مقدمة الكتاب
 
البلاغة

مطابقة للمصدر - كتاب تمام نهج البلاغة - ط أولى - 1414 هـ

تمام نهج
 
 

بِسْمِ اللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيمِ

الحمد لله الذي تفضّل بالخلق أول ما برى، وكرّم آدم وبنيه على كافة الورى، وخصّهم بنفخ روح منه دون سائر ما ذرى، وأنعم برسل من عنده لهداية البريّة، وأنبياء لإنقاذ البشرية، وقادة أبرار لنجاة الإنسانية، ثم أتمّ -سبحانه-، منّته بختم النبوّة بمحمّد، وتكميل الرسالة بالمجتبى أحمد، صلّى وسلم عليه وآله الله الأحد، أكرم خلق الله حسبا، وأشرفهم نسبا، وأطهرهم كسبا، وأحسنهم خلقا، وأعظمهم خلقا، وأقلّهم حنقا، أذهب به من الصدور العداوات الواغرة، وآخى به بين القبائل بعد الحروب الدائرة، وأزال به من بين الأمم والشعوب العصبيات الثائرة، ووضع به عن الفقراء والعبيد الآصار والأغلال، وجعل الإيمان والتقوى ميزان الإكرام والإفضال، وبسط به بين الناس العدل ووسّع للعباد في النّوال.

ولمّا دنا الأجل من المصطفى، وقربت منه المنيّة التي لزمت الورى، وأوشك القدوم على الحياة الأخرى، أمره الله -تعالى- بالوصيّة بالكتاب والعترة، وأوحى إليه وجوب نصب أولياء للأمّة، وتعيين الأئمة حملة راية الهدى بعده، كي لا ينحرف المسلمون بعد موته عن نيّر منهاجهم، ولا ينقلب المؤمنون فور لقائه ربّه على أعقابهم، ولا يفقد الناس عقب ارتحاله من يقيمهم على قويم صراطهم، فكان الأوّل أوّل من آمن، وأسبق من أذعن، وأخلص من أيقن، وأوفى من عاهد، وأكثر من جاهد، وأشجع من جالد، وأعلم من قضى، وأفقه من درى، وأصدق من روى، وليد بيت الله وربيب الرسول، وزوج سيدة النساء فاطمة البتول، والمطعم لوجه الله النازل فيه آية القبول، حيدر الكرّار، وصاحب سيف ذي الفقار، وخفّاق راية الدين في البراري والقفار، فكان هو الوفيّ الأعظم للإسلام، والمخلص الأكبر للنبيّ الهمام، والمثل الأعلى للجود والهشام، الذي حسده المتخلفون عنه في الهدى، والمتعلّمون منه أصول الإيمان والتّقى، والمولّون أدبارهم في سوح الوغى، فتواطؤوا عليه -رغم بيعة الغدير- جهارا، وتنادوا ليسلبوه ثوبا اختصه الله له دثارا، وأهملوا نبيّهم بين يديه لينالوا من الدنيا حطاما قتارا، فتداول الإمرة من ليسوا بالأفضلين ولا الأعلمين ولا الأورعين، وتوارث السلطان من ليسوا بالأعدلين ولا الأفقهين ولا الأجدرين، فاتّخذوا مال الله والمسلمين دُولاً، وعباده المؤمنين خَوَلاً، وكتاب الله المجيد دَخَلاً، وكانوا على الصالحين حربا، وللفاسقين حزبا، وعلى العادلين إلبا، فتوزّعوا فيما بينهم القطائع، وتهافتوا على الدّنيّة كما الإبل الروابع [1]، وارتكبوا في حقّ الإسلام الفظائع، طردوا حبيب الرسول، وأعادوا طريد الرسول، وآذوا بضعته الزهراء البتول.

ولمّا أدركت الأمة ضلالها، وعاد إليها صوابها، وذاقت مرّ الجور من وُلاتها، أجمعت على الرضا ببيعة من تواطأت عليه، واتفقت على قبول إمرة من تظاهرت عليه، وانثال الناس للبيعة كعُرف الضبُع إليه، فساقهم إلى منجاهم، وهداهم إلى محياهم، وضمن فوزهم في أخراهم، حتى تكاتف الجهّال والمنافقون، وتعاضد الأغبياء والمتضرّرون، وتعاون الناكثون والمارقون والقاسطون، فوهن صفّه، وتوانى جنده، وتشتّت أمره، فغمط المتسلّطون أقدارهم، وقهر الجائرون أبرارهم، وامتطى الأشرار أخيارهم، ثم انتهى الأمر إلى تمزّق المسلمين، وتعادي المؤمنين، وتذابح أبناء الدين المبين، فضعُف المسلمون المخلصون، وتجرّأ عليهم الطّغاة الفاسقون، وطمع فيهم أعداء الله الكافرون، فأغاروا على ما تطهّر من رجسهم، واسترقّوا من تحرّروا من ربقهم، واستعبدوا من وُضع عنهم غُلّهم، فكان أول ما ارتكبه الحاسدون من الإثم علّة ما أصاب ظَهْر المسلمين بعدئذٍ من القصم.

