِ) فهو يحرسني ويراقب أعمالي وأحوالي ليلاً ونهاراً (وَأَضْمَرَ) أي: نوى (أَنْ يَسُومَنِي الْمَكْرُوهَ) سامه أي: أورد عليه ما يكره (وَيُجَرَّعَنِي) أي: يشربني جرعة جرعة (زُعَافَ مَرَارَتِهِ) الزعاف السم ونحوه، والإضافة للصفة إلى الموصوف أي: مرارة زعافه (فَنَظَرْتَ يَا إِلَهِي إِلَىٰ ضَعْفِي عَنِ ٱحْتِمَالِ الْفَوَادِحِ) جمع فادحة: بمعنى الشيء الثقيل والمصيبة وما أشبه (وَعَجْزِي عَنْ ٱلإِنْتِصَارِ مِمَّنْ قَصَدَنِي بِمُحَارَبَتِهِ) أي: لا أقدر على أن أغلب من يريد محاربتي.

ـــــــــــ

وَوَحْدَتِي فِي كَثِيرِ عَدَدِ مَنْ نَاوَانِي، وَأَرْصَدَ لِي بِالْبَلاَءِ فِي مَا لَمْ أُعْمِلْ فِيهِ فِكْرِي، فَٱبْتَدَأْتَنِي بِنَصْرِكَ، وَشَدَدْتَ أَزْرِي بِقُوَّتِكَ، ثُمَّ فَلَلْتَ لِي حَدَّهُ، وَصَيَّرْتَهُ مِنْ بَعْدِ جَمْعٍ عَدِيدٍ وَحْدَهُ، وَأَعْلَيْتَ كَعْبِي عَلَيْهِ، وَجَعَلْتَ مَا سَدَّدَهُ مَرْدُوداً عَلَيْهِ، فَرَدَدْتَهُ لَمْ يَشْفِ غَيْظَهُ وَلَمْ يَسْكُنْ غَلِيلُهُ، قدْ عَضَّ عَلَىٰ شَفَاهُ،

ـــــــــــ

 

(وَوَحْدَتِي فِي كَثِيرِ عَدَدِ مَنْ نَاوَانِي) المناواة: بمعنى المعاداة (وَأَرْصَدَ لِي بِالْبَلاَءِ) أي: راقبني لأن يصب عليّ البلاء والمكروه (فِي مَا لَمْ أُعْمِلْ فِيهِ فِكْرِي) أي: لم أدر وجه البلاء الذي يريد أن يوجهه نحوي (فَٱبْتَدَأْتَنِي بِنَصْرِكَ) بأن نصرتني ابتداءً (وَشَدَدْتَ أَزْرِي) أي: ظهري (بِقُوَّتِكَ) وكفايتك (ثُمَّ فَلَلْتَ لِي حَدَّهُ) أي: كسرت لي سورته وشدته، والفل ضد الشحذ (وَصَيَّرْتَهُ مِنْ بَعْدِ جَمْعٍ عَدِيدٍ) أي: أنصاره المتعددة (وَحْدَهُ) متوحداً (وَأَعْلَيْتَ كَعْبِي) الكعب: الرجل (عَلَيْهِ) وهذا كناية عن تمام الاستيلاء (وَجَعَلْتَ مَا سَدَّدَهُ) أي: وجهه نحوي من السهام (مَرْدُوداً عَلَيْهِ) بأن جرح نفسه بسهمه (فَرَدَدْتَهُ) أي: ذلك الشخص، في حال كونه (لَمْ يَشْفِ غَيْظَهُ) وغضبه بأذيتي بل بقي غيظه في صدره (وَلَمْ يَسْكُنْ غَلِيلُهُ) أي: حرارة غيظه للانتقام مني (قدْ عَضَّ عَلَىٰ شَفَاهُ) أي: أطراف بدنه، فإن الغضبان يعض على أنامله وما أشبه حين شدة الغضب.

