أفضل المواقع الشيعية

دعاء في الرهبة

 
السجادية

الدعاء مطابق للمصدر

الصحيفة
 

وكان من دعائه (عليه السلام) في الرهبة:

أَللَّهُمَّ إِنَّكَ خَلَقْتَنِي سَوِيّاً، وَرَبَّيْتَنِي صَغِيراً، وَرَزَقْتَنِي مَكْفِيّاً أَللّهُمَّ إِنِّي وَجَدْتُ فِي مَا أَنْزَلْتَ مِنْ كِتَابِكَ، وَبَشَّرْتَ بِهِ عِبَادَكَ أَنْ قُلْتَ: ﴿يَا عِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً﴾،

ـــــــــــ

الشرح : (أَللَّهُمَّ إِنَّكَ خَلَقْتَنِي سَوِيّاً) أي: مستوي الخلقة (وَرَبَّيْتَنِي صَغِيراً) أي: في حال كوني صغيراً (وَرَزَقْتَنِي) في حال كوني (مَكْفِيّاً) كفيتني ولم أحتج إلى رزق من سواك (أَللّهُمَّ إِنِّي وَجَدْتُ فِي مَا أَنْزَلْتَ مِنْ كِتَابِكَ) القرآن الحكيم (وَبَشَّرْتَ بِهِ عِبَادَكَ أَنْ قُلْتَ) ببشرى حسنة ﴿يَا عِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ الإسراف على النفس، إنما هو بفعل المعاصي الموجبة لهلاكها، والقنوط اليأس عن الغفران والرضوان ﴿ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً﴾ [1] مع التوبة، وبلا توبة فيما عدا الشرك وما يشبهه قال سبحانه: ﴿إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء﴾ [2].

ـــــــــــ

وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنِّي مَا قَدْ عَلِمْتَ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، فَيَا سَوْأَتٰا مِمَّا أَحْصَاهُ عَلَيَّ كِتَابُكَ، فَلَوْلاَ الْمَوَاقِفُ ٱلَّتِي أُؤمِّلُ مِنْ عَفْوِكَ ٱلَّذِي شَمِلَ كُلَّ شَيْءٍ لأَلْقَيْتُ بِيَدِي،

ـــــــــــ

(وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنِّي) يا رب (مَا قَدْ عَلِمْتَ) من أنواع الإساءة والعصيان (وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي) فإن الإنسان لا يعرف كم أذنب ولا كيف بالدقة والتفصيل بخلافه سبحانه (فَيَا سَوْأَتٰا) السوءة كل عمل قبيح يوجب إساءة الإنسان وحزنه و (يا) حرف نداء مناداه (القوم) المحذوف، أي: يا قوم أنعى إليكم سوءتي، وألف (سوأتا) عوض ياء المتكلم المحذوف، أو المراد: يا سوءتي احضري فهذا وقتك، نحو يا للعجب (مِمَّا أَحْصَاهُ عَلَيَّ كِتَابُكَ) المراد: الكتاب الذي يكتبه الملكان، ومما أحصاه، ما كتبه، من أنواع الآثام (فَلَوْلاَ الْمَوَاقِفُ ٱلَّتِي أُؤمِّلُ مِنْ عَفْوِكَ) أي: محلات عفوك عن المذنبين كأيام شهر رمضان وليالي الجمعات، وسائر الأوقات المباركات، وعند الدعاء، ومواقف العفو في القيامة، وما أشبه (ٱلَّذِي شَمِلَ) ذلك العفو (كُلَّ شَيْءٍ لأَلْقَيْتُ بِيَدِي) يقال: ألقى بيده، إذا استسلم ومدّ يده نحو المحذور ضارعاً، والمراد: يأست عن نجاتي، كما ييأس الملقي يده إلى خصمه بعد يأسه عن قدرة إنقاذ نفسه.

ـــــــــــ

وَلَوْ أَنَّ أَحَداً ٱسْتَطَاعَ الْهَرَبَ مِنْ رَبِّهِ لَكُنْتُ أَنَا أَحَقُّ بِالْهَرَبِ، وَأَنْتَ لاَ تَخْفَىٰ عَلَيْكَ خَافِيَةٌ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَاءِ إِلاَ أَتَيْتَ بِهَا، وَكَفَىٰ بِكَ جَازِياً، وَكَفَىٰ بِكَ حَسِيباً، أَللّهُمَّ إِنَّكَ طَالِبِي إِنْ أَنَا هَرَبْتُ، وَمُدْرِكِي إِنْ أَنَا فَرَرْتُ، فَهَا أَنَا ذَا بَيْنَ يَدَيْكَ خَاضِعٌ ذَلِيْلٌ رَاغِمٌ إِنْ تُعَذِّبْنِي فَإِنِّي لِذَلِكَ أَهْلٌ، وَهُو يَا رَبِّ مِنْكَ عَدْلٌ، وَإِنْ تَعْفُ عَنِّي فَقَدِيماً شَمَلَنِي عَفْوُكَ وَأَلْبَسْتَنِي عَافِيَتَكَ،