وبعد، فقد بقي من أثر سيد البلغاء، وما روي عن زعيم الفصحاء، وما نقل عن أمير المتكلّمين والخطباء، سيّدنا ومولانا علي عليه السلام، ما حدّث به الرواة من دُرر بليغ الكلام، وثبّته المؤرّخون من عقائق المعاني العظام، وحفظوها من الاندثار على مرّ السنين والأيام، حتى توزعت في مختلف أبواب الكتب، واقتطف منها كل كاتب كتب. وذهّب بها مقاله كلّ من تكلّم وخطب، إلى أن كان عصر المبرّز في ميدان العلم والأدب، والفطحل في البلاغة والشّعر والخطب، السيد الرضيّ الشريف النسب، فاختار من جنّة كلام أمير المؤمنين زهرات استطاب ريحها، واقتطع من روضة خطب إمام المتقين مقاطع استحسن بلاغتها، وانتخب من بين ما طالت يده فصولا بهرته فصاحتها، كل ذلك حسب ذوقه الرفيع في الأدب، وعلمه الغزير بأمر شرع الربّ.

ويكفي للتدليل على إذعان الجميع بسبقه، وإقرارهم بعظيم فضله، واعترافهم بعلو منزله، أن نسبوا ما رواه الرضيّ في « نهج البلاغة » إليه، حسدا منهم لعليّ -عليه السلام- في مماته، كما حسده الحاسدون طوال حياته.

فأصبحت مختاراته النفيسة لؤلؤة تزيّن كلام كل أديب، وأضحت مقتطفاته القيّمة حياة لكل ذي قلب ولبيب، وتلذّذ بالتبحّر في معاني كلماتها كل محقق ونقيب، فجزاه الله خير الجزاء بما خدم الإسلام خدمة جدّ جليلة، وأبقى للمسلمين بعد القرآن خير ذخيرة، وأثابه بها جنات عدنٍ وجوار محمد وعترته أفضل جيرة.

وبعد أن أحرقت جحافل المغول والتتار، وعساكر أرباب الجهل وأضداد الأنوار، وجنود حكومات الطغيان ودُول البوار، مكتبات بغداد والموت والقاهرة، وطرابلس وبلاد جبل عاملة [2]، وأتلفت مئات الألوف من ثمينات الكتب، وأحرقت قيّمات كنوز العلم والأدب، وأبادت ما دَوّن من الروايات العلماءُ والشُّيُب، فقد تعذّر على اللاّحقين من عشّاق درر كلام عليّ الوصول إلى كلّ منابع الروايات المذكورة في « نهج البلاغة »، وعجزت أيدي اللاهثين لنيل جواهر علومه عن تناوش كلّ مراجع تلك الأحاديث المرويّة، وقام كل باحث مخلص مثابر بجهد جهيد في سبيل الاقتراب من أسانيد « نهج البلاغة »، وتجميع ما حذفه السيد الشريف الرضي –رضوان الله عليه- من الخطب والكلمات المأثورة. ولقد قامت تلك المستدركات -بفعل العناء المضني لمؤلفيها- على أكمل وجه بالدور المبتغى منها، ووفّرت على المحققين كثيرا من الجهد والعناء، فجزى الله أصحابها خير الجزاء.

لكني -وأنا أقل خدّام شرع الله الديّان- رأيت أنه ينبغي محاولة استخراج النصوص الكاملة -قدر الإمكان-، عبر الاستعانة بالمصادر والمراجع عند أرباب علم الحديث الموثوقين، والاسترشاد بما توصّل إليه الشرّاح والمستدركون، دون الخروج عمّا أورده سيدنا الرضيّ، والابتعاد عن سياق ما اقتطفه باختياره الذكيّ، [3] حتى يقترب القارئ -قدر المستطاع- من خطاب مولانا عليّ، ويتصور نفسه من الجالسين تحت منبره مستمعا كلامه فوق البشريّ، وهكذا يعيش أجواء عهد أمير المؤمنين عليه السلام، ويرى نفسه مخاطبا بما نطق في خطبه الجليلة وكلماته العظام.

ولقد انتظرت كثيرا من يبادر إلى هذا العمل الجليل المخصوص، بأفضل الوجوه وأكمل النصوص، لكن رغم مضي السّنين، والسؤال من جميع المعتنين، وجدت أن أحدا لم يبدأ بهذا العمل، ولم يشرع بولوج هذا الباب الأجلّ، فتوكلت على الله الموفّق المعين، واستمددت من مقام مولانا أمير المؤمنين، فدخلت في هذا البحر الذي لا يدرك قعره، طامعا بالعون الربّاني لتدارك عجزي عن خوض غمار بحره، وآملا مدد السماء لإنجاز خدمة نحو خير الخليقة بعد خاتم النبوّة محمّد عنده، وكان من مظاهر لطفه -تعالى- تفتّح الأبواب أمامي، ومن تجلّيات عونه تهافت وصول النّصح من المخلصين لي، وتقديمهم كل ما يعينني على إكمال عملي، وأخصّ بالذكر السابقين المعاصرين في هذا المضمار، والمتبحّرين في بحر نهج البلاغة الزّخّار، والضليعين في التنقيب عن مصادر النهج وتثبيتها، والمتخصصين في توثيق نصوصه وتصحيحها، العلاّمة الشيخ محمد باقر المحمودي صاحب كتاب « نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة »، والعلاّمة السيد عبد الزهراء الحسيني الخطيب مؤلف كتاب « مصادر نهج البلاغة وأسانيده » -حفظهما الله جلّ جلاله-، فقد جادا عليّ بعصارة تجربتهما، وسخيا عليّ بخلاصة خبرتهما، وأفاضا عليّ بأفضل نصيحتهما، وكذلك آية الله خزعلي عضو مجلس الخبراء ومجلس صيانة الدستور في إيران، والشيخ حسن سعيد مؤسس مكتبة مسجد جامع طهران، والدكتور أسعد علي الأستاذ في جامعة دمشق الذين أعاروني نسخا خطية قيّمة أفادتني كثيرا في إزالة الأخطاء الواردة والنواقص الموجودة في النّسخ المتداولة، لهم ولغيرهم من الناصحين أسأل الله الأجر والثواب، ومن أمير المؤمنين ساقي الحوض أرجو لهم ولي الشفاعة يوم الحساب.