ـــــــــــ

وَأَدْبَرَ مُوَلِّياً قَدْ أَخْلَفَتْ سَرَايَاهُ، وَكَمْ مِنْ بَاغٍ بَغَانِي بِمَكَائِدِهِ وَنَصَبَ لِي شَرَكَ مَصَائِدِهِ، وَوَكَّلَ بِي تَفَقُّدَ رِعَايَتِهِ، وَأَضْبَأَ إِلَيَّ إِضْبَاءَ الْسَّبُعِ لِطَرِيدَتِهِ ٱنْتِظَاراً لإِنْتِهَازِ الْفُرْصَةِ لِفَرِيسَتِهِ، وَهُوَ يُظْهِرُ لِي بَشَاشَةَ الْمَلَقِ، وَيَنْظُرُنِي عَلَىٰ شِدَّةِ الْحَنَقِ، فَلَمَّا رَأَيْتَ يَا إِلَهِي تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ دَغَلَ سَرِيرَتِهِ وَقُبْحَ مَا ٱنْطَوَىٰ عَلَيْهِ،

ـــــــــــ

(وَأَدْبَرَ مُوَلِّياً قَدْ أَخْلَفَتْ سَرَايَاهُ) جمع سرية: وهي القطعة من الجيش أي: أخلفه عسكره الذي هيأه للانتقام مني (وَكَمْ مِنْ بَاغٍ) أي: ظالم (بَغَانِي) أي: ظلمني (بِمَكَائِدِهِ) جمع مكيدة (وَنَصَبَ لِي شَرَكَ مَصَائِدِهِ) الشرك: الحبالة التي توضع للصيد، والمصائد جمع مصيدة وهي آلة للصيد، والإضافة للبيان (وَوَكَّلَ بِي تَفَقُّدَ رِعَايَتِهِ) أي: أخذ يراقبني دائماً (وَأَضْبَأَ إِلَيَّ) أي: أشرف علي ينظرني ويراقبني (إِضْبَاءَ الْسَّبُعِ لِطَرِيدَتِهِ) هي الفريسة التي يطاردها الصياد ليأخذها، ينتظر (ٱنْتِظَاراً لإِنْتِهَازِ الْفُرْصَةِ) يقال: انتهز الفرصة، إذا اغتنمها (لِفَرِيسَتِهِ) أي: الشيء الذي يفترسه ويصيده (وَهُوَ يُظْهِرُ لِي بَشَاشَةَ الْمَلَقِ) أي: بشاشة المتملق لأن يقربني إلى نفسه، وكذا كل من يريد الخدعة يظهر الحب ويبطن البغضاء (وَيَنْظُرُنِي عَلَىٰ شِدَّةِ الْحَنَقِ) أي: شدة الغيظ فنظر إلي هكذا لا كنظر المحب (فَلَمَّا رَأَيْتَ يَا إِلَهِي تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ) أي: لك الثبات والعلو (دَغَلَ سَرِيرَتِهِ) أي: فساد ضميره وباطنه علي (وَقُبْحَ مَا ٱنْطَوَىٰ عَلَيْهِ) أي: أضمره.

ـــــــــــ

أَرْكَسْتَهُ لأُمِّ رَأْسِهِ فِي زُبْيَتِهِ، وَرَدَدْتَهُ فِي مَهْوَىٰ حُفْرَتِهِ، فَٱنْقَمَعَ بَعْدَ ٱسْتِطَالَتِهِ ذَلِيلاً فِي رِبَقِ حِبَالَتِهِ ٱلَّتِي كَانَ يُقَدِّرُ أَنْ يَرَانِي فِيهَا، وَقَدْ كَادَ أَنْ يَحُلَّ بِي لَوْلاَ رَحْمَتُكَ مَا حَلَّ بِسَاحَتِهِ، وَكَمْ مِنْ حَاسِدٍ قَدْ شَرِقَ بِي بِغُصَّتِهِ، وَشَجِيَ مِنِّي بِغَيْظِهِ وَسَلَقَنِي بِحَدِّ لِسَانِهِ،