ـــــــــــ

(وَلَوْ أَنَّ أَحَداً ٱسْتَطَاعَ الْهَرَبَ) والفرار (مِنْ رَبِّهِ) وخالقه (لَكُنْتُ أَنَا أَحَقُّ بِالْهَرَبِ) لكثرة آثامي وذنوبي (وَأَنْتَ لاَ تَخْفَىٰ عَلَيْكَ خَافِيَةٌ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَاءِ) إنما جيء بالخافية مؤنثاً، لأنها صفة لـ[عين] محذوفة، أو لـ[صفة] محذوفة، أي: عين مخفية، أو صفة مخفية (إِلاَ أَتَيْتَ بِهَا) أي: جئت بتلك الخافية للمحاسبة، أو المراد إتيانها في علمك واطلاعك (وَكَفَىٰ بِكَ) يا رب (جَازِياً) أي: تجزي على كل عمل (وَكَفَىٰ بِكَ حَسِيباً) أي: محاسباً لأعمال عبادك، فلا تحتاج في الجزاء والحساب إلى معاونة أحد أو شيء تستعين به من الآلات والأدوات (أَللّهُمَّ إِنَّكَ طَالِبِي) أي: تطلبني (إِنْ أَنَا هَرَبْتُ) وفررت، بأن بنيت محلاً محكماً في جبل وما أشبه، فراراً عن الموت ولقائك (وَمُدْرِكِي) أي: تدركني وتصل إليّ، والمراد وصول إرادته وقضائه تعالى (إِنْ أَنَا فَرَرْتُ) منك، والفرار كالهرب في الكيفية (فَهَا أَنَا ذَا بَيْنَ يَدَيْكَ) أي: في مقابلك (خَاضِعٌ ذَلِيْلٌ رَاغِمٌ) أي: لاصق بالرغام ـ وهو التراب ـ تذللاً (إِنْ تُعَذِّبْنِي فَإِنِّي لِذَلِكَ) العذاب (أَهْلٌ) لسوء فعلي (وَهُو) أي: تعذيبي (يَا رَبِّ مِنْكَ عَدْلٌ) لاستحقاقي العقاب (وَإِنْ تَعْفُ عَنِّي فَقَدِيماً) أي: من القدم (شَمَلَنِي عَفْوُكَ) حيث أذنبت كثيراً فعفوت عني ولم تؤاخذني (وَأَلْبَسْتَنِي عَافِيَتَكَ) عن العذاب.

ـــــــــــ

فَأَسْأَلُكَ أَللَّهُمَّ بِالْمَخْزُونِ مِنْ أَسْمَائِكَ وَبِمَا وَارَتْهُ الْحُجُبُ مِنْ بَهَائِكَ، إِلاَّ رَحِمْتَ هٰذِهِ ٱلنَّفْسَ الْجَزُوعَةَ وَهٰذِهِ ٱلرِّمَّةَ الْهَلُوعَةَ ٱلَّتِي لاَ تَسْتَطيِعُ حَرَّ شَمْسِكَ، فَكَيْفَ تَسْتَطِيعُ حَرَّ نَارِكَ؟ وَٱلَّتِي لاَ تَسْتَطِيعُ صَوْتَ رَعْدِكَ، فَكَيْفَ تَسْتَطِيعُ صَوْتَ غَضَبِكَ؟،

ـــــــــــ

(فَأَسْأَلُكَ أَللَّهُمَّ بِالْمَخْزُونِ) أي: المحفوظ (مِنْ أَسْمَائِكَ) وهو الاسم الأعظم الذي لا يطلع عليه أحد، الذي إذا دعي به سبحانه أجاب (وَبِمَا وَارَتْهُ) أي: أخفته (الْحُجُبُ) تشبيهاً بالحجاب الذي يجعله الملك على بابه لئلا يبذل للأعين فتسقط هيبته (مِنْ بَهَائِكَ) أي: رفعتك، فإن ذاته وصفاته تعالى مخفية للناس (إِلاَّ رَحِمْتَ هٰذِهِ ٱلنَّفْسَ الْجَزُوعَةَ) أي: الكثيرة الجزع والفزع عند وصول المكروه إليها (وَهٰذِهِ ٱلرِّمَّةَ) أي: العظام المندرسة البالية (الْهَلُوعَةَ) أي: الكثيرة الهلع وهو بمعنى الفزع، قالوا وتفسير الهلع في قوله سبحانه: ﴿إن الإنسان خلق هلوعاً إذا مسه الشر جزوعاً وإذا مسه الخير منوعاً﴾ [3] (ٱلَّتِي لاَ تَسْتَطيِعُ حَرَّ شَمْسِكَ) وتتأذى به (فَكَيْفَ تَسْتَطِيعُ حَرَّ نَارِكَ) في جهنم؟ (وَٱلَّتِي لاَ تَسْتَطِيعُ صَوْتَ رَعْدِكَ) لأنه يخاف من الصوت إذا اشتد (فَكَيْفَ تَسْتَطِيعُ) استماع (صَوْتَ غَضَبِكَ) فإن جهنم تزفر، والملائكة الغلاظ الشداد يصيحون إلى غير ذلك من الأصوات المهولة التي تنشأ من غضبه سبحانه على الكافرين والعصاة.