ولقد اكتشفت أثناء البحث الدقيق عن تكملات خطب وكلمات « نهج البلاغة » اختلافا في نصوصه ناتجا عن خطأ النسّاخ في العصر الغابر، وبسبب أخطاء الطبعات في الزمان الحاضر، فقمت بمقابلة النّسخ المطبوعة في زماننا، والمخطوطة الموجودة بين أيدينا، وثبّتّ ما سقط من إحداها، وصحّحت الخطأ الوارد فيها، وعند عدم التيقّن من صحّة إحدى الكلمات، دوّنت ما ورد بأكثر النصوص في المتون وجعلت الآخر في الهامشات، تسهيلا للمطالع المحقق والقارئ المستفيد ومغنيا لهما عن التفتيش بين النّسخات، والحيرة في اختيار الصحيح من الكلمات.

والنسخ التي تمّت مقابلتها هي:-

01- نسخة مخطوطة عام 400 هـ ( لم نجد إسم كاتبها ) موجودة في المكتبة الظاهرية في دمشق تحت الرقم 6778.

02- نسخة مخطوطة موجودة في مكتبة الإمام الرضا عليه السلام في مشهد المقدسة تحت الرقم 11736، وهي منسوخة عن نسخة الشريف الرضي في حياته.

03- نسخة مخطوطة بيد فضل بن مطهّر الحسيني عام 494 هـ، وهي موجودة في مكتبة الدكتور صدر الدين نصيري في طهران.

04- نسخة مخطوطة عام 601 هـ موجودة في مكتبة آية الله حسن زاده آملي في مدينة قم المقدسة.

05- نسخة ابن المؤدب المخطوطة عام 499 هـ والموجودة في مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي ( قده ) في مدينة قم.

06- نسخة الأسترابادي المخطوطة عام 1130 هـ والموجودة في المكتبة الظاهرية في دمشق تحت الرقم 6166.

07- نسخة إبن أبي الحديد / تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم.

08- نسخة ابن ميثم البحراني.

09- نسخة الشيخ محمد عبده.

10- نسخة الشيخ صبحي الصالح.

وعلى صعيد الشرح، فقد رأيت أن أجمع وأدمج عددا من الشروح المختصرة، لتزيد فائدة القارئ من معاني كلمات أمير المؤمنين حيدرة، ولنحفظ أيضا حقوق من صرفوا جهودا كثيرة في سبيل كشف غوامض كلماته، ونخلّد ذكر من قضوا عمرا ليفسّروا معاني عظاته. وفي هذا الباب تمّ دمج شرح البيهقي الحاوي لشرح الوبري المسمّى « معارج نهج البلاغة »، مع شرح الشيخ محمد عبده، ومعاني الكلمات للشيخ صبحي الصالح.

ولقد كان ديدن مولانا الشريف الرضي –رضوان الله عليه- لتأليف نهج البلاغة اختيار مقاطع وقعت تحت يده مما روي عن أمير المؤمنين من كلمات بديعة، مع تبويب أوّلي على فصول ثلاثة، وهي: الخطب، والكتب، والحكم القصيرة، لكننا نجد جليّا -حين التحقيق- تداخل بعض نصوص كل فصل في متون فصل سبقه أو تلاه، وتكرار بعض آخر مع بون شاسع بين المكررين بسبب سهو المؤلف -وجلّ من ليس بساه-، وعدم عثور المؤلف –رضوان الله عليه- على النصّ التالي إلاّ بعد كتابة الفصول الفاصلة بينهما وتعذّر إلحاقه، أو بسبب اختلاف الرواية كما يؤكده السيد الرضي في أكثر أماكن إيراده. وقد وجدت ضرورة إلحاق اللاّحق بالسابق تسهيلا للقارئ الواله، وتصحيحا لما لم يتيسّر للشريف الرضي وضعه في الباب المخصص له. ولهذا السبب فقد تغيّر التبويب والترتيب هنا عمّا هو في نسخ النهج المتداولة، وصار الباب الأول من هذا الكتاب يشتمل على ما صدر عنه -عليه السلام- بالشّفة واللّسان، والباب الثاني يتضمّن ما كتبه -عليه السلام- بالقلم والبنان [4]، وألغي باب الحكم لكونها أجزاء من بعض الوصايا والخطب، حسب كثير من المصادر والكتب. وسمّيت ما رتّبت « تمام نهج البلاغة » لاحتوائه على تمام ما أورد مولانا الرضيّ جلّه، ممّا أمكن العثور عليه استنادا إلى المصادر والقرائن والأدلّة.