ـــــــــــ

(أَرْكَسْتَهُ) أي: رددته (لأُمِّ رَأْسِهِ) أي: مقلوباً على رأسه، وأم الرأس: هي الدماغ، واللام بمعنى على، أي: على أم رأسه كقوله تعالى: ﴿يخرون للأذقان﴾ [1] (فِي زُبْيَتِهِ) أي: حفرته التي حفرها لأجل إلقائي فيها (وَرَدَدْتَهُ فِي مَهْوَىٰ) أي: محل الهوي والسقوط (حُفْرَتِهِ) التي حفرها لي (فَٱنْقَمَعَ بَعْدَ ٱسْتِطَالَتِهِ) أي: انقلع عن إيذائي بعد أن تكبر وطغى (ذَلِيلاً فِي رِبَقِ حِبَالَتِهِ) الحبالة: المصيدة المصنوعة من الحبل، والربق كعذب، جمع ربق بالكسر: حبل فيه عدة عرى تربط به البهائم (ٱلَّتِي كَانَ يُقَدِّرُ) ويتصور (أَنْ يَرَانِي فِيهَا) أي: في تلك الربق (وَقَدْ كَادَ) وقرب (أَنْ يَحُلَّ بِي) البلاء الذي أراده (لَوْلاَ رَحْمَتُكَ مَا حَلَّ بِسَاحَتِهِ) [ما] موصولة، أي: البلاء حل ونزل بساحة ذلك العدو (وَكَمْ مِنْ حَاسِدٍ قَدْ شَرِقَ بِي بِغُصَّتِهِ) يقال: شرق بالماء إذا عقد في حلقه فلم ينزل وسبب للشارب موتاً أو ألماً، وكأن الحسد كالماء يبقى في حلق الحاسد فيسبب له الألم والانهيار (وَشَجِيَ) الشجى: الألم من المصيبة وأصله من الشجو: وهو ما اعترض في الحلق من عظم ونحوه (مِنِّي بِغَيْظِهِ) وغضبه (وَسَلَقَنِي) أي: أذاني (بِحَدِّ لِسَانِهِ) أي: بطرف لسانه الذي هو كحد السيف.

ـــــــــــ

وَوَحَرَنِي بِقَرْفِ عُيُوبِهِ، وَجَعَلَ عِرْضِي غَرَضاً لِمَرَامِيهِ، وَقَلَّدَنِي خِلاَلاً لَمْ تَزَلْ فِيهِ، وَوَحَرَنِي بِكَيْدِهِ، وَقَصَدَنِي بِمَكِيدَتِهِ، فَنَادَيْتُكَ يَا إِلَهِي مُسْتَغِيثاً بِكَ، وَاثِقاً بِسُرْعَةِ إِجَابَتِكَ، عَالِماً أَنَّهُ لاَ يُضْطَهَدُ مَنْ آوَىٰ إِلَىٰ ظِلِّ كَنَفِكَ، وَلاَ يَفْزَعُ مَنْ لَجَأَ إِلَىٰ مَعْقِلِ ٱنْتِصَارِكَ، فَحَصَّنْتَنِي مِنْ بَأْسِهِ بِقُدْرَتِكَ،

ـــــــــــ

(وَوَحَرَنِي) أي: أغاظني (بِقَرْفِ عُيُوبِهِ) أي: عيوبه التي اكتسبها بأن نسبها إلي مع أنها كانت له (وَجَعَلَ عِرْضِي) العرض: ما يحترمه الإنسان من ذاته وأهله وما أشبه (غَرَضاً لِمَرَامِيهِ) أي: لرميه بالسوء والكلام البذيء والمرامي جمع مرمى، بمعنى الرمي (وَقَلَّدَنِي) أي: نسب إلي وجعلها كالقلادة لي (خِلاَلاً) أي: صفات جمع خلة (لَمْ تَزَلْ فِيهِ) أي: معائب هي له نسبها إلي (وَوَحَرَنِي بِكَيْدِهِ) أي: أغاظني وأذاني بكيده ومكره الذي يكيدني به (وَقَصَدَنِي بِمَكِيدَتِهِ) هي بمعنى الكيد، وهما بمعنى التدبير الخفي لأذى شخص غافل (فَنَادَيْتُكَ يَا إِلَهِي مُسْتَغِيثاً بِكَ) أي: أطلب منك الغوث والحفظ (وَاثِقاً بِسُرْعَةِ إِجَابَتِكَ) لي في إنقاذي منه (عَالِماً أَنَّهُ لاَ يُضْطَهَدُ) أي: لا يظلم (مَنْ آوَىٰ) أي: اتخذ المأوى والمحل (إِلَىٰ ظِلِّ كَنَفِكَ) أي: إحاطتك وطرف رحمتك (وَلاَ يَفْزَعُ) أي: لا يخاف (مَنْ لَجَأَ) واستغاث ولاذ (إِلَىٰ مَعْقِلِ) أي: محل الحرز والحفظ (ٱنْتِصَارِكَ) أي: نصرتك له (فَحَصَّنْتَنِي) أي: حفظتني (مِنْ بَأْسِهِ) وأذاه (بِقُدْرَتِكَ) عليه.