ـــــــــــ

فَٱرْحَمْنِي أَللَّهُمَّ فَإِنِّي ٱمْرُؤٌ حَقِيرٌ، وَخَطَرِي يَسِيرٌ، وَلَيْسَ عَذَابِي مِمَّا يَزِيدُ فِي مُلْكِكَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ، وَلَوْ أَنَّ عَذَابِي مِمَّا يَزِيدُ فِي مُلْكِكَ لَسَأَلْتُكَ ٱلصَّبْرَ عَلَيْهِ، وَأَحْبَبْتُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لَكَ، وَلكِنَّ سُلْطَانَكَ أَللَّهُمَّ أَعْظَمُ، وَمُلْكَكَ أَدْوَمُ مِنْ أَنْ تَزِيدَ فِيهِ طَاعَةُ الْمُطِيعِينَ أَوْ تُنْقِصَ مِنْهُ مَعْصِيَةُ الْمُذْنِبِينَ فَٱرْحَمْنِي يَا أَرْحَمَ ٱلرَّاحِمِينَ، وَتَجَاوَزْ عَنِّي يَا ذَا الْجَلاَلِ وَٱلإِكْرَامِ، وَتُبْ عَلَيَّ إِنَّكَ أَنْتَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ.

ـــــــــــ

 (فَٱرْحَمْنِي أَللَّهُمَّ فَإِنِّي ٱمْرُؤٌ حَقِيرٌ) لا أهمية لي حتى تنتقم مني (وَخَطَرِي) أي: أمري (يَسِيرٌ) فلا عظمة لي ولا أهمية (وَلَيْسَ عَذَابِي مِمَّا يَزِيدُ فِي مُلْكِكَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ) أي: بقدر ثقل ذرة، وهي الهباءة التي ترى في نور الشمس إذا دخل المحل المظلم من كوة أو شبهها (وَلَوْ أَنَّ عَذَابِي مِمَّا يَزِيدُ فِي مُلْكِكَ) أي: لو فرض أنه كان كذلك (لَسَأَلْتُكَ) يا رب (ٱلصَّبْرَ عَلَيْهِ) بأن تعطيني الصبر حتى أصبر على عذابك، فيزيد في ملكك ويرجع النفع إليك (وَأَحْبَبْتُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ) التزيد في الملك (لَكَ) وإن كان بضرري فكنت أقدم نفعك على نفعي (وَلكِنَّ سُلْطَانَكَ أَللَّهُمَّ أَعْظَمُ) من أن يزيد فيه شيء (وَمُلْكَكَ أَدْوَمُ) أي أكثر دواماً (مِنْ أَنْ تَزِيدَ فِيهِ طَاعَةُ الْمُطِيعِينَ أَوْ تُنْقِصَ مِنْهُ مَعْصِيَةُ الْمُذْنِبِينَ) حتى تريد إكماله بالطاعة، أو عدم المعصية، أو العقاب على الذنب، وإذا كنت لا تحتاج يا رب إلى تعذيبي فاعف عني (فَٱرْحَمْنِي يَا أَرْحَمَ ٱلرَّاحِمِينَ، وَتَجَاوَزْ عَنِّي) بالعفو والصفح (يَا ذَا الْجَلاَلِ وَٱلإِكْرَامِ) تقدم معنى اللفظين فيما سبق (وَتُبْ عَلَيَّ) أي: ارجع إلي بإحسانك، فإن التوبة بمعنى الرجوع (إِنَّكَ أَنْتَ ٱلتَّوَّابُ) أي: الكثير الرجوع إلى عبادك المذنبين (ٱلرَّحِيمُ) بخلقك.

ـــــــــــ

[1] ـ إشارة إلى سورة الزمر، آية: 53.

[2] ـ سورة النساء، آية: 48.

[3] ـ سورة المعارج، آية: 19 ـ 21.