ولكي يسهل على المطالع معرفة ما هو من « نهج البلاغة » مما أضيف إليه من مراجعه ومصادره، فقد كتبت نصّ النهج بالحرف الأسود البادر، ورتّبت التكملات بحرف آخر جليّ نافر، ووضعت علامة (*) للتدليل على أن الكلمة التي بذيلها هي نسخة بدل عما ورد في المتن ليظهر أمام الباحث كل منهما دون شقاء، وقد حدث أن وجدت من الضروري إضافة حرف أو كلمة لم أجدهما في أيّ من المصادر، فوضعتهما بين علامتي [ ] ليبدو ذلك للمحقق المبادر، وعند ما يتغيّر مكان نص عمّا هو مرتّب في النهج، فإنّي أشير إلى رقم ترتيبه كي لا يجد المنقّب أي صعوبة وحرج، ولقارئ نسخة النهج المتداولة وضعت دليلا ليعرف بكل سهولة قبل وبعد ما يريد في « تمام نهج البلاغة ».

وقد وجدت من غير الممكن عمليا إلحاق أسانيد ما ورد في هذا الكتاب بالنصوص، وتوثيق ما زاد عن « نهج البلاغة » المنصوص، لكثرة المصادر التي راجعتها، وعدم حاجة أكثر القرّاء إليها، لكنّي –بعون الله العلي القدير- أعد أرباب التمحيص والتحقيق، وأصحاب البحث والتدقيق، أن يلحق الكتاب -في أقرب وقت ممكن- نسخة فيها توثيق ما أضيف من التكميلات، وطبعة فيها مراجع ما ذكر من التصحيحات، ليطمئن قلب المؤمن، ويؤمن قلب غير الموقن.

ورغم أنّي قمت بما يمكن عمله لأجل إزالة كل خطأٍ وغفل، وأعانني على ذلك إخوة متضلّعون في هذا الحقل، واستخدمت لذلك أحدث الوسائل المتاحة، وأجدّ التقنيات في الساحة، لكنني لا أدّعي الوصول إلى مبتغاي كاملا، ولا أزعم نيل مقصدي تماما، وأكون شاكرا لكل من يهدي إليّ ما يكتشف من النقائص والأخطاء، وأبقى ممتنّا لكل من يتحفني بما يعثر عليه من زلّة الكتابة والإملاء، كي نزيلها في الطبعات التالية، فيتداول الناس -بتوفيق الباري تعالى- نسخة صحيحة باقية، فيعتمدون عليها في استناداتهم، ويرجعون إليها في اجتهاداتهم.

وقبل ختم مقدّمتي أرى من الواجب ذكر من له عليّ حق الوجود والتربية، وشكر من منه منشأ كياني والتنمية، وثناء من به كان تولّدي والتغذية، آية الله العلاّمة في علم الفقه والشريعة النبويّة، والدي السيد محمّد باقر الموسوي الشيرازي أدام الباري عليّ ظلاله الأبوية، نزيل مشهد الرضا عليه وعلى آبائه أتمّ الصلاة وأفضل التحية. ولابدّ من شكر من ساهم في إخراج عملي، صديقي القديم ونديمي الوفيّ، الشيخ محمّد حسن أختري حجة الإسلام، سفير دولة القرآن وجمهورية الإسلام، قدّس الله نفس مؤسسها روح الله ونائب المهديّ الإمام.

وأسأل الله العفو الرحيم أن يغفر زللي، ولا يؤاخذني بسوء عملي، ويجعل كتابي شفيعي يوم الدين عند عليّ، فإن شفاعته بغيتي وغاية أملي، وبها أضمن الفوز بالجنان والمقام العلي.

المتشرّف بالانتساب إلى سيد العرب والعجم

والطامع في لقياه يوم الحشر الأعظم

السيد صادق الموسوي

بيروت في : 13، رجب، 1413 هـ

ذكرى مولد أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام

 

 

 

بِسْمِ اللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيمِ

الحمد لله الذي تفضّل بالخلق أول ما برى، وكرّم آدم وبنيه على كافة الورى، وخصّهم بنفخ روح منه دون سائر ما ذرى، وأنعم برسل من عنده لهداية البريّة، وأنبياء لإنقاذ البشرية، وقادة أبرار لنجاة الإنسانية، ثم أتمّ -سبحانه-، منّته بختم النبوّة بمحمّد، وتكميل الرسالة بالمجتبى أحمد، صلّى وسلم عليه وآله الله الأحد، أكرم خلق الله حسبا، وأشرفهم نسبا، وأطهرهم كسبا، وأحسنهم خلقا، وأعظمهم خلقا، وأقلّهم حنقا، أذهب به من الصدور العداوات الواغرة، وآخى به بين القبائل بعد الحروب الدائرة، وأزال به من بين الأمم والشعوب العصبيات الثائرة، ووضع به عن الفقراء والعبيد الآصار والأغلال، وجعل الإيمان والتقوى ميزان الإكرام والإفضال، وبسط به بين الناس العدل ووسّع للعباد في النّوال.