ـــــــــــ

وَكَمْ مِنْ سَحَائِبِ مَكْرُوهٍ جَلَّيْتَهَا عَنِّي، وَسَحَائِبِ نِعَمٍ أَمْطَرْتَهَا عَلَيَّ، وَجَدَاوِلَ رَحْمَةٍ نَشَرْتَهَا، وَعَافِيَةٍ أَلْبَسْتَهَا وَأَعْيُنِ أَحْدَاثٍ طَمَسْتَهَا، وَغَوَاشِيَ كُرُبَاتٍ كَشَفْتَهَا، وَكَمْ مِنْ ظَنٍّ حَسَنٍ حَقَّقْتَ، وَعَدَمٍ جَبَرْتَ، وَصَرْعَةٍ أَنْعَشْتَ وَمَسْكَنَةٍ حَوَّلْتَ، كُلُّ ذَلِكَ إِنْعَاماً وَتَطَوُّلاً مِنْكَ،

ـــــــــــ

(وَكَمْ مِنْ سَحَائِبِ مَكْرُوهٍ) جمع سحاب كأن المكروه يظلل الإنسان ويشتمل عليه كما يظل السحاب (جَلَّيْتَهَا) أي: أذهبتها وكشفتها (عَنِّي) فلم يصل المكروه إلي (وَسَحَائِبِ نِعَمٍ) النعم التي كالسحاب في اشتمالها على الإنسان مظللة له (أَمْطَرْتَهَا عَلَيَّ) فصرت ذا نعمة بواسطتها (وَجَدَاوِلَ رَحْمَةٍ نَشَرْتَهَا) جداول جمع (جدول) وهو النهر، ونشرتها أي: أجريتها (وَعَافِيَةٍ) من البلايا (أَلْبَسْتَهَا) إياي فإن العافية تشمل الإنسان كما يشمل اللباس (وَأَعْيُنِ أَحْدَاثٍ) أي: الأمور المحدثة التي توجب الشدة والبلاء، وأعين جمع عين وهي منبع الماء (طَمَسْتَهَا) أي: أذهبتها ومحوتها حتى لم تجر تلك العين وتسبب أذيتي (وَغَوَاشِيَ كُرُبَاتٍ) أي: الكربة والهم التي تغشى وتشمل الإنسان (كَشَفْتَهَا) أي: رفعتها فلم تغشني تلك الكربة (وَكَمْ) يا رب (مِنْ ظَنٍّ حَسَنٍ) ظننت بك حسناً في قضاء حاجتي وما أشبه (حَقَّقْتَ) أي: فعلت ذلك الشيء المظنون (وَعَدَمٍ) أي: فقر وفاقه (جَبَرْتَ) فأبدلته غنى (وَصَرْعَةٍ) أي: سقطة (أَنْعَشْتَ) بأن أخذت يدي حتى قمت من تلك الصرعة (وَمَسْكَنَةٍ) أي: فقر (حَوَّلْتَ) عني إلى غناي (كُلُّ ذَلِكَ) الذي فعلت بي من الإحسان (إِنْعَاماً وَتَطَوُّلاً) أي: تفضلاً (مِنْكَ) علي بلا استحقاق مني،