ولمّا دنا الأجل من المصطفى، وقربت منه المنيّة التي لزمت الورى، وأوشك القدوم على الحياة الأخرى، أمره الله -تعالى- بالوصيّة بالكتاب والعترة، وأوحى إليه وجوب نصب أولياء للأمّة، وتعيين الأئمة حملة راية الهدى بعده، كي لا ينحرف المسلمون بعد موته عن نيّر منهاجهم، ولا ينقلب المؤمنون فور لقائه ربّه على أعقابهم، ولا يفقد الناس عقب ارتحاله من يقيمهم على قويم صراطهم، فكان الأوّل أوّل من آمن، وأسبق من أذعن، وأخلص من أيقن، وأوفى من عاهد، وأكثر من جاهد، وأشجع من جالد، وأعلم من قضى، وأفقه من درى، وأصدق من روى، وليد بيت الله وربيب الرسول، وزوج سيدة النساء فاطمة البتول، والمطعم لوجه الله النازل فيه آية القبول، حيدر الكرّار، وصاحب سيف ذي الفقار، وخفّاق راية الدين في البراري والقفار، فكان هو الوفيّ الأعظم للإسلام، والمخلص الأكبر للنبيّ الهمام، والمثل الأعلى للجود والهشام، الذي حسده المتخلفون عنه في الهدى، والمتعلّمون منه أصول الإيمان والتّقى، والمولّون أدبارهم في سوح الوغى، فتواطؤوا عليه -رغم بيعة الغدير- جهارا، وتنادوا ليسلبوه ثوبا اختصه الله له دثارا، وأهملوا نبيّهم بين يديه لينالوا من الدنيا حطاما قتارا، فتداول الإمرة من ليسوا بالأفضلين ولا الأعلمين ولا الأورعين، وتوارث السلطان من ليسوا بالأعدلين ولا الأفقهين ولا الأجدرين، فاتّخذوا مال الله والمسلمين دُولاً، وعباده المؤمنين خَوَلاً، وكتاب الله المجيد دَخَلاً، وكانوا على الصالحين حربا، وللفاسقين حزبا، وعلى العادلين إلبا، فتوزّعوا فيما بينهم القطائع، وتهافتوا على الدّنيّة كما الإبل الروابع [1]، وارتكبوا في حقّ الإسلام الفظائع، طردوا حبيب الرسول، وأعادوا طريد الرسول، وآذوا بضعته الزهراء البتول.

ولمّا أدركت الأمة ضلالها، وعاد إليها صوابها، وذاقت مرّ الجور من وُلاتها، أجمعت على الرضا ببيعة من تواطأت عليه، واتفقت على قبول إمرة من تظاهرت عليه، وانثال الناس للبيعة كعُرف الضبُع إليه، فساقهم إلى منجاهم، وهداهم إلى محياهم، وضمن فوزهم في أخراهم، حتى تكاتف الجهّال والمنافقون، وتعاضد الأغبياء والمتضرّرون، وتعاون الناكثون والمارقون والقاسطون، فوهن صفّه، وتوانى جنده، وتشتّت أمره، فغمط المتسلّطون أقدارهم، وقهر الجائرون أبرارهم، وامتطى الأشرار أخيارهم، ثم انتهى الأمر إلى تمزّق المسلمين، وتعادي المؤمنين، وتذابح أبناء الدين المبين، فضعُف المسلمون المخلصون، وتجرّأ عليهم الطّغاة الفاسقون، وطمع فيهم أعداء الله الكافرون، فأغاروا على ما تطهّر من رجسهم، واسترقّوا من تحرّروا من ربقهم، واستعبدوا من وُضع عنهم غُلّهم، فكان أول ما ارتكبه الحاسدون من الإثم علّة ما أصاب ظَهْر المسلمين بعدئذٍ من القصم.

وبعد، فقد بقي من أثر سيد البلغاء، وما روي عن زعيم الفصحاء، وما نقل عن أمير المتكلّمين والخطباء، سيّدنا ومولانا علي عليه السلام، ما حدّث به الرواة من دُرر بليغ الكلام، وثبّته المؤرّخون من عقائق المعاني العظام، وحفظوها من الاندثار على مرّ السنين والأيام، حتى توزعت في مختلف أبواب الكتب، واقتطف منها كل كاتب كتب. وذهّب بها مقاله كلّ من تكلّم وخطب، إلى أن كان عصر المبرّز في ميدان العلم والأدب، والفطحل في البلاغة والشّعر والخطب، السيد الرضيّ الشريف النسب، فاختار من جنّة كلام أمير المؤمنين زهرات استطاب ريحها، واقتطع من روضة خطب إمام المتقين مقاطع استحسن بلاغتها، وانتخب من بين ما طالت يده فصولا بهرته فصاحتها، كل ذلك حسب ذوقه الرفيع في الأدب، وعلمه الغزير بأمر شرع الربّ.