ـــــــــــ

وَفِي جَمِيعِهِ إِنْهِمَاكاً مِنِّي عَلَىٰ مَعَاصِيكَ، لَمْ تَمْنَعْكَ إِسَاءَتِي عَنْ إِتْمَامِ إِحْسَانِكَ، وَلاَ حَجَزَنِي ذَلِكَ مِنِ ٱرْتِكَابِ مَسَاخِطِكَ، لاَ تُسْأَلُ عَمَّا تَفْعَلُ، وَلَقَدْ سُئِلْتَ فَأَعْطَيْتَ، وَلَمْ تُسْأَلْ فَٱبْتَدَأْتَ، وَأَسْتُمِيحَ فَضْلُكَ فَمَا أَكْدَيْتَ، أَبَيْتَ يَا مَوْلاَيَ إِلاَّ إِحْسَاناً وَٱمْتِنَانا،

ـــــــــــ

(وَفِي جَمِيعِهِ) أي: جميع ذلك الذي فعلت بي من الإحسان كنت أقابل إحسانك باقتراف الآثام (إِنْهِمَاكاً) واشتغالاً (مِنِّي عَلَىٰ مَعَاصِيكَ) فلم أكن أنقلع عن العصيان شكراً لما تفعل بي من الإحسان (لَمْ تَمْنَعْكَ) يا رب (إِسَاءَتِي) وعصياني لك (عَنْ إِتْمَامِ إِحْسَانِكَ) إلي (وَلاَ حَجَزَنِي) أي: لم يمنعني (ذَلِكَ) الإحسان (مِنِ ٱرْتِكَابِ مَسَاخِطِكَ) جمع مسخط، بمعنى الشيء الذي يوجب سخطك وغضبك (لاَ تُسْأَلُ) يا رب (عَمَّا تَفْعَلُ) لأنك الرب الذي ليس فوقه أحد يسأله عن أعماله وكل أعمالك على وجه الصواب والحكمة، فلا موقع للسؤال عن علة ما عملت (وَلَقَدْ سُئِلْتَ) يا رب مختلف أنواع فضلك وإحسانك (فَأَعْطَيْتَ) وتفضلت بما سألوا (وَلَمْ تُسْأَلْ) عن بعض الحوائج (فَٱبْتَدَأْتَ) كما أن الطفل لا يسأل حوائجه من الله تعالى لكنه سبحانه يعطيه ما يحتاج من العافية والرزق وما أشبه (وَأَسْتُمِيحَ فَضْلُكَ) أي: استعطي، من الاستماحة بمعنى الاستعطاء والطلب (فَمَا أَكْدَيْتَ) أي: أرددت السائل (أَبَيْتَ يَا مَوْلاَيَ إِلاَّ إِحْسَاناً) بالناس (وَٱمْتِنَانا) أي: جعل المنة عليهم بالعطاء.

ـــــــــــ

وَتَطَوُّلاً وَإِنْعَاماً، وَأَبَيْتُ إِلاَّ تَقَحُّماً لِحُرُمَاتِكَ، وَتَعَدِّياً لِحُدُودِكَ وَغَفْلَةً عَنْ وَعِيدِكَ، فَلَكَ الْحَمْدُ إِلَهِي مِنْ مُقْتَدِرٍ لاَ يُغْلَبُ وَذِي أَنَاةٍ لاَ َتْعَجَلُ، هٰذَا مَقَامُ مَنِ ٱعْتَرَفَ بِسُبُوغِ ٱلنِّعَمِ وَقَابَلَهَا بِٱلتَّقْصِيرِ، وَشَهِدَ عَلَىٰ نَفْسِهِ بِٱلتَّضْيِيعِ، أَللّهُمَّ فَإِنِّي أَتَقَرَّبُ إِلَيْكَ بِالْمُحَمَّدِيَّةِ ٱلرَّفِيعَةِ، وَالْعَلَوِيَّةِ الْبَيْضَاءِ، وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِهِمَا،