ويكفي للتدليل على إذعان الجميع بسبقه، وإقرارهم بعظيم فضله، واعترافهم بعلو منزله، أن نسبوا ما رواه الرضيّ في « نهج البلاغة » إليه، حسدا منهم لعليّ -عليه السلام- في مماته، كما حسده الحاسدون طوال حياته.

فأصبحت مختاراته النفيسة لؤلؤة تزيّن كلام كل أديب، وأضحت مقتطفاته القيّمة حياة لكل ذي قلب ولبيب، وتلذّذ بالتبحّر في معاني كلماتها كل محقق ونقيب، فجزاه الله خير الجزاء بما خدم الإسلام خدمة جدّ جليلة، وأبقى للمسلمين بعد القرآن خير ذخيرة، وأثابه بها جنات عدنٍ وجوار محمد وعترته أفضل جيرة.

وبعد أن أحرقت جحافل المغول والتتار، وعساكر أرباب الجهل وأضداد الأنوار، وجنود حكومات الطغيان ودُول البوار، مكتبات بغداد والموت والقاهرة، وطرابلس وبلاد جبل عاملة [2]، وأتلفت مئات الألوف من ثمينات الكتب، وأحرقت قيّمات كنوز العلم والأدب، وأبادت ما دَوّن من الروايات العلماءُ والشُّيُب، فقد تعذّر على اللاّحقين من عشّاق درر كلام عليّ الوصول إلى كلّ منابع الروايات المذكورة في « نهج البلاغة »، وعجزت أيدي اللاهثين لنيل جواهر علومه عن تناوش كلّ مراجع تلك الأحاديث المرويّة، وقام كل باحث مخلص مثابر بجهد جهيد في سبيل الاقتراب من أسانيد « نهج البلاغة »، وتجميع ما حذفه السيد الشريف الرضي -رضوان الله عليه- من الخطب والكلمات المأثورة. ولقد قامت تلك المستدركات -بفعل العناء المضني لمؤلفيها- على أكمل وجه بالدور المبتغى منها، ووفّرت على المحققين كثيرا من الجهد والعناء، فجزى الله أصحابها خير الجزاء.

لكني -وأنا أقل خدّام شرع الله الديّان- رأيت أنه ينبغي محاولة استخراج النصوص الكاملة -قدر الإمكان-، عبر الاستعانة بالمصادر والمراجع عند أرباب علم الحديث الموثوقين، والاسترشاد بما توصّل إليه الشرّاح والمستدركون، دون الخروج عمّا أورده سيدنا الرضيّ، والابتعاد عن سياق ما اقتطفه باختياره الذكيّ، [3] حتى يقترب القارئ -قدر المستطاع- من خطاب مولانا عليّ، ويتصور نفسه من الجالسين تحت منبره مستمعا كلامه فوق البشريّ، وهكذا يعيش أجواء عهد أمير المؤمنين عليه السلام، ويرى نفسه مخاطبا بما نطق في خطبه الجليلة وكلماته العظام.

ولقد انتظرت كثيرا من يبادر إلى هذا العمل الجليل المخصوص، بأفضل الوجوه وأكمل النصوص، لكن رغم مضي السّنين، والسؤال من جميع المعتنين، وجدت أن أحدا لم يبدأ بهذا العمل، ولم يشرع بولوج هذا الباب الأجلّ، فتوكلت على الله الموفّق المعين، واستمددت من مقام مولانا أمير المؤمنين، فدخلت في هذا البحر الذي لا يدرك قعره، طامعا بالعون الربّاني لتدارك عجزي عن خوض غمار بحره، وآملا مدد السماء لإنجاز خدمة نحو خير الخليقة بعد خاتم النبوّة محمّد عنده، وكان من مظاهر لطفه -تعالى- تفتّح الأبواب أمامي، ومن تجلّيات عونه تهافت وصول النّصح من المخلصين لي، وتقديمهم كل ما يعينني على إكمال عملي، وأخصّ بالذكر السابقين المعاصرين في هذا المضمار، والمتبحّرين في بحر نهج البلاغة الزّخّار، والضليعين في التنقيب عن مصادر النهج وتثبيتها، والمتخصصين في توثيق نصوصه وتصحيحها، العلاّمة الشيخ محمد باقر المحمودي صاحب كتاب « نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة »، والعلاّمة السيد عبد الزهراء الحسيني الخطيب مؤلف كتاب « مصادر نهج البلاغة وأسانيده » -حفظهما الله جلّ جلاله-، فقد جادا عليّ بعصارة تجربتهما، وسخيا عليّ بخلاصة خبرتهما، وأفاضا عليّ بأفضل نصيحتهما، وكذلك آية الله خزعلي عضو مجلس الخبراء ومجلس صيانة الدستور في ايران، والشيخ حسن سعيد مؤسس مكتبة مسجد جامع طهران، والدكتور أسعد علي الأستاذ في جامعة دمشق الذين أعاروني نسخا خطية قيّمة أفادتني كثيرا في إزالة الأخطاء الواردة والنواقص الموجودة في النّسخ المتداولة، لهم ولغيرهم من الناصحين أسأل الله الأجر والثواب، ومن أمير المؤمنين ساقي الحوض أرجو لهم ولي الشفاعة يوم الحساب.