ـــــــــــ

(وَتَطَوُّلاً) أي: تفضلاً (وَإِنْعَاماً) أي: إعطاء للنعم (وَأَبَيْتُ) أنا (إِلاَّ تَقَحُّماً لِحُرُمَاتِكَ) أي: دخولاً فيها (وَتَعَدِّياً لِحُدُودِكَ) حدوده سبحانه: أحكامه (وَغَفْلَةً عَنْ وَعِيدِكَ) أي: جعلت نفسي كالغافل عما أوعدت من العقاب والنكال لمن عصاك (فَلَكَ الْحَمْدُ إِلَهِي مِنْ مُقْتَدِرٍ لاَ يُغْلَبُ) أي: لا يتمكن أحد من الغلبة عليه، و (من) للبيان (وَذِي أَنَاةٍ) أي: صاحب حلم (لاَ َتْعَجَلُ) بالعقوبة لمن عصاك (هٰذَا مَقَامُ مَنِ ٱعْتَرَفَ بِسُبُوغِ ٱلنِّعَمِ) أي: أني قائم في محل المعترف بأنك أوسعت في نعمك عليّ (وَقَابَلَهَا بِٱلتَّقْصِيرِ) أي: قابلت نعمك بأن قصرت في أداء شكرها (وَشَهِدَ عَلَىٰ نَفْسِهِ بِٱلتَّضْيِيعِ) أي: بأنه ضيع ما وجب عليه ولم يقم به (أَللّهُمَّ فَإِنِّي أَتَقَرَّبُ إِلَيْكَ بِالْمُحَمَّدِيَّةِ ٱلرَّفِيعَةِ) أي: الملة المحمدية التي هي أرفع من كل ملة، والمراد: دين الإسلام (وَالْعَلَوِيَّةِ الْبَيْضَاءِ) أي: الطريقة العلوية المنسوبة إلى علي أمير المؤمنين (عليه السلام) وهي التشيع، التي هي بيضاء، لا لوث فيها (وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِهِمَا) أي: جاعلاً النبيّ والوصي شفيعان لي عند توجهي إليك.

ـــــــــــ

أَنْ تُعِيذَنِي مِنْ شَرِّ <كَذَا وَكَذَا>، فَإِنَّ ذَلِكَ لاَ يَضِيقُ عَلَيْكَ فِي وُجْدِكَ، وَلاَ يَتَكَأَّدُكَ فِي قُدْرَتِكَ، وَأَنْتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فَهَبْ لِي يَا إِلَهِي مِنْ رَحْمَتِكَ وَدَوَامِ تَوْفِيقِكَ مَا أَتَّخِذُهُ سُلَّماً أَعْرُجُ بِهِ إِلَىٰ رِضْوَانِكَ وَآمَنُ بِهِ مِنْ عِقَابِكَ، يَا أَرْحَمَ ٱلرَّاحِمِينَ.

ـــــــــــ

(أَنْ تُعِيذَنِي) وتحفظني (مِنْ شَرِّ <كَذَا وَكَذَا>) أي: الشيء الذي أخاف شره والداعي يذكر المخوف منه مكان (كذا وكذا) وتكرار اللفظة باعتبار تعدد الحاجات (فَإِنَّ ذَلِكَ) الذي طلبت منك من أن تعيذني (لاَ يَضِيقُ عَلَيْكَ فِي وُجْدِكَ) أي: فيما تجده وتقدر عليه (وَلاَ يَتَكَأَّدُكَ) أي: لا يثقلك (فِي قُدْرَتِكَ) فإن قدرتك عظيمة لا يثقل عليها شيء (وَأَنْتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) تقدر على إتيانه وقضائه (فَهَبْ لِي يَا إِلَهِي مِنْ رَحْمَتِكَ وَدَوَامِ تَوْفِيقِكَ) أي: توفيقك الدائم (مَا أَتَّخِذُهُ سُلَّماً أَعْرُجُ بِهِ) أي: أصعد بسبب تلك الرحمة وذلك التوفيق (إِلَىٰ رِضْوَانِكَ) أي: رضاك بأن أعمل الصالحات حتى ترضى عني (وَآمَنُ بِهِ مِنْ عِقَابِكَ) فلا تعاقبني (يَا أَرْحَمَ ٱلرَّاحِمِينَ) أي: أرحم من كل راحم.

ـــــــــــ

[1] ـ سورة الإسراء، آية: 107.