ولقد اكتشفت أثناء البحث الدقيق عن تكملات خطب وكلمات « نهج البلاغة » اختلافا في نصوصه ناتجا عن خطأ النسّاخ في العصر الغابر، وبسبب أخطاء الطبعات في الزمان الحاضر، فقمت بمقابلة النّسخ المطبوعة في زماننا، والمخطوطة الموجودة بين أيدينا، وثبّتّ ما سقط من إحداها، وصحّحت الخطأ الوارد فيها، وعند عدم التيقّن من صحّة إحدى الكلمات، دوّنت ما ورد بأكثر النصوص في المتون وجعلت الآخر في الهامشات، تسهيلا للمطالع المحقق والقارئ المستفيد ومغنيا لهما عن التفتيش بين النّسخات، والحيرة في اختيار الصحيح من الكلمات.

والنسخ التي تمّت مقابلتها هي:

01- نسخة مخطوطة عام 400 هـ ( لم نجد إسم كاتبها ) موجودة في المكتبة الظاهرية في دمشق تحت الرقم 6778.

02- نسخة مخطوطة موجودة في مكتبة الإمام الرضا عليه السلام في مشهد المقدسة تحت الرقم 11736، وهي منسوخة عن نسخة الشريف الرضي في حياته.

03- نسخة مخطوطة بيد فضل بن مطهّر الحسيني عام 494 هـ، وهي موجودة في مكتبة الدكتور صدر الدين نصيري في طهران.

04- نسخة مخطوطة عام 601 هـ موجودة في مكتبة آية الله حسن زاده آملي في مدينة قم المقدسة.

05- نسخة ابن المؤدب المخطوطة عام 499 هـ والموجودة في مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي ( قده ) في مدينة قم.

06- نسخة الأسترابادي المخطوطة عام 1130 هـ والموجودة في المكتبة الظاهرية في دمشق تحت الرقم 6166.

07- نسخة إبن أبي الحديد / تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم.

08- نسخة ابن ميثم البحراني

09- نسخة الشيخ محمد عبده

10- نسخة الشيخ صبحي الصالح

وعلى صعيد الشرح، فقد رأيت أن أجمع وأدمج عددا من الشروح المختصرة، لتزيد فائدة القارئ من معاني كلمات أمير المؤمنين حيدرة، ولنحفظ أيضا حقوق من صرفوا جهودا كثيرة في سبيل كشف غوامض كلماته، ونخلّد ذكر من قضوا عمرا ليفسّروا معاني عظاته. وفي هذا الباب تمّ دمج شرح البيهقي الحاوي لشرح الوبري المسمّى « معارج نهج البلاغة »، مع شرح الشيخ محمد عبده، ومعاني الكلمات للشيخ صبحي الصالح.

ولقد كان ديدن مولانا الشريف الرضي -رضوان الله عليه- لتأليف نهج البلاغة اختيار مقاطع وقعت تحت يده مما روي عن أمير المؤمنين من كلمات بديعة، مع تبويب أوّلي على فصول ثلاثة، وهي : الخطب، والكتب، والحكم القصيرة، لكننا نجد جليّا -حين التحقيق- تداخل بعض نصوص كل فصل في متون فصل سبقه أو تلاه، وتكرار بعض آخر مع بون شاسع بين المكررين بسبب سهو المؤلف -وجلّ من ليس بساه-، وعدم عثور المؤلف -رضوان الله عليه- على النصّ التالي إلاّ بعد كتابة الفصول الفاصلة بينهما وتعذّر إلحاقه، أو بسبب اختلاف الرواية كما يؤكده السيد الرضي في أكثر أماكن إيراده. وقد وجدت ضرورة إلحاق اللاّحق بالسابق تسهيلا للقارئ الواله، وتصحيحا لما لم يتيسّر للشريف الرضي وضعه في الباب المخصص له. ولهذا السبب فقد تغيّر التبويب والترتيب هنا عمّا هو في نسخ النهج المتداولة، وصار الباب الأول من هذا الكتاب يشتمل على ما صدر عنه -عليه السلام- بالشّفة واللّسان، والباب الثاني يتضمّن ما كتبه -عليه السلام- بالقلم والبنان [4]، وألغي باب الحكم لكونها أجزاء من بعض الوصايا والخطب، حسب كثير من المصادر والكتب. وسمّيت ما رتّبت « تمام نهج البلاغة » لاحتوائه على تمام ما أورد مولانا الرضيّ جلّه، ممّا أمكن العثور عليه استنادا إلى المصادر والقرائن والأدلّة.

ولكي يسهل على المطالع معرفة ما هو من « نهج البلاغة » مما أضيف إليه من مراجعه ومصادره، فقد كتبت نصّ النهج بالحرف الأسود البادر، ورتّبت التكملات بحرف آخر جليّ نافر، ووضعت علامة (*) للتدليل على أن الكلمة التي بذيلها هي نسخة بدل عما ورد في المتن ليظهر أمام الباحث كل منهما دون شقاء، وقد حدث أن وجدت من الضروري إضافة حرف أو كلمة لم أجدهما في أيّ من المصادر، فوضعتهما بين علامتي [ ] ليبدو ذلك للمحقق المبادر، وعند ما يتغيّر مكان نص عمّا هو مرتّب في النهج، فإنّي أشير إلى رقم ترتيبه كي لا يجد المنقّب أي صعوبة وحرج، ولقارئ نسخة النهج المتداولة وضعت دليلا ليعرف بكل سهولة قبل وبعد ما يريد في « تمام نهج البلاغة ».

وقد وجدت من غير الممكن عمليا إلحاق أسانيد ما ورد في هذا الكتاب بالنصوص، وتوثيق ما زاد عن « نهج البلاغة » المنصوص، لكثرة المصادر التي راجعتها، وعدم حاجة أكثر القرّاء إليها، لكنّي -بعون الله العلي القدير- أعد أرباب التمحيص والتحقيق، وأصحاب البحث والتدقيق، أن يلحق الكتاب -في أقرب وقت ممكن- نسخة فيها توثيق ما أضيف من التكميلات، وطبعة فيها مراجع ما ذكر من التصحيحات، ليطمئن قلب المؤمن، ويؤمن قلب غير الموقن.

ورغم أنّي قمت بما يمكن عمله لأجل إزالة كل خطإ وغفل، وأعانني على ذلك إخوة متضلّعون في هذا الحقل، واستخدمت لذلك أحدث الوسائل المتاحة، وأجدّ التقنيات في الساحة، لكنني لا أدّعي الوصول إلى مبتغاي كاملا، ولا أزعم نيل مقصدي تماما، وأكون شاكرا لكل من يهدي إليّ ما يكتشف من النقائص والأخطاء، وأبقى ممتنّا لكل من يتحفني بما يعثر عليه من زلّة الكتابة والإملاء، كي نزيلها في الطبعات التالية، فيتداول الناس -بتوفيق الباري تعالى- نسخة صحيحة باقية، فيعتمدون عليها في استناداتهم، ويرجعون إليها في اجتهاداتهم.

وقبل ختم مقدّمتي أرى من الواجب ذكر من له عليّ حق الوجود والتربية، وشكر من منه منشأ كياني والتنمية، وثناء من به كان تولّدي والتغذية، آية الله العلاّمة في علم الفقه والشريعة النبويّة، والدي السيد محمّد باقر الموسوي الشيرازي أدام الباري عليّ ظلاله الأبوية، نزيل مشهد الرضا عليه وعلى آبائه أتمّ الصلاة وأفضل التحية. ولابدّ من شكر من ساهم في إخراج عملي، صديقي القديم ونديمي الوفيّ، الشيخ محمّد حسن أختري حجة الإسلام، سفير دولة القرآن وجمهورية الإسلام، قدّس الله نفس مؤسسها روح الله ونائب المهديّ الإمام.

وأسأل الله العفو الرحيم أن يغفر زللي، ولا يؤاخذني بسوء عملي، ويجعل كتابي شفيعي يوم الدين عند عليّ، فإن شفاعته بغيتي وغاية أملي، وبها أضمن الفوز بالجنان والمقام العلي. 

المتشرّف بالانتساب إلى سيد العرب والعجم

والطامع في لقياه يوم الحشر الأعظم

السيد صادق الموسوي

بيروت في : 13، رجب، 1413 هـ

ذكرى مولد أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام

 
 

[1] الإبل الروابع : التي تحبس عن الماء ثلاثة أيام وترِد في اليوم الرابع.

[2] لقد اتخذ هلاكو من الكتب الموجودة يومئذ في خزائن بغداد جسرا على نهر دجلة يعبر عليه جنوده، وأمر بإحراق ما تبقّى منها. وقد بلغ ما استطاع الشيخ نصير الدين الطوسي رضوان الله عليه جمعه من فلول تلك الكتب أربعمائة ألف مجلد استودعها في مكتبة مراغة. وأحرق الصليبيون الإفرنج أثناء احتلالهم لطرابلس الشام حوالي ثلاثة ملايين كتاب. وقد أحرق أيضا القادر بالله في العام 420 هـ خمسين حملا من الكتب، ما خلا كتب المعتزلة والباطنية والشيعة. وأحرق الأعراب من بني عامر دارّين للكتب في البصرة، وكان بها نفائس الكتب وأعيانها. وفي القاهرة أحرق الأيوبيون الكتب المتكدسة بالنار، وتركوا بعضها في الصحراء فسفت عليها الرياح حتى صارت تلالا عرفت بتلال الكتب، واتخذ العبيد من جلودها نعالا. ولقد جعل الجزّار احمد باشا من كتب العلماء في بلاد جبل عامل حطبا لأفران مدينة عكّا طيلة سبعة أيام. هذا عدا ما سرقه وأخفاه في الخزائن المحكمة الأبواب أعداء الإسلام الأروبيون، ومبغضو أهل البيت العثمانيون، من نوادر الكتب القيمة، مبعدينها عن أعين عشّاق العلم والمعرفة ومحتكرينها للاستفادة منها وحدهم.

[3] لقد التزمت بهذه القاعدة إلاّ في حالات نادرة جدا يدرك القارئ أهميتها حين مشاهدتها.

[4] يضمّ الباب الأول فصول الخطب، الكلمات، الوصايا والأدعية. ويحتوي الباب الثاني على فصول الكتب، العهود، الأحلاف، الوصايا والتوقيعات.